( كتاب الحج ب 4 ف 20 ) ( خلافة على والانتقام الالهى فى موقعة الجمل )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٣ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

( كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين  )

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل العشرون :  ( خلافة على والانتقام الالهى فى موقعة الجمل )

 مقدمة  :هذه الفتنة الكبرى التى لازلنا نعيش فى ظلامها

1  ـنبّا بها رب العزّة مقدما بما سيحدث من قوم النبى محمد ، من تكذيب عملى بالقرآن بالفتوحات ، ثم ما سيليها من فتنة كبرى ينقسمون فيها شيعا وأحزابا وحروب أهلية يذيق فيها بعضهم بأس بعض . فى سورة مكية قال جل وعلا يخاطب خاتم المرسلين:( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) ( الأنعام). هذه الآيات الكريمة  صيحة تحذير قبل الهاوية، والهاوية هى حرب أهلية تفتح أفواهها لتلتهم مصر وغيرها . فليس هذا خطابا محددا بقريش حين كذّبت بالقرآن وجاءها التهديد من الرحمن بل هو تهديد يتخطى الزمان والمكان ، وهو إنذار لكل كذّب بآيات الله فى القرآن ، وعاند وصدّ عن سبيل الله جل وعلا. التهديد هنا بقدرة الخالق جل وعلا على أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ، مثل الأوبئة والتلوث والفساد فى البر والبحر بما كسبت أيديهم ، أو أن تقع بينهم الحروب وحمامات الدم ، ويذيق بعضهم بأس بعض. هذا ما جاء فى قوله جل وعلا : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ .). ولم يفقهها الملأ الأموى القرشى ، ولم يفقها أتباعهم وأنصارهم ممن سار على سنّتهم ، فتقول الآية التالية:(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ). أى كذّبوا بالقرآن ـ وهو الحق ـ

2 ـ والردّ على تكذيبهم يأتى من الله جل وعلا ، وهو من جزئين :

ـ الجزءالأول هو: (قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )، أى أمر الاهى لخاتم المرسلين أن يعلن لهم أنه ليس مسئولا عنهم ،وتكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم ،ومنه قوله جل وعلا له عليه السلام: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(الغاشية21: 26 ) . أى هو مجرد (مُذَكِّرٌ ) أو ( مبلّغ ) ليس عليه سوى البلاغ ،فلا إكراه فى الدين ، وليس له السيطرة على أحد ( لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ). ومرجعهم الى الله جل وعلا وحده ، وهو الذى يتولى حسابهم وعذابهم ، ومن عذابهم ما سيأتى فى الدنيا والآخرة :(إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ)، ومرجعهم الى الله جل وعلا وحده ، وهو الذى يتولى بعثهم وحسابهم (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ).أى ليس للنبى من الأمر شىء: ( آل عمران : 128) بل لله جل وعلا الأمر كله، لذا قال له ربه جل وعلا:(وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ( هود 121 : 123 ).

ـ الجزء الثانى من الرّد هو قوله جل وعلا مهددا مرة أخرى منن يكذّب بكلام رب العالمين :( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).أى يحمل لهم المستقبل أنباء سيئة آتية لا محالة جزاء تكذيبهم. لم يكن كل قوم النبى مكذبين ، فقوله جل وعلا (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ) يتحدث عن الأغلبية المسيطرة،أى الأمويين .وتتميز سورة الأنفال بأن معظم حديثها ينصبّ على قريش ، من آمن منهم ومن كفر ، فقد نزلت تعقّب على الانتصار فى معركة بدر على قريش الكافرة. وبعد الحديث عن مشركى قريش جاء التحذير للقرشيين المهاجرين هائلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(الأنفال 20 : 28). نقول أنه خطاب موجّه فى الأساس للصحابة المهاجرين بدليل قوله جل وعلا لهم يذكّرهم بالاضطهاد السابق : (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). والمستفاد منه أن هناك من القرشيين المهاجرين المشاركين فى بدر ،أو ( البدريين ) من جاء فى حقه هذا التقريع لأفعال بدرت منه منها معصية الرسول والتولى عنه ومتابعة الكافرين المعاندين من قومهم القرشيين الذين كانوا يتندرون على النبى بقولهم (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ )، بل أكثر من ذلك هو تحذيرهم من خيانة الله جل وعلا والرسول  مع علمهم بما يفعلون :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ). والمستفاد بكل أسف إن هذه القلة المؤمنة من البدريين القرشيين لم تسلم من التكذيب ، وإلا ما قال رب العزة فيهم هذا الكلام . محل الاستشهاد هنا هو أن منهم من بلغ به التكذيب درجة أن يقول فيهم رب العزة : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، أى فهناك منهم من هو عريق فى الظلم ، وهناك منهم من يسمع ويطيع لأولئك الظالمين ، والله جل وعلا يحذّر مقدما من طاعة أولئك الظالمين حتى لا يأتى العذاب ليشمل الجميع ، ونعيد قراءة هذا التحذير الخطير: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وبعده يذكّرهم باضطهاد قومهم لهم : ( وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ثم يحذرهم من الخيانة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) . الذى أنزل هذا التحذير هو ربّ العزة الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. وهو جل وعلا يتحدث عن غيب وسرائر السابقين زمنا فى الاسلام من المهاجرين القرشيين . وهذا الغيب وتلك السرائر التى فضحها رب العزة تتناقض مع الشكل السطحى والمظهر الخارجى لأولئك السابقين زمنا فى الاسلام ، وهذا يؤكد صدق قوله جل وعلا للنبى وهو فى مكة عن أغلبية قومه:(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ).

3 ـ والذى حذّر منه رب العزة مقدما وهو قوله جل وعلا :(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) وقع فيه القرشيون بعد موت خاتم المرسلين ، وانتهاء القرآن نزولا ، وبعد أن اجتمعت قريش معا وتزعمت العرب . عندها توحّد المهاجرون الذين نزلت فيهم الآيات السابقة من سورة الأنفال مع الأمويين وبقية القرشيين الذين دخلوا فى الاسلام بعد طول عداء وحروب وخصام . أى إن من تحدثت عنهم سورة الأنفال وتحاربوا مع بعضهم انتهى بهم الأمر لأن يتحدوا مع بعضهم ، وأن يهمّشوا الأنصار الذين (آووا ونصروا ) والذين مدحهم رب العزة فى نهاية سورة الأنفال نفسها . خالف القرشيون المهاجرون وصية رب العزة بالانصار وتحذير رب العزة من التحالف مع الكفار ( الأنفال 72 75 ). وأتيح للأمويين تصدر الموقف بعد موت خاتم النبيين ، مما سهّل عليهم قيادة المسلمين الى الفتوحات العربية باستغلال إسم الاسلام ، وتلك جريمة كبرى فى حق شريعة الاسلام لأنها اعتداء على شعوب لم تبدأ المسلمين بالاعتداء ، ولأنها سلب ونهب واسترقاق وسبى واستعمار واحتلال لأمم لم تقدم سيئة للعرب أو المسلمين . ولأن الأمويين كانوا هم القادة فى هذا الظلم ـ من وراء ستار فى عهد أبى بكر وعمر وعثمان ـ وعلنا بعد أن أقاموا دولتهم ـ فقد تسببوا فى الحرب الأهلية الى قتلت قادة المهاجرين ، فمات أبو بكر بالسّم ، ومات عمر بالاغتيال ، وقتل الثوار الأعراب عثمان ، وقتلوا عليا ، وفى الحرب الأهلية فى معركة الجمل قتل الزبير وطلحة ـ وهما من رءوس الفتنة . وقتل آلاف من الجانبين كل منهما يهتف ( الله أكبر ) ، وكانت موقعة الجمل ـ موضوعنا الآن ـ أكبر دليل على تجسد اللعنة التى حاقت بالصحابة ، ثم تكررت المذابح فى صفين والنهروان فى خلافة ( على ) ، وتطورت فى حروب مستمرة بين الخوارج ومعاوية ، ثم فى عهد ابنه يزيد حدثت المآسى الثلاث : كربلاء واقتحام المدينة واستباحة دماء الأنصار وأعراضهم ، ثم حصار الكعبة وضربها بالمجانيق .

أولا : خلافة ( على ) فى سطور من ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد  :

1 ـ ( لما قتل عثمان يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضتمن ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وبويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة الغد منيوم قتل عثمان بالخلافة، بايعه طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمروبن نفيل وعمار بن ياسر..وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم وغيرهم. )

2 ـ ( ثم ذكر طلحة والزبير أنهما بايعا كارهين غير طائعين وخرجاإلى مكة وبها عائشة. ثم خرجا من مكة ومعهما عائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان . وبلغعليا ذلك فخرج من المدينة إلى العراق . ) ، أى حنث الزبير وطلحة ببيعتهما لعلى ، وخرجا ومعهما السيدة عائشة الى البصرة للطلب بالثأر لعثمان .!! فخرج (على) وراءهم الى العراق. ( فنزل ذا قار.وبعث عمار بن ياسروالحسن بن علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم للمسير معه، فقدموا عليه ، فسار بهم إلى البصرة. ) وحدثت موقعة الجمل (فلقي طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم من أهل البصرة وغيرهم يوم الجمل في جماديالآخرة سنة ست وثلاثين ، وظفر بهم . وقتل يومئذ طلحة والزبير وغيرهما . وبلغت القتلىثلاثة عشر ألف قتيل . وأقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة ‏.‏).

3 ـ وبعدها كانت موقعة (صفّين ): ( ثم خرج يريد معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالشام فبلغ ذلك معاويةفخرج فيمن معه من أهل الشام والتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين فلم يزالوايقتتلون بها أياما ..وقتل بصفين عمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت وأبو عمرة المازنيوكانوا مع علي ...ورفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها ، مكيدة من عمرو بن العاص،أشار بذلك على معاوية وهو معه،  فكره الناس الحرب ، وتداعوا إلى الصلح. وحكّموا الحكمين، فحكّم علي أبا موسى الأشعري وحكّم معاوية عمرو بن العاص ، وكتبوا بينهم كتابا ؛ أن يوافوارأس الحول بأذرح فينظروا في أمر هذه الأمة . فافترق الناس . فرجع معاوية بالألفة من أهلالشام ، وانصرف علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل . )

4 ـ وأدى التحكيم الذى فرضه الأعراب التابعون لعلى الى خروجهم على (على ) وأصبحوا ( الخوارج ) وقد أفنى (على ) معظمهم فى موقعة ( النهروان ) : ( فخرجت عليه الخوارج من أصحابه ومنكان معه وقالوا : لا حكم إلا الله وعسكروا بحروراء .فبذلك سموا الحرورية . فبعث إليهمعلي عبد الله بن عباس وغيره فخاصمهم وحاجّهم،  فرجع منهم قوم كثير. وثبت قوم على رأيهم،وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت . فسار إليهمعلي فقتلهم بالنهروان..وذلك سنة ثمان وثلاثين. ثم انصرف علي إلىالكوفة فلم يزل بها يخافون عليه الخوارج من يومئذ إلى أن قتل رحمه الله . )

5 ـ وجاءت نتيجة التحكيم لصالح معاوية بسبب خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى :( واجتمعالناس بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين ، وحضرها سعد بن أبي وقاص وابن عمر وغيرهما منأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقدم عمرو أبا موسى فتكلم فخلع عليا وتكلم عمروفأقر معاوية وبايع له، فتفرق الناس على هذا‏.‏).

5 ـ بعدها إغتال الخارجى عبد الرحمن بن ملجم عليا وهو على وشك أن يصلى الفجر ، يقول الطبرى : ( فلما خرج من الباب نادى أيها الناسالصلاة الصلاة كذلك كان يفعل في كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس فاعترضه الرجلانفقال بعض من حضر ذلك فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول لله الحكم يا علي لا لك ثمرأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنهووصل إلى دماغه وأما سيف شبيب فوقع في الطاق وسمعت عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل . وشدّالناس عليهما من كل جانب ، فأما شبيب فأفلت ، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على عليفقال:  أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوا وقصاصا وإن أمتفألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين )  ( ومكث علي يوم الجمعةوليلة السبت وتوفي رحمة الله عليه وبركاته ليلة الأحد لأحدى عشرة ليلة بقيت من شهررمضان سنة أربعين ) . ووصل خبر مقتل ( على ) الى عائشة فشمتت فى (على )،يقول الطبرى:( وذهب بقتل علي عليه السلام إلى الحجاز سفيان بن أمية بن أبي سفيان بن أمية ابنعبد شمس فبلغ ذلك عائشة فقالت‏:‏

فألقت عصاها واستقرت بها النوى ** كما قر عينا بالإياب المسافر). لم تقل ( يرحمه الله ).! . إنه الفصل الأول من ليل الفتنة الكبرى، وكان فيها إنتهاك ألشهر الحرم والبيت الحرام . ولا يزال.!

ثانيا : تحليل معركة الجمل كلعنة الاهية  :

1 ـ إستمرت موقعة الجمل يوما واحدا فقط ، هو الخميس العاشر من شهر جمادى الأولى عام 36 . كان القتلى فيه خمسة آلاف من جيش ( على ) و 13 ألفا من جيش عائشة. ضاعت حياتهم فى معركة غبية ملعونة وكعقوبة الاهية . كان محكوما عليها مقدما بالفشل ، لأن القائمين بها ليسوا أصحاب ثقل فى قريش ، فليسوا من بنى هاشم أو من بنى أمية، وهو نفس السبب تقريبا الذى أفشل ثورة عبد الله بن الزبير . وهناك أسباب فرعية للفشل ترجع للشخصيات الثلاثة القادة ، إذ يجمعهم الحقد الشديد على بنى هاشم والأمويين، مع التنافس الواضح بين الزبير و طلحة،فقد إختلفا فيمن يؤّم الناس بالصلاة، يقول المسعودى فى ( مروج الذهب ): ( وتشّاحّ طلحة والزبير فى الصلاة بالناس ، ثم إتفقوا على ان يصلى عبد الله بن الزبير يوما ، ومحمد بن طلحة يوما .زفى خطب طويل كان بين طلحة والزبير الى أن إتفقا .) . هو غباء منقطع النظير من الناحية السياسية، لأنهم حتى لو هزموا ( عليا ) فلن يهزموا معاوية،ولو هزموا معاوية فلن يتفقا على من يتولى منهما الخلافة .

2 ـ هبط الزبير وطلحة الى مستوى منحطّ فى الكذب والقتل، فقد إستأذنا عليا فى الذهاب لمكة لأداء العُمرة ، فقال لهما ( على ): " لعلكما تريدان البصرة أو الشام ؟. " فأقسما أنهما لا يقصدان غير مكة . وحنثا باليمين وحنثا ببيعتهما لعلى . ثم زحفوا بجيشهم للبصرة ، وكان واليها يتبع ( عليا ) ، وهو عثمان ابن حنيف فقاومهم فهزموه وأسروه وعّذّبوه ونتفوا لحيته ، ومنعهم من قتله خوفهم من أخيه سهل بن حنيف وقومه الأنصار . وأرادوا سلب بيت المال فى البصرة فقاومهم امناء بيت المال ، وهم السبابجة ، فقتلوا منهم سبعين رجلا ، وأسروا خمسين ، قتلوهم صبرا ، أى تعذيبا حتى الموت ، وكان أرحم بهم لو ضربوا أعناقهم، يقول المسعودى:(وهؤلاء أول من قُتل ظلما فى الاسلام وصبرا. ).وقبل المواجهة بينهم وبين ( على ) وقف عمّار بن ياسر يعظهم فرموه بالسهام فأفلت منها. ثم بدءوا القتال.

3 ـ كانت هذه المعركة فى الأصل تخطيطا أمويا ، فقد أراد معاوية إنهاك جيش ( على ) بأن يشغله فى معركة مفاجئة لم يتحسّب لها ، واستغل غباء طلحة والزبير وعائشة وكراهيتهم لعلى والهاشميين ، فتم دفعهم للخروج على ( على ) بزعم المطالبة بدم عثمان ، مع أنهم كانوا المحرّضين على قتل عثمان ، ومع أنهم ليسوا أولياء دم عثمان . ومن الطريف أن محمدا بن أبى بكر أخ عائشة والذى شارك فى قتل عثمان التحق بجيش (على ) ضد جيش أخته عائشة التى تطالب بالثأر من قتلة عثمان ، أى من أخيها محمد بن أبى بكر ،وقد كانت له بمثابة ( الأم ) فى خشيتها عليه .!

4 ـ ولم يكتف الأمويون بمجرد التحريض ، بل قاموا بتمويل قادة الثورة . كان ( يعلى بن أمية ) والى عثمان السابق على ( اليمن ) .وهو فى نفس الوقت صهر عتبة بن أبى سفيان . جاء ( يعلى ) الى مكة ، وقابل عائشة وطلحة والزبير ومروان بن الحكم ولآخرين ، فأعطاهم 400 الف درهم وخيلا وسلاحا، وأهدى عائشة ( الجمل ) الذى حملها ، والذى دارت حوله المعركة ، وقُتل حوله آلاف المسلمين كل منهم يهتف ( الله أكبر ) .!. وإقترح عليهم عبد الله بن عامر ( والى البصرة من قبل عثمان سابقا ) أن يتجهوا للبصرة ، وقال لهم إن له فيها أنصارا وأموالا وسلاحا ، وأعطاهم مليون درهم ومائة من الابل وغير ذلك ، حسبما يذكر المسعودى فى (مروج الذهب ).

5 ـ وظل الأمويون يشعرون بالامتنان لقادة حرب الجمل اعداء ( على ) . يروى ابن عبد ربه فى ( العقد الفريد) عن العتبى عن أبيه أنه :‏ ( قدم زيد بن أمية  من البصرة على معاوية - وهو أخو يعلى بن أمية  صاحب جمل عائشة رضي الله عنها ومتولي تلك الحروب ورأس أهل البصرة . وكانت ابنة يعلى عند عتبة بن أبي سفيان - فلما دخل على معاوية شكا دينه ، فقال‏:‏ يا كعب أعطه ثلاثين ألفاً‏.‏ فلما ولى قال ( معاوية ) ‏:‏ وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أخرى‏.‏ ثم قال له‏:‏ الحق بصهرك - يعني عتبة - فقدم عليه مصر... فأعطاه ستين ألفاً كما أعطاه معاوية‏.‏ ).

6 ـ ومن الطريف أن مروان بن الحكم صحب جيش عائشة ، وقد استغلها مروان فرصة لإغتيال طلحة ثأرا لعثمان . يقول المسعودى:( فلما قتل عثمان وسار طلحةوالزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج معهم مروان بن الحكم ، فقاتل يومئذأيضا قتالا شديدا. فلما رأى انكشاف الناس نظر إلى طلحة بن عبيد الله واقفا ، فقال: "والله إن دم عثمان إلا عند هذا ، هو كان أشد الناس عليه وما أطلب أثرا بعد عين ." ففوّقله بسهم ، فرماه به، فقتله. ). وهرب الزبير فلقى حتفه على يد ابن جرموز   .

7 ـ وقبل المعركة قال لهم على : علام تقاتلوننى ؟ فأبوا إلا الحرب . فبعث لهم برجل يقال له "مسلم"  معه مصحف يدعوهم الى الله ، فرموه بسهم فقتلوه ، وقالت أمه :

يا رب أنّ مسلما أتاهم   يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه لحاهم    وأمّه   قائمة   تراهم 

 تقصد أن أم المؤمنين السيدة عائشة تراهم يقتلونه راضية بما يحدث .

وكانت عائشة على جمل فى هودج محمى باللبود والمسوح وجلود البقر ، فاقترب منها عمّار وناداها : ماذا تدعين ؟ فقالت : الى الطلب بدم عثمان . قال : قاتل الله الباغى والطالب بغير الحق ، ثم نادى : أيها الناس ، أنكم لتعلمون أينا الممالىء فى قتل عثمان ، فرشقوه بالنبل فأفلت منها وهو يقول لعائشة :

فمنك البكاء ومنك العويل   ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الامام         وقاتله  عندنا من أمر

ورجع  فقال لعلى : ماذا تنتظر يا امير المؤمنين وليس لك عند القوم الا الحرب .

وكان ( على ) قد أمر جنده ألّا يبدأوا بالقتال ، فجاء عبد الله بن بديل بأخ له مقتول ، وجاء قوم آخرون برجل مقتول بسهم ، فأمر ( على ) بالقتال.  وحميت المعركة ، وقاد ( على ) بنفسه الهجوم بدل إبنه محمد ( ابن الحنفية ) ،وانكشف جيش عائشة ، ولكن تفانى بنوضبة فى حماية جمل عائشة ، وكل من يأخذ منهم خطام الجمل تُقطع يده ويُقتل ، وبلغ عددهم سبعون رجلا ، وتكاثرت السهام على الجمل وصار الهودج كالقنفذ من كثرة السهام ، ووقع الجمل ، وحوله مئات القتلى . وأخيرا وصل الى الهودج محمد بن أبى بكر فكشف الهودج فصرخت عائشة : من انت ؟ فقال : أنا أقرب الناس اليك وأبغضهم اليك ، أنا محمد اخوك ، يقول لك أمير المؤمنين  هل أصابك شىء ؟ قالت : لا ، إلا سهم لم يضرنى . فجاء ( على ) وضرب الهودج بقضيب وقال لها : يا حميراء .! أرسول الله أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقرى فى بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك .! ثم أرسلها الى المدينة فى قوة حراسة يقودها أخوها محمد بن أبى بكر. وبعد إنتصاره دخل ( على ) البصرة ، وكانت أياما حزينة كئيبة ملعونة .عمّت الكآبة الجميع المنتصر والمنهزم  . وقد قيل لأبى لبيد الجهضى الأزدى : أتحب عليا ؟ فقال : كيف أحب رجلا قتل من قومى فى بعض يوم الفين وخمسمائة ، وقتل الناس حتى لم يكن أحد يعزى أحدا ؟ واشتغل اهل كل بيت بمن لهم من القتلى .؟

أخيرا

1 ـ  قام جيل الصحابة فى الفتوحات بمذابح لأمم لم تبدأهم بعدوان، فيما بين فارس الى شمال افريقيا. ولما اختلفوا على تقسيم الغنائم والمسروقات اقتتلوا فيما بينهم وقتلوا قادتهم وقتلوا أنفسهم ,اذاق بعضهم بأس بعض. وحق فيهم تحذير رب العزّة فى المدينة بعد معركة بدر : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ). وتحقق فيهم ما نبّأ به من قبلها رب العزة حين فضح مكنون الأغلبية من قوم النبى فقال جلّ وعلا:(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ)، وجاء تفسير النبأ (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ) فى الحروب الأهلية التى خاضها الصحابة يقتلون أنفسهم بأنفسهم ، وتحقق ما حذّر منه رب العزة:( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ).

2 ـ ولكن لم يتحقق فيهم وفينا قوله جل وعلا:( انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) . فلم يفقهوا الآيات القرآنية ..ولم نفقهها نحن أيضا . لذا بدأ ما يعرف بالفتنة الكبرى بمقتل عثمان وما تلاه من حروب اهلية ولا يزال المسلمون يعيشون نفس المشهد ، فاقتتالهم فيما بينهم مستمر مستقر ، بل وتأسست على هامش هذه (الفتنة الكبرى ) دين السّنة ودين الشيعة ، ولا يزال الشيعة يعيشون ملاحم الفتنة الكبرى بدءا من بيعة السقيفة الى مذبحة كربلاء . ولا يزال العداء مستحكما بين السّنة والشيعة حول كبار الصحابة ، يقدّس الشيعة عليا وذريته ويلعنون أبا بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة والسيدة عائشة ومعاوية وأبا هريرة ويزيد ..الخ ، بينما يقدس دين السّنة كل الصحابة ويجعلهم دواتا معصومة من الخطا ، أو (عدول ) و أنهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . ويجعلون مكانة (على ) بنفس ترتيبه فى الخلافة ،أى الأفضلية لأبى بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على. وهذا يسبب للشيعة آلاما نفسية وربما فسيولوجية أيضا. وهذا وثيق الصلة بواقعنا اليوم ، ويكفى متابعة سريعة لشريط الأخبار . ومع الألم مما يحدث فأنّه إعجاز وآية للقرآن الكريم ، فما حذّر منه رب العزة تراه بأعيننا رأى العين . ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلىّ العظيم .

3 ـ وحتى الآن لا يفهم المسلمون أن موقعة الجمل كانت أول  لعنة الهية دامية حاقت بالصحابة فى مسلسل الحروب الأهلية بينهم ، وأنها كانت تجسيدا صريحا لقوله جل وعلا :( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) ( الأنعام).

4 ـ ولهذا تتكرر أمثال معارك الجمل وصفين والنهروان حتى يومنا هذا.وستظلّ اللعنة تحيق بالمسلمين طالما يتخذون القرآن مهجورا .

اجمالي القراءات 18020