مستشفى إستغلالى

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٦ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

فى باب الفتاوى ( فاسألوا أهل الذكر ) فى موقعنا ( أهل القرآن ) جاءنى هذا السؤال . ولأهميته أحببت أن أجعله موضوع هذا المقال :

 السؤال :

 نحن من الطبقة المتوسطة التى قلت حضرتك انها تتآكل فى مصر وانها صمام الأمن فيها . إننا نجاهد كى نحتفظ بوضعنا ومكانتنا فى المجتمع . والدى شفاه الله بعد أن قضى عمره يخدم الدولة باخلاص وأمانه وبعد أن بذل حياته فى تعليمنا وخرج على المعاش أصيب فجأة بالمرض ، وأدخلناه فى مستشفى استثمارى خاص ، وبقى عدة أيام فى العناية المركزة ، وهذه الأيام الخمسة وما تلاها  قضت على كل مدخرات أبى ومدخراتنا . تتصور سيادتك أننا كنا ندفع يوميا 7 ألاف جنيه للغرفة العناية المركزة فقط  ، هذا غير الدواء والتحليلات . وحتى عندما تبرعنا له بالدم كنا ندفع المئات بحجة فحص الدم وما اعرفش ايه .... كل تحويشة العمر لنا ولوالدنا ضاعت فى اسبوعين قضاها الوالد  فى هذا المستشفى الاستثمارى. إضطررنا للخروج بوالدى قبل أن يستكمل علاجه لأننا أنفقنا كل مدخراتنا فى دفع فواتير المستشفى التى تحاسب على كل شىء بأغلى الأسعار ، حتى كان يتخيل لنا أن إبتسامة الطبيب والممرضة عليها أجر . لم يتبق معنا ما ندفعه، ولا نريد بهدلة وقلة قيمة حين نعجز عن السداد الفورى للفوايتر التى تنهال علينا ، فخرجنا نحمل والدى للبيت لنستكمل علاجه ولرعايته بما نستطيع  . والدى الآن فى البيت يتحسّر على تحويشة العمر ، ويلومنا على أننا تسرعنا وذهبنا به الى هذه المستشفى . ويقول إنه لو كان يعرف ما سيجرى له لأصرّ على البقاء فى البيت . والدى لا يدرى بحالته ، فقد كان فعلا على وشك الموت ولهذا اضطررنا لنقله الى غرفة العناية المركزة . وكنا نظنّ الخير بهذا المستشفى الذى يحمل شعار الاسلام  . فهل هذا يجوز فى الاسلام ؟  

الاجابة :

 أولا : لا يجوز هذه المغالاة فى تكاليف العلاج . خصوصا وأن هذه المغالاة يقررها طرف واحد هو المستشفى ، ويستغل حاجة الطرف الآخر وإضطراره للعلاج لإنقاذ المريض . نحن هنا أمام جريمة سلب من نوع جديد ، يتم فيها إكراه طرف محتاج واستغلال حاجته . وليس هذا من الاسلام فى شىء ، لأن الاسلام هو دين العدل والاحسان والرحمة وتقديم الصدقة والزكاة المالية والسمو الخلقى . وبالتالى فإن رفع شعار الاسلام على هذا المستشفى هو إهانة للاسلام .

ثانيا : كلمة ( مستشفى إستثمارى ) غريبة ، لأنها تعنى عمليا إستثمار معاناة المريض وأهله . وبدلا من ان يكون مستشفى الرحمة يكون مشروعا إستثماريا لأكل أموال الناس بالسحت .

ثالثا : قد يقال : أنها حرية ، وانه العرض والطلب ، والأثرياء يريدون نوعا متميزا من الخدمة الطبية  وهذا من حقهم ، والفقراء لا يجبرهم أحد على دخول هذه المستشفيات . ونقول : ما الذى يمنع أن يكون هناك أجنحة متميزة داخل هذه المستشفيات الاستثمارية مخصصة للأثرياء تتميز بالرفاهية المطلوبة ، وأن يكون هناك أجنحة إقتصادية معقولة التكلفة للأخرين ، فيها نفس الخدمة الطبية ولكن بلا رفاهية ؟ ويؤخذ من المريض الثرى ما يساعد على رعاية المريض غير القادر . ؟ وفى هذا تحقيق لدور مهنة الطب النبيلة فى العلاج بإحسان .  أما ( الحرية والعرض والطلب ) فالمفروض أنها للطرفين معا ، وبالتالى فلا مجال لها هنا عند الاضطرار فى موضوع المرض والحوادث والحياة والموت . هنا يجب أن يكون التكاتف والتعاون على البر والتقوى ، وليس الاجهاز على مال المريض باستغلال حاجته واضطراره .

رابعا : هذه المستشفيات الاستثمارية مجرد ( عرض ) من ( مرض ) أو ( وباء) يجتاح الآن  الشعب المصرى.  هى ملمح من ملامح السقوط الأخلاقى فى مجتمع يسيطر عليه التدين السطحى والاحتراف الدينى فى السياسة والتجارة والتعامل اليومى للناس . مع التدين السطحى وإكتظاظ المساجد بروّداها وانتشار اللحى والحجاب والنقاب والعبارات الدينية يتم ارتكاب الفسوق والعصيان والسلب والنهب وأكل الحرام  . فى مجتمع مثل هذا تسود الأنانية والفردية ، وكل فرد يقول أنا وبعدى الطوفان . وتقل وتنعدم روح التكافل والتراحم ، ويتكالب الناس على سلب ما يستطيعون من بعضهم البعض ، ويسقط الضحايا تحت الأقدام دون أن يأبه بهم أحد . الكل يعذّب الكل ، والكل يستغل الكل . الموظف يستغل صاحب الحاجة ويحرق دمه ، وهذا الموظف نفسه وفى غير أوقات العمل الرسمية يكون فريسة للتاجر ومدرس الدروس الخصوصية ، وضابط الشرطة ..وينتقم من الجميع حين يتمتع بسلطته وقت العمل الرسمى ، وهكذا .. عجلة تدور من الظلم والاستغلال ، تطحن الجميع ، والكل فيها مجرم وضحية فى نفس الوقت .. ثم يربطون هذا السقوط الاخلاقى بعناوين دينية إسلامية . وينسون ان جوهر الاسلام هو التقوى ، أى تعمير الضمير بخشية الله جل وعلا ، وأن تتجلى هذه التقوى فى سلوك الفرد والمجتمع سموا فى الخلق وتراحما بين الناس ، وتكافلا إجتماعيا على مستوى الأسرة والشارع والمدينة والقرية .

أخيرا : للنهوض من هذا المستنقع لا بد من إصلاح جذرى سياسى ودينى وتشريعى وتعليمى . وهذا الاصلاح يأخذ وقتا ، لأنه علاج لفساد سياسى وتعليمى واجتماعى استمر نصف قرن تقريبا . لذا يجب أن يبدأ هذا الاصلاح سريعا  بتقرير الحرية فى الفكر والرأى والدين ، لكى نعرف ما هو الاسلام ، وما يناقضه فى حياتنا الدينية .

بدون هذا الاصلاح سيأكل الناس بعضهم بعضا . وليس هذا ببعيد .!!

اجمالي القراءات 7406