شجرة "الاخوان المسلمين"
زرعها السعوديون فى مصرفى عهد عبد العزيز آل سعود.

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


فى أواخر التسعينيات كان الباحثون عن الرأى الجديد فى الاسلاميات من الصحفيين العرب والأجانب يتصلون بى وينشرون عنى. وكنت أجيبهم فى موضوعات تخصصى "القرآن الكريم وتراث المسلمين وتاريخهم ". الا ان بعض الاسئلة كانت تدور حول التطرف الدينى المعاصر والوهابية والدولة السعودية. ومع اننى ضحية للنفوذ الوهابى السعودى فى مصر الا أن هذا المجال كان بعيدا عن تخصصى العلمى الذى يتوقف عند نهاية العصر المملوكى وبداية الفتح العثمانى لمصر والمنطقة العربية حوالى 921 بعد الهجرة او 1517 بالميلادى.
كنت مكتفيا بتخصصى فى تراث المسلمين السنى والصوفى وتاريخ المسلمين فى العصر الوسيط دون العصر الحديث والمعاصر. وكالعادة وقفت فى منتصف الطريق بين المتخصصين فى التاريخ والمتخصصين فى التراث السنى والصوفى . المؤرخون يرون اننى شيخ عريق فى علوم القرآن والحديث والتفسير والتراث السنى والصوفى . بينما يهاجمنى خصومى من السنية على أننى " بتاع تاريخ وحضارة".
تناسى الجميع ان الباحث فى التاريخ الاسلامى لا بد أن يكون ملما بحقائق الاسلام وتراث المسلمين ومدى التقارب أو الاختلاف بينها وواقع المسلمين فى العصر الذى يبحثه. والذى يبحث مثلا ثورات الخوارج أو الشيعة فى العصر الأموى لا بد له من بحث الاطار الفكرى والعقيدى لحركتهم السياسية ـ هذا مع أن عطاءهم الأيدولوجى لم يكن قد تبلور حينئذ ـ فمابالك اذا بحث تاريخ الحركات الأخرى فى العصر العباسى وهو عصر تقعيد واكتمال الأيدلوجيات المذهبية والتى كانت المؤثر الحقيقى لتلك الحركات السياسية.
وتناسى الجميع أيضا أن الباحث فى علوم الفقه والحديث والتفسير محتم عليه أن يبحث الأرضية التاريخية التى عاش فيها أولئك الأئمة وأثرت علي عقلياتهم قبل أن يبحث تاريخهم الشخصى ومدارسهم الفكرية وعلاقاتهم بمن حولهم من الحكام والعلماء وحتى العوام. بدون الأرضية التاريخية يظل البحث فىالفقه أو فى التفسير والحديث ناقصا معلقا فى الفضاء بعيدا عن حقائق الواقع المعاش.
ولهذا كان لابد من المزج بين التاريخ والأصوليات فى الدراسات والأبحاث الأسلامية كى تتضح كل جوانب الموضوع وابعاده. وهذاما سرت عليه فى رسالتى للدكتوراه والتى كانت تبحث أثر الأيدلوجية الصوفية او التدين الصوفى فى العصر المملوكى بكل نواحيه السياسية والدينية والأخلاقية والأجتماعية والعمرانية والثقافيةوالتعليميةوالأدبية والفكرية والفنية والأقتصادية. وهو أيضا ما تجرى عليه مؤلفاتى والتى تحمل عنوان " دراسة تاريخية أصولية"
وبسبب ذلك النقص المنهجى فى الدراسات الاسلامية ـ التاريخية والأصولية ـ فانها لا تزال تتمتع بجهل فاضح يؤكده انهم يتجاهلون الفارق الأساسى بين الأسلام كدين الاهى والمسلمين كبشر يخطئون ويصيبون. ولا بد ان يتحمل المسلمون أوزارهم وليس الاسلام مسئولا عن هذه الأوزار لأنه أوامر ونواهى وقيم عليا ينبغى اتباعها والبشر أحرار فى الطاعة أو المعصية ومسئولون عما يفعلون.

منذ 1987 بعد خروجى من الأزهر وتحررى من قيودهم الفكرية عزمت على أن اتفوق عليهم وعلى الجميع بمؤلفاتى فى تاريخ المسلمين وفى تراثهم بكل تجلياته وفرقه منذ العصر النبوى الى نهاية العصر المملوكى . وجعلت نفسى حكما قاسيا على نفسى فى هذا التحدى . وقررت فيما بعد نجاحى فى هذا التحدى. وحققت مقالاتى المنشورة ومعاركى شهرة واسعة لى حيث كان يقصدنى الباحثون عن التجديد فى اد فى الفكر الاسلامى والذين يريدون رؤى اسلامية مختلفة عن كلام الشيوخ المستهلك والمعاد، والذين يريدون منى الرد على الفتاوى المحنطة والتى لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمى .
على أن بعضهم كان يرى اننى استطيع أن أتكلم وأفتى فى كل شىء كما يفعل الشيوخ الجهلة الذين يفتون بجهلهم فى كل شىء من نواقض الوضوء وموجبات الغسل والحجاب والنقاب وتخضيب اللحية وتقصير الجلباب الى الدردشة على الانترنت ونقل الأعضاء والاستنساخ والحكم الشرعى للاستنجاء على سطح القمر.! لايستطيع أحدهم أن يقول لا أدرى .
سئلت مرارا عن الاخوان المسلمين والوهابية والتنظيمات الارهابية والى أى حد يختلف فكرها أو يتنوع ، والى أى حد يتفق مع جذوره الاولى فى العصور الوسطى. كنت أعتذر عن الاجابة لأن تاريخ العصر الحديث خارج تخصصى . وخجلت من نفسى من تكرار الاعتذار ، وقررت أن أدخل فى تحد آخر هو دراسة الجذور التاريخية والفكرية لمتطرفى عصرنا البائس. كان هذا قرارا هائلا لم أجد الوقت لتنفيذه لولا أن أدخلتنى الظروف فيه عنوة.
كانت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة تجهز لعقد مؤتمر لبحث "ظاهرة الاسلام السياسى " وكلفت باحثيها بالكتابة فى المحاور المختلفة للموضوع ، ومعظمهم ينتمى للتيار السلفى نفسه ويمثل الجيل الثانى لمثقفى الأخوان المسلمين، وكان المؤتمر فرصتهم لتمرير ايدلوجيتهم باسم الاسلام دون أن يجادلهم أحد فى مدى تعبيرهم عن الاسلام ، وكان الوقت حينئذ معهم باعتبارهم "اسلاميين معتدلين ".
لذا تم تكليف باحثة غير متخصصة فى الاسلاميات لتكتب فى أهم محور وهو " ماهية الحركة الاسلامية وتوصيفها" وفى آخر لحظة اعتذرت الأستاذة . وكان الدكتور سعد الدين ابراهيم هو الذى يدير تلك الجلسة فاقترح عليهم دعوتى لأتكلم عشرة دقائق لمجرد سد الفراغ .
اتصل بى الدكتور سعد الدين ابراهيم ـ وقد كنت اعمل وقتها معه فى مركز ابن خلدون ـ وقال : هل تستطيع أن تجهز نفسك للحديث عشرة دقائق عن ماهية الحركة الاسلامية المعاصرة وتوصيفها ؟ قلت له :" اننى اختلف معكم فى وصفها بالحركة الاسلامية. انها تناقض الاسلام ولا تعبر عنه ، بل لاتعبر عن كل المسلمين ، انها تعبر عن الحركة الوهابية فقط ". قال: اذن أمامك الفرصة الآن لتقنعنا بوجهة نظرك. ونراك غدا على المنصة." قلت " لن احضر لأتكلم فقط ، بل سيكون معى بحث مكتوب اجهزه الليلة وألقيه شفهيا أمامكم غدا ان شاء الله تعالى".

وهذا ما حدث . قبلت التحدى ـ تحدى نفسى بنفسى ـ وقبيل فجر اليوم التالى كان البحث مكتوبا بخط يدى. وبعد الاستيقاظ فى اليوم التالى ذهبت به الى مقر كلية الأقتصاد والعلوم السياسية حيث مكان عقد المؤتمر وطلبت تصوير عدة نسخ من البحث وتم ذلك . وكانت ندوة رائعة فى عدد الحاضرين ونوعية النقاش . بعدها اعطيت نسخة من البحث للدكتور محمد سيد سليم الأستاذ بالكلية والمشرف على المؤتمر، أثارت اعجابه وأرست صداقة ـ على البعد ـ بيننا أعتز بها . وعلمت أن الكلية قد نشرت البحث أو ملخصا له.ثم نشر مركز ابن خلدون هذا البحث فى تقريره السنوى ، ونشرته أيضا المجلة الفصلية " الأنسان والتطور "وذلك تحت عنوان " بين التدين النجدى والتدين المصرى"و التى يملكها ويديرها الدكتوريحيى الرخاوى أحد كبار الطب النفسى فى الشرق الآوسط .
وشجعنى هذا على أن أمضى فى التحدى الى آخره فقررت تأليف كتاب كامل عن المعارضة السنية السعودية فى القرن العشرين. يبحثها اصوليا وتاريخيا : يبدا بالمعارضة التى قام بها الأخوان ــ أولئك الذين اسهموا مع عبد العزيز فى اقامة الدولة السعودية الثالثة ثم ثاروا عليه فأخمد ثورتهم ، ثم حركة المعارضة السلمية لناصر السعيد فى عهد الملك سعود ، وحركة جهيمان العتيبى فى عهد الملك خالد . وأخيرا الحركة المعاصرة التى قامت بها اللجنة الشرعية وانتقلت الى لندن بزعامة المسعرى والفقيه قبل انفصالهما. وهى الحركة التى انجبت اسامة بن لادن.
أنهيت هذا الكتاب مع نهاية سنة 2000 . ولا يزال مخطوطا .
والفضل يرجع الى البحث الأول عن ماهية ما يسمى بالحركة الاسلامية وتوصيفها، انه الذى شجعنى على اضافة العصر الحديث والمعاصر من تاريخ المسلمين الى مجال تخصصى .
وهذا البحث بين يديك الآن عزيزى القارىء




جذورالحركة السياسية السلفية الراهنة
فى رؤية تحليلية أصولية تاريخية
للدكتور : أحمد صبحى منصور
مقدمة عن المنهج:
السائد فى تحليل الحركة الإسلامية هو النموذج الغربى فى التحليل على أنها من أشكال الحركات الاجتماعية السياسية. وقد يجدى هذا النمط التحليلى فى بحث الظواهر الاجتماعية والسياسية الآنية التى تفتقر إلى جذور تاريخية وأصولية، وقد يجدى أكثر فى بحث الظواهر الاجتماعية والسياسية فى الغرب حتى ما كان منها متصلاً بالشئون الدينية لأن الشأن الدينى هناك جرى عزله فى الكنائس بعيداً عن التأثير الفعال فى المجتمع، علاوة على أن المسيحية ليست كالإسلام فى تشابكه السياسى والاجتماعى مع الحياة اليومية للمسلمين. ولذلك فإن المنهج الغربى فى التحليل يكون أصدق فى التعبير عن ظروف المجتمع الغربى بقدر كونه أبعد عن ظروفنا كمجتمعات تراثية، خصوصاً حين نبحث ظاهرة دينية لها جذورها التاريخية ولها طبيعتها الفكرية التى جرى استدعاؤها من أعماق الماضى لتصبح حية مؤثرة فى الواقع الراهن، وبالتالى فإن من الضرورى إجراء التحليل الجذرى دينياً وفكرياً وتاريخياً قبل بحث تجلياتها الراهنة وتشابكها مع الواقع السياسى والاجتماعى.
ومن الصعب هنا الإحاطة التاريخية والأصولية بجذور الحركة الإسلامية المعاصرة بشقيها الإصلاحى الإسلامى والثورى السلفى، كما أن من الصعب أيضاً مناقشة أفكارها فى ضوء القرآن وما كان عليه رسول الإسلام عليه السلام. ولذلك نكتفى بإعطاء فكرة سريعة تتمحور حول الجذور التاريخية والملامح الفكرية.*

الجزء الأول:
الجذور التاريخية للحركة الإسلامية المعاصرة بين "مصر" و"نجد":
أولاً: التدين المصرى الإسلامى بين الماضى والحاضر:
في البداية لا بد أن نفرق بين الدين والتدين . الدين لدينا هو الاسلام فى كتابه السماوى المنزه عن التحريف والمحفوظ بقدرة الله تعالى الى يوم القيامة. التدين هو موقف الناس من دين الله تعالى وتعاملهم معه ومدى تطبيقهم له والتزامهم به . الخلط بين الدين والتدين يوقع في أخطاء منهجية وخطايا دينية اذ تحمل الدين السماوى ـ وهو في الأصل وصايا ومبادىء عالية سامية ـ خطايا البشروأخطاءهم. بيد أن المسئول عن هذا الخلط بين الدين والتدين والمسئول أيضا عن الاساءة للاسلام وتحميله أوزار المسلمين هم أولئك الأئمة المسلمون فى القرون الوسطى الذين نسبوا آراءهم ورؤاهم البشرية الى الله تعالى ـ مدعين أنها أحاديث قدسية ـ أو نسبوها الى النبى محمد عليه السلام ـ زاعمين أنها أحاديث نبوية , وزعموا أن ذلك التدين البشرى ـ المكتوب بعد موت النبى محمد بعدة قرون ـ جزء من الدين الآلهى متهمين بذلك النبى محمدا بأنه ترك جزءا من الدين لم يبلغه ولم يدونه, بل نهى عن كتابته كما يروى أئمة ذلك التدين أنفسهم. الواقع العلمى المنهجى يؤكد أن ما يعرف بالسنة وبقية التراث الذى يعتبره الشيعة والصوفية مقدسا ليس الا كلاما بشريا منسوبا كذبا للوحى الآلهى ، وليس لله تعالى أى علاقة به الا علاقة المخالفة والتناقض. وقد كان اولى تنزيه الله تعالى ورسوله الكريم عن هذا التراث البشرى الذى يعبر عن أصحابه وعقلياتهم ومستواهم الفكرى والحضارى ولا يخلو من جهل وخبل وخرافات يضحك منها الحزين.هذا التدين السنى هو الأصل الذى نبتت فيه شجرة الحركة السلفية التى تحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا فى عصرنا الراهن , وبسببها أصبح الاسلام متهما بالارهاب والتطرف .
ان ما اصطلح على تسميته إعلامياً بالتطرف الدينى وتجلياته من التعصب والإرهاب كان هو النوعية السائدة فى تدين العصور الوسطى لدى العالم الإسلامى والعالم الغربى المسيحى ماعدا مصر.
منطق التدين فى العصور الوسطى كان الحروب الدينية بين العالم الإسلامى والعالم المسيحى الغربى على المستوى الخارجى، والاضطهاد الدينى والمذهبى ومحاكم التفتيش على المستوى الداخلى، وتبادل الاتهام بالكفر على المستويين الداخلى والخارجى، بالإضافة للثورات والمظالم والاستبداد، ولكنها ترتدى زى الدين وتلتمس منه –بالتأويل والتزييف- شتى الأدلة والبراهين على مشروعية ما تذهب إليه من ثورة أو حرب أو قمع أو اضطهاد دينى أو مذهبى.
"مصر" وحدها التى كانت استثناء فى ذلك التدين فى العصور الوسطى، إذ قامت نوعية التدين المصرى على أساسين هما: الصبر والتسامح، الصبر على جور الحاكم والتسامح مع الآخر، صحيح أنه كانت هناك بعض حركات تعصب ضد أهل الكتاب، ولكنها كانت جملة اعتراضية فى التاريخ المصرى الإسلامى، علاوة على أنها كانت فى الأغلب- بفعل عامل خارجى-، مثل حاكم متعصب أو فقيه متعصب زائر، وسرعان ما تمر الأزمة ويعود الوئام، ويعود المصرى لما تعود عليه خلال تاريخه الطويل، إلى الصبر والتسامح والتندر على الظالمين وصراعاتهم وتقلب الزمن بهم صعوداً وهبوطاً.
وهذا التسامح المصرى فى العصور الوسطى كان مبعث الدهشة للرحالة والفقهاء الزائرين، خصوصاً من أتى منهم من مناطق تموج بالتعصب، وكل منهم كان يعبر عن دهشته من انصراف العابد إلى عبادته، والماجن إلى مجونه، وكيف تمتلئ المساجد بروادها والحانات بمرتاديها، ولا ينكر هذا على ذلك، وكل منهم مشغول بما هو فيه، نقرأ هذا الكلام فيما كتبه المقريزى فى الخطط عن شيخه العلامة ابن خلدون، وفيما كتبه الفقيه المغربى ابن الحاج فى "المدخل" عن شيخه العراقى، وفيما كتبه الرحالة المغربى ابن ظهيرة فى كتابه "الفضائل الباهرة فى محاسن مصر والقاهرة".(1)
ولذلك فإن المصريين فى العصر المملوكى لم يستجيبوا لدعوة ابن تيمية الذى لاقى رواجاً فى الشام حيث تسود الطائفية والتعصب، بل إن المذهب الحنبلى المتشدد الذى كان عالى الصوت فى الشام والعراق اختلف وضعه فى مصر، حيث تأثر بالتسامح المصرى فترك تشدده . ومن العجيب أنه فى الوقت الذى احتدم فيه الصراع المذهبى الفقهى فى الحجاز والشام والعراق فإنه كان من السهل فى مصر أن ينتقل فقيه من مذهب إلى آخر حسب أطماعه الوظيفية(2) وتلك الحالة عجيبة لم نر مثيلاً لها خارج مصر فى العصور الوسطى.
ولذلك فإن التصوف كان الأقرب إلى طبيعة التدين المصرى، لذا انتشر فيها وساد منذ القرن الخامس الهجرى . فقد احتوى التصوف كل العقائد المصرية القديمة وصاغها فى أشكال تحمل رموزاً إسلامية. واشترك المصريون جميعاً من أقباط ومسلمين فى تأدية نفس الطقوس وفى نفس المناسبات، كالموالد والقبور المقدسة والاعتقاد فى الأولياء والقديسين، وقد فصلنا الحديث فى ذلك فى كتابنا "شخصية مصر بعد الفتح الإسلامى"(3) وفى هذا الإطار كان التسامح مع الآخر، و"التسليم بحالته وطريقته" هو دستور التعامل فى مصر ، بينما كان "تغيير المنكر"بالقوة هو الدستور الآخر خارج مصر، حيث كان تغيير المنكر يتحول إلى ثورات عارمة فيما بين إيران والشام.
والخلاصة: أن مصر كانت متفردة فى العصور الوسطى بتدينها السمح وصبرها على جور الحكام، والغريب أن يدخل العالم إلى العصر الحديث ويخفت التعصب الدينى وتنتهى الحروب الدينية وتنحسر مفاهيم العصور الوسطى ولكنها تعود إلى مصر فى القرن العشرين الميلادى وهى تحمل معها نفس الملامح التى كانت رائجة خارج مصر فى القرون الوسطى، ومن الطبيعى أن نسأل عن السبب، والسبب هناك، فى منطقة "نجد" والدولة السعودية.
ثانياً: التدين فى نجد بين الماضى والحاضر:
منطقة "نجد" فى الجزيرة العربية هى نقيض مصر الثرية بمواردها، المنفتحة على العالم بموقعها، المعتدلة بمناخها، المتسامحة بشعبها . منطقة "نجد" متطرفة فى مناخها شحيحة فى مواردها منعزلة فى صحرائها لا يرى أهلها إلا أنفسهم، ولا يرون فى الأغراب إلا مجرد ضحايا للسلب والنهب حين يمرون على صحراء نجد من العراق إلى الحجاز. فى صحراء نجد القاحلة والواسعة عاش الأعراب على قطع الطريق، وكانت تأتيهم الفرصة الكبرى حين تنشأ فيهم أو تنتشر بينهم دعوة دينية تبرر وتبيح لهم القتل والسلب للآخرين على أنه جهاد. ولذلك كان استحلال الأعراب النجديين لدماء المسلمين المسالمين وأموالهم وأعراضهم فى التاريخ الاسلامى مرتبطا بثوراة نجد الدينية، تلك الثورات التى تخصصت فى التدمير وسفك الدماء. وما عدا الثورات ومشروعات الدول الدموية فإن تاريخ نجد العادى مجرد غارات داخلية فيما بينهم أو غارات سنوية عادية على قوافل الحجاج , أى مجرد غارات "علمانية" بدون شعارات دينية. ولكن تلك الغارات المعتادة استلزمت أن تسير قوافل الحجاج فى حماية جيش كامل، ويمكن التأكد من ذلك خلال الحوليات التاريخية العراقية للعصور الوسطى خصوصاً تاريخ المنتظم لابن الجوزى ت 597 هـ(4). ولقد تأثر ابن خلدون بتاريخهم الدموى فقرر فى مقدمته الشهيرة أن الأعراب هم أسرع الناس للخراب، وأنهم يحتاجون إلى دعوة دينية يستطيعون من خلالها استحلال الدماء والأموال والأعراض وإسباغ الشرعية على ثوراتهم واعتدائهم.(5)
وكما كانت لمصر خصوصيتها فى العصور الوسطى بتسامحها وصبرها وتأثيرها الإيجابى فى التاريخ الإسلامى، كذلك كانت لمنطقة نجد خصوصيتها فى العصور الوسطى بتطرفها ودمويتها وثوريتها وتأثيرها السلبى فى التاريخ الإسلامى.
وهنا نعطى محطات سريعة نقرأ فيها التاريخ الإسلامى بايجاز "قراءة جغرافية" أو "قراءة نجدية ":
1- فى "نجد" بدأ التطرف مبكراً حين كانت المركز الأساسى لحركة الردة، ففى سهل حنيفة ظهر مسيلمة الكذاب وتحالفت معه سجاح التميمية، ولنتذكر أنه فى نفس سهل حنيفة ولد وعاش محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية فيما بعد. ولقد وصف القرآن الكريم معظم الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً (التوبة: 97) وقد خضع الأعراب لقوة المسلمين وسالموها، مع أن الإسلام لم يدخل قلوبهم بعد (الحجرات: 14) فلما توفى النبى عليه السلام وتولى أبو بكر تمردوا على الدولة فى حركة حربية هادرة مركزها "نجد" وهاجموا المدينة، فليس صحيحاً أن أبا بكر حارب المرتدين، وإنما الصحيح أن المرتدين هم الذين حاربوا أبا بكر والمسلمين. وبعد إخماد حركة الردة بصعوبة بالغة رأى أبو بكر أن يتخلص من بأس الأعراب النجديين بتصدير قوتهم الحربية إلى الخارج شمال نجد , فكانت حركة الفتوحات العربية إلى شمال نجد فى العراق أولاً، ثم الشام وإيران . وتكونت جيوش الفتوحات من أغلبية من الأعراب (المرتدين سابقاً) وقيادة من الأمويين القرشيين (المعاندين سابقاً) ذلك أن الأمويين رأوا أن مصلحتهم السياسية والاجتماعية تحتم عليهم الدخول فى الدين الجديد، وسارعوا بتقدم الصفوف الأولى فى الفتوحات بما لديهم من خبرة حربية ومعرفة بطرق التجارة وصلات وثيقة بالقبائل العربية فى الشام وعلى الطرق التجارية. وانتهت الفتوحات وقد أصبح الأمويون يحكمون الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا باسم الإسلام، وفى خلافة عثمان سيطروا عليه، ومن خلاله انتقموا من أعدائهم السابقين فى الإسلام، مثل عمار وابن مسعود، وكان من السهل أن يمر ذلك كله عادياً لولا أن الأمويين فى خلافة عثمان اصطدموا بأعراب نجد فكانت الفتنة الكبرى، تلك الفتنة التى لازلنا نسيرفى نفقها المظلم حتى الآن.
2- كانت قضية "السواد" هى بداية الفتنة الكبرى . والسواد هى الأرض الزراعية الواقعة بين نجد والعراق، وكان أعراب نجد يتطلعون إلى امتلاك "السواد" لأنها الأقرب إلى موطنهم وحيث كانوا يغيرون عليه قبل الإسلام ويحلمون بامتلاكه، ولكن الأمويين لم يسمحوا لهم بذلك واعتبروا "السواد" "بستان قريش"، فاشتعلت الثورة، وقتل ثوار نجد عثمان بعد أن حاصروه، ونصبوا "علياً" خليفة، واشتعلت الحروب الأهلية، وفيها كان أعراب نجد هم عماد جيش على، ثم ما لبثوا أن خرجوا عليه وقتلوه وأصبح اسمهم الخوارج، وتفرقوا يرفعون لواء الحاكمية "لا حكم إلا لله" ويقتلون المسلمين المسالمين فى العراق وإيران، وأرهقوا الدولة الأموية بثوراتهم مما ساعد فى سقوط الأمويين سريعاً أمام العباسيين، وخفت صوت الخوارج بعدهم.ولكن بعد أن أرسوا عمليا مبدأ الحاكمية. صحيح ان ثقافتهم البسيطة لم تسمح لهم بتقعيده وتنظيره ولكنهم طبقوه عمليا ودمويا على المسلمين غير المحاربين فى الأسواق والتجمعات السكنية بعد اصدار قرار نجدى باستحلال دماء كل المخالفين لهم فى المذهب والعقيدة. والاستحلال هو المبدأ النجدى الأصيل فى التعامل مع الاخر ، فهم يستحلون دمه وماله وعرضه حين يغيرون عليه فى غاراتهم العادية – العلمانية – بدون الحاجة لفتوى أو مسوغ دينى، أما حين تقوم فيهم دعوة دينية فانه يجرى تبريرنفس الاستحلال وانواعه بفتاوى وأحاديث منها " جعل رزقى تحت ظل رمحى"
3- وعاد عرب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر على بن محمد فاتبعوه، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التى خربت جنوب العراق طوال خمس عشر سنة (255-270) هـ الى أن تم اخمادها بصعوبة بالغة. ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة، وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم، وقد سبقوا المغول فى سياسة الأرض المحروقة، أو إبادة كل الأحياء فى المدن التى يستولون عليها، وقد شهد المؤرخ الطبرى جانباً من فظائعهم وسجلها فى الجزء العاشر والأخير من تاريخه فيما بين (286-302) هـ واستمرت فظائعهم بعد الطبرى بقرنين تقريباً حتى تغلب عليهم أعراب المنتفق.
4- وبعد القرامطة عاد أعراب نجد إلى ما اعتادوه من قطع الطريق على الحجاج والاقتتال فيما بينهم، إلى أن ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن سعود، وكان أهم بند فى التحالف بينهما (الدم الدم، الهدم الهدم)، وأعطاه ابن عبد الوهاب تشريع الاستحلال بعد أن اتهم كل المسلمين الآخرين بالكفروجعل ذلك الاتهام مبررا دينياً للغزو والتوسع، وبذلك قامت الدولة السعودية الأولى، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء فى الجزيرة العربية وحول الخليج وفى العراق والشام، إلى أن اضطرت الدولة العثمانية للاستعانة بواليها على مصر" محمد على باشا" فقضى على الدولة السعودية ودمر عاصمتها "الدرعية" سنة 1818 م.
أى عدنا من "نجد" إلى "مصر" لنعثر على الجذور الحديثة للتطرف الدينى أو الحركة السلفية السياسية.
ثالثاً: الصراع بين التدين المصرى والتدين النجدى:
الظروف العالمية فى الصراع الإسلامى الغربى هى التى أدت إلى تلك المواجهة بين مدرستين مختلفتين فى التدين، مدرسة مصر، ومدرسة نجد.
بدأ هذا الصراع العالمى بالفتوحات العربية التى حملت راية الجهاد الإسلامية زورا وبهتانا ، ثم أعقبه الغرب بحركة استرداد امتدت من الأندلس إلى آسيا الصغرى وحملات بيزنطية كانت تصل إلى حلب ودمشق، ثم تطورت حركة الاسترداد الغربى لتصل إلى حركة استيطان صليبى فى الحروب الصليبية، ثم تطورت أكثر إلى حركة عالمية للكشوف الجغرافية، ثم الاستعمار الحديث.
ومرحلة المواجهة بين نجد ومصر تقع ضمن توابع الزلزال الذى أحدثته الحملة الفرنسية على مصر والشام، تلك الحملة التى أفاق منها المسلمون المصريون على تقدم العدو الأوروبى {الكافر} الذى اقتحم على المسلمين ديارهم، وللرد على ذلك التحدى ظهر الاتجاه المصرى لليقظة والاصلاح بعد الحملة الفرنسية ، وقبلها ظهر الاتجاه "الاصلاحى" الآخر فى نجد فى الحركة الوهابية يريد الاصلاح بالعودة للسلف الصالح. ثم اصطدم الاتجاهان فيما بعد.
مصر حسب شخصيتها اختارت اتجاهها مع الوالى محمد على بالانفتاح على الحضارة الحديثة والاستنارة الدينية التى بدأها الطهطاوى، ثم تطورت على يد محمد عبده إلى رؤية إصلاحية إسلامية فوق المذهبية وفوق التراث الصوفى والتراث الفقهى أيضاً، رؤية تحتكم إلى القرآن الكريم فى إيجاد أيديولوجية إسلامية للدولة المدنية تلائم العصر ومنجزاته. ومصر بشخصيتها تتيح للعلماء حتى الوافدين منهم مناخ الاجتهاد والعبقرية، فعلت ذلك مع الشافعى والقرطبى والشاطبى وغيرهم من العلماء المصريين الآخرين بالمولد والنشأة، ولذلك كان طبيعياً أن تكون الاستجابة المصرية للتحدى الغربى انفتاحاً على التقدم الآتى من العدو الغربى على قاعدة التسامح، واجتهاداً فى الفكر الدينى يوثق الصلة بين الثوابت الدينية وثقافة البحر المتوسط على نفس قاعدة التسامح.
ولذلك لم يجد الوالى الطموح "محمد على" مشقة فى القضاء على أعمدة النظام القديم، من المماليك والحامية العثمانية وشيوخ الأزهر، وكان طبيعياً أن يرحب بالقضاء على الدولةالوهابية السعودية الوليدة فى نجد لأن دعوتها التراثية الماضوية الرجعية لا تختلف عن خصوم محمد على داخل مصر، ولذلك استجاب سريعاً للسلطان العثمانى وأرسل الحامية العثمانية بتقاليدها العسكرية البالية لتحارب الوهابيين السعوديين فى نجد ويتخلص من غبائها وهمجيتها وفوضويتها، وليضرب عصفورين بحجر واحد، حتى ينشئ جيشاً حديثاً يكون قوام الإصلاح والتحديث فى مصر.
ولم يهتم محمد على بأكثر من القضاء العسكرى على الدولة السعودية، ثم انشغل بمشروعه الطموح فى مصر، ولم يدرك أن دولة دينية أيديولوجية مثل الدولة السعودية لا يكفى مجرد القضاء عليها عسكرياً بل لابد من مواجهتها فكرياً وثقافياً، ولم يعرف أن تلك الدولة التى قضى عليها عسكرياً سيأتى الوقت الذى تغزو فيه مصر فكرياً ومذهبياً.
لقد عاشت الدولة السعودية الأولى حوالى قرن من الزمان (1745-1818)م، وقد بدأت فيها مبكراً الاستجابة للتحدى الغربى ، قبل حملة نابليون بنصف قرن تقريباً، لأن النفوذ الإنجليزى فى الخليج وجنوب العراق وتخاذل العثمانيين أمامه كان يجرى أمام أعين أهل نجد، وهم بطبيعتهم يكرهون الغرب والغريب ولا يخضعون للأتراك إلا مكرهين، وإذا كان أسلافهم قد ثاروا على الخلفاء العرب من قريش تحت شعارات دينية فإنهم فى مواجهة الخلفاء العثمانيين وتخاذلهم أمام الغرب الكافر مستعدون للثورة بشرط أن توجد لهم أيديولوجية دينية، وهكذا كان الجو مستعداً لقيام الدولة الوهابية السعودية، كما كانت الظروف مهيأة لقبول الدعوة خصوصاً بعد تعاظم التدخل الغربى بالحملة الفرنسية ومناهضة انجلترا لها.
ولذلك فإنه لم يكن منتظراً أن تنتهى الدعوة الوهابية بعد سقوط دولتها السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية، وقتل حاكمها فى الأستانة. فقد استطاع زخم هذه الدعوة أن يعطى لأهل نجد تميزاً على غيرهم، إذ اعتبروا غيرهم من المسلمين كفاراً يعبدون الأضرحة والأوثان، لذا كان سهلاً أن تستطيع الدعوة الوهابية أن تقيم الدولة السعودية الثانية سريعاً (1821-1889)م، ولكن تصارع الأمراء السعوديين جعل هذه الدولة الثانية محدودة الأثر وأسقطها فى النهاية.
وأخيراً قامت الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن فيما بين (1902-1932)م، وخلال سنوات التأسيس هذه كانت لعبد العزيز رؤيته الواضحة فى إرساء دعائم الدولة الثالثة حتى تستمر ولا تسقط مثل الدولتين السابقتين . وتتلخص هذه الرؤية فى التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية، وتستطيع من خلالها السيطرة على العالم الإسلامى. وكانت النتيجة نجاح عبد العزيز آل سعود فى تحويل التدين المصرى القائم على التسامح حتى فى العصور الوسطى إلى تدين وهابى متشدد فى عصر حقوق الإنسان. ونأتى للسؤال التالى، وهو: كيف؟ كيف تم هذا التحول؟
فى الوقت الذى كان فيه عبد العزيز وآله لاجئين تحت رعاية آل الصباح فى الكويت كان الإمام محمد عبده فى مصر يعلن تطليقه للسياسة والثورة وتفرغه للإصلاح الدينى والفكرى، واعتبر التصوف خرافة كما وقف موقفاً حازماً من الفقه والأحاديث، واعتبر الأحاديث كلها أحاديث آحاد، وأعاد للأذهان ما قاله الأئمة المجتهدون فى عصر الازدهار الفكرى. وكان محمد عبده يأمل فى تأسيس مدرسة فكرية للاجتهاد الدينى تقوم بإصلاح عقائد المسلمين وتسهم فى تطورهم العقلى والعصرى، وكان هذا اقتناعه بعد تطليق السياسة ولعنها.
ولم يكن محمد عبده يدرى أن حركته سيقوم بإجهاضها تلميذه رشيد رضا لصالح السعوديين وأيديولوجيتهم السلفية الثورية.
مات محمد عبده سنة 1905، وفى ذلك الوقت كان عبد العزيز قد هرب من الكويت بأربعين من "إخوانه" وبهم استولى على الرياض سنة 1902 ثم سيطر على أواسط نجد سنة 1904. وبعد موت محمد عبده فى مصر ورثه رشيد رضا. وكانت الأنباء تأتى إلى مصر بانتصارات الشاب ابن سعود ونجاحه فى ضم الإحساء والمنطقة الشرقية، ثم نجح بعدها فى ضم عسير، وحاصر الشريف حسين فى الحجاز، ثم انتزع منه الحجاز سنة 1926 ليحتل ابن سعود بعدها موقعاً متميزاً جفف به دموع الملايين الذين حزنوا على إلغاء الخلافة العثمانية. ثم قام ابن سعود بإعطاء مملكته الوليدة اسم أسرته السعودية سنة 1932 بنفس المنهج السائد فى العصور الوسطى حين يطلق الحاكم على دولته اسمه أو اسم أسرته، كالدولة الأخشيدية والطولونية والفاطمية والعباسية.
ومع هذا النجاح لابن سعود فقد كان يدرك أن توسعه فى شبه الجزيرة العربية قد أضاف ألغاماً كثيرة تحت عباءته، فأعدى أعدائه وهم الشيعة يرتكزون فى المنطقة الشرقية، كما أن الأشراف والصوفية فى الحجاز لا ينسون ثأرهم عنده بعد ما فعله بالحجاز وأسرة الشريف حسين، وفى الخارج يقف أعداؤه الشيعة الزيدية فى اليمن بعد أن استولى على عسير، وهناك شيعة إيران والعراق والخليج وهم لا ينسون ما فعله وما سيفعله بالمشاهد الشيعية فى العراق، علاوة على أن أبناء خصمه الشريف حسين كانوا يحكمون العراق والأردن، أى أن أعدءه يطوقونه من كل الاتجاهات، ولهم جماهير فى أهم منطقتين فى مملكته، المنطقة الشرقية بجوار نجد، والحجاز، وهم لا يغفرون له أنه محا وجودهم حين جعلهم سعوديين، أى موالى وعبيداً لأسرته . وهكذا لم يعد أمام ابن سعود إلا مصر يتكئ عليها فى صراع البقاء وفى أمل الاستقرار والاستمرار أيضاً. فمن مصر جاء الخطر الذى دمر الدولة السعودية الأولى، ومنها يمكن أن يأتى الخطر الذى سيقضى على الدولة السعودية الثالثة، خصوصاً وأن التصوف هو التدين المصرى الأساسى والدعاية ضد الوهابيين على أشدها فى مصر، ومن الممكن أن تتطور ثقافة الكراهية ضد الوهابية إلى تحالف عسكرى أو سياسى خصوصاً مع طموح ابن سعود للسيطرة على الحجاز والذى كان دائماً تحت السيطرة المصرية.
ومن الممكن أن يتفادى ابن سعود هذا الخطر المصرى، بل يستغل مصر إلى جانبه إذا تحول التدين السنى الصوفى المصرى المعتدل إلى تدين سنى وهابى متطرف. وليس ذلك مستحيلاً، فالمهم هو العثور على الشخصية المناسبة التى تقوم بخلق هذا التحول، وكان سهلاً العثور على هذه الشخصية، وهنا بدأ دور الشيخ رشيد رضا.
جاء الشيخ رضا إلى مصر يحمل بين جوانحه الفكر السلفى مع كراهية موروثة للمسيحيين استقاها من بيئته الشامية، ولكنه كتم هذه الثقافة الشامية داخله أثناء تبعيته لشيخه الإمام محمد عبده. وبعد موت الإمام لم يكن رشيد رضا مؤهلاً للسير فى طريق شيخه فى معاداته لشيوخ الأزهر، إذا كان محمد عبده بفكره ومصريته وأزهريته وتاريخه ومكانته وشخصيته أقدر على الصدام مع شيوخ الأزهر، فهو منهم وهم منه، وهو أعلاهم قدراً وأرجحهم عقلاً وأكبرهم علماً وأكثرهم شهرة، ومع ذلك فقد عانى منهم ما عانى فى جهاده الإصلاحى، فكيف بتلميذه الوافد من الشام إذا كان فعلاً يريد السير فى طريق شيخه الإمام؟
على أن رشيد رضا قد يوافق فكر الإمام محمد عبده فى الهجوم على التصوف وأوليائه إلا أنه لا يوافقه فى انتقاد الأحاديث وفى انتقاده لتحجر الفكر الوهابى . وعندما مات شيخه الإمام وجد فرصته فى الزعامة ميسورة إذا تحالف مع ابن سعود، خصوصاً وقد جرت مياه كثيرة فى النهر، إذا علا نفوذ ابن سعود فى شبه الجزيرة العربية وبدأت الأحلام تتجمع حوله خصوصاً مع استقلاليته وشبابه ومقدرته، ثم بدأ تيار الشيوخ يميل إلى التعصب بعد إلغاء الخلافة وشدة التيار العلمانى فى تركيا ثم فى مصر والشام، وارتفع صوت الإلحاد متشجعاً بالليبرالية الفكرية والنفوذ الاستعمارى، وكل ذلك أثار حفيظة الشيوخ العاديين والصوفيين والسلفيين وقرب المسافة بينهم . خصوصاً وقد كان أئمة العلمانيين فى مصر من مثقفى الشوام المسيحيين والذين هاجروا لمصر بعد المذابح الطائفية في لبنان . وكان لابد أن تشتعل المعركة بين رشيد رضا وبينهم، وفى هذا الجو أتيح لرشيد رضا أن يثمر تحالفه مع ابن سعود فى نشر الفكر الوهابى بعد أن سيطر عبد العزيز على الحجاز وجعل من مناسبة الحج منبراً لنشر الدعوة وتجميع الأمصار وإعداد الكوادر وإعداد الخطط وتنفيذها. ودليلنا على ذلك أن عام 1926 الذى شهد أول موسم للحج بعد سقوط الحجاز هو أنشط الأعوام فى نشر الفكر السلفى فى مصر وخارجها. وكان رشيد رضا هو مهندس التسلل الوهابى للجمعيات الدينية، ومهندس إنشائها لصالح السعوديين، وعن طريق تلك الجمعيات أمكن تحول التدين المصرى عن الصوفية السنية إلى الوهابية السنية.
ونتتبع هذا الجهد على النحو الآتى: (6)
1- الجمعية الشرعية، أسسها الشيخ محمود خطاب السبكى سنة 1913 على أساس الولاء المطلق للتصوف، وفى إخضاع الفقه للتصوف كتب الشيخ محمود السبكى أولى مؤلفاته: أغلب المسالك المحمودية فى التصوف والأحكام الفقهية. فى أربعة أجزاء. ولكن فى عام 1926 اتخذت مؤلفاته طابعاً جديداً تحت شعار الدفاع عن السنة، وبالطريقة الوهابية أخذ يهاجم التصوف تحت هذا الشعار، وفى هذا الاتجاه الجديد كتب (26) كتاباً إلى أن مات سنة 1931. وعلى طريقه سار ابنه أمين السبكى وقد كتب فى الدعوة الوهابية تسعة من الكتب وتوفى سنة 1968، وهكذا.
وبالنفوذ السعودى الذى أرساه رشيد رضا انتشرت مساجد الجمعية الشرعية، وهى الآن أضخم جمعية فى مصر، تسيطر على أكثر من ألفى مسجد وألوف الأئمة الوعاظ وملايين الأتباع، وكانت ولا تزال الاحتياطى الاستراتيجى للإخوان المسلمين، وهم – أى الجمعية الشرعية والإخوان المسلمون- هم الآن مادة الفكر السلفى وحركته فى المجتمع المصرى.
2- جمعية أنصار السنة، فى نفس العام 1926 أقامها الشيخ حامد الفقى أحد الأزهريين، وقد أنشأ له عبد العزيز آل سعود منزلاً فى حى عابدين كان مقراً للدعوة الوهابية، وتخصصت هذه الجمعية فى نشر الفكر الوهابى ومؤلفات ابن تيمية وبان القيم، كما أنشأ مجلة الهدى النبوى سنة 1936 ولا تزال تصدر.
3- جمعية الشبان المسلمين: أنشأت سنة 1927 بتخطيط محى الدين الخطيب رفيق الشيخ رشيد رضا الشامى فى الدعوة السلفية، وتولى رئاستها الدكتور عبد الحميد سعيد، والاتجاه الحركى يغلب على هذه الجمعية وانتشرت وسط الشباب، وكان أهم الشباب فيها هو حسن البنا، ومع أنه أنشأ الإخوان المسلمين على غرار جماعة الإخوان التى أنشأها عبد العزيز آل سعود، إلا أن حسن البنا كان دائم التردد على جمعية الشبان المسلمين، وقد لقى حتفه أمام أبوابها سنة 1948.
4- جماعة الإخوان المسلمين: سنة 1928 وهى الاتجاه الحركى السياسى المسلح، وكان إنشاؤها برعاية رشيد رضا وتوجيهاته. ورشيد رضا هو الذى قام بتقديم الشاب حسن البنا إلى أعيان السعودية وأعمدة الدعوة الوهابية، ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، ومحمد نصيف أشهر أعيان جدة. وابنه عبد الله نصيف هو الذى كانس يتزعم رابطة العالم الإسلامى، والتى يتغلغل من خلالها النفوذ السعودى إلى العالم الإسلامى حتى اليوم، وهى التى لعبت دوراً فى تجنيد الشبان للذهاب إلى أفغانستان وتدريبهم على التخريب.
ونعود إلى الشيخ رشيد رضا وجنوده خارج نطاق الجمعيات لنلمح إلى تأسيسه مدرسة الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة فى جزيرة الروضة سنة 1912، وكانت تجاورها مؤسسة الزهراء للسلفى الشامى محيى الدين الخطيب، فى نفس المنطقة، كما كانت مجلته "المنار" ذائعة الصيت متخصصة فى الدعوة الوهابية والسعودية، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته المتخصصة كـ"الخلافة" والسنة والشيعة، وفيها كان يدعو إلى الخلافة الإسلامية ويرى فى ابن سعود المؤهل الوحيد للخلافة. وعن طريق مطبعة المنار نشر رشيد رضا الكثير من مؤلفات ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب. وتوفى رشيد رضا بعد أن قام بتوديع الأمير سعود ولى العهد فى ميناء السويس سنة 1935(7) وترك الراية يحملها من بعده تليمذه حسن البنا مؤسس الإخوان.
والشيخ حسن البنا اعترف فى مذكراته "الدعوة والداعية"، بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية، والأستاذ جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الأكبر، ووالده والسلطات السعودية فى كتابه "خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه"(8) والدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته عن السياسة المصرية يشير إلى معرفته بالشاب حسن البنا فى موسم الحج سنة 1936، وكيف أن حسن البنا وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فإن الانشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالى وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار فى مجلس الإرشاد(8) وعن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع ألى جانب ذلك أن ينشئ التنظيم الدولى للإخوان عن طريق الفضيل الورتلانى الجزائرى المساعد الغامض لحسن البنا، وهو الذى فجر ثورة الميثاق فى اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة فى قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية، ورفضت استقبال الفضيل الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى فى سفينة فى البحر ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره فى اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان تهريبه فى أحد موانى لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثانى فى قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها فى القاهرة سنة 1955 وكان بن بيلا فى ذيل القائمة.(9)
واكتشفت الحكومة المصرية بعد ما حدث فى ثورة اليمن سنة 1948 خطورة حسن البنا وتنظيمه السرى وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة فى اليمن بالريموت كنترول. ولذلك كان التخلص من حسن البنا سياسياً بكشف أسرار التنظيم وما جرى إبان ذلك من حوادث عنف متبادلة.
ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة والخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وتحالف السادات مع الإخوان، وعودة التيار الدينى السياسى للسيطرة على أجهزة الدولة فى التعليم والثقافة والإعلام مع عصر الثورة النفطية، ثم خلافهم مع السادات، وقتلهم له، واستمرار سيطرتهم فى عصر مبارك الذى آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع التصالح مع الفكر السلفى الذى أصبح يقدم نفسه على أنه الإسلام.
وهنا ندخل على طبيعة الفكر السلفى التى أجهضت الاجتهاد المصرى فى الإصلاح الدينى لصالح الثورة السلفية.
الجزء الثانى : الطبيعة الفكرية للحركة السلفية السياسية
1 - حركة تعتمد على شعارات:
عن طريق مصر انتقلت الوهابية والنفوذ السعودى إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام واليمن والهند شرقا، ولا ينبغى هنا نسيان دور الحج بطبيعة الحال، وعزز من هذا الانتشار أن حجة الوهابيين قوية وحقيقية فى الهجوم على عبادة الأنصاب والقبور، وأن منهجهم يعتمد أساساً على الأحاديث المنسوبة للنبى عليه السلام، وأنه يقوم على عموميات لا يختلف عليها اثنان مثل صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وإخلاص العقيدة لله تعالى.
وبانتقال الدعوة الوهابية إلى مصر وإجهاضها المشروع الإصلاحى التنويرى لمحمد عبده فقد تم قطع خط الرجعة على الدعوة، بحيث كان عليها أن تسير فى اتجاه واحد يمحو الاتجاه القديم للإصلاح والتنوير وبدلا منه يقوم بتجميع المسلمين نحو هدف واحد هو الحكم الاسلامى – فى الظاهر – والوهابى فى الواقع. وبدأ حسن البنا فى رفع لواء التجميع لكل المسلمين من صوفية وسنيين وقال كلمته المشهورة "هى رسالة سلفية وطرق سنية صوفية" وإذا كان مستحيلاً الجمع بين عقائد السنة والصوفية فإن البنا خرج من هذا المأزق بتأجيل البحث فى الخلافات على أساس تربية القيادات على المنهج السنى الوهابى وأثناء ذلك تظل الرايات مرفوعة عن شمولية الدعوة لكل الطوائف فى اتجاه هدف واحد هو الحكم بطبيعة الحال.
ومن طبيعة الحركات الدينية السياسية التقية، وأهم وسائل التقية رفع الشعارات المقدسة، فكذلك فعلت الدعوة الدينية السياسية التى تمخضت عن قيام الدولة العباسية، إذ كان شعارها "الرضى من آل محمد" وكذلك فعل ويفعل الإخوان حين يرفعون شعارات سياسية مقدسة مثل "القرآن دستورنا والرسول زعيمنا" ومثل "تطبيق الشريعة" ثم "الإسلام هو الحل" وبعد هذه الشعارات التى لا خلاف عليها ليس لديهم اجتهاد فقهى يناسب العصر وليس لديهم منهج فكرى للحكم أو برنامج سياسى لعلاج المشاكل السياسية والاجتماعية لأنهم طالما أجهضوا حركة الاجتهاد الفكرى والإصلاح الدينى فى سبيل الوصول للحكم فلم يعد أمامهم إلا استرجاع الفقه التراثى ومحاولة إخضاع العصر لمقولاته، بينما ينبغى أن يكون العكس هو الصحيح،أى الاجتهاد الفقهى لمقتضيات العصر بمثل ما اجتهد الفقهاء السابقون لعصرهم. ولو كانت تلك الحركة الدينية السياسية مصرية فى جذورها لأثمرت اجتهاداً فقهياً يناسب العصر حتى مع تركيزها على الثورة والهدف السياسى، فتلك هى الطبيعة المصرية التى ترغم بعض العناصر فى الأزهر على الإتيان بجديد، مع كون الأزهر أعرق مدرسة فى الجمود العقلى.
ولكن لأن جذور تلك الحركة ترجع إلى نجد فإنه ليس أمامها إلا اتباع الفقه الحنبلى التيمى الذى لم يجد ابن عبد الوهاب غيره أقرب إلى منهجه وإلى طبيعته المتشددة . صحيح أن هناك بعض التعديلات بين السطور كالذى نراه لدى محمد الغزالى والقرضاوى والشعراوى، ولكن هذه التعديلات القشرية لا تصل إلى المنهج الفكرى نفسه. والمنهج الفكرى للدعوة السلفية وحركتها السياسية هو تحويل الفكر إلى دين عن طريق التأويل، وهذه هى أولى الملامح الفكرية للحركة السلفية بالإضافة إلى الملمح الآخر وهو الثورية العنيفة الدموية. وبذلك يمكن أن نوجز ملامح تلك الحركة فى كلمتين، إنها "حركة ثورية معصومة" أو هكذا يعتقدون. ونتوقف قليلاً مع التأويل الذى جعل الحركة معصومة وجعل إطارها الفكرى ديناً يعاقب من يخرج عليه أو يناقشه بالقتل.
التأويل: حين نقول التأويل نقصد تأويل النصوص القرآنية وتزوير أحاديث منسوبة للرسول عليه السلام تعزز ذلك التأويل، واختراع مصطلحات جديدة عن تلك المفاهيم تخالف مصطلحات القرآن وما كان عليه النبى عليه السلام.
وخطورة التأويل بهذا الشكل أنه يقوم بتحويل الفكر البشرى إلى النقيض للدين السماوى الحقيقى، وبعد أن يتحول ذلك الفكر البشرى إلى دين كامل عن طريق التأويل والتزوير والمصطلحات الدينية الجديدة، يتقمص ذلك الدين البشرى دور الدين السماوى الحقيقى فى عقائد الناس حتى يصبح الخروج عليه خروجاً على دين الله تعالى يستلزم عندهم الكفر والقتل.
وللتوضيح نقول: إن دين الله تعالى ينزل كتاباً سماوياً ليس مؤلفاً من بنى البشر وتكون وظيفة الرسول النبى صاحب الرسالة هى مجرد التبليغ للرسالة كما هى دون زيادة أو نقص، ويكون الرسول النبى نفسه قدوة للمؤمنين فى التمسك بالرسالة وتطبيقها طبقاً لظروف عصره. ثم يوم القيامة يقوم الله تعالى مالك الدين ومالك يوم الدين بمحاسبة النبى ومحاسبة خصومه وأتباعه والبشر جميعاً على مدى تمسكهم بالكتاب السماوى.
ولكى الذى حدث أنه بعد موت النبى أخذت الفجوة تتسع بين الناس وبين الرسالة السماوية، وبدأت تلك الفجوة تظهر أفكاراً بشرية تخالف الكتاب السماوى وتقوم بتبرير وتشريع وتسويغ التدين البشرى بكل ما فيه من نقائض وخروج على الدين الحقيقى، ونظراً لأن تلك الأفكار والفتاوى البشرية تقوم بتلبية الأغراض السياسية والرذائل الاجتماعية للناس فإنهم يقومون باختراع أصل مقدس مزيف لتلك الأقاويل والأفكار عن طريق نسبتها لله تعالى ولرسوله الكريم مع تطويع النصوص الإلهية لمفاهيمهم الجديدة، إذا عجزوا عن تحريفهم لفظياً.
والتأويل بهذا المعنى عرفه الشيعة والسنة والصوفية، كل منهم جعل منهجه الفكرى ديناً عن طريق نسبته لآل البيت والأئمة كما فعل الشيعة، أو نسبته للنبى والصحابة كما فعل السنة، أو عن طريق العلم اللدنى للأولياء كما فعل الصوفية، وفى كل الأحوال يتقمص ذلك الفكر البشرى شخصية الدين ويتحول الأئمة فيه إلى آلهة أو أنصاف آلهة تحظى بالتقديس ولا يجوز الاعتراض عليهم، ولذلك فإن القلوب تقشعر حين يعترض أحدهم على البخارى مثلاً لأنه أضحى معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه مكانته الحقيقية فى معتقدات أهل السنة، وكذلك مكانة جعفر الصادق لدى الشيعة وأبو حامد الغزالى عند الصوفية. وفى كل الأحوال تحول الفكر إلى دين وتحول أئمة الفكر إلى مستوى فوق البشر وتحولت كتبهم إلى أسفار مقدسة، وكل ذلك عن طريق التأويل بالمفهوم الذى قررناه.
على أن هناك دليلاً آخر عقلياً نجده لدى المعتزلة لا يسمح بالتحريف والتزييف ولا يخترع له سنداً يصله بالنبى، وهذا التأويل العقلى مع أنه أروع، إلا أنه اندثر لأنه ظل مجرد فكر محصور بين النخبة المثقفة، ويخضع للجدال بين العقول ويتخذ له مشروعية عقلية بالحجة والمنطق ولذلك انتهى إلى زوال. أما الفكر الآخر فقد سرى إلى طبقات المجتمع على أساس أنه دين لأنه منسوب لله تعالى أو للرسول، فكيف تعترض على فكرة ما إذا صيغت فى حديث نبوى؟ أو قيلت فى حديث قدسى؟ من الطبيعى حينئذ يقدم العقل إجازة ويرفع لواء التسليم ويبتلعها المؤمن لأنها ارتفعت من دائرة العلم والنقاش إلى مستوى الدين والإيمان والتسليم، وبالتالى فإن من يعترض على ذلك الفكر أو يناقشه يصبح كافراً مرتداً مباح الدم. وبهذه الحصانة استمد الفكر السنى حصانته الدينية والثورية، وأصبح يجمع بين صفتى العصمة والثورية.
وهذه العصمة الثورية أنتجت تحت لواء الجهاد ثلاث نتائج خطيرة فى تاريخ المسلمين، الماضى والحاضر والمعاصر، وهى الثورة ضد أنظمة الحكم، استحلال الدماء والأعراض للعوام ومصادرة "الآخر" سياسياً وفكرياً وعقائدياً.
ونتوقف بالتأصيل التاريخى لكل منها.
2- من الثورية فى مواجهة الحكام إلى سفك دماء العوام: الجذور التاريخية:
الثورية المقصودة هنا هى الثورية التى تحركها الأحاديث المنسوبة للنبى والتأويل الدينى. واختراع الأحاديث فى مجالات الصراع السياسية بدأ من الفتنة الكبرى، ثم استفحل فى العصر الأموى حين اخترع الأمويون منصب القصاص الذى يقوم بدور وزير الإعلام فى عصرنا، ويعمل من أجل الدعاية فى المسجد للخليفة الأموى وتبرير أعمال الدولة، خصوصاً بعد المصائب الثلاث الكبرى التى ارتكبها الأمويون فى خلافة يزيد بن معاوية، وهى قتل الحسين وانتهاك حرمة الكعبة والمدينة . وخصوم الأمويين استخدموا نفس الأسلوب فى حرب الدولة، فإذا كان القصاص يستخدم الأحاديث فى الدفاع عن الدولة فإن القرّاء (جمع قارئ – وتعنى المثقفين الناقمين على الدولة) يستخدمون أحاديث أخرى فى الكيد للدولة، وهذه الحرب بين الفريقين كانت بالرواية الشفهية للأحاديث، والتى تم تدوينها وتطويرها فيما بعد.(10)
ولم يتخلف تزييف الأحاديث عن مرافقة الثورات ضد الأمويين، كان بعضها منسوباً للنبى، والبعض الآخر نسبوه لعلى بن أبى طالب، وعلى سبيل المثال ففى موقعة دير الجماجم بين الثوارعلى الأمويين والحجاج بن يوسف خطب فى الثوار الفقيه عبد الرحمن بن أبى ليلى فقال فى الثوار "يا معشر القّّرّاء إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إنى سمعت علياً يقول: أيها المؤمنون إنه من رأى منكم عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه فأنكره قلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أُجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف.. فذلك الذى أصاب سبيل الهدى.. فقاتلوا هؤلاء المحلّين المحدثين المبتدعين.." وكانت واقعة دير الجماجم سنة 83 هـ. ومع هزيمة الثوار الفقهاء إلا أن ثوراتهم لم تنقطع ضد الدولة الأموية ترفع لواء تغيير المنكر، وتدعمها أقوايل حماسية أصبحت تنسب للنبى وأصبحت الأحاديث تمثل الإطار الفكرى للثورات، وأسهمت فى تجميع الأنصار حول الدعوة الشيعية الغامضة للرضى من آل محمد، والتى أسست الدولة العباسية، ومن يراجع ما كتبه السيوطى فى "تاريخ الخلفاء"(11) يجد فصلاً فى الأحاديث التى كانت تبشر بخلافة بنى العباس وتجعل الخلافة فيهم إلى يوم القيامة، وبعضها ينص على أسماء الخلفاء(12)، أى أن "إدارة الإعلام" فى الدولة العباسية ظلت تصنع الأحاديث حتى بعد توطيد الدولة، وذلك لتبرير المظالم التى واكبت توطيد الملك العباسى خصوصاً فى عهد السفاح والمنصور.
وتلك المظالم العباسية، وسطوة الدولة العباسية على الفقهاء المثقفين الذين كانوا – من قبل -يستبشرون بها خيراً، أدت إلى إصابة المثقفين بخيبة أمل قوية فى الحلم الذى تحول إلى كابوس إذ كانوا بين نارين أو أكثر، تصديق تلك الأحاديث وتكذيب ما يرونه بأعينهم من مظالم . وبين خيبة الأمل والخوف من الثورة أصيب أولئك المثقفون بحالة مرضية فريدة، إذ أصبح اسمهم البكائين، فتخصصوا فى البكاء المفرط واتخاذه طريقاً للعبادة وإنفاق حياتهم فى بكاء لا ينقطع، وقد ذكر ابن الجوزى ترجمة لأعيان هذه الطائفة فى تاريخه المنتظم، ومع أنهم ظهروا قبل سقوط الدولة الأموية إلا أن تطورهم فى العبادة بالبكاء وتقعيد هذه العبادة كان فى عصر السفاح والمنصور، مما يجعل ذلك التطور من الزهد والحزن العادى إلى الصراخ المرضى مرتبطاً بخيبة أمل قوية فى حلم تحول إلى كابوس.(13)
واندثرت حركة البكائين وحل محلها اتجاه أكثر إيجابية فى المقاومة خصوصاً بعد محنة الإمام أحمد بن حنبل فى موضوع خلق القرآن (من 218: 237 هـ) وفى هذه الفترة ازداد التلاحم بين الفقهاء أصحاب الحديث مع الشارع العباسى، وأثناء الشقاق بينهم وبين السلطة العباسية اخترع الحنابلة حديث "من رأى منكم منكراً فليغيره.." على نسق الخطبة التى احتوت على مقالة منسوبة لعلى بن أبى طالب والتى ارتجلها الفقيه بن أبى ليلى فى موقعة دير الجماجم. وتزعم هذه المقاومة من مدرسة ابن حنبل الفقيه أحمد بن نصر الخزاعى، الذى أعد العدة للثورة باسم تغيير المنكر، وتحركت الدولة العباسية سريعاً فاعتقلت الفقيه ابن نصر وأقامت محكمة عاجلة له أمام الخليفة الواثق، وقتله الخليفة بيده سنة 231 هـ وعلق رأسه على أبواب بغداد. وقد قام الحنابلة بدعاية مركزة ضد الدولة العباسية أسندوا الكرامات إلى الفقيه المقتول، وأتت تلك الحملة الدعائية المغلفة بالأحاديث والمنامات أكلها فاقتنع بها فى النهاية الخليفة التالى وهو المتوكل فاعتنق المذهب السنى، وأفرج عن ابن حنبل وأصحاب ابن نصر، وأرسل كبار الدعاة لنشر الدعوة السنية فى الآفاق سنة 234 هـ وبتأثير الحنابلة اضطهدت الدولة العباسية خصوم الحنابلة، مثل الشيعة والصوفية وأهل الكتاب، وبدأ تحقير أهل الكتاب بإلزامهم بزى معين سنة 235 هـ.(14) وكما صادر الحنابلة "الآخر" من الصوفية والشيعة وأهل الكتاب أثناء نفوذهم فإن الإمام الطبرى لم ينج منهم فى أخريات حياته، حين خالفهم فى تفسير الاستواء على العرش، فحاصروه فى داره إلى أن مات داخل داره، ولم يشفع له عندهم أن يكتب لهم رسالة فى الاعتذار، كما لم تستطع الدولة العباسية حمايته منهم، فظلوا يرجمون داره حتى صارت الحجارة فوق داره كالتل العظيم وتحول بينه إلى قبر له.(15)
وهذا هو التراث الحنبلى الذى تحمله الدعوة الوهابية، ويضاف إليه تراث ابن تيمية الفقهى والحركى فى الهجوم على الصوفية والشيعة، مع أنهم كانوا فى عهده أصحاب سطوة ونفوذ، خصوصاً الصوفية. ومع ذلك فإن عنف ابن تيمية تجلى فى فتاويه التى تبيح قتل الزنديق بدون محاكمة، والزنديق ليس هو المرتد ولكنه المسلم الذى يؤمن بالله ورسوله والكتاب والسنة ولكنه يخالف المذهب السلفى فى بعض آرائه. وقد نقل هذه الآراء فقهاء الحركة السلفية المعاصرون مثل أبى بكر الجزائرى فى السعودية وسيد سابق فى مصر.(16) فكل من أنكر أو ناقش مقولة سلفية أو شعاراً أساسياً للحركة مثل تطبيق الشريعة أو الشعار الغامض "المعلوم من الدين بالضرورة" فجزاؤه القتل بدون محاكمة وبدون استتابة عندهم. وبالتالى فإن الحديث عن تداول السلطة إذا وصلوا للحكم ليس له محل من الإعراب.
ومن الطبيعى أن تتحول مصادرة الفكر إلى مصادرة للحق فى الحياة، وإذا كان أصحاب الحديث قد تقربوا للدولة العباسية باختراع حديث الردة لتقتل به الدولة العباسية خصومها السياسيين(17) فإن قتل الخصوم كان شريعة الثوار النجديين أسلاف الحركة الوهابية، وقد توسع أعراب نجد فى قتل الخصوم فى إطار الدعوة الدينية حين كانوا خوارج، وحين ثاروا فى حركة الزنج وفى ثورة القرامطة. وفى كل الأنهار الدموية التى فجروها كان لهم تأصيل فكرى وتأويل مذهبى فى إطار الدعوة التى يرفعونها، سواء، كانت خارجية أو شيعية.
فالخوارج استباحوا قتل المسلمين، يقول الملطى (377 هـ) عن الطائفة الأولى منهم، إنهم كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق حين يجتمع الناس على غفلة فينادون "لا حكم إلا لله"، ويقتلون الناس بلا تمييز(18) وهذا شبيه بما يفعله المتطرفون من تدمير المقاهى والشوارع لقتل الناس كيفما اتفق وحجتهم "الحاكمية" اى "لا حكم الا لله " نفس مقولة الحاكمية الأولى من الخوارج.
وفى حركة الزنج قتل الثائرون ثلاثين ألفاً حين استولوا على مدينة الأبلة فى العراق سنة 256 هـ، وفى العام التالى دخل البصرة زعيم الزنج بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل أهلها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق مسجدها الجامع، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف، وقد فرقهن على عسكره من الزنوج، وكانت السبايا العلويات تباع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: "هو مولاك وأولى بك من غيره".(19)
وكان القرامطة أكثر وحشية فى استباحة الدماء والأعراض، ومن موقع المعاصرة والمشاهدة روى الطبرى بعض أخباره، منها أنه خصص غلاماً عنده لقتل الأسرى المسلمين، وأنه استأصل أهل حماة ومعرة النعمان وقتل فيهما النساء والأطفال، ثم سار بعلبك قتل عامة أهلها، وسار إلى سلمية وأعطاهم الأمان ففتحوا له الأبواب فقتل من بها من بنى هاشم ثم اختتم بقتل أهل البلد أجمعين بما فيهم صبيان الكتاتيب، ثم خرج عن المدينة وليس فيها عين تطرف، ونشر الخراب والدماء فى القرى المحيطة. أما ما فعله فى الكعبة وقتل الحجاج فيها وإلقاء الجثث فى زمزم، واقتلاع الحجر الأسود، فذلك ما استفاضت فيه الأخبار، وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء كانت تقوم على منهج فكرى أشار إليه النويرى فى حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى فى قصة واقعية لشاب اقتنع بالدين القرامطى وهجر أمه وأسرته مقتنعاً بالدين الجديد معتقداً استحلال الدماء.(20)
ولا تختلف مذابح الخوارج والزنج والقرامطة – وقادتهم من أعراب نجد أساسا- عن المذابح التى قام بها النجديون الوهابيون السعوديون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، والدولة السعودية الثالثة الحالية، وقد وصلت تلك المذابح الى العراق والشام والبيت الحرام وسائر مدن الحجاز ، وكان أكثر الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ.
ولا تختلف هذه المدرسة الفكرية التى كان يعدها القرامطة لغسيل مخ الشباب عن الاعداد الفكرىالذى كان فقهاء الوهابية يعدونه لشباب الأعراب النجديين فى العقد الثانى من القرن العشرين والذى يتحول به الشاب الاعرابى الى مقاتل عنيد يرى الجهاد فى استحلال قتل كل من ليس وهابيا، وعن طريق هذا الاعداد الثقافى تكون "الاخوان " جنود عبد العزيز آل سعود الأشداء الذين أسسوا الدولة السعودية الحالية ، وكانت سمعتهم فى القتل والتدمير ترعب قرى الشام والعراق، كما لايختلف عن الاعداد الثقافى الذى تقوم به جماعات الاخوان وبقية التنظيمات العلنية والسرية فى تاريخنا المعاصر والذى يجعل الشاب المصرى المسالم يستسهل تفجير الشوارع والمبانى معتقداً أن ذلك جهاد فى سبيل الله. كما لا يختلف ذلك عن الوحشية الهائلة التى يتعامل بها المتطرفون فى الجزائر مع أبناء الشعب المسالم من نساء وأطفال، وما حركة طالبان عن ذلك ببعيدة، فهم الذين تشربوا الفكر السلفى.
الخاتمة:
وفى النهاية.. قد نختلف فى تأويل حركة التطرف والإرهاب، قد يرجعها بعضهم إلى الفقر والظلم والفساد السياسى والاقتصادى واليأس لدى الشباب، ولكن متى كان الشعب المصرى- وغيره من شعوب الشرق الإسلامى- متمتعاً بالعدل والرفاهية؟ إن الظلم فى عصرنا أخف كثيراً من ظلم المماليك والعثمانيين وغيرهم. ومع ذلك فإن ظلم العصور الوسطى مع قسوته المفرطة لم يفلح فى دفع المصريين للثورة لأن التدين المصرى كان قائماً على الصبر والتسامح، وكان المصرى وهو يكد فى إنتاج الخير للغير يلتقط أنفاسه لكى يسخر من الحاكم الظالم، فإذا شاهد الحاكم الظالم فى موكبه سارع بالهتاف له فى تسامح لا نظير له، فإذا مات ترحم عليه واستنكف من الشماتة فى موكبه فيه قائلاً: اذكروا محاسن موتاكم، وسارع بتعليق أخطائه وخطاياه على الحاشية وحدها.
وظل هذا المنطق المصرى والتدين المصرى إلى أن حدث ذلك التغيير فى الذهنية المصرية فانتشر الفكر السلفى الوهابى الذى يوجب مصادرة حقوق الآخرين تحت دعوى إزالة المنكر، خلافاً لتشريع القرآن، ويتوسع فى إزالة المنكر ليشمل إزالة الدولة نفسها، ويتوسع فى القتل إلى درجة قتل الأبرياء بعد الحكم بتكفيرهم، وبالتالى أصبح قتل الأبرياء جهاداً يتوجه نحو أبناء الوطن الواحد والدين الواحد.
وصحيح أنه لابد من إصلاح سياسى واقتصادى فللتدهور الاقتصادى والاستبداد السياسى دخل فى نشر التطرف وتغذية الحركة السلفية، ولكن الصحيح أيضاً أن الإصلاح الدينى هو الأساس. ونحن هنا لا نبدأ من فراغ بل لدينا تجربة الإمام محمد عبده، التى أجهضها المشروع السلفى السياسى.
ومن الغريب أن تنجح دولة وليدة هى السعودية فى غزو أقدم دولة فى العالم وهى مصر، تغزوها بفكرها الغريب عن الطبيعة المصرية، ومن الغريب أن هذه الدولة السعودية التى تعتبر أقصر عمراً من جريدة الأهرام وشركة عمر أفندى فى القاهرة - تستحوذ على تقديس المصريين بسبب سيادة مفهومها الدينى المخالف للإسلام وسماحته، فالحق يقال أنه إذا كان هناك فرق بين الإسلام والرؤى الفكرية البشرية للإسلام، فإن أقرب الرؤى للإسلام هى الرؤية المصرية الأصيلة المتسامحة، وأبعدها عنه هى الرؤية البدوية المتشددة.
ويبقى الحل فى الرجوع إلى القرآن، نحتكم إليه فى هذه القضية.. وصدق الله العظيم "أفغير الله أبتغى حكماً؟ وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا؟".
الهوامش:
(1) المقريزى: الخطط 1، 90، 2، 55 ط. دار الشعب.
ابن الحاج العيدرى: المدخل 1، 270، دار الحديث.
ابن ظهيرة: 204.
(2) عن تحول القضاة إلى مذاهب مختلفة: اقرأ:
تاريخ ابن إياس: تحقيق محمد مصطفى 1، 2، 52.
ابن الصيرفى: نزهة النفوس والأبدان: 2، 68.
ابن حجر العسقلانى: أنباء العمر 3، 289.
أبو المحاسن: النجوم الزاهرة 13، 39، 40.
(3) أحمد صبحى منصور: شخصية مصر بعد الفتح الإسلامى: 159: 166 ط 1948.
(4) مجرد أمثلة على قطع الطريق على الحجاج من الجزء 14 من المنتظم:
9، 35، 174، 189، 202، 210، 234، 236، 337، 363، 369، 374.
(5) مقدمة ابن خلدون: 125: 127.
(6) المادة العلمية عن الجمعيات الدينية فى مصر مستقاه من: د. محمد عبد العزيز داود: الجمعيات الإسلامية فى مصر. الزهراء للإعلام: 123، 290.
(7) د. محمد أبو الإسعاد: السعودية والإخوان المسلمون: نشر مركز الدراسات والمعلومات القانونية: 27، 41.
(8) جمال البنا: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: 62، دار الفكر الإسلامى.
د. محمد أبو الأسعاد: السعودية الإخوان المسلمون 67: 79.
(9) عبد الكريم قاسم سعيد: الإخوان المسلمون والحركة الأصولية فى اليمن.
بحث فى مجلة قضايا فكرية: الأصوليات الإسلامية الكتاب 13، 14 أكتوبر 1993. 248: 258.
أمين المهدى: الجزائر بين العسكر والأصوليين: 20. الدار العربية للنشر.
(10) د. أحمد صبحى منصور: حرية الرأى بين الإسلام والمسلمين: بحث منشور فى كتاب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان 1994، 81: 87.
(11) تاريخ الخلفاء للسيوطى: تحقيق ابو الفضل إبراهيم: 30: 37، 400، 409، 414، 434، 451، 454.
(12) تاريخ المنتظم لابن الجوزى جـ 6، 132، 291، جـ 7، 155، 85، 90، 136، 188، 197، 204، 218، 219، 227، 268، 279، 284، 291، 319، 323، 327، 80، 168، 150، 125، 119، 117، 109، 98، 97، 171، 172، 173، 186.
(13) تاريخ المنتظم 11، 165، 206.
خطط المقريزى 3، 539.
(14) الصفدى: الوافى بالوفيات: 2، 286: 287.
(15) ابو بكر الجزائرى: منهاج المسلم 537
سيد سابق: فقه السنة 2، 391.
(16) التفاصيل فى كتابنا: حد الردة: دراسة أصولية تاريخية.
(17) الملطى: التنبيه والرد: 47 تحقيق زاهد الكوثرى.
(18) تاريخ الطبرى: 9، 472، 481، والمسعودى: مروج الذهب 4، 146.
(19) أخبار القرامطة فى تاريخ الطبرى: 10، 71، 77، 86، 94، 99، 107، 115، 116، 121، 128، 130، 135، 148، وفى نهاية الأرب للنويرى 25، 195: 227 وما بعدها.
اجمالي القراءات 23670