طارق حجي يكتب: المسئولون الحقيقيون عن ذبح الأقباط ليلة عيد الميلاد

في السبت ٠٩ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

طارق حجي يكتب: المسئولون الحقيقيون عن ذبح الأقباط ليلة عيد الميلاد

 

يندر أن أكتب وأنا غاضب أو منفعل... لكنني اليوم أكتب وداخلي مرجل يغلي. لقد صام مصريون أقباط لمدة أربعين يوما، وفي (6 يناير 2010) توجهوا للكنيسة للصلاة الخاتمة والمتممة للصيام السابق لعيد ميلاد السيد المسيح بالتوقيت القبطي (7 يناير). ذهب هؤلاء المصريون (إخواننا في الوطن) للصلاة بكنيسة مطرانية نجع حمادي علي بعد سبعمائة كيلومتر جنوب القاهرة... وبعد الصلاة (القداس) شرعوا في مغادرة الكنيسة عائدين لبيوتهم (ليتناولوا لأول مرة منذ ستة أسابيع ) طعاما فيه منتج حيواني... وبدلا من أن يقف إخوة مسلمون لتهنئتهم بانتهاء الصوم الطويل وبعيد الميلاد، أطلق (مصريون آخرون) النار من أسلحة آلية علي صدور ثمانية من إخوانهم وشركائهم في الوطن ! بدلا من تهنئتهم، قتلوا ! وبدلا من أن يصلوا بيوتهم ليتناولوا أول طعام «غير صيامي»، تم إرسالهم للعالم الآخر مضرجين بدمائهم... لا لسبب إلا أنهم «مسيحيون». والحقيقة أن القاتل أو القتلة ليسوا هم فقط من ضغط علي زناد الأسلحة النارية الآلية التي خطفت أرواح ثمانية من إخواننا الأقباط، وإنما هم كثر آخرون. لقد شارك في هذا الجرم الأبشع والأفظع كل رجل دين إسلامي خطب أو أذاع في الناس أو كتب عن الأقباط ما درج الكثير من رجال الدين الإسلامي علي تكراره من كون الأقباط ذميين مكانتهم أدني من مكانة المسلمين في الوطن... ولماذا أقول «الوطن» بينما لا يعرف هؤلاء معني الوطن ؟! فهم يتحدثون عن كيان هلامي وهمي اسمه الأمة ! ومن بين هؤلاء عضو بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية صادرت الدولة منذ أسابيع كتاباً عامراً بالسموم من تأليفه قمين بإفراز ألف قاتل للأقباط... ومع ذلك، فإن دولتنا السنية تعطيه مساحة دائمة في أكبر الصحف المصرية ليوصل سمومه إلي أعداد أكبر من المصريين.

وشارك أيضا في جريمة ليلة أمس بنجع حمادي كل مسئول في دولتنا الرخوة سمح لرجال الدين بأن يقوضوا الرأي العام بكل الكلام الأسود الذي يدلون به في مواضيع لا علاقة لها بالدين. لو أخرست تلك الألسنة وأجبرت علي ترك الأمور غير الدينية الصرف لأهل الاختصاص من أطباء ومهندسين وعلماء وأساتذة قانون وعلم نفس واجتماع... لما قتل إخواننا الذين قتلهم ليلة أمس الأول من سممت عقولهم ونفوسهم بكلام أجوف لرجال ينتمون للقرون الوسطي ولا علاقة لهم بالعلم والنهضة الفكرية والمعرفية التي أنجزتها البشرية منذ عصر النهضة. وشارك أيضا في جريمة أمس الأول من سمح بمهازل الحسبة التي شاعت في مجتمعنا منذ عقدين فأرجعتنا لظلام القرون الوسطي وتخلفها...

وشارك في جريمة أمس الأول من لم يجعل المجتمع يري حزمه وحسمه في قضايا صغيرة مثل قانون الإقراض العقاري والتبرع بالأعضاء وتوحيد الأذان.... فخبراء علوم الإدارة الحديثة يعرفون العواقب الوخيمة لشيوع إحساس في أي تنظيم أو مؤسسة أو مجتمع أن قادته غير جادين وغير حاسمين وغير حازمين. وشارك في جريمة القتل البشعة ليلة أمس ذلك القيادي في مؤسسة دينية كبري بمصر عندما تحدث عن مزايا شرب بول الرسول... وعندما تحدث زميل له عن جواز الزواج بطفلة في التاسعة... وعندما هذي زميل آخر له بما هذي به عن إرضاع الكبير....

وشارك في جريمة ليلة الأمس من كان بيده أن يصدر قرارات بفصل هؤلاء المخرفين، ولكنه لاذ بالصمت.... لو قال أحد منذ سنوات إن المؤسسة الدينية لن تنظر في قانون الإقراض العقاري، ولن تنظر في قانون التبرع بالأعضاء، وأن الدولة سوف تفصل أي رجل من رجال المؤسسة الدينية سيتحدث خارج النطاق الضيق للمسائل الدينية... لما وصلنا إليه. وشارك أيضا في جريمة ليلة الأمس من أهمل (عن قصد أو عن جهل) تقرير الدكتور جمال العطيفي الذي وضعه منذ 35 سنة عن أحداث الخانكة الدرامية (ضد الأقباط أيضا)...

وشارك في جريمة ليلة الأمس كل كاتب وصحفي هون من أمر وبشاعة وشناعة وفظاعة عشرات المآسي المماثلة لمأساة ليلة الأمس ووصفها بأنها لم تكن إلا «زوبعة في فنجان»... وشارك في جريمة ليلة الأمس كل من أجبر الأقباط (في عشرات الوقائع المماثلة لواقعة ليلة الأمس) علي صلح شكلي وتقبيل متبادل كذوب أمام كاميرات إعلامية أشد كذبا... إن ما حدث ليلة أمس في نجع حمادي هو نتيجة طبيعية للطريقة الفاشلة التي عومل بها هذا الاحتقان المرضي خلال الأربعين سنة الماضية، وهو (أي جرم ليلة الأمس البشعة) لن يكون آخر تلك الجرائم التي لن يوقفها إلا أسلوب إداري مختلف في التعامل مع هذا المسلسل الآثم من العدوان علي إخواننا في الوطن (مصر) وأنهم ليسوا بحال من الأحوال أسرانا منذ 642 ميلادية... الأمر بالغ الخطورة، ولكنه في ذات الوقت قابل للعلاج الفعال والمجدي إذا توفرت رؤية سليمة لتلك الأحداث، وقدرة إدارية قادرة علي الحسم والحزم... وأن تكون (بحق) قيادة تستحق أن تكون في خدمة هذا الاسم: «مصر».

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 4984