ليس صحيحاً، أوروبا لم تكن «بيضاء» قط.. فقد عاش المسلمون والمسيحيون واليهود معاً، وأسقف كانتربري كان

في الأحد ١٧ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ليس صحيحاً، أوروبا لم تكن «بيضاء» قط.. فقد عاش المسلمون والمسيحيون واليهود معاً، وأسقف كانتربري كان تركيّاً

غطَّت الرموز والكتابات سلاح وملابس الإرهابي الذي قتل 50 شخصاً في هجومٍ على مسجدين بنيوزيلندا. أشارت بعض تلك الرموز والكتابات إلى أدولف هتلر، وأتت على ذكر عددٍ من مُنفذي الهجمات الآخرين أيضاً.

لكنَّ بعض الإشارات الأكثر غموضاً كانت واضحةً بالنسبة لمؤرخي العصور الوسطى. إذ استخدم العنصريون البيض والقوميون البيض والنازيون الجدد هذا النمط مراراً وتكراراً، على مدار السنوات الأخيرة، مثلما حدث في مسيرة «وَحِّدوا اليمين» الدموية في شارلوتسفيل، والمؤتمر الذي أُقيم تحت رعاية ريتشارد سبينسر زعيم حركة اليمين البديل، والرجل الذي يُزعَم أنَّه قتل شخصين إثر تحرُّشه بامرأةٍ ترتدي الحجاب في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون.

وقال بول ستورتيفانت، مؤلف كتاب «العصور الوسطى في الخيال الشعبي The Middle Ages in Popular Imagination» ورئيس تحرير مجلة The Public Medievalist، لصحيفة Washington Post: «يُحوِّل أولئك الناس مفاهيمهم المغلوطة عن العصور الوسطى إلى أداةٍ لتجنيد مزيد من الأنصار، وهذه مشكلة كبيرة».

أحصى ستورتيفانت 18 إشارةً إلى العصور الوسطى في العلامات والكتابات الموجودة على سلاح برينتون هاريسون تارانت، الأسترالي الذي يبلغ من العمر 28 عاماً والمتهم بتنفيذ هجوم نيوزيلندا، الجمعة 15 مارس/آذار 2019.تشمل تلك الرموز بالطبع تِرس الشمس أو الشمس السوداء، التي ظهرت في الصور التي يُزعَمُ أنَّ تارانت نشرها على الإنترنت قبل الهجوم. ارتبط ذلك الرمز بالرايخ الثالث (ألمانيا النازية) بعد أن قرر هاينريك هيملر، قائد البوليس السري الألماني (الجستابو)، رسمه على إحدى القلاع. لكن المؤرخ نيكولاس غودريك كلارك ربط ذلك الرمز بأسطوانات تزيين الميروفنجيين (عائلةٌ ملكية حكمت أجزاءً كبيرةً من أوروبا أوائل العصور الوسطى) في كتابه «الشمس السوداء: الطوائف الآرية والنازية الباطنية وسياسات الهوية Black Sun: Aryan Cults, Esoteric Nazism, and the Politics of Identity«، الصادر عام 2002.

ويقول ستورتيفانت: «كان الرمز مجرد تصميمٍ فني على حد علمنا. ولم تكن له علاقة بهوية رابطة الشعوب الجرمانية، مثله مثل نقوش بيزلي الشهيرة أو شعار شركة نايكي».

وظهرت أيضاً على سلاح مُنفِّذ الهجوم إشاراتٌ عديدةٌ إلى معارك وشخصيات من العصور الوسطى، ومن بينها أسماء أربعةٍ من الصرب الذين حاربوا العثمانيين المسلمين في العصور الوسطى، واثنان من القادة العسكريين المجريين الذين حاربوا العثمانيين، فضلاً عن إشاراتٍ عديدةٍ إلى الحملات الصليبية، حين حاولت الجيوش المسيحية الأوروبية الاستيلاء على الأراضي المقدسة من المسلمين في القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.

وبرز أمام ستورتيفانت اسمٌ واحدٌ على وجه الخصوص: شارل مارتيل. مارتيل هو شخصيةٌ تاريخيةٌ حقيقية، يُنسب إليه الفضل في هزيمة آخر جيشٍ مُنظمٍ كان يقوده حاكمٌ مسلم سعياً إلى غزو ما يُعرف بفرنسا الآن في معركة بلاط الشهداء عام 732 ميلادية. لكنَّ الأساطير تقول إنَّ مارتيل وصل إلى مرتبةٍ خرافيةٍ في أوساط جماعات الكراهية المعاصرة وشعوب العصور الوسطى.

ويقول ستورتيفانت إن الكلمة الأفضل لوصف فهْم الذين يعتقدون تميُّز البِيض للعصور الوسطى هو «الخرافة». وأضاف: «يتصوَّر المؤمنون بتميز البِيض العصور الوسطى على أنَّها زمن ساد فيه البِيض أوروبا وانفصلوا عن جيرانهم، وعاشوا في صراعٍ دائمٍ مع من اعتبروهم دُخلاء. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة».

إذ أكَّد ستورتيفانت أن المسيحيين والمسلمين واليهود كانوا «يعيشون ويعملون معاً جنباً إلى جنب» في صقلية خلال العصور الوسطى. وخلال القرن السابع الميلادي في إنجلترا، كان أسقف كانتربري مثلاً من تركيا، ورئيس الدير من شمال إفريقيا. وانتشرت السفارات الإثيوبية بجنوب أوروبا، وحتى في روما. وتحدَّثت سجلات الحج عن مسافرين قادمين من الهند، على الرغم من أن ذلك قد يكون إشارة إلى أي شخصٍ آتٍ من الشرق الأوسط.

وجسَّد فنانو العصور الوسطى الأوروبيين باعتبارهم أشخاصاً ذوي بشرةٍ سمراء، وهو ما يعني أنه كان من المعتاد رؤية أشخاصٍ سود. (تصفَّح حساب@medievalPOC على تويتر، لترى بعض الأمثلة).

وشدَّد ستورتيفانت على أن ذلك لا يعني أنهم عاشوا حقبةً تسودها السعادة والتعدُّدية الثقافية. إذ شهدوا صراعاتٍ دينيةً في ذلك المناخ التعددي.

وأضاف: «كانت هناك عنصرية بالفعل، لكنَّ الأمر كان أكثر غرابة»، إذ كانت العنصرية تنبني على جغرافية المكان أكثر من لون البشرة. وأوضح: «كان الناس عنصريين تجاه الأشخاص الذين يعيشون في مناطق أخرى».

هناك حركةٌ تزداد توسعاً في أوساط مؤرخي العصور الوسطى، تشمل دوروثي كيم وديفيد بيري وسييرا لوموتو وستورتيفانت، تسعى بنشاطٍ إلى التصدي للروايات التاريخية الزائفة عن العصور الوسطى، والتي ينشرها ويستقبلها أشخاصٌ مثل مُنفِّذ الهجوم المزعوم.

وقال ستورتيفانت: «فكرة أنَّ [مجتمعات العصور المظلمة] كانت عبارةً عن نموذجٍ مثاليٍّ من البياض النقي فكرةٌ حمقاء. ولربما اعتبرناها فكرةً مضحكةً لو لم تَكُن بهذا القدر من البشاعة».

اجمالي القراءات 1127