سلوكيات خلف الإنتريت
الجبان الديجيتالي!

محمد عبد المجيد في الجمعة ١٣ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

شغلني كثيرا أمر الجبان الديجيتالي الذي يختبيء خلف الكيبورد، ويأتي إلى موضوع يختلف مع كاتبه عن فحواه فيسبُّه ويلعنه، ثم يذهب إلى فراشه غارقا في خيال مريض من المتعة الحرام.

الجيان يبحث عن اللغة واللسان والقلب والجرأة والمنطق فلا يعثر إلا على فتات كلمات طفت على نفسه السقيمة فلما جمعها تكونت منها شتائم بذيئة.
الجبان الديجيتالي هو الذي يسيء لي ولك ولنا من خلال عجزه عن النقاش والحوار فضلا عن فهم ما يهدف إليه الموضوع فلا يعثر إلا على فضلات لغة فيبعثرها على الشاشة الصغيرة، ثم يهلل لنفسه ولغــُــرّزييه، فقد انتصر، وهزم غريمه بالسقطة اللسانية.

الجبان قد لا يعرفك، لكنه يقتحم عليك مقالك أو أدبك أو شعرك أو حوارك أو تعقيبك أو تحليلاتك فيسب أمَّك ويلعن أباك ويستخرج من جوف النفس النتنة كلمات يخجل منها المـُـعجم فتؤذي عينيك وأذنيك لمجرد أنه يختلف معك.
الجبان الديجيتالي يظن أنه قريب من الله لكنه ملتصق بالشيطان، فيدعو عليك، ويتمنى على الله أن تتخلص منك البشرية، وأن يكون الجحيم مقرك النهائي في الآخرة والأولى.
الجبان حالة مرضية وكلنا مررنا بهم أو مروا علينا كأن إعصاراً من مياه الصرف الصحي هبَّت امام أنفك أو ضربت عينيك.

من أين يأتي هؤلاء؟
أي تربية تلقوها في البيت والشارع والمدرسة والعمل ودور العبادة؟
لا أبالغ إذا قلت بأن هذا الموضوع شغلني سنوات طويلة، والغريب أن هذا الجبان يرفض الحوار أو المناقشة أو الإشارة لما تختلفان عليه، ولا تعرف دينه أو مذهبه أو توجهاته أو جنسيته ، وليس بينك وبينه ثأر، لكنه تجشأ حروفاً متصادمة فبدت كبحيرة ماء آسن أخضر، تموت من رائحتها النباتات.

الجبان الديجيتالي ينتقم منك دون سابق معرفة، لقد تعلــَّـم في البيت وفي دار العبادة وفي كل الأماكن التي يرتادها أن الذي يخالفه حشرة ينبغي دهسها.
الجبان الديجيتالي جاهل بأصول العلاقات الاجتماعية، مليء بالكراهية لنفسه، مشكوك في سلامة طفولته، يجلس أمام لابتوبه ويشمِّر عن ساعديه، ثم يبحث عمن يخالفه الرأي الديني أو السياسي أو الفكري في أي شيء حتى لو كان الحديثُ عن المرأة والحروب والكيماوي والقاعدة وبوتين والمذهب والطائفة، بعدها يتقيأ من جوفه أفكاراً.. ومن لسانه كلمات.

الجبان الديجيتالي يقرأ لك فيلهث بعد السطر الثالث، ثم يدخل معركته دفاعا عن زعيم أو جنرال أو مرشد أو أمير أو فرقة أو مذهب أو جماعة أو مطرب أو حرامي أو سجين هارب أو جاسوس أو ديكتاتور !
الجبناء الديجيتاليون احتلوا الإنترنيت والبريد الالكتروني والتويتر والفيسبوك ومواقع نشر الحوارات الطائفية، وهم متشابهون في جهلهم وتخلفهم وحماقاتهم وبلاهاتهم وسلاطة ألسنتهم كأنهم جميعوا سقطوا من بطن شيطانة، ورضعوا من ثدييها حليب الأبالسة.

جراد عرمرم يأكل الأخضر واليابس اقتحم علينا سلامنا في تبادل المعرفة فجعلونا نهجر مئات المواقع والمنتديات التي يعيثون فيها فساداً.
الجبان الديجيتالي نقطة سوداء تتدنس بها شاشاتنا ، وترتبك منها أفكارنا، وتقرف منها نفوسنا العفيفة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 12 سبتمبر 2013

اجمالي القراءات 8062