السجود في القرآن الكريم
في البحث عن الإسلام – السجود في القرآن الكريم - مفردات

غالب غنيم في الأحد ١١ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________

في الآونة الأخيرة، بدأ كثيرون يثيرون مسائل شتى، وهذا من حقهم، ولكن ليس من حق الإنسان أن يفهم ما هو مبين بذاته على مزاجه !
لا بد أن الله تعالى فصل السجود في كتابه العزيز، كما فصل كثير من الكلمات، والعبادات، وها نحن نبحث في كتاب الله تعالى عن مدلول كلمة السجود لنستشفها منه.
كل دراساتي تنطلق من القرآن الكريم فقط، ولا اتعرض لما حولي من افكار ومفاهيم مختلفة تم نقلها بأساليب مختلفة أيا كانت، بل أستقي كل شيء من كتاب الله تعالى، حتى الصلاة نفسها، ولا اناقش فكر آخر أيا كان.

بداية، علينا فهم شيء مهم جدا، أن السجود تم ذكره في القرآن الكريم من وجهين، سجود معنوي، وسجود حركي، أي حركة نقوم بها، وهذا ما سنثبته من الآيات البينات، ثم سنبحث عن "هيئة" السجود، حتى نصل إليها من القرآن الكريم خالصة، وليس من فهمنا الشخصي أو ما نراه من حولنا.

______________

أنواع السجود :


تم ذكر نوعين من السجود في القرآن الكريم، سجود بمعنى الطاعة والخضوع، وسجود حركي يكون في الصلاة عادة.

والسجود الحركي نجده في قوله تعالى :
(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ
 فَإِذَا سَجَدُوا
 فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) النساء – 102

ومنه، نفهم هنا بكل بيان أن هناك وقوف - قيام (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم) وهناك سجود (فَإِذَا سَجَدُوا ).

أما السجود المعنوي فقد تم ذكره كثيرا في القرآن الكريم، ولن اتعرض لكل الآيات التي تم ذكره فيه حتى لا أثير جدالات كثيرة، وسأورد أكثرها بيانا وتفسيرا للسجود المعنوي :

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة – 58
ومنه، لا يختلف اثنان على انهم سيدخلون بابا ما، وهم طائعون خاضعون، ولا سجود حركي هنا، إلا إن كان "طأطأة" للرأس ليس أكثر، أي إخفاضا للرأس باتجاه الصدر، هذا إن كان هناك مثله، فهو مجرد رأي لا أكثر، ولا يوجد ما يشير إليه في القرآن الكريم، ومنه، يبقى رأيا واجتهادا شخصيا.
أي أن الأغلب هو سجود الطاعة والخضوع المعنوي ليس غير.

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف – 161

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍيَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) النحل – 48

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) الرعد – 15
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج – 18

والآيات كثيرة التي تصف السجود المعنوي أي التسليم بالطاعة والخضوع لله تعالى.

______________

هيئة السجود:

إختلف البعض على هيئة السجود من كونها على الوجه أي الجبهة والأنف أم على الذقن – تحريفا للكلم من بعد موضعه – أو على الخد والنوم كما بعض اليهود يفعلون، ولكل مراجعه من تواتر أو فهم محرف للكلم او اتباع لملل أخرى! والمهم، هو أننا نريد ان نبحث عن هيئة السجود في القرآن الكريم، والتي أنا مؤمن أنني سأصل إليها بيسر منه!

أكثر الآيات تصف السجود خرورا ! وهي كثيرة، ونبدأ بعرض بعضها :
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ) الإسراء – 107
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم – 58
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف – 100
(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) السجدة – 15

والآيات اعلاه كلها تشترك في كون السجود خرورا، ومنها ما فصل درجة الخرور للأذقان، وهذا ما سنبحث عنه في القرآن الكريم، فحتى نفهم هيئة السجود لا بد لنا من فهم ماهية ومدلول كلمة " خَرُّ" خرورا!

قال تعالى في تفصيل الخرور :
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) سبأ – 14
ومنها بكل بيان نرى سليمان جالسا أو واقفا متئكا على منسأته، والجن يظنوه حي، فلما اكلت دابة الأرض منسأته، خَرَّ ، فعلموا بموته! اي وقع! فكيف وقع؟ وكيف خَرَّ؟

هنالك ثلاث آيات بينات تصف الخرور وتصوره، وكلها تدل على حركة واحدة لا ثاني لها، حركة من الأعلى للأسفل بشكل شبه عامودي، وينتج عنها ما يشبه الكومة.
 وهذا ليس رأيي أو فهمي أو نظرتي بل هي آيات بينات، وفيها صور نرى منها كثيرا في حياتنا، وهي كالآتي:

الخرور وقوعا من السماء، أي من أعلى للأسفل، ومن المعلوم أنه لا يكون الوقوع عادة عامودي بمستوى تسعون درجة بل بميلان او زاوية خفيفة بفعل الريح مهما خف فعلها!
(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) الحج – 31

فالخرور مثل أن تهوي به الريح، فهل يختلف اثنان على فهمها هنا؟ ولمن اختلف ناتي بصورة أخرى :
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) النحل – 26
وهل منا من لم ير كيف تخر الأبنية من القواعد؟! كلنا رأينا كيف تفنن البشر في تفجير قواعد الأبنية فخرت مكانها !
وأخيرا، كيف يخر الجبل هدا مكانه :
(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) مريم – 90
وليس عبثا قوله تعالى هدا، بل لكي يصور لنا كيف "يهبط" الجبل مكانه كما وأن احدا يكسره بعنف ويضعضعه فيهبط في مكانه كما البيت خر من القواعد ويتكومان في مكانهما.

ومنه، بكل بيان نرى أن الخرور يكون من أعلى لأسفل بشكل شبه عمودي، وينتج عنه كومة ... ولنبحث أكثر في
السجود، فالآن فهمنا ان من يسجد يقع على الأرض كما وأنه يقع على ركبتيه ثم بقية جسمه، وهذا من خرور سليمان، فلا يمكن أن يقع على ظهره لأنه لن يكون خرورا!
فعملية الخرور من الوصف القرآني لها، هي وقوع الشخص على الأرض بدأ من القواعد، أي من الركب، فالجسد كاملا !
ومنه، علينا البحث أكثر لنرى كيف يقع على بقية الجسد، مع ملاحظة شيء في غاية الأهمية، ففي كل الايات السابقة من وصف الخرور لم يكن وصف الله تعالى له كمن سواه في الأرض! فهناك آيات أخرى تصف تسوية الجبل بالأرض دكا مثلا، ومنه، الخرور لا يكون بالوقوع نوما على الوجه ابدا، بل كالجبل والبيت، أي ينهار فوق بعضه البعض، فيشكل ما يمكن تسميته "كومة"!

ومن هنا، تم نفي الوقوع كاليهود منبطحا على بطنه ووجهه، فهو ليس خرورا بل دك للجسد، أي تسوية له بالأرض!
وبقي علينا فهم بقية الجسد كيف يقع، على الوجه للذقن ام "على" الذقن!

من كلمة خرور، ووصف الله تعالى لها، لا يمكن ان يقع الشخص "على" ذقنه أبدا، فهذا مناف لوصف الخرور الذي يكون بسرعة وقوة وليس ببطء، وحتى يتمكن الشخص من الوقوع "على" ذقنه خرورا لا بد له من التأني في الحركة والدقة والهدوء والتركيز! وإلا كسر فكه! ناهيك ان الله تعالى قال "للأذقان" ولم يقل "على" الأذقان! فهو تحريف للكلم من بعد موضعه! ولن أجادل في كلمة بينة، بتحريفها ألى "على الأذقان"، بل وسيتبين لنا لاحقا ضعف وجهل هذا الفهم الغريب العجيب النادر الحدوث – إن حدث!

وحين يهبط الشخص على الركبتين فاليدين فالوجه يكون خرورا بكل ما تعني كلمة خرور من وصف!

وهي عملية ضعضعة الجسد وسقوطه فوق بعضه البعض على الأرض كالكومة!
فهل ما ذكرته أنا هنا صحيح؟ لنكمل بحثنا .. حتى نتأكد.

قال تعالى عن أول أمر بالسجود :
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر – 29
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ص – 72

وقال تعالى "يصف" سجود السحرة من قوم فرعون ساجدين له تعالى :
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ) الأعراف – 120
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ) الشعراء – 46
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ) طه - 70

ومنه، نرى كلمتين جديدتين تصفا السجود بأسلوب آخر مشابه للخرور، أي أنه أصبح لدينا ثلاث كلمات مفصلات بينات تصف السجود، الخرور والوقوع واللقي !

ولنبحث في الثانية، الوقوع، وهي تدل على موقع، كما السجود يدل على مسجد، أي مكان السجود، فالوقوع كذلك في القرآن الكريم يدل على موقع يقع فيه، ويكون فيه الشيء!

(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) الواقعة – 75

ومن الآية التالية نرى نفس الوصف يتكرر في وقوع السماء على الأرض
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) الحج – 65

ويصف الله تعالى الجبل إذ نتقه فوق بني إسرائيل فظنوا أنه واقع بهم
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأعراف – 171

من كلمة وقع موقع نصل إلى وجود بقعة للوقوع عليها، وهذا يدعم وصف الخرور ككومة، أي السجود على الركبتين واليدين والوجه.
وبقي علينا التأكد من كونه على الوجه اي على الجبهة والأنف منضغطا باتجاه الأرض كما للأذقان.

وهذا ما نجده من تفصيل الله تعالى لكلمة ألقي السحرة، أي لقي:
ومن المعجم نصل إلى مبتغانا، مما سنعمده بآيات الله تعالى البينات!

في مقاييس اللغة ذكر :
"
اللام والقاف والحرف المعتل أصولٌ ثلاثة: أحدها يدلُّ على عوَج، والآخر على توافِي شيئين، والآخر على طَرْحِ شيء.فالأوَّل اللَّقْوة: داءٌ يأخذ في الوجه يعوَجُّ منه، والأصل الآخر اللِّقاء: المُلاقاة وتَوَافِي الاثنين متقابِلَين، والأصل الآخر: ألقَيْتُه: نبذْتُه* إلقاءً، والشَّيء الطَّريح لَقىً . "

وسوف لن أذكر الايات التي تتكلم عن لقاء الله تعالى، فهي كثيرة جدا، وسنبحث عن الآيات التي تفصل لنا الإلقاء من الوقوع كي نفهم كيفية الإلقاء!

حيث أنه يمكننا بكل بساطة ان نذكر الآيات التي تتحدث عن لقائنا بالله تعالى، مما يستدعي ذكر الوجه مباشرة، ولكن ولكي لا يقال ان هذا استنباط، سأبحث بعمق أكثر لنصل إلى صور تصور لنا السجود كاملا!
فمن المعجم نرى اتجاهين، اتجاه بمدلول اللقاء بين شيئين، وهذا لا بد من طبعه المواجهة وجها لوجه، وهو مما لن نناقشه، والآخر هو التخلي والنبذ للشيء بإلقاءه أي طرحه، وهذا ما سنبحث فيه!

وألقي هي من وقوعهم وخرورهم على "وجوههم" بالذات، لملاقاة وجه الله تعالى ساجدين كما أجابوا فرعون (قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ )، وكما فصل الله تعالى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة – 46

فالسحرة ألقي بهم ساجدون لله تعالى، فكيف تم ذلك؟

قال تعالى :
(وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) الفرقان – 13
(ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا)  الإسراء – 39
والإلقاء يكون على شيء، أي على وجهة معينة، على الرأس او الوجه أو الظهر أو غيره، ولكن السجود يكون وقوعا  وخرورا كما فصل الله تعالى، ومنه يكون الإلقاء هنا على الوجه بالتأكيد، وهذا ما سيتم تفصيله الآن.
(وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) آل عمران – 143

فاللقاء وإلقاء الشخص يكون فقط للوجه كما فصله الله تعالى، اللقاء يكون وجها لوجه بين اثنين، والإلقاء يكون على الوجه الذي لم يسجد لله تعالى كما فصله الله تعالى في كتابه العزيز، حيث علينا فهم الآيات اعلاه، فكيف يلقون – يتم إلقائهم – في جهنم؟

تم تفصيل إلقاء المجرمين في جهنم كاملا في القرآن الكريم، حيث وصف الله تعالى كيفية إلقاء الملائكة لهم في جهنم، في اماكنهم، حيث الإلقاء من مورد الفرقان يدل على مكان، كما قلنا اعلاه،السجود على المسجد، والوقوع على الموقع، والإلقاء في المكان (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا)، وهنا نختم بحثنا :

(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ )القمر – 48
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان – 36
(وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ) الإسراء – 97
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) الرحمن – 41
(وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) النمل – 90

ومن كل الآايت اعلاه نرى بكل بيان كيف "يلقى" المجرمين في النار!
على وجوههم يكبون، ويتم الإمساك بنواصيهم، أي من خلف رأسهم، ويسحبون على الوجوه.

ومنه بكل بيان نفقه كيف ألقي السحرة على وجووههم في أماكنهم ساجدين لله تعالى مهطعين له مقبلين عليه.

______________

خلاصة:

من كل البحث أعلاه نصل إلى أن السجود يكون وقوعا من اعلى لأسفل، خرورا على الركب ثم اليدين ثم الوجه كما الكومة، إلقاءا على الوجه وبالذات الجبهة .

ثلاث كلمات، تم وصف السجود بها في كتاب الله تعالى العزيز.

والوجه خصصه الله تعالى كثيرا تكريما وذما، كل حسب إيمانه، فالمؤمنون وجوههم نضرة ناعمة مستبشرة منيرة، ووجوه مسفرة عليها غبرة مكفهرة حالكة الظلمة كقطع من الليل، وهذا كله ليس عبثا، بل لأن المجرمين والمؤمنين يعرفون بسيماهم يوم القيامة، والتي هي لا بد في الوجه، كما حدد مكانها الله تعالى.

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح – 29

(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ) الزمر – 60
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) الرحمن – 41

ونهاية، لمن اراد ان يعاجز في كلمة سيماهم، نذكر له قوله تعالى في معرفة الناس، فالناس تعرف من وجوههم :
(
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) محمد – 30

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 25668