الرحمن الرحيم

Ezz Eddin Naguib في الثلاثاء ١٦ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ترجمت لفظى الرحمن الرحيم بـ

the All-Merciful, the Ever-Merciful

فى ترجمتي لمعاني القرآن الكريم

وقد علق أخ كريم على ترجمتي وقال:[أود أن أستفسر عن كلمتي الرحمن الرحيم في سورة الفاتحة. فكلمة الرحيم تعد او تكاد تكون مفهومة تماما بل وقد تُرجمت من معظم المترجمين الى نفس الكلمة الإنجليزية,

 ( Merciful),

ولكن سيادتك ترجمتها الى

 (the ever Merciful),

فأعطيت لها صفة زائدة ( زمنيا) عن الكلمة الأصلية وهي الرحيم, ورغم عدم إختلافي مع ما أوردته, لكني أتساءل هل كلمة رحيم تحتاج الى إضافة العامل الزمني لكى يكتمل معناها.

اما الكلمة الصعبة وهى الرحمن, فقد إختلفت التراجم من

 ( benevolent) الى (Most Gracious) الى( Compassionate)

الخ........لكن سيادتك إخترت لها

(the all Merciful),

فكان الفارق بينهما هو ( الكم او الشمولية) في الرحمن , والزمن او الإستمرارية في الرحيم. فكيف توصلت الى ان الفارق بين الكلمتين هو بذلك الشكل. هل هناك أيات معينه استخدمت بها أي من تلك الكلمات دعتك إلى أن تستنبط ذلك.]ه

 

وهذا هو ردى

 

هاتان الكلمتان مصدرهما الفعل الثلاثي: رحم

رحم فلانًا، أي: رَقَّ له وعَطَفَ عليه وغَفَر له

 

ومنه الرحمة

وهى الرقة والعطف والغفران

أو نتيجة ذلك أي: الخير والنعمة والعطاء

 

الرحيم

وجمعها: رُحماء ورحيمون

وهو من يرحم، وقد تُطلق على البشر

آ{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الفتح29

آ{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} التوبة61

والإنسان الرحيم يتميز بهذه الصفة عامة ولكنه قد يفقد هذه الصفة تبعا لحالاته النفسية أو انشغال باله.

 

أما الله سبحانه وتعالى فهو دائم الرحمة لأنه كتبها على نفسه أى ألزم نفسه بها

آ{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنعام12

آ{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأنعام54

 

وقد وصف سبحانه نفسه بأنه ذو الرحمة أى أن هذه الصفة مُلازمة له، دائمة

آ{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} الأنعام133

آ{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} الكهف58

 

ومن هنا نفهم أن الله الرحيم هو دائم الرحمة، ومن هنا كانت ترجمتى للرحيم هى

the Ever-Merciful

 

والرحيم هي صيغة المُبالغة للراحم

وجمع راحم هي راحمون

والله هو أرحم الراحمين

آ{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} الأعراف151

آ{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} يوسف64

لآ{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} يوسف92

آ{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} الأنبياء83

 

ولأنه دائم الرحمة، قال تعالى

آ{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر53

 

الرحمن (الرحمان)

فالـ "ألف والنون" تدلان علىاستغراق وشمول الصفة أو غَلَبتها وسعتها، مثل:
حيران، ظمآن، جوعان، عطشان، غضبان، ريَّان، عريان

فالرحمن تسع رحمته كل شيء

ولذلك فلا يُمكن أن تُطلق على بشر

يقول تعالى:
آ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} الفاتحة1
آ {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} مريم18
آ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} مريم58
آ {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} مريم61
آ {أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} مريم78
آ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} مريم85

آ {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} مريم87
آ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه5

آ {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} الإسراء110
 

واعترض البعض على معنى "واسع الرحمة" للرحمن بحجة أنها جاءت مُرتبطة بالعذاب في بعض الآيات ولذلك فقد قال بعضهم إن معناها عكس معنى الرحيم، واستشهدوا بالآيات التالية:

آ {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} مريم45

آ {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} مريم75

آ {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً{69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً{70} مريم

آ{أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ} يس23

 

ولكن قرينة وجود لفظ "الرحمن" مع بعض آيات العذاب، وكذلك وجود "وسعت رحمتى كل شيء" و "ذو رحمة واسعة" مع بعض آيات العذاب أيضا تُبين فساد رأيهم وتُبين أن "الرحمن" تعني "واسع الرحمة":

آ{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف156

آ{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} غافر7

آ{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} الأنعام147

 

فكيف نفسر هذه المفارقة بين كلمة الرحمن والتي تعني واسع الرحمة ووجودها في آيات العذاب؟

ولذلك لاحظ جيدا هذه الآية فهي تُفسر المُفارقة:

آ{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف156

فحتى لا يغتر الناس بسعة رحمة الله فقد وضَّح في الآية السابقة أنه سيكتب رحمته للذين يتقون، فهي ليست للمشركين لأن ذنبهم شنيع لا يُغتفر ولأن الله أيضا عزيز ذو انتقام ولا يغفر أن يُشرك به

آ {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} إبراهيم47

آ {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} النساء48

 

ومن هنا كانت ترجمتى للرحمن الرحيم

the All-Merciful, the Ever-Merciful

أما إذا ترجمنا الرحمن الرحيم إلى

the Merciful, the All-Merciful

فستكون ركيكة الصياغة وناقصة المعنى

 

فالله سبحانه وتعالى رحمن رحيم

ورحمته واسعة (رحمن)، واستغرقت وشملت الزمان على امتداده (رحيم)

فهو سبحانه واسع الرحمة ، دائم الرحمة

 

هذا ما أراه
والله أعلم

عزالدين

اجمالي القراءات 11524