هذا الاعلان الدستورى المصرى ينصّ على شريعة الوهابية وليس على شريعة الاسلام ( 4 )
المبدأ الثالث من مبادىء الشريعة الاسلامية : الحرية المطلقة فى الدين

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٧ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قلنا إنّ مبادىء للشريعة الاسلامية هى : (1 ) المساواة ،و(2 ) الديمقراطية المباشرة أو الحرية السياسية وحّكم الشعب ، وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة فى الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) حق الحياة ، و (6) التخفيف والتيسير فى إصدار التشريعات .   ونتوقف الان مع المبدأ الثالث : الحرية المطلقة فى الدين .

 أولا : يكفى الكافر ما ينتظره من عذاب خالد يوم الدين

1 ـ فى موقعنا أهل القرآن باب للفتاوى تحت عنوان ( فاسألوا أهل الذكر ) . وجاءنى هذا السؤال ، وهو مناسب لموضوعنا، أذكره وأرد عليه:( أرجو منك ..أن تفسر سورة الحاقة. أنا من اشد المتأثرين بأسلوب فهمك للقرآن الكريم وقد أصبحت أفهم الآيات الكريمة بطريقة مختلفة عن النمط الذي تعلمناه بالمدارس. أما السبب في طلبي فقد لفت انتباهي الطريقة الرهيبة التي سيُعذّب فيها الذي لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين. أن الله رؤوف رحيم وهذا العذاب الشديد لا يستطيع عقلي استيعابه من أرحم الراحمين. ).  

2 ـ إن المقابل فى الحرية الدينية المطلقة هى النعيم الخالد المُطلق أو العذاب الخالد المُطلق .وفى حياتنا الدنيا ( النسبية ) نعاقب من يخرق القانون ونكافىء المجتهد على اساس أن الحرية تستلزم المسئولية ، وهو نفس ما قاله رب العزة فى مسئولية النفس البشرية الحُرّة على افعالها : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) ) ( النساء )

3 ـ وفى القرآن الكريم حوالى ألف آية تقرّر الحرية الدينية المطلقة للبشر ومسئولية كل فرد عن إختياره الدينى فى الايمان أو الكفر وفى الطاعة أو العصيان ، وأن مرجع الحكم فى الدين هو لله جل وعلا وحده فى (يوم الدين ). وهناك نفس العدد من الأيات تقريبا عن العذاب أو النعيم المترتب على هذه الحرية المطلقة التى منحها ربا العزة للبشر فى مجال الدين من إعتقاد وعبادات ودعوة .

4 ـ وأحيانا يأتى تقرير الحرية الدينية مقترنة بما يترتب عليها من عذاب أخروى هائل أو نعيم فى الجنة خالد ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ويتحمل مسئولية إختياره يوم القيامة بأن يكون فى الجحيم أو فى جنة نعيم : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)( الكهف )

5 ـ وفى تحديد مسئولية النبى عليه السلام فى مجرد التبليغ والتذكير يأتى التنبيه والتأكيد بالعذاب الأكبر يوم القيامة لمن يمارس حريته فى الكفر وأن الله جل وعلا وحده هو الذى سيتولى حسابه وعذابه : (  فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)( الغاشية )

6 ـ وبهذا فيوم القيامة فسنكون خصمين فى الدين  ، خصم يؤمن بالله الواحد الذى لاشريك له ، والمستحق وحده بالتقديس ، وأنه وحده الولى والشفيع ومالك يوم الدين يعبده وحده ويقدسه وحده ويخشاه وحده ويتوسل به وحده ، وخصم آخر يجعل شركاء لله جل وعلا فى التقديس والعبادة ، يؤله البشر والقبور والحجر ، يقدس الأنبياء والرسل والأئمة والأولياء ، ويضيف لهم الشفاعات يوم الدين ، ويجعلهم متحكمين فى مصائر البشر فى الدنيا ويوم الدين ، ويأخذ من التقديس الواجب لله جل وعلا وحده فيضيفه لهم . كل خصم يعتقد أن الحق الى جانبه، ولكن هذه الخصومة الدينية لا تُبيح لخصم فى هذه الدنيا أن يكون قاضيا على خصمه الآخر ، لأن العدل يقتضى أن يكون صاحب الشأن فى الفصل والحكم بينهما هو رب العزة الذى يقضى بحكمه على هذين الخصمين اللذين يختصمان فى ذاته ، وموعد هذه الخصومة هى يوم الدين ، وليس (يوم الدنيا ). وفى يوم الدين هذا وعن الحديث عن هاذين الخصمين يخبرنا رب العزة عن أصناف العذاب وأصناف النعيم المترتب على هذه الحرية الدينية المطلقة فى هذه الدنيا . يقول جل وعلا :( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) الحج )

7 ـ : لهذا فإنّ من يُلحد فى كتاب الله هو حُرُّ فيما يفعل ومسئول أيضا عما يفعل أمام الله جل وعلا يوم القيامة ، أى لا سلطان لأحد عليه فى هذه الدنيا ، لأنّ الله جل وعلا هو الذى سيتولى حسابه يوم القيامة،ويكفيه عقابه فى النار:( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) ( فصلت )

8 ـ هوعذاب خالد وهائل ولا خروج منه ولا تخفيف فيه، لذا فإن الداعية للاسلام يجب أن يصفح عن خصومه فى الدين، فيكفيهم ما ينتظرهم من عذاب أليم:( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)الحجر)( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف)( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية ).

9 ـ هذا فى الاسلام الحق . أما فى أديان المسلمين الأرضية وخصوصا دين السّنة الوهابى ففيه الإكراه فى الدين بتشريع يقول إفتراءا على خاتم المرسلين ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..) وفيه قتل المرتد وقتل الزنديق ، وقد شرحنا ذلك فى كتاب ( حد الردة ) الصادر عام 1993 ، وهو منشور هنا ، وتأثر بها التشريع المصرى فى قوانين إزدراء الدين والحسبة. وفى كل الأحوال هى عقوبات تدافع عن الدين السّنى السائد وعن طموحات أربابه الدنيوية والسياسية ، والعادة أن تلك الأديان الأرضية تحتاج الى قوانين تعطيها حصانة تقيها شرّ النقاش ، بل وتفرضها على الناس لعجزها عن المواجهة الفكرية. ولهذا فإنهم يقيمون يوما للدين قبل يوم الدين ، ويغتصبون دور الرحمن فى الحكم بين عباده ، ويقيمون لخصومهم فى الدين والمذهب والفكر محاكم تفتيش بالتناقض مع الاسلام ، وفى حرب مُعلنة لرب العزة جل وعلا .

10 ـ وقد صدر لنا فى هذا الموضوع بحث ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) وكان مقدما للمنظمة المصرية لحقوق الانسان ، ثم أصدرته فى كتاب ضمن بحوث أخرى عام 1993 ، وهو منشور هنا . وصدر لنا أيضا كتاب ( حد الردة ) عام 1993 بعد إغتيال الراحل فرج فودة ، وهو منشور فى موقعنا ( أهل القرآن ) بالعربية والانجليزية . وقدمت بحثا للمفوضية الأمريكية العالمية للحرية الدينية بعنوان ( الحرية الدينية بين الاسلام والمتعصبين المسلمين ) وهو بالانجليزية ( Religious freedom between Islam and fanatic Muslims  ). وقد تأكد فيه أن حرية الدين فى الاسلام بلا سقف أعلى ، بينما قام السنيون بتحويلها الى تعصب وإكراه فى الدين . ويقع هذا الكتاب فى حوالى 400 صفحة . وهو منشور للبيع على موقع الامازون :http://www.amazon.com/s/ref=nb_sb_noss?url=search-alias%3Daps&field-keywords=Religious+freedom+between+Islam+and+fanatic+Muslims

ثانيا : بعض تفاصيل عن الحرية المطلقة فى الدين الاسلامى   

لا إكراه فى الدين:

1 ـ يكفى أن نقرا سورة الكافرون:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) يعنى بصراحة نحن متناقضان مختلفان فى الدين أيها الكافرون ، ولكم دينكم ولنا ديننا . نتهمكم بالكفر ولكم انتم أن تتهمونا بالكفر. فنحن نكفر بما تؤمنون به من تقديس للبشر والحجر ، ولا نعبد البشر ولا الحجر ، وأنت تكفرون بما نؤمن به وهو الله جل وعلا الذى لا شريك معه .وانتم لا تؤمنون بالله إلا إذا كان معه شركاء (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)يوسف) ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) غافر ) . إيمانك أنّك على الحق لا يعطيك الحق فى الاستعلاء على من تعتقد بكفره ، لأن الآخر يعتقد أيضا بكفرك ، وسورة الكافرون السابقة بدأت بأمر للنبى محمد نفسه عليه السلام بأن يقول هذا لكفار العرب:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )، وبقية الايات تنقسم بالسوية بينه وبينهم ، ولم تعطه أفضلية يستطيل بها عليهم مع أنه على الحق وهم بالباطل، النتيجة هى التعادل:( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ).

2 ـ  ولقد تحمّس عليه السلام فوصل الى درجة من الاكراه فى الدين فنزل قوله جل وعلا يخاطبه بأنه جل وعلا لو شاء لخلق الناس بلا إرادة حرة وجعلهم كلهم مؤمنين ، ولكنه خلقهم أحرار المشيئة ، ولذا فلا يصح للنبى أن يُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين :( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس ) . كان هذا فى مكة ، ثم نزل تشريعا فى المدينة يؤكّد أنه:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (256)( البقرة )

تشريع القتال لمواجهة الاكراه فى الدين أو ( الفتنة )

1 ـ الفتنة فى الدين فى المصطلح القرآنى تأتى بمعنى الاضطهاد الدينى ، نفهم هذا من قوله جل وعلا عن قريش:( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217)البقرة )      وعندما تكونت للنبى عليه السلام دولته الاسلامية نزل تشريع القتال الدفاعى أولا بالإذن بالقتال ، ومنه نفهم أن من أهدافه حصانة بيوت العبادة لكل الملل والنحل والأديان ، فالاية تقول (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)  الحج 4)الاية هنا تعطي حيثيات الاذن بالقتال لرد العدوان ،الاول ان اولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال، والثاني انهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم لمجرد انهم يقولون ربنا الله ،ثم  تؤكد الأية التالية انه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه لتهدمت بيوت العبادة للنصاري واليهود والمسلمين وغيرهم حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيرا . والاهمية القصوي هنا في تأكيد القرآن علي حصانة بيوت العبادة لليهود والنصاري والمسلمين حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات ،أي كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من اديرة وكنائس وغيرها ثم جاء بالمساجد في النهاية وقال عن الجميع انهم يذكرون فيها اسم الله كثيرا ولم يقل طبقا لعقيدة الاسلام في الالوهية (يذكر فيها اسم الله وحده) حتي يجعل لكل بيوت العبادة لكل الملل والنحل حصانة ضدالاعتداء . والاهمية القصوى هنا ايضا ان تشريع الاذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء وانما ايضا لتقرير حرية العبادة لكل انسان في بيت عبادته ،مهما كانت العقيدة والعبادة ،فلكل انسان فكرته عن الله وعقيدته في الله وهو يقيم بيوتا لعبادة الله و لابد ان تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هي ومن فيها بالامن والسلام .

2 ـ ثم نزلت تفصيلات التشريع فى قتال أولئك الذين يشنون حربا هجومية على الدولة الاسلامية: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)( البقرة )، ونزل فيها المقصد التشريعى للقتال وهو منع الفتنة فى الدين أو الاضطهاد الدينى:( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ )(193) البقرة )( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(39)الانفال ). بمنع الاضطهاد الدينى وتقرير الحرية المطلقة فى الدين يكون الأفراد أحرارا فى مشيئتهم الدينية يعتقدون ما يشاءون ، ومرجعهم الى الله جل وعلا يوم الدين ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون . وهذا معنى أن يكون الدين لله ، أو أن يكون الدين كله لله وحده ، هو وحده صاحب التشريع فيه ، وهو وحده صاحب الحكم بين البشر فيه يوم الدين .

الهداية والضلالة مسئولية شخصية وليس مسئولية الدولة أو المجتمع :

1 ـ أى من أهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه :( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108 ) ( يونس ) (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (15) ( الاسراء )( وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ (92) ( النمل )( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)( الزمر )( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)( الأنعام ). وبالتالى فإن وظيفة الدولة ليست هداية الناس للجنة ولكن تحقيق العدل وحماية الحرية الدينية لكل فرد فى هذه الدنيا حتى يكون مسئولا عنها يوم الدين .

2 ـ والعادة أن مشيئة الهداية أو الضلال ترتبط بالانسان إبتداءا . وتأتى مشيئة الله تؤكد ما شاءه الانسان لنفسه، إذا شاء الهداية وسعى اليها ، فتأتى له مشيئة الله جل وعلا فتهديه وتزيده هدى : (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76)مريم ) (  وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17)محمد ) ، أما الذى ارتضى الضلال ورفض الهداية فقد زيّن له الشيطان سوء عمله فيريه سوء عمله حسنا ،يقول جل وعلا فى استحالة هداية هذا الصنف من البشر: ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ  (8)( فاطر )  أى إن الله جل وعلا (  يُضِلُّ ) من البشر ( مَنْ يَشَاءُ ) منهم الضلال ( وَيَهْدِي) من البشر ( مَنْ يَشَاءُ ) منهم الهداية. ولذلك فلا ينبغى للنبى ان يتحسّر على من زين له الشيطان الضلال فرآه حسنا:  ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) .

كل الاختلافات الدينية مرجعها لله جل وعلا يوم القيامة

1 ـ يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا يضع لهم قوانين محددة فى المسئولية الشخصية والحرية الدينية وأنّ المرجعية له جل وعلا وحده للحكم على الناس يوم الدين:( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)(الزمر ). (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)( الأنعام ).

2 ـ وكما أنه جل وعلا وحده هو عالم الغيب والشهادة وهو وحده فاطر السماوات والأرض فإنه جل وعلا وحده له الحكم بين الناس فى إختلافاتهم الدينية : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)( الزمر) ، وعليه فإن من يقيم محاكم تفتيش فى الدين إنّما يتقمص دور خالق السماوات والأرض بالإثم والعدوان . إنّ حساب الكافر عند ربه وليس فى محاكم تفتيش تفتش عن قلبه :( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)( المؤمنون )،

3 ، وعلى المؤمنين الاهتمام باصلاح أنفسهم من داخل الاسلام ، لا يضرهم من ضل طالما كانوا مهتدين، وفى النهاية سيحكم رب العزة يوم الدين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)( المائدة ).

4 ـ ويجب ترك التعصب الدينى ليحلّ محلّه التنافس بين الطوائف المختلفة فى عمل الخير ، وينتظروا أن يحكم بينهم ربهم جل وعلا فيما هم فيه مختلفون :( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)( المائدة )

الدولة الاسلامية تبيح حرية الكفر لمن يشاء

للكافر بالاسلام داخل دولة الاسلام أن يمارس دينه كيفما شاء شأنه شأن المؤمن، وبالمساواة المطلقة معه ، مع إنتظار المؤمن للحكم عليه وعليهم يوم القيامة ، فهذه كانت سُنة الرسول عليه السلام المأمور بها فى القرآن بكلمة ( قل ) : (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) ( الزمر )(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) ( الأنعام )( وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) (هود)(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122)( هود ).

لا مصادرة فى الرأى الدينى

والله تعالى لم يستنكف أن يسجل آراء الكافرين مع أن آراءهم لا تستحق أن تكون آراءا ، إنما هي سباب وتطاول وسوء أدب ، فاليهود قالوا يد الله مغلولة ( المائدة/ 64) وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ( آل عمران 181) وفرعون قال إنه لا يعلم إلها للمصريين غير فرعون وأنه ربهم الأعلى (القصص/38، النازعات / 24) والجاهليون قالوا إن الله جل وعلا أمرهم بالفحشاء ( الأعراف 28 ـ ) وكان من الممكن أن يصادر الله سبحانه وتعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا . وبعضها قيل في عصور سحيقة قبل نزول القرآن . ولولا القرآن ما علمنا عنها شيئا . ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي . وكم شهد العالم في العصور الوسطى ـ وفى عالمنا الثالث الذي لا يزال في العصور الوسطى ـ مذابح للكتب والمؤلفات والمؤلفين ، ولكن الله العزيز الحكيم سجل كل آراء خصومه حتى ما كان منها تطاولا على ذاته المقدسة ، فأصبحت من آيات القرآن التي نقرؤها ونتعبد بتلاوتها ، وطبيعي أن الله تعالى رد عليها بما يناسب المقام .

أخيرا : بناء على ما سبق نقول الآتى :

1 ـ لا تتدخل الدولة على الاطلاق فى مجال الدعوة الدينية السلمية، بل تكون مهمتها تأكيد حرية هذه الدعوة للجميع أفرادا وطوائف على قدم المساواة المطلقة . وبالتالى لا بد من إلغاء كل القوانين التى تصادر أو تُحدّ من حرية الدعوة مثل قانون ( إزدراء الأديان ) والذى يتم تطبيقه لحماية الدين السّنى الوهابى فقط بينما يتم إزدراء الدين القبطى والدين الشيعى والدين البهائى ، بل يتم إزدراء الدين الاسلامى الحقيقى بتطبيق هذا القانون على ( أهل القرآن ) وسجن بعضهم عدة سنوات عام 2001 . ولا بد من الوقوف بحسم ضد دستور الاخوان الحالى والذى يمنع التعرض للأنبياء والذى يجعل الشريعة الوهابية السنية هى مصدر التشريع طبقا للمادة :(220): ( مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنه والجماعة ).

2 ـ حرية الدعوة الدينية السلمية للجميع تعنى واقعيا حرية المسيحى للتبشير بدينه بين المسلمين ، وحرية المسلم فى التبشير بدينه بين غير المسلمين ، وحرية السّنى الوهابى فى التبشير بدينه بين غير السنيين ، وحرية الشيعى فى التبشير بدينه بين السنيين وغير الشيعة ، وحرية الصوفى فى الدعوة للتصوف بين السنيين وغيرهم وحرية البهائى فى الدعوة لدينه بين غير البهائيين ، بل حرية الدعوة الى الالحاد ..

3 ـ حرية الدعوة الدينية السلمية هذه لا بد أن تبتعد عن الإكراه فى الدين ، هى ( عرض للدعوة) لا ( فرض للدعوة) ، أى أن الداعية يعرض على الناس دينه ولا يفرضه على الناس . فإذا لجأ الى الاكراه فى الدين فلا بد من عقابه قانونا لأنّه تعدى على حق الأخرين فى حريتهم الدينية .

4 ـ حرية التبشير تعنى حرية التكفير ، وبلاحرج . إنّ لبّ الدعوة الدينية هو التكفير للآخر ، فأنت حين تدعو الى دينك يعنى أنك تعتقد أن دينك هو الصحيح وأن غيره هو الباطل ، وأن دينك هو الحق وغيره هو الكفر ، والاسلام فى عقيدته ( لا اله إلا الله ) تبدأ بالكفر بكل إله مع الله ، للتأكيد على ألوهية الله جل وعلا وحده ، والله جل وعلا يقول : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)( البقرة )، أى لا إكراه فى الدين ، وقد إتّضح بالقرآن الرشد وتميّز عن الغىّ،وهنا أتهام للأديان الأخرى بأنها غىّ مع تقرير أنه لا إكراه فى الدين ، ثم إن المؤمن طبقا للقرآن هو من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ، أى يكفر أولا بالطاغوت لكى يؤمن بالله جل وعلا وحده ، وبهذا يكون هو إستمسك بالعروة الوثقى ، وبالتالى فإنه يعتبر غيره ضالّا طبقا للقرآن . ويتأكد هذا فى قوله جل وعلا : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ (19)( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)( آل عمران ) ، وهذا واضح فى أن من يعتنق دينا غير الاسلام الحق  الذى جاء فى القرآن فهو من أهل الجحيم . من حقّى أن أدعو بهذا وأن أحكم بكفر من يعبد المسيح ومن يقدس محمدا والصحابة والأئمة والأولياء ، ومن حقى أن أعلن أن من يحج الى القبر المنسوب للنبى محمد يكون كافرا، وأن هذا القبر هو رجس من عمل الشيطان ، ولكن ليس من حقى أن أفرض رأيي هذا على أحد ، بوسعى أن أعزز رأيى بكل الحجج ، ولكن دون إكراه للغير . وأيضا من حق هذا الغير أن يكفر بالقرآن وأن يقول ما شاء فى الاسلام وفى النبى محمد عليه السلام ، سواء كانت معه حجة أو لم تكن . من حق البهائى أن يطعن فى أديان الغير ، ومن حق المسيحى أن يحكم بكفر المسلمين وكل من لا يؤمن بالمسيح الاها ومخلّصا ومنقذا . لكل إنسان الحق فى تكفير الأخرين سواء كانت معه الحجة والمنطق أو كانت حجته تدليسا وإفتراءا وتحريفا ، أو لم تكن لديه حجة على الإطلاق . وموعدنا جميعا يوم الدين أمام الرحمن جل وعلا ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون. أى إن حرية التبشير هى حرية التكفير للمخالفين ولكن دون الإكراه فى الدين . وطبعا لا يستتبع التكفير هنا إقامة ما يعرف بحدّ الردّة ، فهذا فى شريعة السنيين والشيعة ، وكان من قبل ضمن أصول الدين الكاثوليكى فى عهد سيطرة بابوات روما . هنا نتحدث عن حرية الدعوة بلا قيود ، وحرية التبشير والتكفير بأى دين بلا فرض أو إكراه .

5 ـ ينتج عن حرية التبشير والتكفير بين الدعاة من كل نحلة ودين أن تتسع مجالات الإختيار بين الناس لتكون بلا سقف أعلى . فمن يشاء الخروج عن الاسلام والدخول فى المسيحية فهذا شأنه وحسابه عند ربه ، ومن شاء التحوّل عن المسيحية والدخول فى الاسلام فلا عائق أمامه، ولا يحتاج الى شهادة رسمية من الأزهر أو خلافه لأنه ليس فى الاسلام مؤسسة دينية أو كهنوت. ومن أراد التشيع أو الانخراط فى التصوف أو إعتناق البهائية فلا يحق لأحد منعه . ومن أراد الكفر بكل الأديان أو حتى عبادة الشيطان فهذا شأنه وتلك مسئوليته ـ مثل غيره ـ أمام الواحد القهار يوم القيامة .

6 ـ ينتج عن حرية التبشير والتكفير وحرية الايمان والكفر وحرية الإختيار بين الناس فى الدين أن يتحرر الناس من الخضوع لأحطّ البشر ، وهم رجال الدين الذين يجعلون أنفسهم واسطة بين الله جل وعلا  والناس ، وأحقر منهم من يستخدمون إسم الله جل وعلا فى الوصول للسلطة والثروة . هذه الحرية الدينية تؤسس الوعى السياسى بين الجماهير، كما تقوم بتطهير المجال السياسى من المتاجرة بالدين ، وتحصر المنافسة السياسية بين من هو الأقدر على خدمة الناس فى حياتهم الدنيا مع إحترامه لإختياراتهم الدينية . كما أن هذه الحرية الدينية فى التبشير والتكفير ينتج عنها حرية حقيقية فى التفكير ، بما يؤدى الى تقليص الايمان بالخرافات الدينية الغيبية ، والتشجيع على نقد تقديس البشر والحجر والسخرية من الخزعبلات الدينية الى تحولت الى مقدسات بسبب السكوت عن نقدها ونقاشها .

7 ـ معنى الخصومة هو إختلاف فى الرأى ، أى إن لكل خصم رأيه ، ويأتى الحكم النهائى من الله جل وعلا يوم القيامة . أنا أقول رأيى معززا بالحجة أقصد به الوعظ ، وأومن بأن الحكم النهائى لله جل وعلا يوم القيامة . هو فى النهاية رأيى أنسبه لنفسى وليس للاسلام، لذا أقوله معتقدا تماما أننى سأؤاخذ عليه يوم القيامة ، وسيتم حسابى عليه إن كان حقا أو باطلا .  ومن حق خصمى كذلك أن يقول رأيه وأن يسفّه رأيى ، والحكم النهائى لرب العزة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون . وهنا يكون العدل بين حقوق الخصوم . لكل منهم نفس الحق فى التعبير عن رأيه وعمّا يعتقده . وهنا أيضا تتعانق الحرية مع العدل .  

8 ـ ومن عجب أن يصل الغرب اليوم الى ما قرّره القرآن من 14 قرنا فى الحرية المطلقة فى الدين بينما يكفر بها الوهابيون وأضرابهم . فى أمريكا تنتشر الدعوة الى الاسلام بلا عائق ، ويتحوّل امريكيون مسيحيون الى الاسلام بلا إعتراض أو إستنكار لأنها حرية شخصية ، بل إن  بعضهم يشترى كنائس ويحولونها الى مساجد، ويجدون المساعدة من الأمريكيين المسيحيين، أقول هذا عن دراية وعلم . وفى نفس الوقت فإن المساجد الوهابية السّنية والتى تتمتع بكل حريتها فى أمريكا لا تسمح للشيعة بدخولها . وفى نفس الوقت فإنه من أكبر الكبائر أن يقوم مسيحيون بالتبشير بدينهم بين المسلمين . إنهم يفهمون الحرية الدينية من جانب واحد فقط : حرية التحول من المسيحية الى الاسلام ، وليس الردة عن الاسلام والدخول للمسيحية . بل إن المسيحى إذا دخل فى الاسلام ثم أراد الخروج عنه فعقابه القتل بتهمة الردّة . ولقد سبق لنا تفصيل ذلك كله فى مقالات : ( التسامح الاسلامى بين مصر وأمريكا ) و ( بناء الكنائس والدفاع عنها حق مقرر فى الاسلام ) و ( أيها الأفغانى المتنصر يجب إحترام حريتك فى الاختيار ) ( كل هذا الهلع من التنصير ) ( الاسلام دين السلام ).

اجمالي القراءات 13346