الاحتفالات الدينية فى ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر قايتباى

آحمد صبحي منصور في السبت ١٣ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الباب الثانى : أحوال الشارع المصري في ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر السلطان قايتباى:

 الفصل السابع : الاحتفالات الدينية فى ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر قايتباى

 تحديد المناسبات برؤية الهلال:

1 ــ في العصر المملوكى كانت تحديد وتوقيت المناسبات الدينية للمسلمين يتم وفقاً لرؤية الهلال بينما كانت أمور الزراعة والفيضان يحسبونها بالشهور القبطية، ونظراً للاعتماد على الرؤية البصرية في تحديد أول الشهور العربية فإنه كانت تحدث اختلافات، وعلى سبيل المثال فقد حدث يوم الخميس 27 ذى الحجة876 أن جاء المبشرون بقدوم الحجاج ووصلوا القاهرة ، وأخبروا أن وقفة عيد الأضحى كانت يوم الاثنين ومتفقة بذلك مع التوقيت القاهري، وكان قد حدث اختلاف في مصر في تحديد أول شهر ذى الحجة 876 بين قائل بأن أوله الأحد وأخر يرى أنه السبت. وكانت قضية هامة يزيد في أهميتها ما عتاده الأشياخ والقضاة من ذهاب لتهنئة السلطان في أول كل شهر عربي. يقول مؤرخناً عن مطلع شهر ذى الحجة 876 : ( أهلّ بيوم الأحد، ومعناه بدأ ، وظهر هلاله يوم الأحد،   ويوافقه السادس عشر من بشنس القبطي، لأن ذا القعدة جاء تماماً، ثم ثبت بعد ذلك أن أوّله السبت ، ووصل الخبر بذلك إلى المحلة في يوم الثلاثاء ثالثة بعد الظهر، وأخبر السلطان بذلك . ). لم تكن هناك إذاعة لاسلكية تنشر الأخبار وقت حدوثها، لذلك علم السلطان ثالث يوم العيد أن أهل المحلة قد اعتبروا عيد الأضحى يوم السبت لا الأحد، وبالتالى فإن المسلمين في سائر الأقاليم والأقطار كانوا يختارون التوقيت في الأعياد حسبما يرون، وحسب الظروف، وما كان أسهل عليهم لو اعتمدوا الحساب الفلكي الذى لا مجال فيه للخطأ.

2 ــ ونعود إلى مؤرخنا ابن الصيرفي وهو يتحدث عن صعود المشايخ لتهنئة السلطان بهلال أول الحجة، وقد كان معهم، يقول فيه : ( صعد قضاة القضاة ومشايخ الإسلام لتهنئة السلطان بالشهر على العادة، وكنت صحبتهم . وهنّوه على المصطبة المستجدة أخر الحوش السلطانى، فطلب قاضى القضاة الحنفي من السلطان عيوناً ( أى نظّارة للعين ) شُغل الفرنج التى يُنظر بها للكتابة ، كانوا أحضروا له منها بعدة، فأجابه: هذا الذى طلبته مفضضاً ( أى مصنوع من الفضّة ) وأنت ما يجوز لك استعمال ذلك، فما ساعة إلا السكوت، وكلح من الرد عليه بحضور رفقته، فليت شعرى ما الملجئ في ذلك.؟!! ). في اجتماعهم بالسلطان طلب قاضى القضاة الحنفي محب الدين بن الشحنة من قايتباى بكل صفاقة أن يعطيه السلطان نظّارة ، وكان قد جيء للسلطان ببعض النظارات من بلاد الفرنجة، وعلم بذلك ابن الشحنة فطمع في الحصول على واحدة منها، ورفض السلطان أعطاءه ما يريد، وأفحمه بأن تلك النظارات قد طلوها بالفضة، ولا يجوز للقاضى أن يرتدى الذهب والفضة، فاضطر صاحبنا للسكوت ولم يستطع الإجابة، ويعلق مؤرخنا على شيخه الصفيق  قاضى القضاة فيقول: ( كلح من الرد عليه بحضور رفقته، فليت شعرى ما الملجئ له في ذلك.؟!).

ويقول مؤرخنا عن هلال شهر ربيع الأول 876 : ( أُختلف في إثباته إختلافاً زائدا ، فشهد جماعة من المؤقتين ( أى أصحاب التوقيت)، عند القاضى الشافعي برؤيته ليلة الأحد فما قبلهم، (أى ما قبل شهادتهم ) ، وصعد يوم الاثنين لتهنئة السلطان بالشهر ورفقته قضاة القضاة وكنت معهم، فلما جلسوا وهنّوه بالشهر قال له السلطان نصره الله : "الشهر من البارح "، فأخذ عنه القاضى الحنفي في الجواب فقال السلطان: أنا رأيته الليلة الماضية وهو كبير، فقال القاضى المالكي: الكبر ما هو شرط .وانصرفوا، ثم أنى رأيت يوم الاثنين قصة ( أى شكوى ) بخط القاضى الشافعي مؤرخة بثالث ربيع الأول ، فعلمت أن القاضى الشافعي أثبت الشهر كما قال السلطان.). فالسلطان كان ــــ ولا يزال ــــ هو المرجعية فى تحديد الشهور العربية طبقا للشريعة السّنية . يرى هلالها فقهاء السلطان كما يريد السلطان ، أى إن الشريعة السّنية أعادت النسىء الذى كان فى الجاهلية ..ولا يزال هذا سائدا فى السعودية منبع الوهابية السّنية .

النسىء السّنى في الأشهر العربية:

وبالإضافة إلى اختلافات الرؤية للهلال كانت هناك معتقدات أخرى تؤثر على تحديد أول الشعر العربي، فقد كان الاعتقاد السائد أنه إذا جاء العيد يوم الجمعة وأقيمت خطبتان في ذلك اليوم (خطبة للعيد وخطبة للجمعة) كان ذلك مؤذناً بهلاك السلطان ومجيء سلطان أخر، لذا كان القضاة يجتهدون في إخفاء رؤية الهلال إذا ترتب عليها مجيء عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة.

وفي ليلة الثلاثين من شهر رمضان 875 توجه القضاة إلى مدرسة المنصور قلاوون لرؤية هلال شهر شوال وتحديد أول أيام عيد الفطر، واتفقوا على أنهم لم يروا الهلال حتى لا تكون خطبتان يوم الجمعة، يقول مؤرخنا في ذلك: ( ولم يُر الهلال ، وهو المقصود الأعظم ، لئلا تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور. فلا قوة إلا بالله.!!). وعلى ذلك جعلوا هلال شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت، وتلاعبوا بالصيام وشوال تقرباً للسلطان. وفي عيد الأضحى 885 تكرر نفس العمل، وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم الأربعاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك حتى لا يكون عيد الأضحى يوم الجمعة، يقول صاحبنا : ( وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله الأربعاء، وعلى هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب فيه بخطبتين.). وذلك ما لم يحدث بالطبع.

مظاهر الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى:

1 ــ ويصف مؤرخنا بعض مظاهر الاحتفال الرسمي بعيد الفطر 876، يقول عنه: ( أهلّ بيوم الأربعاء ، ويوافقه من أيام الشهور القبطية خمس عشر برمهات، وهذا أول يوم من الربيع. فيه صعد قضاة القضاة إلى السلطان فصلوا صلاة العيد بالإيوان الذى جدّده بالقرب من باب القصر . وكنت في خدمة قاضى القضاة الحنفي . ودخلت القصر،فحضر السلطان، وكان له موكب عظيم، الجاويشية تزعق والأوزان تضرب، والنشابه السلطانية والصنوج وأمثال ذلك، والعسكر والأمراء الأكابر خلفه ، وهم الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح والأمير لاجين أمير مجلس والأمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير أخور والأمير تمر حاجب الحجاب، والأمراء أزدمر الطويل والأمير قراجا الطويل والأمير قانصوه المحمودى والأمير سودون، وبقية العسكر والأمراء يقبلون يد السلطان ، وأمير جندار وأمير داودار ثانى يمسكانهم حتى يقبلوا يد السلطان. ودخل قضاة القضاة بعد لبس خلعهم وهنّوه فقام لهم، ولم يقم لأحد من الترك (المماليك) في هذا المجلس سوى للأمير جانبك الإينالى الشرفي الشهير بقلقسيز نصف قومة. ودخل المباشرون وبقية العسكر فهنّوه وقبّلوا الأرض وباسوا يده ، وانصرفوا على ذلك . والله مالك الممالك.).وواضح مما سبق أن السلطان جعل لعيد الفطر احتفالاً موسيقياً عسكرياً، وإن لم يخل من تقديس فرضته الطقوس المملوكية وباركته الشريعة السّنية في تقبيل الأرض بين يدى السلطان، أى كانوا يسجدون سجوداَ كاملاً أمام السلطان، وقد كان ذلك يحدث دائماً وفي أثناء المناسبات الدينية وبعد أن سجدوا لله تعالى في صلاة العيد، جاءوا ليسجدوا للسلطان ويقبلوا الأرض بين يديه، وأحيط ذلك بطقوس مملوكية حربية من دق الصاجات والطبول وصراخ الجاويشية لترتجف القلوب وهى تدخل ذلك الإيوان الجديد الذى بناه السلطان.

2 ـــ وكان ذلك يحدث بالطبع في صلاة عيد الأضحى، إلا أن عيد الأضحى تميز بأنه عيد الأضحية ، حيث يقوم السلطان بذبح الأضاحي وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة، وكان الرؤساء والأمراء يقلدون السلطان في ذلك. وفي عيد الأضحى 873 كان السلطان في فارسكور، فلم يتم توزيع الأضاحي في القاهرة بسبب غياب السلطان ، وكان ذلك من أسباب الهم والغم في القاهرة، يقول مؤرخنا يعبر عن حزنه وحزن الآخرين: ( هذا والناس بالقاهرة في أمر مريج وقلق عظيم لعظم الغلاء ومخافة السبل والطرقات ، والمصيبة العظمي حزنهم على من مات لهم بالطاعون قبل تاريخه، والزيادة على ذلك قطع ( أى منع ) أضاحى الناس لسفر السلطان لأن المباشرون قطعوا ( منعوا ) غالب الأضحية، ولم يفرق أحد في هذه السنة من الرؤساء والأمراء شيئاً من الأضاحي اقتداءاً بغيبة لسلطان نصره الله، وكان هذا العيد أشبه شيء بالمأتم لما طرق الخلق من الحزن والكآبة وقبض الخاطر، وافتقر بسبب هذا الغلاء خلائق من الأعيان وغيرهم لطول مكثه. ). أى لأنّ السلطان بالديار المصرية أى بالأقاليم فلم يجد ابن الصيرفي في العيد إلا مأتماً لأن السلطان غائب وأضحياته ضاعت فضاعت بهجة العيد.

وفي عيد الأضحى 875 فرّق السلطان الأضحية على المستحقين من أرباب الوظائف، وخلع السلطان على ناظر الخاص الذى قام بتفرقة الأضحية، ( وشكر الناس ودعوا للسلطان بسبب ذلك.). وفي عيد الأضحى 875 سافر الأمير قانصوه الخسيف من القاهرة، ويعلق مؤرخنا على ذلك فيقول: ( كأنه هرب من تفرقة الأضحية، وفرق السلطان نصره الله، الأضحية على المماليك السلطانية وغيرهم ، فجزاه الله خيراً.).  وفي عيد الأضحى 885 فرّق السلطان الأضاحي، يقول مؤرخنا : ( وذبح فيه السلطان. ونحر ذبائح عظيمة وفرّق فيه من قبله أضاحي من أول هذا الشهر بجمل من الأموال ، ولم يعط المباشرون فيه لأحد عادته كما رسم لهم. )، أى أن السلطان كان يوكل للمباشرين تفرقة الأضاحى، ويقوم المباشرون باختلاس الأضحية وحرمان المستحقين . وهى عادة مصرية سيئة.

الدعم لا يصل إلى مستحقيه:

ويقول مؤرخنا يعطي تفصيلات أكثر:( وفُرّقت أضحية السلطان ــ نصره الله ـــ في هذه السنة بحضوره في الحوش السلطانى على الخاص والعام ، من أمير المؤمنين ( الخليفة العباسى الذى كان يقيم فى القاهرة ) دام شرفه ، وقضاة القضاة ، حتى إلى اليتيم والأرملة والضعيف والفقير والفقية والعاجز والمسكين . وذلك بوصية السلطان في ذلك. ).  وهذا كلام جميل يطمئننا على أن الفقراء أكلوا لحماً فى ذلك العيد، ولكن لا يلبث مؤرخنا أن يناقض نفسه فيقول : ( غير أن الفقهاء والفقراء يقاسون من ديوان الخاص من الشدائد والتعب أمراً عظيماً، وذاك أن المتكلم في هذه السنة في وظيفة الخاص وكيل السلطان علاء الدين إبن الصابوني رسم له السلطان أن لا يعوّق أحداً، فصاروا يأخذون الوصول،ثم يأخذون خط ابن الصابوني ثم يتوجهون إلى الصيرفي فلا يعطيهم إلا فلوساً. وأما أصحاب الجاه الأقوياء فيأخذون ذهباً وفضة وغنماَ، بل ويرسلون إلى بيتهم من غير مطالبة . ). كانوا يصرفون الدعم في وصل أو بطاقة يتسلمها أحدهم وعليها توقيع وكيل السلطان ابن الصابوني، ويذهب بالوصل إلى الموظف المختص بالصرف، فإذا كان صاحب الوصل فقيراً صرف له قليلاً من الفلوس، أما إذا كان من أصحاب الجاه وذوى النفوذ أخذ بذلك الوصل الذهب والفضة والغنم، بل أرسلوه إلى بيته بدون أن يحضر إلى الصرّاف.إنّها (الدولة العميقة) فى مصر!.العميقة العريقة فى فسادها وتسلّطها وتحكم كبار موظفيها فى الشعب المسكين. ومن سنّتها أن يذهب الدعم إلى غير مستحقيه.

المولد النبوي السلطانى:

وكانت الدولة المملوكية تحتفل بالمولد النبوي رسمياً. يقول ابن الصيرفي في سنة 873 حيث كانت أزمات الطاعون والغلاء : ( وفيه عمل السلطان ــ نصره الله ــ المولد النبوي الشريف ــ على من منسوب إليه أفضل الصلاة والسلام ــ بالحوش السلطانى من قلعة الجبل على العادة في كل سنة. وكان مولداً عظيماً إلى الغاية وسماطاً ملوكياً وعظمة زائدة. ). أى لم يتأثر بظروف الطاعون والغلاء وقطع النفقة عن الناس. وفي العام التالي 874 أعطي مؤرخنا بعض التفصيلات عن مولد النبي، يقول: ( وفيه عُمل المولد السلطانى بالحوش على العادة ، وصعد قضاة القضاة ومشايخ الإسلام، وحضر الأمراء المقدمون، وحضر غيرهم من أمراء الطبلخانات والعشرات وغيرهم، ومُدّ السماط العظيم على العادة ، وعند الفراغ من صلاة المغرب توجه قضاة القضاة والمشايخ ..وخلعت الشقق،( أى الكسوة ) على القرّاء والوعاظ. وكان مولداً عظيماً جليلاً.).

وقوله عن المولد النبوي وفيه عمل ( المولد السلطاني ) يعنى المولد النبوي الذى كان يقيمه السلطان. ذلك أن المصريين كانوا يقيمون موالد نبوية شعبية، ويتقدمهم في ذلك مشايخ الطرق والأولياء الصوفية، وكما كان المولد النبوي السلطانى في خدمة الوجاهة السلطانية كذلك كان المولد النبوي الصوفي في خدمة الدعاية للشيخ الصوفي الذي يقيمه، والوحيد الذى لم يكن له فى هذا المولد أدنى فائدة هو النبي عليه الصلاة والسلام نفسه. وأقيم المولد النبوي لسنة 875 يوم الأحد 12 ربيع الأول، يقول فيه أن ابن الصيرفي : (عُمل المولد السلطانى بالحوش على العادة فحضره القضاة الأربعة والمتقدمون الألوف بتمامهم وكمالهم لم يتأخر منهم سوى يشبك جن في البحيرة ، وحضر نائب الشام برقوق ، وجلس رأس الميسرة .ومُدّ السماط على العادة فكان أمراً عظيماً، وتوجه القضاة بعد المغرب . واستمر الأمراء المقدمون إلى أن انتهى الوعاظ على العادة.).أى كان الأمراء يحضرون المولد النبوى طبقاً لمراتبهم العسكرية. واستمر الأمراء إلى نهاية الحفل يسمعون خطب الوعاظ وإنشاء القراء من المشايخ. وسنة 876 : ( عُمل المولد النبوى) الرسمي يوم الأحد 15 ربيع الأول ( على العادة وحضر قضاة القضاة والأمراء والألوف الموجودون بالقاهرة، وهم ثمانية أنفار، خلا قراجا الطويل فإنه لم يحضر ، وكان مولداً عظيماً وسماطاً حافلاً وهيئة عظيمة..). هكذا قال صاحبنا.

وذكر ابن الصيرفي تفصيلات المولد النبوي الرسمي لسنة 877 الذى أقيم يوم الأحد ربيع الأول يقول: ( كان المولد النبوي الشريف السلطانى بقلعة الجبل على عادته ومستقر قاعدته، وحضره قضاة القضاة والأمراء والأكابر.) وبعد أن ذكر أسماء الأمراء الذى حضروا بترتيبهم ورتبهم وألقابهم، تحدث عن السماط ومد السماط على العادة" ( فكان هائلاً رائعاً في الحسن والنظافة والزهارة، فأكل السلطان وقضاة القضاة ونوابهم، وكنت معهم . والأمراء الألوف قائمون على أقدامهم خدمة للسلطان نصره الله ، ثم قام القضاة ونوابهم ، وجلس الأمراء المقدمون موضعهم .ثم انصرفوا، وقدموا المشروب أنواعاً فشربواً، أى أكل السلطان والمشايخ أولاً وتبعهم الأمراء والمماليك ثم شربوا أصناف المشروبات.). وفي هذه السنة أعلن السلطان تبرعه بستين ألف دينار ذهباً ليشترى بها وقفاً ينفق منه سنوياً على فقراء المدينة المنورة. وقد حدث يوم الجمعة 9 ربيع الأول 877 قبيل المولد النبوي أن هبت ريح شديدة من رياح الخماسين أسقطت بعض المساكن الآيلة للسقوط، وكان السلطان قد نصب خيمة المولد النبوي بالحوش السلطانى، فأسقطتها تلك الرياح، فاحتاج السلطان إلى نصب خيمة جديدة كانت أصغر من السابقة.

دوران المحمل:

1 ــ ولا نزال نحتفل بالعيدين والمولد النبوي رسمياً وشعبياً، ولكن ثمة مناسبة دينية انقرضت، وهى دوران المحمل. والمماليك هم الذين ابتدعوا تقليد سفر المحمل منذ أول عهدهم بالحكم حيث تتزين القاهرة لدوران المحمل. واحتفال دوران المحمل يتكون من فريق من الرمّاحة ( حاملى الرماح ) يرتدون الزى الأحمر ويلعبون بالرمح ، ويتقدمهم رئيسهم ، ولقبه المعلم ، ورتبته أمير مائة مقدم ألف، ومعه أربعة معاونين رتبة كل واحد منهم باش ورتبته أمير طبلخانه، ومعهم أربعون فارساً، يلعبون بالرمح أمام السلطان، ثم ينزلون ليقبلوا الأرض بين يدى السلطان . وأول من أحدث تقبيل الأرض بين يدى السلطان فى إحتفال المحمل كان قايتباى نفسه عندما كان أميراً تابعا للسلطان خشقدم، والعادة أن يعقد السلطان هذا الحفل في شهر رجب.

2 ــ وفي عهد السلطان قايتباى كان هناك احتفال بخروج المحمل مع الحجاج إلى مكة، وقد خلع السلطان بإمارة الحجاج على الأمير يشبك الجمالى، الذى تولى الحسبه فيما بعد، واستقر أمير الحاج للركب الأول وذلك يوم الخميس 25 ربيع الأول 873، وتجدد هذا التعيين يوم الخميس 28 ربيع الأول 874 مع تعيينه محتسباً للقاهرة، ثم تجددا هذا التعيين يوم الاثنين 19 ربيع الآخر 875، يقول مؤرخنا: ( خُلع على يشبك الجمالى محتسب القاهرة ، واستقر أمير المحمل على عادته . ).

3 ــ وفي سلطنة قايتباى كان ركب الحجاج يتحرك في شوال. ففي يوم الاثنين 19 شوال 873 خرج ركب الحاج يقوده يشبك الجمالى والأمير يشبك جن . وكان من الحجاج السلطان السابق عثمان بن جقمق، ثم عاد الحجاج إلى مصر يوم الاثنين 11 محرم 874 . وقد قبّل أمير الحاج الأرض أمام السلطان فخلج عليه. وخرج ركب الحاج يوم السبت 19 شوال 874 يقوده المحتسب يشبك ثم الأمير أقبردي ثم عاد الركب يوم الجمعة 21 محرم 875.

4 ــ ويذكر ابن الصيرفي بعض التفصيلات عن خروج محمل الحجاج يوم الخميس 20 شوال 875 ( خرج المحمل والقضاة في خدمته ونوابهم والفقراء، (أى الصوفية من سائر الطوائف)، وأمير الحاج يشبك الجمالى المحتسب مملوك الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب حكم وأميرالأول،( أى الركب الأول)، أقبردى الظاهرى.ولبسا خلعها. وتأخر طلوعهما في هذه السنة إلى بركة الجب ( بركة الحاج ) حيث اعتادوا الحجاج التحرك منها عن العادة بثلاثة أيام، وسبب ذلك خوفاً على الغلمان الذين توجهوا في خدمة عظيم الدنيا الداودار الكبير وغيره من الأمراء المجردين لقتل شاه سوار لئلا يهربوا صحبة الحجاج، وأقام الأول (أى الركب الأول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصلاة، فرحل إلى البويب، ورحل بعده المحمل صبيحة يوم السبت ثانى عشر، وحصل على الحجاج تشويش كبير برحيله، فإن العادة إذا رحل الأول بعد صلاة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر، فرحل هذا من الصبح الأكبر. فلا قوة إلا بالله.).

ويوم السبت 18 شوال 876 : ( دار المحمل من الرميلة ، والسلطان يشاهده من قصره ، وركب معه قضاة القضاة ما عدا المالكي، وأمير الركب الأول الجناب الشهابى أحمد بن الأتابك تنبك، وأمير المحمل برسباى استادار الصحبة، وخلع عليهما على العادة، واستقر برسباى المذكور عوضاً عن يشبك الجمال، وأحمد عوضاً عن أقبردى. واستراح الحاج بل وبيت الله منهما، أعنى من يشبك وأقبردى لسوء سيرتهما وظلمهما وكبرهما وشممهما وسوء أخلاقهما .قبحهما الله وأهلكهما.) . هكذا يقول إبن الصيرفى .

وكان يتوجه مع ركب الحجاج أحد القضاة، وفي ذلك العام كان قاضى الركب أبا الحجاج الأسيوطى.

الهوامش

  1. الهصر: 436، 444، 332، 265، 494.
  2. الهصر: 416، 74، 291، 495، 491.
  3. الهصر: 21، 140، 213، 334، 478، 481.
  4. الهصر: 29، 221، 66، 122، 142، 196، 277، 278، 422، 423.
اجمالي القراءات 13162