في البحث عن الإسلام – الوحي والرؤيا في القرآن الكريم - مفردات

غالب غنيم في الأحد ١١ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين


هذا البحث تم تعديله وتدقيقه وتقسيمه الى أجزاء متعددة هي :

في البحث عن الإسلام – بين الوحي والرؤيا الجزء الأول – الوحي وأنواعه في القرءان الكريم ولا يوجد وحيين

في البحث عن الإسلام – بين الوحي والرؤيا الجزء الثاني – النظر والرؤية والبصر واللمس والمسّفي القرءان الكريم

في البحث عن الإسلام – بين الوحي والرؤيا الجزء الثالث – الرؤيا غير الوحي



(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________

الوحي:

عملية الإيحاء قد تكون بالإشارة وقد تكون بزرع العلم أو المعلومات في الخلق بالفطرة، وقد تكون بالإتصال الفكري والروحي بين الموحي والموحى إليه ولا تكون كما نتكلم نحن أبدا بالأصوات المسموعة بيننا.

القرآن الكريم كله عبارة عن وحي تم إيحائه للرسول الكريم، وهذا يعني أن الله تعالى يبلغ رسالاته إلينا عبر الرسل، الذين يتم الإيحاء إليهم قوله سبحانه، والله تعالى لا يكلم البشر إلا بثلاث سبل فقط، هي كما قال تعالى :
(
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا
 أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ
 أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا
 فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى، 42 – 51

ومنه، الله تعالى يرسل قوله للبشر بثلاث طرق:
- وحيا يوحي للبشر: وهو ليس بملاك بل الروح القدس مباشرة، والله تعالى سماه وحيا ثم قال يوحي بإذنه.
- تكليما لهم من وراء حجاب :  كما كلم الله تعالى موسى وحيا مباشرا منه سبحانه لموسى.
- يرسل رسولا: اي ملاكا يوحي للبشر بما اراد الله تبليغه.

 ومنه، يتم تكليم الله تعالى للبشر من خلال الإيحاء لهم بإحدى السبل أعلاه من وحي يريد تبليغه لهم، والذي بدوره يصل للبشر من رسل وغيرهم من الصالحين وبقية الخلق.

ومن انواع  الوحي الأخرى هو الوحي البشري بين البشر- أي لغة الإشارة - ومنه ما أوحى زكريا لقومه :
(
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) مريم – 11

كما قد يوحي الله تعالى للسماوات وللنحل، وبما أن النحل وغيره أمم مثلنا ولكن لا نفقه تسبيحهم كما أخبرنا الله تعالى، فمن السهل أن نستنبط بما علمنا الله تعالى أنه قام بزرع هذه المعلومات إيحاءا منه في فطرتها حين خلقها كما زرع فينا الفطرة في التوجه إليه :
(وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) النحل – 68
فمن الآية نرى أن الله تعالى أوحى إليها معلومات وعلما لا يفنى، أي يكون جزءا من جيناتها وفطرتها.


وعملية الإيحاء تكون بينة واضحة فيتم الإيحاء للبشر لكي يفقهونه ويفهمونه، ولم يذكر الله تعالى أبدا، ولم تتم الإشارة إلى أن الوحي يأتي البشر وهم نيام أو في غيبوبة أو في حالة الموت، بل وهم في حالة صحو وعقل حتى يفقهوا ما يوحى إليهم.

ومن القرآن تم تبليغنا أنه لا وحي غير القرآن الكريم على الرسول الكريم محمد، أوحي له هذا القرآن فقط :

(
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) الأنعام،6 – 19

وكلمة (هَٰذَا) بحد ذاتها تحدد وتخصص لنا ما تم إيحائه للرسول الكريم.

والرسول مأمور مثلنا بأن يتبع ما أوحي إليه فقط من الله تعالى :
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام، 6 – 106

وأرسله الله تعالى إلينا ليتلو ما أوحي إليه من الله تعالى :
(كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ) الرعد،13 – 30

وسمى الله تعالى الكتاب بالقرآن ذاته :
(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى ،42 – 7

وحدد الله كل مرة بأنه أوحى للنبي الكتاب فقط :
(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) فاطر، 35 – 31

وأمره الله تعالى بأن يستمسك بالقرآن وحده :
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الزخرف،43 – 43

وأخيرا يستنكر الله ان كثيرا من الناس لم يكفهم الكتاب وحيا من عنده سبحانه لهم :
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) العنكبوت، 29 – 51

الرؤية والرؤيا :
من البديهي أننا كلنا نعلم ماهية الرؤية، والتي نستخدم فيها عملية النظر من خلال العين، وحين تصل المعلومات ونفقهها ونحللها تصبح بصرا لما رأيناه.

فالإبصار هو فقه ما نرى ونسمع وهو غير الأبصار التي تنظر و ترى وتحلل حتى يتم الإبصار.
والرؤية أقوى عقلا من النظر، حيث أن النظر – علميا – هو مسألة لا يمكن التحكم بها ابدا! فلو جئنا بشخص مر في طريق ولم ينظر يمينا او شمالا ثم تم تنويمه مغناطيسيا لأكتشفنا أن عينيه قد نظرت كثيرا مما لم يرغب برؤيته ولم يحس به من يمينه وشماله، وهذا مثبت علميا.
ولهذا، النظر شي لا إرادي، ويمكننا التحكم في جزئياته التي نراها ثم نبصرها، بلغة أخرى، يمكنني التحكم فيما اريد أن أراه في الشارع لأتذكره فانظر فيه جيدا – أي أراه – حتى أتذكره جيدا، فإطالة النظر في الشيء تستدعي الرؤية للشيء، والتي بدورها تستدعي الإبصار للشيء من بعد تخزينه وتحليله.

ولهذا قال تعالى لنا أن نغض النظر وليس الرؤية أو البصر! فالنظر بطبعه يعم كل زاوية العين، وإكثار النظر هو الذي وعظنا الله تعالى بعدمه وليس النظر، فغض النظر هو "إضاقة" لزاوية النظر، ومنه تقليل لنسبة الرؤية.

أما الرؤية فلقد طلب منا الله عز وعلا في آيات كثيرة أن نرى خلقه وما حولنا من آيات بينات لنتفكر فيها ونبصرها.

فالرؤية هي النظر المبصر للشيء فيتم فقهه وفهمه.
وفي كل ما سبق نستخدم العين لكي ننظر ونرى فنبصر.

وبعد هذا الشرح يكون سهل علينا جدا فقه سورة النجم بلا خلط في الكلمات :
(
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ) 11 ، أي أن الفؤاد الذي ابصر بما رأت العين من آيات كبرى لم يكذب رؤية العين لها.
وكذلك قوله تعالى من بعد (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) 17:18، أي ان عملية الإبصار لما رأى من آيات كبرى، لم يكن فيها طغيان في الفقه والفهم والتحليل كما لو أنها خيال بل واقع وتمت عملية الإبصار لما رأى  بعينه بعقل وصدق وبدون زيغ عن الحق.


أما الرؤيا فهي لا علاقة لها بالنظر او الرؤية أو البصر.
والرؤيا تتم أثناء النوم! ولكي نفهم الرؤيا علينا فهم ما يحدث للشخص أثناء النوم!

قال تعالى :
(
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر – 42
من الآية نستشف أن الأنفس ترتفع وترسل من وإلى الجسد، فمن قال كيف علمت انها ترتفع وتخرج من الجسد، أقول، أن الله تعالى قال (وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ ) ، ومنها نفهم أن الأنفس يتم إرسالها إن لم يتوفاها الله ويمسكها، وهذا بحث طويل له مقامه، وعملية الإرسال تتم في لحظة الصحيان بالضبط، أي حين يصحوا الشخص من نومه،  وأثناء إرسالها قد يتم إختلاطها بما حولها من عالم الروحانيات، فهي حين تخرج من الجسد تكون في عالم ىخر غير عالمنا، فيكون صاحبها في مكانة الميت مؤقتا، أي أننا نموت في كل مرة ننام فيها، ومن كونها في عالم آخر قد يصيبها مس من شيطان أو قد ترى ما هو رمز لا يتم فقهه للجميع، وهو ما نسميه بلغتنا، العقل الباطني، اي الأحلام بلغة بسيطة، فالرؤيا هي أحلام، تكتسب من خلال الأحداث التي حصلت معنا أو من خلال ما هو حولنا من أحداث أو من خلال اطلاع تلك النفس في العالم الآخر على معلومة رمزية.
أعلم أن الأمر قد يبدوا من الوهلة الأولى فلسفي ونظري، ولكن كثيرا من الآيات توحي بذلك:
اللمس غير المس، اللمس هو كما نعلمه لغة،لمس الشيء باليد فقط، أي البشرة للبشرة، ومنه قوله تعالى (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الأنعام – 7

والمس هو ان يتداخل شيء بشيء،
-
 ومنه أن يدخل الرجل بالمرأة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب – 49
(قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آل عمران – 47

- ومنه ما قد يكون تداخلا نفسيا، من شر وخير فيؤثران على السلوك :
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ) المعرج – 20:21


- ومنه ما قد يكون من العذاب في الآخرة حيث يتم تداخل بين النار والجسد بسبب عذابها وحرها :
(
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) القمر - 48

وما يهمنا في البحث هنا هو مس العالم الروحاني لنا :
من القرآن الكريم، الذي يفصل لنا الكلم، علمنا أن فهم السلف لقوله تعالى (
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة – 79 ، هو من باب الخلط بين المس واللمس، فالله تعالى هنا يقول لنا انه لا يتم بث الروح من القرآن إلى من يقرأه إلا المطهرون – وليس المتطهرون - ، أي يتم التداخل بين روح القرآن والنفس البشرية، وهو نوع من انواع المس الروحاني.

ثم هناك مس من الشيطان :
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) ص – 41
ومن المعلوم أن أيوب مسه الشيطان حين أخطأ.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف – 201

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة - 275

من الآية في مورد البقرة نرى بكل بيان متى يتم مس الشيطان، لحظة صحوتهم ، وحين يقومون من نومهم يكون المس ما زال تأثيره واضحا.
هي صورة تصويرية لعملية المس من العالم الروحاني للأنفس التي يتم إرسالها!

وحين قال تعالى (
مَسَّهُمْ طَائِفٌ) نستشف كيفية تداخل الأشياء ببعضها البعض، وهذا أيضا مناف للفهم العام، الذي يقول بمس الجسد، من خزعبلات حول سكن الجن في جسد ما، فالأمر لا علاقة له بالجسد بل بالنفس، التي تكون بعيدة عن الجسد لحظة المس، أي لحظة تداخل طائف من العالم الروحاني معها.

وهنالك علاقة كذلك بين الملائكة والبشر بإرادة الله تعالى:
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال – 12
وما يهمنا من الآية هو قوله تعالى (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا )

فالله تعالى له جنود لا نعرفهم كلهم :
(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) الفتح – 4

حيث يتم تثبيت المؤمنين ويتم طمأنينة قلوبهم فتسكن وتهدأ، وهذا كله مما يمس افنسان من خير من الله تعالى.

ما أريد الوصول إليه من كل هذه الطروحات القرآنية للعلاقات الروحانية مع البشر في ظل عوالم مختلفة بينها برازخ هو التداخل بين هذه العوالم بطريقة ما، ذكرها الله تعالى كما رأينا أعلاه، ولا يفهم أبدا كونها وحيا!.

فما علاقة كل ذلك بالرؤيا؟
الرؤيا هي ما يتم مسه للنفس في حالة النوم، حيث تكون النفس بعيدة عن الجسد أو في حالة العودة إليه، فيتم التقاطها لطائف ما، من شيطان، أو من علم الغيب، أو من رؤية لمستقبل، أو من رؤية لمن هم حولها، هي من خلال فهمي للآيات القرآن، ليس أكثر من استقاء علم على شكل رمز من مصدر ما قد يكون ملائكة أو شياطين، وقد يكون سببها النفس ذاتها مما يعتريها من تأرجح بين ما ألهمها الله تعالى من فجور وتقوى.

فالنفس مستقلة عن الجسد، والله تعالى خلقها وألهمها الفجور والتقوى، فإن كان هناك نقص في ناحية منها إتجاه الله تعالى فستكون دائمة الهاجس حوله، ومنه ضنك حياة من أعرض عن ذكر الله تعالى برغم كل الوسائل والتسهيلات من حوله! وهذا ما نراه بكثرة من حولنا.

وحين يصحو الشخص تبقى هذه الرؤيا حاضرة معه كما لو أنه رآها، وهو بالفعل رآها، ولكن ليس بعينيه بل بنفسه، هي رؤيا اكثر منها رؤية.
كمن ترائى له شيء ما، فالرؤيا فيها خيال – طائف – أكثر منه علم – رؤية العين والنظر - ، ولهذا استنكر الله تعالى على من قوم الرسول حين قال لهم أتمارونه على ما رأى، فالرسول رأى بعينيه، وليس مماراة وخيال أي طائف مسه.

 الرؤيا في القرآن الكريم:
وردت كلمة رؤيا في القرآن الكريم قليلا، ما يقارب السبع مرات فقط،  والرؤيا في نهاية المطاف حلم، والحلم لا يحدث إلا لنائم، والنائم لا يحاسب أثناء نومه ولا يسجل عليه عمل أو قول أو فعل، فكيف برؤيا حلم بها؟!

والرؤيا تحتاج لتأويل، فهي تأتي رمزا، ويتم تأويل الرمز إلى حدث، أي معرفة الحدث الذي سيحدث من خلال الرمز، ولهذا يتم التنبؤ بالتأويل، أي هي عملية تنبؤ بتأويل الرمز، فليس كل من يؤول الرؤيا يعلم الحدث إلا من ملك هبة الله تعالى في التنبؤ بالحدث، وهذا بين في الآيات التالية.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ
قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ
وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ
نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ
إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  *  قَالَ
 لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ
ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ
إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) يوسف – 36:37

رؤيا الرسول محمد:

أما الرؤيا التي رآها الرسول محمد فقد ذكرها الله تعالى مرتين، مرة ذكرها اسما ومرة فصلها :
(
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) الإسراء – 60
وهنا علينا ان نفهم كلمة (أَرَيْنَاكَ) ، فهي اتت بصيغة المقامات جميعا وليس بصيغة الألوهية فقط، اي هي لم تكن من الله مباشرة كوحي له للرسول أبدا، بل هي تمت من خلال من هم في طاعة الله من ملائكة أو غيرهم، ثم علينا ان نفهم أنها تمت كرؤيا، اي ليس رؤية بل رؤيا، أي أن الرسول كان نائما حين رآها، ولم يرها بعينيه بل نفسه التي اطلعت عليها، فما هي هذه الرؤيا التي أراد الله تعالى أن يثبتها في القرآن لكي يطمئن النبي إلى أنها رؤيا وستتم، أي سيتم تأويلها؟

بداية يبشر الله تعالى النبي بفتح قريب :
(
لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح – 18
ثم ينبه إلى أخرى :
(وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) الفتح – 21
ونلاحظ هنا قوله تعالى (قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) الذي يتوافق مع مورد الإسراء أعلاه (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ) ، ففي مورد الإسراء ومورد الفتح حديث عن نفس الرؤيا.

ثم يذكر الله تعالى كيف أحاط بها :
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) الفتح – 24

وحدث هناك احداث جد دقيقة كان يمكن من خلالها أن يؤذوا المؤمنات ، ولا اريد هنا تفصيل الحدث، فله مقام آخر، ولكن الله تعالى أحاط بهم، وأنزل سكينته على المؤمنين، حين كان الذين كفروا في حمية الجاهلية، فكف أيديهم عنهم، وفصل الرؤيا التي رآها الرسول في نومه :
(لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح – 27
الأحداث كثيرة في سورة الفتح لا اريد التفصيل بها، ولكن من هذه الآية نرى الرؤيا التي رآها الرسول في نومه، والتي جعلها الله تعالى فتنة للناس، حين ثبتها في القرآن الكريم وتم إبلاغهم بها من خلال القرآن الكريم.
الرؤيا لم تكن وحيا، بل رؤيا، وتم تثبيتها في القرآن، فلما علمها الناس من القرآن افتتنوا بها، فظهر المنافقين من غيرهم، ممن لم يصدق بها، والمسألة في فهم الرؤيا بحد ذاتها، فهي رؤيا، أي حلم، ولكن تم تثبيتها وتصديقها من الله تعالى، فاصبحت بعد أن كانت حلما حقا!
الله تعالى يقول (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا)، أي أنه بعلمه صدق رسوله بما رآه، وثبت رؤيته بل وقام بتأويلها في القرآن الكريم، على أنها فتح قريب، فالله تعالى هو من تدخل هنا بعد إنتهاء الرؤيا!
هذا موقف دقيق جدا في فهم ترتيب الأحداث لكي نفقه الرؤيا عن الوحي!
الله تعالى قال : (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ) ، ولم يقل هنا أنه أوحى إليه أبدا، بل صدقه بما رآه بالحق، أي أن رؤيا الرسول ستصبح حقا فصدقه الله تعالى بها، وقام بتأويلها.

وهو نفس الذي قاله يوسف عن رؤياه التي ظن انها لن تؤول إلى ما علم :
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف – 100
يوسف قال لأبيه فرحا (هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)
رؤياي من قبل ، أي انها كانت رؤيا من قبل فقط، وليست وحيا، ثم تحققت، أي حدث تأويلها كواقع، فاصبحت حقا.

رؤيا الرسول إبراهيم :

قال تعالى :
(
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ *  فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ *  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ *  فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *  وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ *  قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *  إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ *  وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)

قبل أن نحلل الحدث هنا علينا فقه بعض الأساسيات التي لا بد لنا من ان نسلم بها!
- الله تعالى لا يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي.
- والقتل بغير حق فحشاء ومنكر وبغي.
- الله تعالى لا يأمر بلسان البشر بل بأمره هو سبحانه، ولم يدع للبشر مجالا بأن يأمروا باسمه أبدا، فأمر الله تعالى يأتي باسمه سبحانه (إنما أمره) ولا يقول بشر أمر الله منسوبا عنه، بل يأتي مباشرة من الله وحيا.
- الوحي لا يأتي نائم غائب عن وعيه وفاقد لمقومات وعيه من سمع وبصر وفؤاد. فالتكليف لا يكون لفاقد مقومات الوعي، والوحي تكليف، فلا يكلف النائم!
- ما يذكر في القرآن على لسان أحد فهو على لسان من قاله ولا يعني صحته من عدم صحته (فحين قال ابليس لله تعالى انه خلقه من نار وخلق آدم من طين فهذا لا يعني صدق إبليس ولا يثبت حقيقة ان الله تعالى خلقه من نار، فهو قول إبليس! ولكن الله تعالى ينسخ ما تتمنى الشياطين في كتابه كي تبقى عبرة لنا وتذكرة، كما نسخ ما قاله ابليس عن وعوده وتهديده لنا)
ومنه:
ابراهيم يدعوا ربه على كبر أن يهب له ابناءا فاستجاب الله تعالى له ووهب له غلام حليم، وحين وصفه الله تعالى ب (غلام حليم) فهو حق، أي ان هذا الغلام من الحلم أن لا يخالف أبيه أبدا، ولما بلغ معه مكانا ما، قال ابراهيم لإبنه ما اخفاه في صدره من قبل، حيث من المساق نفهم أن إبراهيم رأى رؤيا في منامه، وتم ذكر كلمة (
فِي الْمَنَامِ) لمي نتنبه ونعي الحدث جيدا، فلا نخلط فيه!
لا تكليف في المنام أبدا، بل هي رؤيا انتابت إبراهيم وسكت عنها طويلا حتى بلغ مع ابنه السعي حيث قرر إبراهيم "إستشارة"  ابنه الحليم فيها، فقال له إني أرى في المنام أني أذبحك!!!
نتوقف هنا للحظة، الرؤيا رمز! فهل رؤيا إبراهيم أنه يذبح ابنه يجب تأويلها أنه عليه ذبح ابنه حقا؟!
من المؤكد النفي، بل كان يمكن تأويلها بشيء آخر، وهو ما أولها الله تعالى بها!
الله تعالى أعلم بما تؤول إليه الرؤيا، ولو كان إبراهيم يملك علم تأويل الرؤيا لأولها بذبح بهيمة ما، بعجل ما، أو غير ذلك مما غلا ثمنه، وزادت قيمته، فالرؤيا هنا تمس ابنه الذي وهبه الله تعالى له على كبر بعد انتظار طويل!
فماذا كان رد الإبن الحليم؟ الإبن الذي كله حلم لا يعرف تأويل الريا كما أباه، فظن مثل ظن أبيه، أن تأويل الرؤيا يتم بحصولها كما هي!
وهذا لم نره في بقية الرؤيا التي تم ذكرها أعلاه! فأجاب اباه بحلم وطاعة، أن إفعل ما تؤمر!!
فهل هذا قول الله تعالى أم قول ابن ابراهيم الحليم؟!
لا يحق لنا بل من العباطة نسب الرد لله تعالى! إن تم ذكر القصة فهذا لا يعني أن الله تعالى أمر إبراهيم بقتل إبنه! فهذا بالفعل بلاء عظيم لو حدث! ولكنه لم يحدث، فتم قول الله تعالى بأن هذا لهو بلاء عظيم ابتلي به إبراهيم، فلما أسلما أمرهما وما توصلا إليه ، وقررا تنفيذ ما فهماه من تأويلهما للرؤيا، والذي هو تأويل ليس صحيح لها، ووضع جبين ابنه للأرض يريد ذبحه، ناداه الله تعالى عن طريق رسله أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا!
نعم، لندقق أكثر في دقائق الحدث، هل تم تأويل الرؤيا حتى اللحظة؟ الجواب بالنفي
 أنه صدق  الرؤيا – بشد الدال - ، أي أنك نفسك بنفسك يا إبراهيم أولتها وكفى تنفيذا لتأويلك لها فلقد صدقتها، وليس من داع لتنفيذ ما فهمته منها، وبدلا من ذلك فديناه بذبح عظيم، أي كي لا تذبح ابنك اذبح الذبح العظيم، فيكون تأويل رؤياك.
هنالك فرق بين قوله تعالى في رؤيا يوسف على لسان يوسف (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)
وحين قال تعالى عن رؤيا محمد (صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا)
وبين قوله تعالى لإبراهيم عن نفسه – أي عن إبراهيم (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا )
فإبراهيم لم يؤولها بل صَدّقها !
أما تأويلها فكان بالذبح العظيم!

أما من يقول بأن الله تعالى أمر غبراهيم بذبح ابنه فقد افترى على الله تعالى الكذب بل افترى عليه المنكر والبغي! فالله تعالى لا يأمر بالفحشاء، والله تعالى في نهاية القصة يستنكر الموقف مجملا، فقال (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) وبالفعل هو كذلك، فالله تعالى لا يؤكد الحدث على أنه تأويل قد تم أو أمر منه أبدا بل هو استنكار لهول الموقف الذي وقع به إبراهيم في فهمه وتأويله للرؤيا.
أما من يقول بأن ابنه قال غفعل ما تؤمر، وكأن قول ابنه وحي من الله تعالى لإبنه فهو من غريب القول، فابنه قال رأيه بحكم كونه ابن مطيع حليم، وليس بحكم وحي من الله تعالى إليه بأن يقول ذلك! هو قول ابن إبراهيم بفاهه وليس من أمر الله تعالى بشيء، ولا ينسب لله تعالى بل ينسب لإبن إبراهيم وفهمه في زمنه في سنه لرؤيا أباه!
أما إبراهيم ورؤياه فسببها قلة البناء وانقطاعهم عنه لفترة طويلة من العمر حتى أصبح هاجسا عنده، وحين أكرمه الله تعالى بإبنه على كبر شعر بحاجة لشكر الله تعالى عليه ، حاجة اصبحت على ما يبدو هاجسا عنده حتى انتابته الرؤيا فيما يتحسس منه في داخله.

من كل ما سبق من رؤيا نرى العلاقة المشتركة بينها جميعا في كون تلك الرؤيا نوع من الهاجس المستمر المقلق لمن رأى الرؤيا في أمر ما!
فيوسف لا بد كان يحس ويشعر بغيظ إخوته منه وحسدهم له ورغبتهم في التخلص منه!
ومحمد كان دائم التفكر في القبلة التي كان يحلم بها ويرغبها ويحب العودة إليها من بعد خروجه منها!
وإبراهيم كان دائم التفكير في الأبناء بعد أن بلغ من العمر وأصبح بعلا!
ومن في السجن ممن هما مع يوسف احدهما كان يعمل ويفكر في الخمر دائما فرؤياه انه يعصر خمرا فكان ان عمل في سقاية من يعمل عنده الخمر!

من كل ما سبق، لا أرى أبدا أي دليل على فهم رؤيا إبراهيم كما يقال عادة بشكل إعتباطي أن الله تعالى أمره بذبح ابنه فهل رأينا في القرآن ما يثبت هذه الفكرة؟! الجواب بالنفي الأكيد.


إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 10215