المونيتور»: بعد التطبيع الإماراتي.. هل قد يستعيد يهود العراق جنسيتهم؟

في الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

بينما تشهد المنطقة موجة تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، يُطالب يهود العراق خارج البلاد باستعادة جنسيتهم العراقية.

نشر موقع «المونيتور» الأمريكي المعني بشؤون الشرق الأوسط، تقريرًا للمعلمة العراقية لُجين البلداوي، المهتمة بالتعددية الثقافية والمصالحة الوطنية وصُنْع السلام، رصدت فيه مطالبات عدد من يهود العراق الموجودين خارج البلاد بحق العودة إلى العراق واستعادة جنسيتهم العراقية، في ظل هذه الموجة التي تشهدها المنطقة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

تستهل الكاتبة تقريرها قائلة: «بينما تشهد المنطقة موجة جديدة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يبحث يهود العراق عن فرصة لزيارة العراق موطنهم الأصلي، كما يستطيع الإسرائيليون، في الوقت الراهن، زيارة الإمارات العربية المتحدة تمامًا».

شغف العودة إلى العراق

في هذا الصدد، نشرت ليندا مينوهين عبد العزيز، وهي محللة سياسية يهودية عراقية رحلت عن العراق عام 1971م، بعدما فقدت والدها، مقطع فيديو على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قالت فيه: «احتفلنا بالأمس بأول رحلة جوية تتجه من تل أبيب إلى مدينة أبوظبي. ونحن ننتظر بكل شغف الوقت الذي يُمكننا فيه السفر من تل أبيب إلى بغداد، والترحيب كذلك بالقادمين من العراق إلينا هنا في إسرائيل».

 

 

وبحسب الكاتبة، بعد مرور قرابة 70 عامًا على تجريدهم من جنسيتهم وطردهم من وطنهم بالإكراه، ما يزال يهود العراق يذكرون وطنهم العراق ولا يُفِّوتون أي فرصة للمطالبة باستعادة جنسيتهم العراقية.

رسالة إلى الكاظمي 

وكتب إدوين شكر، نائب رئيس مجلس النواب لليهود البريطانيين، والنائب السابق لرئيس الكونجرس اليهودي الأوروبي، رسالة موجَّهة إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتاريخ 19 أغسطس (آب)، قال فيها: «اسمحوا لي أن أقدِّم بين أيديكم هذا الاستعطاف والرجاء، عشية اجتماعاتكم مع الإدارة الأمريكية في واشنطن، على أمل صادق أن تتخذوا موقفًا شجاعًا لضمان تحقيق العدالة للجالية اليهودية العراقية التي عانت من النبذ والإقصاء لعقود مضت».

ونوَّهت الكاتبة إلى أن عدد الجالية اليهودية العراقية كان قد بلغ نحو 150 ألف شخص في عام 1947م، أي قبل عام من إقامة دولة إسرائيل. وخلُص إحصاء أُجرِي في أوائل القرن العشرين إلى أن 40% من إجمالي سكان العاصمة بغداد كانوا من اليهود. لكن بعد تجريدهم من جنسيتهم وإجبارهم على الرحيل قسرًا، لم يكن أمام الغالبية العظمى من اليهود العراقيين سوى خيار واحد، وهو الهجرة إلى إسرائيل.

واليوم، بلغ عدد اليهود في إسرائيل من أصول عراقية – والمعروفين أيضًا باسم بافليم (تعني بالعبرية البابليين) – قرابة نصف مليون شخص. ولم تُتَح الفرصة إلا لعدد قليل منهم للاستقرار في أوروبا وأمريكا الشمالية، وكان شكر من بين هؤلاء القلائل. وكانت عائلة شكر تعيش في العراق حتى صيف عام 1971م، وفي وقت لاحق مُنحت العائلة حق اللجوء في المملكة المتحدة التي تعيش فيها منذ ذلك الحين.

وفي رسالته إلى الكاظمي، عبَّر شكر قائلًا: «إنه آن الأوان أن نضع حدًّا لسياسة الإقصاء القائمة على أساس العرق أو الدين». كما زار شكر العراق عدة مرات، وذهب إلى بغداد والموصل، وحتى مدينة النجف الشيعية المقدسة، وزار عديدًا من الأماكن المقدسة اليهودية في مناطق مختلفة من العراق، من الشمال إلى أقصى الجنوب. كما أنتج فيلمًا بعنوان «تذكروا بغداد»، يروي فيه آخر أفراد الجالية اليهودية العراقية قصتهم في العراق.

تبريرات المطالبة باستعادة الجنسية

وأبرزت الكاتبة ما قاله شكر عندما سأله موقع «المونيتور» عن النية الكامنة وراء مطالبته باستعادة جنسيته العراقية، فبرَّر مطالبته تلك قائلًا: «لقد وُلدت في بغداد في 23 يوليو (تمُّوز) 1955م لأبوين عراقيَّين، وأسلافي كانوا يعيشون على هذه الأرض منذ عام 586 قبل الميلاد، وحقي في الجنسية يضمنه الدستور العراقي».

ضريح حزقيال النبي التوراتي اليهودي - يهود العراق - هل يستطيع يهود العراق استعادة جنسيتهم العراقية؟

ضريح حزقيال النبي التوراتي اليهودي – العراق

وبعد إطاحة حزب البعث في العراق عام 2003م، عُدِّل قانون الجنسية العراقي في عام 2006م، وأصبح القانون الجديد ينص على حق العراقيين في استعادة جنسيتهم العراقية التي فقدوها نتيجةً لعوامل سياسية أو عرقية أو طائفية. لكن المادة 17/2 في هذا القانون تستثني بوضوح اليهود، واليهود فحسب، من الاستفادة من هذا الخيار.

وتنقل الكاتبة عن شكر قوله: «إن العراق لا يُمكنه البدء في بناء مجتمع مدني يتمتع فيه المواطنون بحقوقهم، حتى تُسوَّى المظالم التي مُورست ضد كثير من مكونات المجتمع العراقي، ومنهم اليهود. لقد حان الوقت للبدء في هذه العملية».

أما ليندا مينوهين فترى أن المطالبة بالحق في استعادة الجنسية العراقية هي «مسألة أخلاقية» بالنسبة لليهود، والذين لا يُفكرون في العودة إلى العراق، لا سيما في ظل هذه الظروف الحرجة، لكنهم يرغبون في المحافظة على الاتصال بموطنهم الأصلي.

سفارة افتراضية لإسرائيل في العراق

وأضافت ليندا قائلة: «إن اليهود محرومون من العودة إلى العراق، حتى برغم أنهم كانوا من السكان الأصليين لبلاد الرافدين، كما أن لدى اليهود في العراق تاريخًا يعود إلى 2600 عام. وساهموا في بناء العراق عبر كل العصور، وخاصة في العصر الحديث».

وألمحت الكاتبة إلى أن إسرائيل كانت قد افتتحت سفارة افتراضية  في العراق عام 2018م، والتي جذبت آلاف العراقيين على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي.

نبذ الإقصاء وإرساء العدالة

وأوضحت ليندا مينوهين قائلة: «إن استعادة يهود العراق للجنسية العراقية ستُسْهم في غرس قيم التعددية الثقافية في العراق وإرساء العدالة. ولهذا السبب، يدفع المجتمع المدني العراقي، في الواقع، نحو تحقيق هذا الهدف أكثر بكثير من يهود العراق أنفسهم».

وعلى المنوال نفسه، أردف شكر في رسالته إلى الكاظمي قائلًا: «إن الفرصة سانحة أمام سيادتكم لإنهاء سياسة الإقصاء، والبدء في حقبة بناء الجسور وإنهاء مظالم الماضي، والتواصل مع العراقيين في الشتات، الذين سيُرحِّبون بفرصة تقديم المساعدة في إعادة بناء بلادهم، مستفيدين من مهاراتهم».

هل يستطيع يهود العراق استعادة جنسيتهم العراقية؟

IRAQ – 1990: religious Ceremony in the synagogue of Baghdad (Iraq), in December, 1990. FDM-760-20. (Photo by Francoise De Mulder/Roger Viollet via Getty Images)

وفي السياق ذاته، كان الكاظمي يتحدث عن تحويل العراق من ساحة للمعارك إلى وجهة للسلام والتعاون، مؤكدًا هذا الهدف مرارًا وتكرارًا.

انتماء يهودي قوي للعراق

ولفت التقرير إلى أنه برغم معاناة الجالية اليهودية العراقية خلال رحلتهم المؤلمة من العراق إلى إسرائيل وغيرها من الدول، استطاع كثير منهم أن يحافظوا على لغتهم العربية وثقافتهم العراقية.

كما نقلت الكاتبة عن ديفيد باسون، الكاتب اليهودي العراقي، قوله: «ما زال يهود العراق يشعرون بالانتماء القوي إلى البلد الذي وُلدوا فيه هم وآباؤهم وأجدادهم. نحن نُعَد جيلًا منقرضًا؛ لذلك لا توجد علاقة لأبنائنا وأحفادنا بالعراق، لكننا نحاول أن نُذكِّرهم بأن جذورنا تعود إلى العراق، وبدون بابل لم يكن هناك شعب يهودي أو ديانة يهودية».

وحاول شكر وليندا مينوهين تأكيد – حسب الكاتبة – أنه لا توجد أي أجندة سياسية وراء مطالبتهم باستعادة الجنسية العراقية. إذ قال شكر «إن العراق بالنسبة لي هي جذوري وتراثي وهويتي؛ لأنني من ذرية شعب عاش باستمرار في بلاد ما وراء النهرين لأكثر من 2600 عام. أريد أن يكون بمقدوري نقل هذا النسب وهذا الإرث إلى أطفالي؛ لأنه حقهم وبصمتهم الوراثية».

اليهود وإعادة بناء العراق

أما ليندا فتعتقد «أن اليهود العراقيين يريدون ببساطة الحفاظ على ارتباطهم بجذورهم الثقافية. وأن عديدًا من المنافع ستعود على العراق، بالإضافة إلى استعادة الجنسية لليهود».

 

 

وأضافت الكاتبة قائلة: كان يهود العراق من الجاليات القوية في العراق يعملون في مجالات الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا، وبذلك يمكنهم المشاركة في إعادة إعمار العراق. وعلاوةً على ذلك، يمتلك العراق عديدًا من المواقع الدينية والمعالم التاريخية التي قد تجعله وجهة جذابة للسياحة الدينية والثقافية.

وأكَّد شكر في رسالته للكاظمي قائلًا: «لا بد من الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي، والاعتزاز به بوصفه رمزًا للحضارات الخالدة التي زيَّنت هذه الأرض، وهي هوية بلاد الرافدين. ومنذ عام 2003م، سُرق التراث الديني ليهود العراق الممتد لألف عام مضت، ونهبت ممتلكاتهم بصورة منتظمة، وكان ضريح النبي حزقيال في مدينة الكفل العراقية مثالًا ممتازًا على المصادرة الثقافية».

واستشهدت الكاتبة في ختام تقريرها بما خلُص إليه إدوين شكر، نائب رئيس مجلس النواب لليهود البريطانيين، قائلًا: «لا بد أن يتمكن اليهود من زيارة أضرحة أنبيائهم ومقابرهم ومعالمهم التاريخية، بغض النظر عن وضع العلاقة بين العراق وإسرائيل. كما يجب ألا يتحول أي نزاع سياسي إلى نزاع ديني».

اجمالي القراءات 723