فلول الاخوان والحديث عن الاقصاء

مجدي خليل في الجمعة ١٢ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بعد ساعات من سقوط الاخوان على يد ثورة 30 يونيه العظيمة، انطلقت الاقلام والاصوات الزاعقة التى تسعى لإرجاعهم مرة أخرى إلى المشهد السياسى بحجج  المصالحة أو عدم الاقصاء أو خلاف ذلك من مصطلحات يضللون بها العامة. قلة من هذه الاصوات تنطلق من حسن النوايا ولكن الأغلبية تنطوى تحت ما يسمى فلول الاخوان ومنهم ليبراليون مزيفون يعملون مقاولين لجهات خارجية عدة. أفهم أن الاقصاء هو حرمان مواطن من ممارسة حقوقه السياسية والدستورية كاملة، فهل نادى أحد بحرمان أى شخص مصرى من ممارسة هذه الحقوق؟. كل ما ننادى به هو تحديد قواعد صحيحة للمشاركة السياسية تتماشى مع تطلعات شعب نحو بناء دولة عصرية والانطلاق نحو المستقبل. هل منع التداخل بين السياسى والدينى فى أمريكا هو حرمان لليمين الدينى من ممارسة حقوقه السياسية؟. الأجابة قطعا بالنفى فهناك رجال دين ترشحوا للرئاسة فى أمريكا ولكن وفقا للدستور والقانون وقواعد اللعبة السياسية الصحيحة. ما نقوله إذن أنه لكى تتقدم مصر وتنطلق للأمام عليها أن تأخذ بالقواعد الصحيحة للممارسة السياسية وهى كتابة دستور عصرى حديث يؤكد الحقوق الوطنية والدولية للمواطن المصرى وفى نفس الوقت يبتعد عن دينية الدولة بما فى ذلك منع الاحزاب الدينية والدعاية الدينية والشعارات الدينية والمرجعيات الدينية واستخدام دور العبادة فى السياسة، هل هذا اقصاء؟.  من حق المسلم والمسيحى والاخوانى والسلفى والشيعى والبهائى والملحد أن يمارس حقوقه الدستورية فى المشاركة السياسية والترشيح لأعلى المناصب كمواطن مصرى وليس كأخوانى، وبناء عليه يجب حل جميع الاحزاب الدينية والجمعيات الدينية التى تمارس عملا سياسيا.الاخوان هم الذين اقصوا المصريين سواء بالاخونة واحتكار معظم المناصب السياسية والقيادية أو من خلال اصدار قانون غير دستورى يحرم الكثيرين من ممارسة العمل السياسى بحجة إبعاد الفلول الذين افسدوا الحياة السياسية، رغم أن الاخوان هم اكبر جماعة افسدت الحياة السياسية فى مصر على مدى عقود.إذن نحن لا ندعو لحرمان الاخوان من ممارسة حقوقهم الدستورية الكاملة كأفراد ولكن فقط نريد ابعاد التنظيمات الدينية والاحزاب الدينية والايدولوجيات الدينية حتى تنطلق مصر نحو المستقبل. فقط يحرم من ممارسة العمل السياسى من ارتكب جريمة وحكم عليه بعقوبة من خلال القضاء الطبيعى.

ولكن السؤال لماذا يتشنج البعض بالتمسح بالليبرالية ويدافعون بشراسة عن عودة الاخوان؟.للاجابة عن هذا السؤال علينا أن نعود إلى الوراء إلى احداث 11 سبتمبر2001 حيث رأت إدارة جورج بوش أن التطرف والإرهاب فى الدول العربية يعود إلى غياب الديموقراطية والمشاركة السياسية، ومن هنا جاء التفكير فى دعم أجندة للديموقراطية أو حتى فرض النموذج الديموقراطى من خلال غزو العراق. أستمرت هذه المرحلة من عام 2002 حتى عام 2005 حيث فشلت تماما فكرة تصدير الديموقراطية من خلال نظرية الدومينو. انتقلت أمريكا إلى الخطة ب وهى امتصاص فائض العنف والكراهية والتطرف من خلال مشاركة الإسلاميين أنفسهم فى الحكم. منذ عام 2005 وحتى 30 يونيه 2013 أستثمرت أمريكا استثمارا سياسيا ضخما فى هذه الفكرة وهذا المخطط، ووقع الاختيار على جماعة الاخوان المسلمين بوساطة قطرية وتركية لتكون هى التى تقود التحول نحو الحكم الإسلامى فى الشرق الأوسط وتستوعب تحت مظلتها كافة أجنحة الإسلام السياسى والجهادى. ولهذا ازعم وبعد دراسة متأنية لمئات المقالات والابحاث خلال الفترة الماضية أن الربيع العربى الذى بدأ فى عام 2011 لم يكن عفويا، ولكن استغلت فيه الجماهير البريئة والطبقة السياسية الوسطى المتعلمة لمساندة خطة التحول من نموذج حكم العسكر المستبد إلى حكم ما سمى بالإسلام المعتدل من آجل ترويض الحركات الإسلامية. أنفقت قطر مئات الملايين على مشروع تسهيل مشاركة الإسلاميين فى الحكم بضوء اخضر أمريكى وبدعم سياسى أمريكى. وقد أسست قطر المنظمة العربية للديموقراطية خصيصا من آجل تسكين الإسلاميين فى الحكم عبر صناديق الأنتخابات، وكان سعد الدين إبراهيم  أحد عرابى المشروع والفكرة ورئيس هذه المنظمة، وقد استطاع خلال سنوات  هو وغيره استقطاب عشرات الباحثين والأكاديميين للتروييج لفكرة مشاركة الإسلاميين فى الحكم. واشهد أننى عاصرت باحثين مغمورين تحولوا إلى نجوم فى الفضائيات العربية وفى المؤتمرات بدعم مالى قطرى سخى، علاوة على استقطاب عشرات الباحثين الأمريكيين وبعض مراكز الأبحاث الأمريكية لهذه المهمة. فى سنة واحدة رصدت عشرة مؤتمرات فى أمريكا واوروبا سواء فى الجامعات أو مراكز الابحاث تتحدث عن مشاركة الإسلاميين فى الحكم. ومن ثم فأن هؤلاء الباحثين الذين يدعون الليبرالية هم صناعة أمريكية قطرية تركية اخوانية فى ظرف تاريخى محدد للتروييج لمشاركة الإسلاميين فى الحكم، وهناك البعض ممن له مصالح مع الاخوان مثل احمد زويل الذى كتب منذ عدة شهور مقالا بالانجليزية يدافع  فيه عن مرسى ، وكتب بعد سقوطه مقالا آخر طارحا فيه خطة للمصالحة تتضمن عودة الإسلاميين بكل قوتهم للمشهد السياسى.

فى عام 2004 تم ترشيحى من قبل أحد أفراد العائلة القطرية لعضوية مجلس إدارة قناة الجزيرة ولكن قيادة أخوانية مصرية كبيرة تحمل الجنسية القطرية اعترضت على ذلك وتم تعيين الصحفى الليبى محمود الشمام بدلا منى( يقال أن هذا القيادى تم طرده من قطر مؤخرا وإن كان الخبر غير مؤكد). وكان ذلك من بوادر سيطرة الاخوان على توجهات الجزيرة حتى اصبحت الجزيرة هى المنبر الإعلامى الرئيسى لجماعة الاخوان المسلمين وعراب تحولات ما يسمى بالربيع العربى من آجل سيطرة الإسلاميين على الحكم. وبعد ذلك بدأ ظهورى يتباعد فى قناة الجزيرة حتى أن صديق لى هناك قال هذا ليس زمنك ولكن زمن الاخوان.

موضوع مشاركة الإسلاميين فى الحكم إذن لعبة دولية كبيرة، ولهذا لا نستغرب دفاع الليبراليين المزيفين، التى امتلأت كروشهم من أموال هذا المشروع، حتى أخر نفس عن المشروع الذى يعملون عليه منذ أكثر من حوالى عقد من الزمن.

لقد قلبت ثورة 30 يونيه العظيمة كل هذه الحسابات رأسا على عقب، وجميع الفرقاء( امريكا-قطر-تركيا-التنظيم الدولى للاخوان-فلول الاخوان) الآن يدركون أن مرسى اصبح من الماضى ويريدون حماية التنظيم نفسه من السقوط والانهيار، ولهذا يستخدمون كلمات المصالحة وعدم الاقصاء وغيرها من الكلمات المنمقة من آجل حماية الاخوان ومواصلة دعم المشروع القطرى الأمريكى، حتى أن أمير قطر الجديد فى مكالمة مع الرئيس أوباما ناقشا ضرورة مشاركة الجميع فى العملية السياسة الجديدة فى مصر.

فى نفس الوقت فأن غباء بعض قيادات الاخوان فى الداخل يجعلهم يقوضون جهود حلفاءهم لإبقاءهم فى الساحة ،حيث يحرضون جهارا نهارا على العنف والإرهاب ، واثبتوا أن التنظيمات الإرهابية حول العالم ما هى إلا الذراع الحربى للاخوان المسلمين، وأن التنظيم الخاص لم ينتهى ابدا وأنما تحول إلى شكل جديد.

ارجوا أن اكون  قد حاولت توضيح ابعاد هذه اللعبة التى تعمل لمصلحة الاخوان وضد مصلحة مصر. وعندما نقول لهم أننا فقط نريد خلع اسنان الثعبان ونزع سمه ويبقى بيننا بعد ذلك رغم شكله المخيف والمرعب، يصرون فى المقابل على عودة الثعبان بسمه واسنانه كاملة بحجة أنه تعلم الدرس ولن يعد يلدغ مرة أخرى.هل يمكن لأى عاقل أن يثق فى الثعبان بعد أن لدغ منه عشرات المرات؟،وهل يمكننا تصديق هؤلاء الحواة المرتزقة الذين يدعون توبة الثعبان وياللأسف بدعاوى الليبرالية المزيفة؟.

الكرة فى ملعب المصريين، فمن يوافق على عودة الثعبان لا يشتكى من لدغاته المميتة بعد ذلك.

اجمالي القراءات 9059