إيلون ماسك.. قصة رجل شعر بالملل فقرر تغيير العالم

في الثلاثاء ٢٠ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يجلس إيلون ماسك خلف الشاشة خافتة الإضاءة، التي تعرض مقطع فيديو لانطلاق صاروخ عملاق يبلغ طوله 230 قدمًا، يقتحم الفضاء منتصرًا على الجاذبية الأرضية، رغم حمولته التي توازي حمولة 18 طائرة طراز «بوينج 747»، متجهًا إلى كوكب المريخ. داخل الصاروخ، تقبع الكثير من الأدوات والأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى سيارة رياضية تعمل بالطاقة الشمسية، وصُنعت في شركته «تسلا»، تقودها دمية في هيئة رجل تسمى «ستارمان» تستمع إلى موسيقى أغنية «Space Oddity» لدافيد بوي. ربما يكون هذا هو المشهد الافتتاحي لفيلم وثائقي في المستقبل عن حياة إيلون ماسك، أحد أكثر الرجال الذين ساهموا في تشكيل مستقبل البشر وعلاقتهم بالفضاء.

أصبح إيلون ماسك الشخصية الأشهر عالميًا في عالم التكنولوجيا في الوقت الحالي؛ يعود ذلك إلى شهرة مشاريعه الكبرى التي أنشأها، ويعمل عليها في الفترات الأخيرة. إن كان هناك عامل مشترك في كل المشاريع التي يقوم عليها ماسك، فهو كونها ثورية؛ بمعنى أنه عندما يفكر في اقتحام مجال ما، فهو يفكر في تغيير الطريقة التي نرى بها هذا المجال للأبد. اهتمامات ماسك ليست محدودة بمجال معين، فهو يبدو دائمًا كشخص سريع الملل، ويتحرك بين مجالات مختلفة مثل الواقع الافتراضي والهندسة الحديثة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وصناعات الفضاء.

اقرأ أيضًا: مترجم: رسالة إيلون ماسك إلى العاملين في «تيسلا».. درس في الذكاء الوجداني

طفولة تحكي الكثير عن المستقبل

بدأت الحكاية في مدينة بريتوريا الجنوب أفريقية، حيث وُلد الطفل إيلون عام 1971، لأب جنوب أفريقي يعمل مهندس إلكترونيات، وأم أمريكية، تعمل أخصائية تغذية. كان إيلون الصغير يميل إلى الانطواء على ذاته مفضلًا قضاء الأوقات وحيدًا يقرأ ما يقع تحت يديه من الكتب.

أثرت هذه السمات الشخصية بشكل كبير على حياة الطفل أثناء دراسته، فقد تعرض للضرب من الأطفال المتنمرين، وفي إحدى المرات، قام مجموعة من الأطفال بإلقائه على درجات سلم المدرسة؛ فأغشي عليه فورًا وأُخذ إلى المشفى ليتم إسعافه. تأثرت شخصية ماسك كثيرًا بهذه الحوادث، يقول والده: «بينما يذهب الكثير من الناس إلى حفلة كبيرة، ويقضون وقتًا رائعًا ويشربون الكحول، ويتحدثون عن الأشياء مثل الراجبي أو الرياضة، كنت ستجد إيلون في مكتبة الشخص المضيف يطالع الكتب».

 

 

كان ماسك يميل إلى قراءة كتب العلوم، حيث قضى أوقاته في تصفح المجلات المصورة للأبطال الخارقين، وجذبته القدرات الهائلة للغات البرمجة فتعلمها قبل أن يبلغ 12 عامًا. في هذه السن قام ماسك الطفل بتطوير لعبة بسيطة سماها «بلاستر» (Blaster) يقوم اللاعب فيها بإنهاء مهمات تتعلق بمحاربة وحوش فضائية، وكانت تضمن للمستخدم قدرًا من الرفاهية سمح له بتسويقها لمجلة جنوب أفريقية تسمى «PC and Office Technology» ليكسب الطفل الصغير أول مبلغ كبير له وهو قيمة تسويق اللعبة البالغ 500 دولار.

أكمل ماسك دراسته الثانوية في جنوب أفريقيا، ثم انتقل إلى كندا رفقة والدته وأخيه وأخته، ليدرس سنتين في جامعة كوينز في مدينة أونتاريو. بعد ذلك، انتقل لاستكمال دراسته في جامعة بنسلفانيا، ليتخرج فيها متخصصًا في الفيزياء والاقتصاد، وهي المجالات التي سوف تؤثر بشكل كبير في تحديد هوية ماسك رائدَ أعمالٍ، لكنها في الوقت نفسه، لن تصنع له الأطر التي لا يستطيع الخروج عنها؛ لأن ماسك لا يحب الارتباط بأي شيء كثيرًا.

اقرأ أيضًا: وداعًا للأرض ومرحبًا بالسماء.. ماذا يحمل المستقبل لنا في عالم النقل والمواصلات؟

رائد أعمال بالفطرة

بعد التخرج في جامعة بنسلفانيا، سافر ماسك إلى جامعة ستانفورد لدراسة الدكتوراه، لكنه سرعان ما تراجع عن قراره وقام بتأجيل قبوله بعد قضائه يومين فقط في ولاية كاليفورنيا؛ من أجل تجربة مشروع جديد كان ينوي تدشينه. قبل ذلك، في عام 1989، كانت أول تجربة ريادة أعمال يدشنها ماسك رفقة زميله في السكن؛ حيث كان يدفع مصاريف الجامعة من أرباح حصدها من تأجير منزل مكون من 10 غرف، ثم تحويله إلى نادٍ ليلي لإقامة الحفلات. في الفترة نفسها، خطط ماسك لتنفيذ مشروع آخر، هذه المرة عبر الشبكة العنكبوتية، وكان المشروع يتضمن فكرة خدمة تداول الكتب الإلكترونية، وهو المشروع الذي يشبه إلى حد بعيد المشروع الذي دشنته جوجل بعد ذلك التاريخ بسنوات تحت اسم Google Books.

بعد تركه لدراسة الدكتوراه، في عمر 24، يبدأ ماسك رفقة أخيه كيمبال مشروعه الجديد الذي تمثل في فكرة شركة «Zib2» التي تقدم خدمة الدليل الجغرافي الإلكتروني للمدينة وتقوم بتسويقه للجرائد والمجلات الكبيرة، واستطاع ماسك وأخوه تدشين المشروع من خلال مبلغ حصلا عليه من والديهما بلغ 28 ألف دولار. حققت الشركة نجاحًا قويًا، ونجحت في الفوز بعقود مع صحف كبرى مثل «نيويورك تايمز» و«شيكاغو تريبيون»، وبيعت الشركة بعد إنشائها بأربع سنوات، عام 1999، إلى شركة «كومباك» بمبلغ يفوق 300 مليون دولار.

استمر تركيز ماسك على الخدمات المقدمة على الشبكة العنكبوتية؛ فقام باستخدام نصيبه من قيمة بيع «Zib2» ليدشن مشروعه الجديد الذي يتمثل في شركة «X.com» التي تقدم الخدمات المالية والمصرفية عبر الشبكة العنكبوتية، والتي تم تغيير اسمها بعد ذلك لتصبح «PayPal»؛ بسبب التشوش الذي حدث لعملاء الشركة، حيث اعتبر بعض العملاء أن هذا الاسم يتناسب أكثر مع شركة تقدم محتويات جنسية.

حققت «PayPal» نجاحًا كبيرًا في وقت قصير، لكن معظم هذا النجاح لم يشهده ماسك؛ حيث تم إقصاؤه مديرًا تنفيذيًا عام 2000 بينما كان يقضي شهر العسل رفقة زوجته، إثر خلاف مع بقية أعضاء المجلس على الاستراتيجية التي يجب على الشركة تنفيذها، على أن يبقى محتفظًا ببعض أسهمه في الشركة، وهي الأسهم التي سمحت له بالحصول لاحقًا على 250 مليون دولار عندما بيعت PayPal عام 2002 إلى شركة «eBay» الشهيرة.

اقرأ أيضًا: «نيورالينك».. خطة إيلون ماسك المذهلة لربط الدماغ البشري بالحواسيب

ماسك والفضاء.. حان وقت تحقيق حلم الطفولة

في هذه المرحلة، وجه ماسك انتباهه صوب الفضاء، الحلم القديم، حينما كان مهووسًا بكتب الخيال العلمي، ليفكر في هذه المرحلة في طريقة أقل تكلفة من الطرق الحالية، لاستعمار المريخ. في مرحلة التفكير كانت فكرة شراء الصواريخ الروسية التي خرجت من الخدمة مطروحةً، لكن الروس طلبوا مبلغًا يعادل 8 ملايين دولار؛ فكان قرار ماسك الفوري، سأبني معداتي الخاصة، وبتكلفة أقل10 مرات. في عام 2002  قرر ماسك إنشاء شركة «SpaceX» المتخصصة في تكنولوجيا استكشاف الفضاء. كان الهدف المعلن بعيد الأجل للشركة الجديدة هو إنشاء مستعمرات بشرية كاملة على المريخ، وبأسعار رخيصة. في نهاية العام الماضي، صرح ماسك بأن SpaceX سوف ترسل رحلة لنقل حمولة من الأدوات والمعدات الخاصة إلى الكوكب الأحمر بحلول عام 2022، على أن تكون مهمة هذه الرحلة هي التحضير للرحلة التالية – ستكون رحلة بشرية – عام 2024. الجدير بالذكر هنا، أن ناسا قد أعلنت أن رحلة بشرية إلى المريخ غير ممكنة في هذا الوقت، وأنها سوف تكون مليئة بالأخطار والصعوبات، وتوقعت أن تكون أول رحلة بشرية للمريخ بحلول عام 2030.

 

 

يعلم الكثير من المتخصصين خطورة الوعود التي يطلقها ماسك، لكنه في الوقت نفسه أثبت قدرة غير عادية على إثارة دهشة الجميع من المتابعين وحتى غير المهتمين. كانت فكرة استخدام الصواريخ الفضائية مرات متعددة غير مطروحة للتفكير بالأساس، لكن نجاح ماسك في إثبات إمكانية هذه الفكرة، بل وتحديد نقطة الهبوط على الأرض لتستقبل الصاروخ العائد من الفضاء برشاقة صقر الشاهين كان أمرًا مذهلًا. لقد كشفت نجاحات «SpaceX» عورة الشركات الأخرى المنافسة، وحتى المؤسسات الكبرى التي تعمل في مجال الفضاء منذ عقود، لكنها لم تقترب حتى من تنفيذ فكرة شركة حديثة العهد في تكنولوجيا الفضاء. من هذه الزاوية، فإن ثورة ماسك في عالم تكنولوجيا الفضاء لا تقدر بثمن بالنسبة للبشرية.

اقرأ أيضًا: «الجارديان»: إصابات ومعاناة.. عمال «تيسلا» يكشفون الوجه الآخر لعملاق السيارات

ماسك لم يكتفِ من الأرض بعد

في أحد مؤتمرات ماسك نهاية العام الماضي، أعلن ماسك على هامش المؤتمر عن خطة جديدة لاستخدام الصواريخ التي سوف تنتجها «SpaceX» في مهمات مختلفة؛ وهي الانتقال بين القارات باستخدام هذه الصواريخ في رحلات رخيصة نسبيًا في أوقات قصيرة. صرح ماسك بأن هذه النوعية من الرحلات سوف تتيح للمسافرين الانتقال بين القارات في أطول الرحلات المعروفة حاليًا في 30 دقيقة فقط، والذهاب إلى أي مكان على الأرض في أقل من ساعة، وستكون تكلفة تلك الرحلات بنفس تكلفة رحلات شركات الطيران المدني الاقتصادية.

 

 

ومن بين التحديات الأخرى التي خاضها ماسك على الأرض كان ضخه الكثير من الأموال في شركة متخصصة في صناعة السيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وذلك لمحاولة تقديم حلول لمشاكل التغير المناخي، واستبدال أنواع وقود صديقة للبيئة بالأنواع الحالية للوقود، على أن تكون هذه السيارات بتكلفة مقبولة تستطيع منافسة السيارات التي تعمل بالوقود العادي.

في عام 2004، استثمر ماسك حوالي 70 مليون دولار في شركة «Tesla» لصناعة السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، والتي أسسها رائد الأعمال مارتن إيبرهارد. وقد ساعدت إسهاماته في تحقيق نجاحات سريعة، ففي غضون عامين، أعلنت الشركة عن المنتج الجديد، سيارة «Roadster» الرياضية، وهي السيارة التي أطلقها ماسك إلى الفضاء في آخر إطلاق لشركة «SpaceX».

لم تحافظ تسلا على نسق النجاح فترةً طويلة عقب هذا النجاح، فبوجود إيبرهارد على رأس مجلس الإدارة، كانت تسلا تنفق أكثر بكثير من الاستثمارات التي كانت تستقبلها في ذلك الوقت. فقام ماسك عام 2007 بقيادة تحالف داخل مجلس الإدارة لإقصاء إيبرهارد عن الرئاسة التنفيذية للشركة، ثم لاحقًا قام بإخراجه من مجلس الإدارة والمناصب التنفيذية.

 

 

لم تسنح الفرصة لتسلا بالصعود بعد التغييرات في الإدارة والإدارة التنفيذية، ففي عام 2008 حدثت الأزمة المالية العالمية التي خلفت تسلا ضحيةً محتملة للإفلاس. في ذلك الوقت قرر ماسك إنقاذ الشركة؛ فقام بضخ 40 مليون دولار، ثم أقرضها 40 مليون دولار أخرى، ليصبح بعدها المدير التنفيذي للشركة.

تغيرت الأمور كثيرًا بعد عامين من التقلبات، ففي عام 2010 انقلبت الأمور في اتجاه إعادة المسار الناجح بعرض أسهم الشركة للاكتتاب العام، لتربح استثمارات بقيمة 226 مليون دولار، ويحصل ماسك على بعض الأموال التي ضخها للشركة في أوقات الأزمة ويجني 15 مليون دولار من بيع بعض الأسهم.

اقرأ أيضًا: «تايم»: 5 توقعات لـ«إيلون ماسك» تظهر لنا ما سيحدث في المستقبل

الملل قد يغير العالم

بدأت الكثير من مشروعات ماسك فكرةً غريبة ربما لا يصدقها أحد أو يلقي لها بالًا. التجلي الأكبر لهذا النموذج من مشاريع ماسك كان فكرة مشروع «Hyperloop» الذي يخطط ماسك لإنشائه في وقت قريب، بعدما صرح بأنه قد حصل على موافقة شفهية من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالبدء في المشروع.

خطرت فكرة المشروع لماسك بينما كان يقود سيارته على أحد الطرق وكان هناك اختناق مروري، فكتب ماسك على صفحته الشخصية على موقع تويتر: «الزحام يقودني للجنون. أنا بصدد بناء آلة أنفاق مملة وسأبدأ في الحفر». وحصد هذا التصريح الكثير من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذه السخرية لم تؤثر في ماسك بأي درجة.

 

طريقة تنفيذ هذا المشروع هي أن يتم بناء قطار فائق السرعة يسير بداخل أنبوب مفرغ، من المفترض أن ينقل الركاب من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلوس في 30 دقيقة وتصل سرعته إلى 1223 كيلومترًا/ ساعة. واختار ماسك لهذا المشروع، مع الكثير من أفكاره، أن تكون مفتوحة المصدر، بحيث يكون لكل شخص أو مؤسسة حرية الاستفادة من نموذج الفكرة والتطوير فيها، يقول

ماسك إنه يؤمن أنه يهدف لتغيير العالم، وأن هذه المهمة لا يجب أن تكون مسئوليته بشكل حصري.

اقرأ أيضًا: بعد نجاح أول تجربة عملية.. تعرفوا إلى أسرع أنواع النقل البري في العالم

حصدت هذه الفكرة الكثير من الانتقادات، وقال عنها توم نيف، المهندس المدني: «يمكنني وضع ما يقوله السيد ماسك اليوم في خانة الهراء. نفق يعمل بهذه الطريقة يمكن اعتباره، بدون شك، بعيد المنال». في نفس الصدد، أنشأ ماسك شركته الجديدة التي سماها «Boring Company» التي سيكون هدفها حفر شبكة من الأنفاق تحت مجموعة من المدن الأمريكية لتوفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ فكرته الغريبة.

لا مستقبل من دون ذكاء اصطناعي

ليس ثمة خلاف على حقيقة الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخاصة به في مستقبل البشرية، وماسك أدرك هذه الحقيقة مبكرًا، لكن الوقت لم يسنح له ليقدم ما في جعبته لهذا المجال سوى في عام 2015، عندما أنشأ مؤسسة «OpenAI» غير الربحية التي تهدف إلى تركيز البحث في مجال الذكاء الاصطناعي والتأكد من أنه لن يدمر الحياة البشرية. ويؤمن ماسك أن السباق المحتدم، والخالي من المعنى، حول الوصول لتكنولوجيا أقوى للذكاء الاصطناعي قد يتسبب في نشوب حرب عالمية ثالثة.

 

 

يحاول ماسك الدمج بين تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وسيارة تسلا من أجل تطوير سيارة تعمل بالطاقة الشمسية، وذاتية القيادة، من المتوقع أن تظهر للجمهور هذا العام. وهكذا، وبالوتيرة المتسارعة نفسها يثبت ماسك قدراته الكبيرة على إثارة المزيد من الدهشة لكل مهتم بالمجالات التي خاضها العبقري سريع الملل. لا أحد يستطيع الجزم بنجاح كل الأفكار التي يستمر ماسك في تحقيقها، لكن الجميع يعلمون أنه إن قدر له نزر يسير من النجاح فهذا يكفي لتغيير وجه العالم بأكمله.

اجمالي القراءات 2156