معضلة الاقتصاد المصري.. تحسُّن في الأرقام وسحق للفقراء ما السبب؟

في الثلاثاء ١٣ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

معضلة حقيقية يعيشها الاقتصاد المصري بين تحسن الاقتصاد وبين زيادة معدلات الفقر بنسبة كبيرة خلال الربع الحالي من العام 2019 رغم حزمة الإجراءات التي أقدمت عليها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وبحسب تقرير مجلة  The Economist البريطانية، فإن معدلات النمو التي يعيشها الاقتصاد المصري في ازياد وتحسن لكن على الرغم من ذلك فإن شريحة الفقراء ازدادت بشكل كبير حتى وصلت لنسبة 33% من المصريين البالغ عددهم 99 مليوناً.

يقول صاحب أحد متاجر الفاكهة إن سلعه أغلى بنحو 25%  مقارنةً بالصيف الماضي. بينما ترتفع الأسعار، يقتصد المشترون: أصبح المستهلكون، الذين كانوا يعتادون شراء كيلو جرام من الفاكهة، يكتفون بشراء نصف كيلوجرام فقط. ويغلق التاجر أضواء المصابيح لتوفير بضعة جنيهات. ولا توجد أضواء أيضاً في متجر الجزار المجاور، الذي يعتقد أن إيراداته تراجعت بحوالي 20%. ويقول الجزار: «أبيع الكثير من العظام التي تستخدم في عمل الشوربة» .

السير في الاتجاه الخاطئ

تعهدت مصر في العام الماضي بأن تقلص نسبة الفقر بمقدار النصف بحلول 2020 وأن تقضي عليه كلياً بحلول 2030. لكنها تسير في الاتجاه الخاطئ. أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقريراً عن دخل وإنفاق العائلات بعد أن تأخر صدوره لوقتٍ طويل. ووجد التقرير أن 33% من السكان البالغ عددهم 99 مليون نسمة صُنفوا كفقراء خلال العام الماضي، 2018، مقارنةً بـ 28% في 2015. وحتى هذا الرقم المُغم قد يكون غير معبرٍ كفاية. إذ حددت الحكومة خط الفقر الرسمي بقيمة 736 جنيهاً (45 دولاراً) فقط شهرياً، وهو ما يعتبره الكثير من خبراء الاقتصاد متدنياً للغاية. وقال البنك الدولي في أبريل/نيسان الماضي إن 60% من المصريين «إما فقراء أو معرضون للفقر» .

وتعكس هذه الأرقام تقييماً لاذعاً للإصلاحات الاقتصادية التي يرعاها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والمدعومة من صندوق النقد الدولي، الذي وافق على منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار في 2015 مقابل خفض حكومة السيسي دعم الوقود، وترك سعر العملة المحلية ينخفض، وفرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 14%. ومنحت هذه الإجراءات مصر فائضاً أساسياً وقلصت عجز الموازنة إلى 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بـ 12% منذ ثلاث سنوات. 

مكاسب على حساب الفقراء

الفقراء المصريون/ رويترز

وبحسب المجلة البريطانية، فإن المكاسب على مستوى الاقتصاد الكلي أتت على حساب المصريين أنفسهم. إذ تسبب خفض دعم الوقود في ارتفاع تكلفة الانتقالات. بالنسبة لمواطن مصري يعيش على خط الفقر، تستهلك رحلاته اليومية القصيرة عبر مترو الأنفاق حوالي 25% من دخله الشهري. وارتفع متوسط حجم الإنفاق العائلي بحوالي 43% منذ 2015. وارتفع الدخل بحوالي 33% فقط خلال الفترة نفسها، بينما ارتفع حجم الديون العائلية للبنوك بحوالي 58%. بحساب معدل التضخم، الذي قفز إلى مستوى 33% في 2017، أصبح المصريون يجنون أقل مما كانوا يجنونه منذ ثلاث سنوات.

ورغم تراجع معدل التضخم نسبياً، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يظل معدل التضخم في مستوى الأرقام الزوجية حتى 2021 على أقل تقدير. والمصريون الأكثر فقراً، الذين ينفقون 48% من دخلهم على الطعام، هم الأكثر تضرراً. فاللحوم هي رفاهية لا يمكن تحمل تكلفتها: تستهلك تكلفة كيلو اللحم 9% من متوسط الأجر الأسبوعي لتلك الفئة. حتى طبق الكشري المتواضع، الذي يعد وجبةً أساسيةً لكثيرين، أصبح سعره مرتفعاً. وكان سعر طبق الكشري الصغير يبلغ 3 جنيهات. الآن، تبيع المطاعم هذا الطبق مقابل 5 جنيهات وأحياناً أكثر. 

معهد الأورام القاهرة مصر هجوم إرهابي
الهجوم خلف 23 قتيلا وعشرات الجرحى/ رويترز

إضافة إلى هذا سعت الحكومة إلى اقتناص كل جنيه ممكن من المواطنين؛ إذ ارتفعت أسعار كل الخدمات تقريباً بدءاً من تكلفة استخراج رخصة القيادة وصولاً إلى تراخيص السلاح. وارتفعت مصروفات المدارس الحكومية بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 50%. ويشتكي سائقو السيارات الأجرة في المطار من ارتفاع تكلفة رسوم عملهم؛ إذ باتوا يدفعون ألفي جنيه مقابل تصريح العمل، بالإضافة إلى ارتفاع مصاريف موقف السيارات بمقدار أربعة أضعاف. ويشعر ركابهم بوطأة ارتفاع الأسعار أيضاً، إذ تفرض عليهم ضريبة عند مغادرتهم البلاد قيمتها 25 دولاراً. وبالنسبة للشركات، هناك ضريبة مقترحة على الإيرادات نسبتها 0.25% والتي ستستخدم إيراداتها لتمويل برنامج التأمين الصحي القومي الجديد.

تغيرات متأخرة ولن تفيد

وكثير من هذه التغييرات متأخرة للغاية، فقد كان نظام دعم الوقود رجعياً، وغير كفء، ولا يمكن تحمل تكلفته، وكانت المستشفيات تحتاج إلى استثمارات. لكن يبدو أن حكومة السيسي غير واعية بتأثير هذه التغييرات على الفقراء. وتشير حكومته إلى نمو الاقتصاد، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5.6% خلال العام الماضي مما جعل مصر تشهد أسرع نمو اقتصادي في الشرق الأوسط. لكن يأتي غالبية هذا الارتفاع بفضل انتعاش قطاع النفط والغاز. فيما بدت القطاعات الأخرى راكدة. ورغم خلق فرص عمل جديدة، فمعظمها منخفضة الدخل أو في القطاعات غير الرسمية. 

وكان الدعم محور شبكة الأمان الاجتماعي بمصر. ولم تساهم أي من الإجراءات الحكومية في تعويض فقدان الدعم بشكلٍ كافٍ. ويغطي برنامجا التحويلات النقدية المشروطة الرئيسيان «تكافل وكرامة»، حوالي 9.4 مليون نسمة، وهو أقل من 10% من تعداد السكان. وتغطي المدفوعات الشهرية للعائلات التي لديها أطفال تكلفة علبة حليب أطفال بالكاد. وتمكن بطاقات الحصص التموينية السكان من الحصول على السلع الرئيسية بسعرٍ مخفض، لكن ما من أحد يستطيع أن يعيش على زيت الطهي والأرز فقط.

عندما واجهت الحكومة هذه الأخبار السيئة، فعلت ما تتقن فعله: ألقت باللوم على مرسل الأخبار. كان من المفترض صدور تقرير الفقر في فبراير/شباط الماضي. وتأجل صدوره مرتين بدعوى أن الباحثين يراجعون البيانات. ينبغي على السيسي أن يمضي قدماً إلى ما بعد تطبيق الإصلاحات المالية عبر تقليص الإجراءات البيروقراطية، وتحرير القيود التجارية ودفع الجيش خارج الاقتصاد. وما لم يفعل السيسي هذا، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق أهدافه المتعلقة بالتخلص من الفقر هي أن يعرفه بطريقةٍ تخفي وجوده. 

اجمالي القراءات 780