رسالة في ثنائية القرآن والسنة

سامح عسكر في الإثنين ٢٧ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أكثر من يرمزون لمفهوم السنة فهم يرمزون لها بأنها هي التي تشرح وتفصل القرآن الكريم، وبالتالي كان وجودها يعادل وجود القرآن، وأهميتها من أهمية القرآن، لأنه -وحسب هذا المفهوم -سنعجز عن فهم القرآن..مبدئياً هذا من الناحية النظرية يكون مقبول عدا بعض الملاحظات، وهي تحرير مفهوم السنة والفرق بينها وبين الحديث ابتداء، وهل السنة صورة عقلية قرآنية عن المُبلّغ.."الرسول"..أم هي صورة روائية مطبوعة في بعض الأذهان فجرى نقلها لنا فحدثت بعض الأخطاء التي شوهت صورة المبلّغ؟..كذلك ضرورة وضع معايير تضمن نقاء الأحاديث مما يخالف العقل والقرآن، جميعها أمور ضرورية يجب وضعها في الحُسبان قبل وضع قواعد التعامل مع السنة .

الدين الإسلامي في مُجمله لا يضع التركيز الأول على الرسول، بل يضع التركيز الأول على الله وما نص عليه قرآنه، ومن أكثر الإشكاليات التي يواجهها المسلمين هو أنهم يُركزون على الرسول فيُهملون علاقتهم بالله..ذلك لأن التشريع الإلهي لا يتعارض مع التشريع النبوي بالحقيقة والذات، ولكنه سيتعارض باللِحاظ والاعتبار، وفي تقديري أن ذلك يحدث من أثر الاجتهادات التي تضع التركيز الأول على الرسول ،فتكون النتيجة أنه وكلما زاد التركيز أكثر على الرسول كلما ضل الإنسان أكثر عن القرآن...مع أنه يمكن اجتناب ذلك بسهولة عبر التركيز على الرسول من خلال القرآن وليس من خلال المرويات التي هي في أصلها أفهام متعددة وصور شتى جرى جمعها في مفهوم واحد يعجز عن إيجاد صورة واضحة عن الرسول.

السبب في وجود هذه الإشكالية هي تقعيدهم لقواعد الإتباع التي خرجت بصور شتى وتحت مفاهيم متعددة من ضمنها..(السنة وفهم السلف وعدالة الصحابة والإمامة وعصمة الأئمة....وغيرها)..وجميع ما سبق يناقش العلاقة بالأشخاص وليس بالله، حتى أنك –في الغالب-لن تجد من يشك للحظة بأن النقل عن المعصوم سيتعارض مع النقل عن الله..فإذا واجهته بهذه الإشكالية سيقول بأن النقل عن المعصوم هو نقل عن الله بالضرورة، فالعصمة تساوي عدم الخطأ والصوابية المُطلقة في الأقوال والأفعال..وهذا كمن قال بأن أفعال المعصومين في ذاتها تشريعاً منصوصاً عليه بالفعل، وعليه فزواج المسلم وهو في الخامسة والعشرين من عمره سُنّة يُؤجر عليها، كذلك الزواج من امرأة تكبره في العُمر سُنّة، وكذلك التعدد هو سُنة، وتسمية أسماء الأبناء والبنات سُنة، كذلك من نواحي الملبس والهيئة والعادات ، تخرج جميعها من إطارها المجتمعي والإنساني الضيق إلى إطار آخر يضعها في مرتبة الدين والتدين والفوز بالجنة.

ألا تُلاحظون شيئاً هنا؟

لقد انحصر فهم الدين على السنة، وخرج التركيز من كونه ووجوبه أن يكون على الله فخرج إلى الرسول، وبالتالي انتشر بين المسلمين لفتات وأقوال يومية على شاكلة..قال الرسول..وقال الشيخ..وهو إيذانُ بضمور الدين في الأذهان وضيقه إلى مساحة بشرية ، بينما الدين في جوهره يضع تشريع الله مُعادلاً لإيمان المُبلّغ، وبالتالي لا يمكن أن يتعارض تشريع المُبلّغ -وهو الرسول- مع تشريع الله في القرآن..وأما ما رُويَ عن الرسول من روايات بشرية فلا يمكن أن نتعامل معها خارج سياق القرآن، هذا لأن البلاغ النبوي للقرآن كان عن إيمان تام وتسليم بما وُرِد فيه..ولأن هذه المساحة من التشريع الإلهي والبلاغ والإيمان النبوي بحاجة إلى فرضيات -لفهم وإسقاط ذلك في واقعنا اليومي- فجرى الاعتداد بالدليل العقلي الذي يضع ويُفسّر هذه الفرضيات، وهذه سمة من أراد الموافقة الفكرية والسلوكية وحرص على عدم تعارضهم.

أشير إلى أن العقول في الغرب لم تكن تتعامل مع الدين الإسلامي بمفاهيم المسلمين أنفسهم، بل كانت تُطلق على الإسلام.."المحمدية أو الدين المحمدي"..ويعني ذلك أن سيدنا محمد في أذهانهم هو الذي أوجد هذا الدين ، بينما نحن نؤمن إيماناً قاطعاً وجازماً بأن الرسول كان مُبلّغاً بشرياً عن الله، ولم يكن إلا رسولاً قد خلت من قبله الرسل..وهذه مفارقة لطيفة أذكرها كموضع شاهد، أن المسلمين هم من أجبروا الآخر على أن يفهم ديننا بهذه الطريقة، وذلك من كثرة تركيزنا على الرسول وانتشار مفاهيم السنة والصحابة والحديث والإمامة وغيرها على حساب مفاهيم القرآن الأولية التي خرجت بإحكامٍ بالغٍ في الدقة وحصرت الدين في قواعد كلية..( كالسلام -والتسامح –وقبول الآخر-والحريات –وفعل الخيرات-والدعوة بالموعظة الحسنة-وخطورة التجارة بالدين-وإعلاء قِيَم العقل-وحُرمة بيع الجنة والنار)...وغيرها من القواعد التي أحكمها الله في كتابه كان الهدف الأول منها هو الإنسان وتنميته وتطويره كي يكون مخلوقاً عاقلاً يبني حضارته بنفسه ويتعايش في كل زمانٍ ومكان. 

هم يبررون هذه التسمية بأن المسيحيين منسوبون إلى المسيح، وعليه فالمسلمين ينبغي وأن يُنسبوا إلى محمد، وبالتالي جعلوا لدينا محمداً كالمسيح!...حقيقة ينبغي علينا أن لا نتجاهلها وهي أن إيماننا بأن سيدنا محمد بشراً رسولاً فينبغي ألا يتخطى أثاره الاعتبارات المنطقية وأولها أن سنة النبي لا تتعارض مع رسالته الإلهية، ثانيها أن الإسلام كإسم يعني السلام والاستسلام التام لهذه الرسالة، ثالثها أن النبي بشر لِذلك فيجوز عليه كل ما ينطبق على البشر وأهمها الجهل بأحوال الغيب ..والخطأ والنسيان، وأن العصمة الذي آمنا بها للنبي هي في رسالته البلاغية عن الله، وبما أن الرسالة تعني في مضمونها الاصطفاء فنؤمن بأن اصطفاء الله للأنبياء كان عن سابق أعمالهم وفضلهم وحِكمتهم،وأن الانحراف العقلي والخُلقي في حقهم لا يجوز.. كونه يُفرغ مسألة الاصطفاء من مضامينها الشرعية، ويُصبح من كان أفضل منهم -في زمانهم -أحق بالاصطفاء وبحمل رسائل الله المتوالية للبشر، وبما أن الله عدل فلا يجوز هذا الانحراف في حقهم ،وأنهم- كبشر- كانوا أفضل من عاشوا على الأرض كلُ في زمانه.

هذا الفهم لتلك الاعتبارات سيضع لنا إطاراً للدين كلياً في الرسالة البلاغية، ويُقاس عليه الحكمة العقلية للمبلّغ إضافة إلى أخلاقه وسلوكياته..سيظهر لنا في النهاية دين متكامل أساسه السلوك المنسوب كأمر لله وكتنفيذ للنبي وللناس، وبالتالي كان النبي قدوةً في الخير ولا يجوز عليه أن يكون قدوةً في الشر، لأن النبي لا يجوز عليه أن يحمل رسالة الشر للناس.. لاستحالة أن يرضى الله الشر لعباده، فإذا تحقق الشر في فعل النبي لم يكن نبياً بل كان شخصاً آخر..هذا سيضعنا في مفارقات عِدة وأهمها أنه لا يجوز قبول أي أثر عن النبي يحمل في مضمونه الشر والاعتداء، فمن يزعم بأن النبي أمر الناس بقتل المرتد فيتم تكذيبه لاستحالة أن يصدر ذلك عن النبي لسابق الحكمة العقلية التي تقتضي الحرية في الاختيار والاطمئنان والسكون للعقائد، كذلك من يزعم بأن النبي صدّق على قتل من يشتمه فيجري تكذيبه.. لاستحالة أن يرضى النبي ذلك وهو من كان على خُلقٍ عظيم، فلا يوجد شخص خلوق ينتقم من شاتمه فما بالنا بنبيٍ مُرسَل؟...قِس على ذلك أمور عدة تناقَلَتها الألسن عن الرسول منها ما وافق المنهج فنًُصدقه ومنها ما تعارض معه فنُكذبه، ومنها ما كان في مضمونه يحتمل التأويل فيُأوّل.

كذلك وكي نفهم ثنائية القرآن والسنة بشكلٍ آمن... فالإسلام نؤمن بأنه ليس ديناً جديداً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هو امتداد للأديان والشرائع السماوية السابقة، وبالتالي ما اتصفت به هذه الأديان.." في حقائقها".. فيجوز على الإسلام، وقد فعل خيراً بعض الفقهاء باعتدادهم بشرع هذه الأديان إذا لم يوجد ناسخ، ورغم الخلاف حول هذه القضية إلى أنني أميل إلى أن شرع من قبلنا بالعموم هو شرعُ لنا إذا لم يوجد ناسخ له في شريعتنا، من جهة أننا نؤمن بأن الإسلام هو امتداد لحقائق هذه الأديان، ومن جهة أخرى أنه ليس كل ما أتانا منها سنُصدقه فسنراه كما رأينا الأثر عن المُبلغ النبوي.

أخيراً أحسب أن فهم ثنائية القرآن والسنة ينبغي أن لا يخرج عن فهم الواقع الموضوعي والثابت، كذلك عن فهم كافة المُشتركات الإنسانية والاعتبارات العقلية والوجدانية العامة، وإلا حينها شاب الفهم قصوراً من ناحية الفكرة أو التطبيق، وأما ما ساغ الخلاف فيه من أمور جرت عليها العادة واتفقت أو تعارضت مع الدين فينبغي أن نناقشها كفرضيات عقلية أولاً، ذلك أن القصد التشريعي في التحريم يكاد يكون متفق عليه، كمثال شيوع الانحلال الأخلاقي فالكل يرفضه، ولكن سيختلفون فقط في ما هو هذا الانحلال وهل سيتعارض أو يتفق مع العقل والدين وينسجم مع المجتمع أم لا؟..وماذا لو وضعنا الفرضيات التي تربط ما بين الظواهر وحقائقها هل سيُتيح لنا ذلك أن نفهم الواقع أم لا؟..وهل المُحرّمات لدينا هي بالفعل مُحرمات إلهية أم قيود بشرية صنعها الإنسان لاتساقها مع أعرافه وصورته.."المشوهة"..عن الدين...وهكذا.

اجمالي القراءات 7584