كيف تساهم مشاريع السيسي الاقتصادية في زيادة نسبة البطالة؟

في الجمعة ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 جيش اشتراكي وحكومة رأسمالية.. كيف تساهم مشاريع السيسي في زيادة نسبة البطالة؟
 

المشروعات القومية حل مؤقت للبطالة. *الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

في كتابه «قصة الاقتصاد المصري»، يُفصّل الدكتور جلال أمين في أربعة فصول رئيسية الملامح العامة للسياسة الاقتصادية للرؤوساء المصريين منذ جمال عبد الناصر إلى عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتأثيرات إدارة الاقتصاد على معدلات الفقر والتضخم والبطالة، والبداية كانت عقب جلاء الإنجليز عن مصر ووصول عبد الناصر إلى الحُكم عام 1956، لتتحوّل مصر إلى الاشتراكية وتنتهج سياسة التأميم والتمصير لكل المشروعات المملوكة للأجانب ومنها قناة السويس، وهو ما كان سببًا مُباشرًا في فقدانها نحو 80 مليون جنيها استرليني كانت مدينة بها لبريطانيا التي اشتركت مع فرنسا وإسرائيل في العداون الثلاثي عام 1956، ليبدأ النظام الناصري في سياسة الاقتراض لتسليح الجيش الذي واجه هزيمة مدوية في نكسة 1967، إضافة لحرب اليمن التي أضرت بالمخزون الاستراتيجي من الذهب، لتصل الديون الخارجية في أواخر عهد عبد الناصر عام 1970 نحو 1.3 مليار دولار.

ورث السادات ركودًا اقتصاديًا كبيرًا وهزيمة عسكرية موجعة، مع نسبة بطالة أقل من 2.5%، وخلال السنوات الأولى للحُكم قفزت الديون تزامنًا مع زيادة الإنفاق العسكري، وعقب حرب أكتوبر عام 1973، تبنت مصر سياسة الانفتاح وتحوّلت من الاشتراكية إلى النظام الرأسمالي، وبحسب الأرقام الرسمية فقد شهد النصف الثاني من السبعينات أعلى معدل نمو اقتصادي -بلغ نحو 6.69%- منذ عام 1952 إلى الآن، وعقب اغتيال السادات عام 1981، بلغ الدين الخارجي نحو 22 مليار دولار إلى جانب نسبة بطالة وصلت إلى 3.7%.

تسلم مبارك مقاليد مصر بدون مقعدٍ في جامعة الدول العربية بسبب توقيع السادات اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل، واستمرت نفس الخُطط السياسية والاقتصادية التي بدأها السادات، إلا أنّ مبارك واجه في الثمانينات موجة ركود عالمي كادت أن تدفع الحكومة لإعلان إفلاسها، وبحسب ما ذكره الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل في كتابه «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان»، فإن مبارك حصل على 100 مليار دولار عقب حرب الخيج الثانية بالإضافة إلى إسقاط 43 مليار دولار من الديون الأمريكية المستحقة، وبالرغم من أنه بدأ في التسعينات تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي، إلا أنّ الثورة أطاحت به بعدما سجّل عهده أسوأ أداء اقتصادي منذ 60 عامًا -بحسب رويترز– وقد بلغت قيمة الديون 34.9 مليار دولار، بينما وصلت البطالة إلى نحو 12%.

هذا التقرير يوضح لك إلى أين وصل امتداد الأرقام السابقة في عهد السيسي، وكيف تساهم المشاريع الاقتصادية الحالية في زيادة نسبة البطالة على المدى البعيد.

1-جيش اشتراكي وحكومة رأسمالية.. كيف ضاعت هُوية الاقتصاد المصري؟

عقب حركة الجيش في 3 يوليو (تموز) عام 2013، كان الدين الخارجي في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي يصل إلى 43.2 مليار دولار، بعدما كان 34.3 مليار دولار في عهد المجلس العسكري، لكنّ بتولي السيسي الحُكم منتصف عام 2014، ارتفع الدين الخارجي خلال ثلاثة أعوام من 46 مليار دولار إلى 79 مليار دولار منتصف عام 2017، وحاليًا وصلت الديون إلى 88 مليار دولار، مع نسبة بطالة 10.6%.

 

 

منذ اللحظة الأولى وضع السيسي مشروعه الاقتصادي «رؤية 2030»، وتعتمد خطته -بحسب تقرير مجلس الوزراء– على عدة أهداف أهمها استقرار أوضاع الاقتصاد، وزيادة التنافسية، وتوفير فرص عمل، ودمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد، ولكي تحقق الحكومة أهدافها الاقتصادية قامت بتطبيق «برنامج الإصلاح الاقتصادي» كشرط للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من «صندوق النقد الدولي» عام 2016، بالإضافة لتطبيق سياسات التقشف ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وتحرير سعر صرف الجنيه.

وفي الوقت الذي اعترف فيه مسؤولو «صندوق النقد الدولي» بأن الحزمة الجديدة هي في معظمها «مستحضرات تجميل» وحلول مؤقتة، وجّهت للحكومة المصرية نصيحة أخرى تمثلت في أنّ إجراءات التقشف وسياسة الاقتراض لن تؤدي إلى كبح جماح التضخم والقضاء على مشكلة البطالة إلا بإخراج الجيش وإنهاء إمبراطوريته الاقتصادية، بالإضافة إلى إنفاق الأموال على مشاريع البنى التحتية الرئيسية وليس ببناء المدن والمشاريع التي لن تُحقق عائدات فورية للنظام الذي يواجه أزمة اقتصادية.

في آخر حوار له قبل ترشحه لفترة رئاسية ثانية، قرر السيسي أن حجم النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة لا يتعدى 3%، وبالعودة لإجمالي الناتج المحلي للسنة المالية لعام 2018، نجد أنّها بلغت نحو (5 تريليون و250 مليار جنيها) مما يعني أنّ نصيب الجيش منها -وفق تصريحات السيسي- يصل إلى 157.5 مليار جنيها -نحو 9 مليار دولار- وإن كان من غير الممكن معرفة الأرقام الصحيحة نظرًا لأنّ ميزانية الجيش سرية ولا تخضع للمحاسبة.

وبينما يعتبر السيسي الجيش شريكًا رئيسيًا في عملية «الإصلاح الاقتصادي»، فقد أسند لـ«الهيئة الهندسية للقوات المُسلحة» معظم المشروعات الكبرى، وبحسب آخر الأرقام المُعلنة لعام 2017، فقد بلغت إجمالي المشروعات التي نفذها الجيش نحو 23 مليار و176 مليون جنيها وهو ما يعادل نحو 1.3 مليار دولار، وهناك أيضًا «جهاز مشروعات الخدمة الوطنية» -يحظى بنصيب الأسد من العقود الحكومية بالإلزام المباشر- و«الهيئة العربية للتصنيع»، و«الهيئة القومية للإنتاج الحربي»، وتندرج تحتهم عشرات الشركات التابعة للجيش -الرسمية منها والوهمية- وتحصل جميعها على امتيازات وإعفاءات جمركية كما أن صناعاتهم غير خاضعة للضريبة، مما يضعهم في منافسة غير شريفة في السوق المصري.

جدير بالذكر أن «الهيئة الهندسية للقوات المسلحة» قامت ببناء أكبر مصنع أسمنت في الشرق الأوسط، ليكون جنبًا إلى جنب مع مصانع الجيش في العريش وشمال ووسط سيناء، وهي الشركة التي تسببت في انهيار «الشركة القومية للأسمنت» التابعة للدولة، مما يعني أن «اشتراكية الجيش تغلبت على رأسمالية الدولة» وأضرت بسوق الاقتصاد الحر، وبينما يعتبر السيسي أن تدخل المؤسسة العسكرية يساهم في تخفيف أعباء المواطن، يعتبر البعض أن الجيش يساهم بقوة في زيادة نسبة البطالة عبر الاستعانة بالعمالة المجانية المتمثلة في المجندين الإلزاميين الذين لايتقاضون أي أجر مقارنة بالارتفاع المستمر في أجور العمالة في معظم القطاعات الصناعية، وبحسب مصادر غير رسمية، فالجيش يسيطر على نحو 40% من الاقتصاد.

«هآرتس»: «العملاق العسكري» سبب الأزمة الاقتصادية في مصر

2-وهم الأرقام.. كيف تخدع الحكومة مواطنيها؟

تفخر الحكومة المصرية بأنها نجحت في خفض معدل البطالة من 13.8% إلى 10.6%، لكنّ «الجهاز للتعبئة العامة والإحصاء» سبق له أن ألمح إلى أنّ النسب المُعلنة غير واقعية ولا تعكس الأزمة الحقيقية للاقتصاد، وفي هذا السياق يقول (أ. أ) -أستاذ اقتصاد بجامعة القاهرة فضل عدم ذكر اسمه- لـ«ساسة بوست»: «النسب الحقيقية للبطالة غير الصريحة تتجاوز 40%، والحكومة تجاهلت في تقريرها البطالة المُقنّعة -وجود عاملين داخل الجهز الحكومي لا تحتاج لهم الدولة- بالإضافة إلى البطالة الهيكلية التي تنشأ نتيجة الفجوة بين مؤهلات العطالين ومتطلبات سوق العمل».

 

 

ويوضح أستاذ الاقتصاد أن «السبب الرئيس لانخفاض المعدلات الحالية يأتي بسبب المشروعات المؤقتة التي يُشيديها النظام، والتي استوعبت نحو ثلاثة ملايين -بحسب تصريحات السيسي- مما يعني أن هذا الرقم سيُضاف إلى قائمة العاطلين فور الانتهاء من المشاريع، وهو ما يُسمّى في علم الاقتصاد بالبطالة الموسمية».

وبينما اعترف السيسي بأنّ المشاريع القومية حلٌّ مؤقتٌ للبطالة، وأنها تساعد على خلق مزيد من فرص العمل، فإن المعارضين يشككون في جدوى تلك المشاريع خاصة بعد مرور خمس سنوات من حُكم الرئيس؛ لأنّ أغلب المشروعات مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة لم تضف للدخل القومي بخلاف أنها تسببت في ارتفاع الدين العام المحلي والخارجي نتيجة سياسة الاقتراض، فأحد الأبراج التي تشيدها الحكومة المصرية في العاصمة الإدارية مثلاً يتم تمويله بنسبة 85% من خلال قرض صيني يسدد على مدار عشر سنوات، ونتيجة لتلك السياسات تضاعف الدين المحلي من 1.8 تيريليون جنيه في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى 536. 3 تيريليون جنيه في الوقت الحالي، بينما وصل الدين الخارجي إلى 88.2 مليار دولار.

ارتفاع الدين العام المحلي والخارجي مع وهم الإنجازات الحكومية والتي تمثلت في إعلان البنك المركزي في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي بارتفاع الاحتياطي النقدي للبلاد 12 مليون دولار خلال شهر واحد في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) ليصل إلى 44.513 مليار دولار، لكنّ الخدعة التي تُخفيها الحكومة تزامنًا مع تراجع الاستثمار الأجنبي هو اتباع الحكومة سياسة الاقتراض والاعتماد على المنح والديون الخارجية، وهو السبب المباشر دون غيره في ارتفاع الاحتياطي الأجنبي.

وبعد مرور أكثر من عامين على القرض الذي حصلت عليه مصر من «صندوق النقد الدولي»، تبرز الحكومة مؤشرات انتصارات أبرزها تراجع معدل التضخم إلى 14% بعد أن كان قد وصل إلى 30% عام 2017. وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي من أقل من 15 مليار دولار في أواخر عام 2016 إلى 44.5 مليار دولار، وتحسَّن التصنيف الائتماني لمصر، لكنّ وكالة «بلومبيرج» الأمريكية اعتبرت أنّ سياسات «صندوق النقد» لن تحل مشكلة مصر الاقتصادية؛ نظرًا لأنّ الأموال التي حصلت عليها الحكومة لم توجّهها لإنشاء قطاع صناعي قوي يقوم بضبط الميزان التجاري -الفرق بين قيمة الورادات والصادرات- وبخلاف أزمة البطالة التي تواجه الحكومة لافتقارها لتلك المشروعات، فإن الأسباب المؤدية للأزمة الاقتصادية ما زالت موجودة والتي تتمثل في نقص العملة الصعبة وارتفاع معدل التضخم بسبب العجز الكبير بين قيمة صادرات مصر تكون دومًا أقل من واردتها.

«بلومبرج»: لماذا لن يحل صندوق النقد الدولي مشاكل مصر الاقتصادية؟

3-هل تنجو البطالة من إخفاقات حكومة السيسي؟

لجأت الحكومة -ضمن أهداف «خطة 2030»- لبيع الأصول العامة عبر طرح أكثر من 20 شركة من شركات القطاع العام في البورصة، بهدف تحقيق إيرادات تصل إلى 80 مليار جنيه مصري، وبالرغم من أنّ تلك الخُطوة تمثل امتدادًا لعهد سياسات مبارك التي كانت أحد أسباب الثورة الشعبية التي اندلعت عام 2011، إلا أنّ الحكومة تبرر أنها لا تشبه سياسة الخصخصة السابقة وأن الاختلاف يتمثل في طرح شركات قوية تصل قيمتها السوقية إلى 430 مليار جنيه مصري بهدف إعادة الثقة في الاقتصاد المصري، في وقت بلغ فيه عجز الموازنة نحو 438 مليار و594 مليون جنيهًا.

ويرى خبراء ومنهم جلال أمين أن فكرة بيع القطاع العام كانت دومًا غير موفقة، لأنه لم يكن هناك أي ضرورة لعمليات الخصخصة التي تمنع تدفق الاستثمارات الجديدة وتسبب نوعًا من الركود الاقتصادي وهو ما يؤدي إلى ضعف معدلات النمو وخلق نسبة كبيرة من الفقر والبطالة، ويعتبر أنّ الحل الوحيد هو فتح المجال أمام القطاع الخاص مع بقاء القطاع العام كما هو، وهي النصيحة نفسها التي وجهها «صندوق النقد» لمصر مع إبعاد الجيش عن الحياة الاقتصادية. 

 

 

واللافت أن الخطوة التي تنتهجها الحكومة تقابلها مشكلات خارجة عن سيطرتها؛ فالإصلاحات السعودية التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن رؤية المملكة 2030 تستهدف تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، وتعتبر التحويلات المالية التي يرسلها المصريون إلى بلادهم من دول الخليج العربي، خاصة من السعودية، مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية والاستقرار الاقتصادي المحلي. ووفقًا لبيانات عام 2017 التي جمعها «البنك الدولي» فإن أكثر من 70% من التحويلات المالية إلى مصر تأتي من دول مجلس التعاون الخليجي، ونحو 40% من السعودية وحدها، مما يعني أن تقدم السعودية في خططها يعني مزيدًا من الإحباطات في الجانب المصري، مثلما كان الأمر دومًا مع ارتفاع أسعار النفط.

ومع بدء تعافي قطاع السياحة الذي يمثل المصدر الثاني للدخل القومي بعد قناة السويس، وهو ما قد يعني بالضرورة انخفاض معدلات البطالة إلا أنّ التحدي الأكبر يتمثل في سيطرة الجيش على الاقتصاد، وعدم قدرة منافسة الشركات الخاصة وحتى الحكومية وأبرزها «الشركة القومية للأسمنت»، و«شركة الحديد والصلب» اللتان توقفتا بعد إعلان إفلاسهما، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الديون لمستويات غير مسبوقة، وانخفاض قيمة العملة بعد التعويم، واستمر عجز الميزان التجاري مع عدم قدرة الدولة على التصدي لأزمة عجز الموازنة العامة، والسيطرة على معدلات التضخم.

وبالرغم من أهمية تلك الأرقام، إلا أنّ معدل البطالة يترتب عليه دومًا مستوى الأداء الاقتصادي وأثره على الحياة الاجتماعية والسياسية، وحتى الآن يتوقع اقتصاديون بناءً على كافة المعلومات السابقة أنّ عدم قدرة الحكومة على الوصول إلى هدفها المتمثل في رؤية 2030، سيعني أنّ كافة مشاريعها الحالية ستساهم في زيادة نسبة البطالة ولكن على المستوى البعيد، وهو نفسه الذي ألمح إليه السيسي حين اعترف أن المشروعات القومية حل مؤقت للبطالة.

اجمالي القراءات 1025