فقه الجهد
خواطر في "فقه الجهد والحركة" بنور القرآن الكريم!

نسيم بسالم في الأحد ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

هذه خواطِر في فقه الجُهد؛ تحريضيَّة للطَّلبَة وأهل العِلم للمُجاهَدة بالقُرآن العظيمِ في أوساطِهِم؛ وبذل المال والنَّفس في سبيل ذلك... مقصَدي مِنها إحياءُ الجُهد المكِّي مِن دَعوة النبي (صلى الله عليه وسلَّم) بعيدًا عَن فِكر التَّكفير والتَّفجير أعاذنا الله مِنهُما.

(فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) [الفرقان : 52].

فالمُجاهَدة تكُون أصالَة بالقُرآن؛ وما القتالُ إلا كالدَّواءِ يُستَعمَل في حينِه بضوابِطه التي ارتضاها الباري عزَّ وجل؛ على خلاف ما هُو مُتجذِّر في كثيرٍ مِن أوساطِ المُسلمين والله المُستعان.

إذن إخواني هذا مِلف فيه زُهاء تسعة عشر خاطِرة؛ مِن حوالي 50 صفحة؛ كُنتُ أشارِكُ بِها في مُنتدى للطَّلبة والمثقفين والباحثين بالجزائر؛ يُسمَّى مُنتدى أعزام تحت عُنوان: وحرِّض المُؤمنين.

http://www.mediafire.com/view/?5u6kzdg3h1bvsu9

ولا زلتُ أواصِل في كتابَة تلك الخواطِر التَّحريضيَّة الاستنهاضيَّة للهِمم؛ أهديكُم آخِر ما كتبت.

 

الخاطِرة العشرون

   يقُول الله سُبحانه وتعالى في الأنفال: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : 46].

مِن أعظَم أسبابِ نَجاح المَشرُوعات الدَّعويَّة التِفافُها حَول قيادَة مُؤمنة رشيدَة حكيمَة؛ يُطاعُ أمرُها ويُحفظُ مكانُها؛ وتؤول مقاليدُ الأمورِ إليها!

فما كانَ الله ليُبارِك في جُهدٍ ولا في جماعَة تمزَّقت أوصالُها مِزعًا؛ وتفرَّقت آراؤُها أنكاثًا؛ تحسبُهم جَميعًا وقُلوبُهم شتَّى! بل ستكُون نِهايَة أمرِها الفَشل الذَّريع؛ وفُقدان التَّماسُك، وخلخلَة الصَّف، وتنافُر القُلوب، ثُمَّ ضياع الهيبَة بعد ذَلك، وهذا مَهما بلغت قُوَّة أفرادِها آحادًا! فيدُ الله مَع الجَماعَة، وإنَّما يأكُل الذِّئب مِن الغنَم القاصيَة!

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}[الصف : 4].

لستُ أنوي أن أستَطرِد في مفهُوم "القيادَة" في القُرآن وضرُورتِها؛ وآكديَّة العَمل الجماعي التَّعاوُني الشُّوري الذي يَنتَهي بِفصل القائِد في القضايا والحَوادث؛ بِقدر ما أنوي التَّركيزَ على نُقطَة حسَّاسَة جِدًّا أراها سرّ انفراط عَقدِ كثيرٍ مِن الأَحزابِ والجَماعات، وانفكاكِ أواصر كثيرٍ مِن الحركاتِ والهيئات! ألا وهي الاهتِمام بطاعَة الله تَعالى قبل الاهتِمام بطاعَة القائِد أو الرئيس أو المُرشِد...الخ.

ففي الآيَة الكَريمَة دَعوَة إلى طاعَة الله تَعالى قبل طاعَة رسُولِه (صلوات ربِّي وسلامُه عليه)؛ لأنَّه مِن الاستِحالَة بِمكان أن تتمَّ  طاعَة الرَّسُول على التَّمامِ والكَمال مِن غير مُشاكسات ومناوآت واعتراضات وحَزازات! وبسلامَة قَلب وصفاءِ طويَّة؛ إلا بالاستسلامِ المُطلَق لِمنهَج الله وأحكامِه؛ مَع عُمقِ تفقُّه في مُفردات ذَلك المَنهَج، وحُسنِ تبصُّرٍ فيه!

إن تُجووِزت هذه الخُطوَة وأُهملت؛ فوارِدٌ جدًّا أن يعتبِرَ بعضُ أفرادُ الجماعَة أوامِر قائدِهم (سواء كان رسُول الله في عهِده أو أيُّ قائِد في أي زمان أو مَكان) آراء شَخصيَّة استبداديَّة؛ يُريدُ بِها أن يسلِب إرادتهُم ويُلغيَ عُقولَهُم؛ رُغمَ أنَّه قَد يكُون مُطبِّقا لنصٍّ قُرآنيٍّ قَطعيَّ الدَّلالَة لَم يُغيِّبهُ عَنهُم إلا جهلُهم بِه وعَدم أخذِهم ب "طاعة الله" مأخذ الجدِّ والعنايَة!

لا أنفي أنَّ هُنالِك أسبابًا مَوضُوعيَّة قَد تُسبِّبُ الخِلافَ بين القائِد وأفرادِ جماعتِه؛ كضُعفِ شخصيَّة القائِد وعدَم تحرِّيه في تشخيصِ مُلابسات بعضِ القضايا بِما يكفي؛ وإصغائِه لكُلِّ ناعِقٍ مِن غير تبيُّنٍ...الخ؛ ولَكن ما أجزِم بِه أنَّ " حصَّة الأسد" مِن تلكَ الخِلافات إنَّما مرجعُها إلى نُقصٍ في تفقُّهِ قوانينِ الكِتاب وسُننه ودساتيرِه المُحكمَة مِن القائِد والمقُودِ على حدٍّ سَواء!

   ولا شكَّ أنَّ مِن بينِ تِلك القوانين والأحكام القاطِعَة وُجوبُ طاعَة القائِد والنُّزولِ عند قراراتِه النِّهائيَّة فيما هُو إجرائي؛ يتعلَّقُ بتحقيقِ المناط ومُراعاة الأصلَح؛ ووجُوب مُبايعتِه على ذَلك! وما كانَ لمُؤمن ولا مُؤمنَة إذا قضى الله ورسُوله أمرًا أن تكُون لهُم الخيرَة مِن أمرِهم! فمَن لَم يستَجب لله تعالى أوَّلا لا يرتَكزُ في خلَدِه أنَّ طاعتَه لقائِده وأميرِه (في الحدُود الشَّرعيَّة لتلك الطَّاعَة) مِن صميم تديُّنِه واستسلامِه لربِّ العزَّة والجَلال؛ بل يراهُ أمرا عُرفيّا تواضَع عليه العُقلاء واستحسنُوه؛ مِن غيرِ أن يُبعِد عَن نفسِه خيارَ نقض البيعَة والخُروج عَن الطَّاعة ديانَة وإلزامًا ربَّانيا لا بَشريًّا! وهُنا المُشكِل كُلُّ المُشكِل! ومِن هُنا نَفهَم سرَّ الانشقاقات والتَّصدُّعات التي لا تَنتَهي داخِل الكيانات المُختلفَة!

يقُول الشَّاعر ساخِرًا:

”أكثَرُ الأشياءِِ في بَلدَتِنـا الأحـزابُ والفَقْـرُ وحالاتُ الطّـلاقِ.

عِنـدَنا عشرَةُ أحـزابٍ ونِصفُ الحِزبِ في كُلِّ زُقــاقِ! كُلُّهـا يسعـى إلى نبْـذِ الشِّقاقِ!

كُلّها يَنشَقُّ في السّاعـةِ شَقّينِ ويَنشَـقُّ على الشَّقّينِ شَـقَّانِ وَيَنشقّانِ عن شَقّيهِما..من أجـلِ تحقيـقِ الوِفـاقِ!

جَمَـراتٌ تَتهـاوى شَـرَراً والبَـرْدُ بـاقِ! ثُمّ لا يبقـى لها إلاّ رمـادُ ا لإ حتِـر اقِ!

لَـمْ يَعُـدْ عنـدي رَفيـقٌ رَغْـمَ أنَّ البلـدَةَ اكتَظّتْ بآلافِ الرّفـاقِ!

ولِـذا شَكّلتُ من نَفسـيَ حِزبـاً ثُـمّ إنّـي - مِثلَ كلِّ النّاسِ – أعلَنتُ عن الحِـزْبِ انشِقاقي!

* نظَرًا لأنَّ النَّفس الإنسانيَّة يعزُّ عليها أن تنقادَ وتبخَع لسُلطان أحدٍ وأمرِه؛ ذيَّل الله تعالى الآيَة الكَريمَة بالأمر بالصَّبر؛ ويكُون ذَلك باستِحضارِ المرء أنَّ مصلحة الجماعَة أولى مِن مصلَحة الفَرد مَهما علَت! نسأل الله سُبحانَه وتعالى أن يُطهِّر قُلوبَنا ويملأ وِطابَنا برِفدٍ مِن أنوارِه؛ وهداياتٍ مِن كتابِه؛ حتَّى إذا كُنَّا نعملُ ضِمن جماعَة لَم نُقدِّم حُظوظ أنفُسِنا ورُعونات رغائبِنا على مصلَحة الجَماعة! بِهذا والله تنزِل البركات وتحفُّ الرَّحمات، ويزداد عُود الجماعة مَع الوَقت صلابَة ورُسوخا!

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الفتح : 29].

اللهم اجعلنا مِنهُم، ولا تحِد بِنا عَن مهيَعهم، آمين والحمد لله ربِّ العالَمين.


 

اجمالي القراءات 8857