مأساة بلا نهاية.. لماذا يُقتل المسلمون في سريلانكا على أيدي البوذيين المتشددين؟

في الجمعة ١٦ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في مأساة إنسانية أخرى، تستمر أحداث العنف ضد المسلمين في سريلانكا رغم إعلان حالة الطوارئ، وأمر الحكومة بتعطيل شبكات التواصل الاجتماعي، وحظر التجول لمنع أي فرصة للتجمهر وانتشار العنف، بعدما شهدت منطقة «كاندي» -وهي منطقة مرتفعات سياحية في وسط سريلانكا- أعمال عنف في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الجاري، في احتجاجات من البوذيين القوميين على وجود طالبي اللجوء من المسلمين الروهينجا القادمين من ميانمار ذات الأغلبية البوذية في بلادهم، والتي تشهد هي الأخرى تصاعدًا للتيار البوذي القومي، وقد أخذت الاحتجاجات منحى عنيفًا بعدمقتل رجل دين من الإثنية السنهالية بسبب انفجار قنبلة يدوية، أثناء شجار مع مجموعة من المسلمين المتشددين.

 

Embed from Getty Imagese="box-sizing: border-box;"> منزلًا ومتجرًا وسيارة تم تدميرها في أعمال الشغب في أول يومين، بعد جنازة رجل الدين السنهالي مباشرة، وهوجمت ممتلكات المسلمين، لكن العنف تصاعد بشكل كبير بعد دعوات رهبان بوذيين متشددين للحشد ونزول الشوارع، حتى أنهم واصلوا خطاباتهم العنيفة لتخيير الحكومة بين إطلاق سراح المحتجين البوذيين، أو رفع درجة العنف.

 

إلا أنه ومع رفض الشرطة هذه المساومة، تم إضرام النيران في العشرات من منازل المسلمين، وفرض حظر التجول في مدينتين، وفي صباح اليوم التالي تم انتشال جثة محترقة لمسلم تحت أنقاض منزله، وعثر السكان في منطقة تسكنها أغلبية مسلمة بالعاصمة «كولومبو» على رأس مقطوع لأحد الشبان، كما توفي مسلم آخر إثر أزمة قلبية بعد حرق متجره، وقُتل آخر في محاولة اقتحام مسجد، وتسبب العنف المتصاعد أيضًا في إصابات المدنيين والشرطة، واعتقال ما يقارب 30 شخصًا بتهمة نشر الفوضى والفساد، والقيام بأعمال عنف طائفي.

القمع الطائفي برعاية مسؤولين حكوميين

حتى الآن يبدو الوضع غير مبشر في بؤر النزاع، فقد أصدرت الخارجية الأمريكية تحذيرًا من التراجع الأمني في حالة حدوث المزيد من الاضطرابات في كاندي، وقد أُغلقت جميع المدارس في المقاطعة، وأصدرت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تحذيرات سفر لمواطنيها.

وشوهدت مجموعات من رجال ملثمين اخترقوا قرار حظر التجول في ساعات الصباح الأولى، وهم يحملون هراوات ويجوبون الشوارع في معظم أنحاء «كاندي» خلال اجتماع رئيس سريلانكا «مايثريبالا سيريسنا» مع مسؤولي الشرطة والزعماء الدينيين، وأرجع ضابط شرطة ظهور هذه المجموعات الملثمة لما أُثير بأن معبدًا بوذيًّا قد تم هدمه، فكان الملثمون يتجولون في مجموعات يرجمون ويحطمون نوافذ المتاجر الإسلامية، وقد حاولت الشرطة تفريقهم بإطلاق الرصاص في الهواء واستخدام قنابل مسيلة، هذه الجماعات ظلت تعود كل ليلة بعد حلول الظلام، الأمر الذي كان يزيد مخاوف المسلمين.

وسط هذا الوضع يعيش المسلمون في العاصمة قلقًا بالغًا على سلامة أقاربهم في «كاندي» -مركز أحداث العنف-، فيقول «محمد خان»، وهو عامل في مصنع صابون يبلغ عمره 71 عامًا: «أقاربي في كاندي تركوا منازلهم واختبؤوا في أماكن غير آمنة، والجيش والشرطة لا يتخذون أي إجراء لحمايتهم».

 

 

صورة مسجد تم اقتحامه خلال الأحداث الجارية في مدينة كاندي.

أعلن الرئيس «مايثريبالا سيريسينا» حالة الطوارئ في الأسبوع الأول من مارس 2018، وهو القرار الذي لم يعمل بشكل فعلي إلا يومًا واحدًا، إذ لم يحترمه متشددو الطائفة البوذية الذين استمروا في التعدي على ممتلكات المسلمين، حتى سيطرت قوات الأمن والشرطة على التلال الوسطى للجزيرة، وبدؤوا يجبرون الناس على الخروج من المنطقة وإخلائها، بسبب استمرار الدعوات بالحرق والهدم والقتل على وسائل التواصل الاجتماعي.

واستهدفت هذه الخطوة الأخيرة مسؤولين حكوميين بوذيين، واتهمتهم مباشرة بالتطرف والوقوف وراء العنف الجاري في البلاد. وحذر « أحد محال المسلمين المتضررين خلال الأحداث الجارية في مدينة كاندي.

كما قال أحد المسؤولين في فيسبوك إنهم يعملون على التحكم في المضامين العنيفة، وإزالة منشورات المحرضين وخطاب الكراهية بالتعاون مع الحكومة والمنظمات المدنية، كما أمرت الحكومة هيئة تنظيم الاتصالات بحظر شبكات التواصل الاجتماعي في المناطق القريبة من العنف، وإبطاء الخدمة بدرجة كبيرة في بقية أنحاء البلاد، بعد ظهور دعوات لمهاجمة المسلمين على فيسبوك.

 

 

صورة لعمال في الغابات السريلانكية.

جذور عميقة للأزمة الطائفية في البلاد

لعقود طويلة كانت سريلانكا منقسمة بين الأغلبية السنهالية الساحقة من البوذيين، وأقلية من التاميليين الهندوس، والمسيحيين، والمسلمين. ولسنوات عديدة استمر الفريق البوذي السنهالي في النمو، وهو مجموعة عرقية هندو-أوروبية، ويعدون السكان الأصليون لسريلانكا، ويكونون نسبة 75% منها -أي ما يضاهي حوالي 15 مليون سنهالي-، ومقابلهم يشكل المسلمون نحو 9% من عدد السكان البالغ 21 مليونًا، ينحدرون من شعوب شمالي الهند، ويقيمون ويعملون في المناطق الشمالية والشرقية، خاصة مقاطعة أمباري، وتيروكوناملاي، ومتاكيلافو، ويصل عددهم إلى مليوني نسمة.

 

 

صورة من صلاة عيد الفطر في سريلانكا عام 2017.

تسبب الاضطهاد الذي تلقاه أقلية التاميل الهندوسية في دفعهم نحو المطالبة بوطن مستقل، فقامت حرب أهلية طاحنة -مر عليها قرن-، قُتل فيها 70 ألف مدني، وأكثر من 27 ألف جندي سريلانكي، نُقشت أسماؤهم في ساحة الجندي المجهول في العاصمة «كولومبو»، وانتهت الحرب بهزيمة التاميل عام 2009 على أيدي الجيش السريلانكي، وانتهى مشروع إقامة دولة مستقلة للأقليات المتمركزة في شمال سريلانكا وشرقها.

 

 

طفل مسلم في مسجد تم الاعتداء عليه وسط أوراق محترقة من المصحف.

ولكن لم يكن انتصار الجيش في صالح جميع الأطياف الدينية؛ فقد عين الرئيس البوذي السابق «راجابانغسا» نحو 300 من أقربائه وذويه في مناصب عليا، وأطلق أيدي حلفائه المتشددين البوذيين لاستهداف المسلمين، على الرغم من أن المسلمين السريلانكيين لم يكونوا طرفًا في الحرب، وتمسكوا بوحدة وطنهم، وتعرضوا لحملة تهجير قسري ضمت مئات الآلاف منهم، الذين لا يزالون يعيشون في مخيمات للإيواء.

لم يهدأ الوضع تمامًا في سريلانكا بانتهاء الحرب، إذ تفاقمت حدة التوتر بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة في جزيرة سريلانكا خلال السنوات الأخيرة، وسط اتهام الجماعات البوذية المتشددة المسلمين بإجبار البوذيين على اعتناق الإسلام، وتدمير المعابد البوذية المقدسة على مدى العام الماضي بأكمله، وهي الادعاءات التي نفتها الجماعات الإسلامية. رافضة الاضطهادات التي يتعرضون لها من جانب البوذيين، كما تعرض نشاط المسلمين التجاري اليومي للخطر بسبب اختلاف العادات الدينية، مثل ذبح الدواجن والماشية على الطريقة الإسلامية، وسط تكرار دعوات رجال الدين البوذي لمقاطعة التجار المسلمين، كما كانوا يشكون كثيرًا للحكومة من زيادة أعداد الأسر المسلمة.

 

 

صورة لمتجر رجل مسلم تم إضرام النار به في الأحداث الجارية.

مع استمرار الوضع المتأجج في المناطق التي يعيش فيها المسلمون مع البوذيين، زادت حدة الخلافات في يونيو (حزيران) 2014، بعد احتجاج بعض البوذيين القوميين على تقديم المسلمين القادمين من ميانمار طلبات لجوء لسريلانكا هربًا من القتل في بلدهم، ما تسبب في أزمة لجوء كبرى، زاد من تعقيدها إجبار رهبان بوذيين المسلمين على الفرار من ملاجئ الإيواء برشق النساء والأطفال بالحجارة، وجعلهم تحت التهديد طوال الوقت؛ رفضًا لزيادة أعداد المسلمين في دولتهم.

تعد السياحة في سريلانكا مصدرًا للعملة الأجنبية، وواحدة من الدعائم الأساسية للاقتصاد البالغ 81 مليار دولار، وهنا يكمن أحد أخطر تبعات العنف في البلاد، خاصة أن «كاندي» هي الوجهة الرئيسية للمسافرين الأجانب، إذ تقع في قلب منطقة زراعة الشاي وسط جزر المحيط الهندي، فهي ثالث أكبر مصدر للشاي في العالم، وقد أثرت الاحتجاجات وتسببت في تعطيل الإمدادات لأكثر من شهر حتى الآن، ما قد يدفع بالأزمة أيضًا إلى التأثير في أسواق الشاي العالمية في المستقبل القريب، وقد يقلل من الصادر، ويرفع الأسعار العالمية، ورغم امتلاك كينيا والهند إمدادات قد تكفي للاستبدال، إلا أن هذا لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل.

اجمالي القراءات 1139