المغرب - نساء الـ'كونطر بوند' يعشن معاناة يومية من أجل لقمة العيش

في الأربعاء ١٧ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نساء الـ'كونطر بوند' يعشن معاناة يومية من أجل لقمة العيش

  • لضيق ذات اليد، اخترقت الكثير من النساء المغربيات عالم التهريب الذي ارتبط بالرجال، لعقود طويلة. تخرج المغربية من بيتها ولا تعلم إن كانت ستعود إليه سالمة أو لا لتوفر لأفراد أسرتها قوت يومهم، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة المتزايد.

النساء يضطررن يوميا لعبور الطرق الضيقة والحواجز

تعدّ مهنة التهريب المعيشي والتي يطلق عليها بالمغرب “كونطر بوند”، والتي تزاولها في الغالب نساء مغربيات بين سبتة المحتلة ومدن شمال المغرب من أخطر المهن وأكثرها صعوبة، حيث تعمل نسوة من مختلف الأعمار يوميا في تهريب السلع المتنوعة عابرات الحواجز والطرق الضيقة على الحدود بين مدينتي سبتة ومليلية وغيرها.

سميرة امرأة في الخمسينات من عمرها قالت لـ”العرب”، إن صعوبة هذا العمل ليس الأثقال التي نحملها على ظهورنا بل في التحرشات التي نتعرض لها بمجرد ولوجنا معبر باب سبتة أو مرحلة خروجنا منه. وتضيف أننا كل يوم ننطق بالشهادة ونودّع أهالينا لأننا لا نعرف هل سنعود من تلك العملية أم لا؟

التهريب المعيشي مهنة تعبّر عن نفسها فبواسطتها تقتات الآلاف من الأسر، بيوت مفتوحة وأفواه تنتظر اللقمة وصاحب المنزل ينتظر ثمن الكراء، إضافة إلى فواتير الماء والكهرباء وحاجيات تتكفل بها نساء مغامرات تقتحمن الخطر وتعانقن الموت كل يوم.

وتأبى عاصفة الموت أن تغادر معبر باب سبتة دون أن تجرف معها سيدتين الاثنين 15 يناير، إلهام عازبة والبالغة من العمر 27 سنة، وسعاد البالغة من العمر 43 سنة وهي أم لثلاثة أطفال وهما تقطنان بمدينة الفنيدق القريبة من سبتة المحتلة شمال المغرب، نتيجة التدافع الشديد والازدحام الذي شهدته إحدى بوابات الولوج للمعبر.

إلهام وسعاد ليستا الوحيدتين اللتين ذهبتا ضحية لقمة العيش في هذا المعبر بل سبقتهما أخريات، حيث سجلت المعطيات المتوفرة ست حالات وفاة لنساء مغربيات ما بين يناير 2017 ويناير 2018، جرّاء التدافع بمعبر باب سبتة.

وعلّق ألفونسو داسديس، وزير الخارجية الإسباني، متأسفا على الحادث قائلا إن “الوضع غير مرض، وعلى كل من المغرب وإسبانيا التحرك لتحسين الأمر”، مضيفا أننا نبذل كل جهد ممكن لتجنّب هذه المواقف وأن كلا الحكومتين تحافظان على علاقة سلسة باختبار مواقف وإمكانيات إعداد المعبر الحدودي باستمرار بهدف تجنّب مثل هذه الحوادث.

واستنكرت فيدرالية رابطة حقوق النساء بالعرائش مقتل سيدتين بمعبر باب سبتة واصفة المعبر بـ”معبر الذل”. منددة باستمرار استرخاص والمساس بحياة النساء في هذا المعبر المشؤوم رغم الوفيات والحوادث المتتالية في صفوف النساء.

وتتكرر حوادث التدافع على مستوى المعبر الحدودي بسبب توافد الآلاف من التجار الراغبين في جلب السلع من داخل مدينة سبتة وتوزيعها بالأسواق المغربية.

حوادث التدافع على مستوى المعبر الحدودي تتكرر بسبب توافد الآلاف من التجار الراغبين في جلب السلع من داخل مدينة سبتة وتوزيعها

وتقف النسوة الحمّالات باكرا في طوابير لولوج مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، واقتناء ما تقع عليه أعينهن حسب المبالغ المتوفرة لديهن والسلع المعروضة من ملابس ومواد غذائية، لتبدأ بعدها معاناة في رحلة العودة وهنّ محملات بأحمال ثقيلة من السلع، تقول سميرة، من خلال ممرات ضيقة حيث يتعيّن علينا الحفاظ على توازننا وإلا سقطنا ودهستنا الأقدام.

وقالت السيدة سميرة، لـ”العرب”، أنا الآن أعاني من آلام في الظهر والركبة اليمنى، ولم أعد قادرة كما كنت سابقا على الاستمرار في هذه المهنة المتعبة جدا والخطيرة، لكن إعالة الأطفال والزوج الذي يعاني من مرض مزمن هو ما يجعلني أتحمل.

وكان ألفونسو داسديس، وزير الخارجية الإسباني، قد علّق على الحادث قائلا إن الوضع غير مرض، وعلى كل من المغرب وإسبانيا التحرك لتحسين الأمر. وتأسّف المسؤول الحكومي الإسباني، لوفاة السيدتين المغربيتين.

ورغم تصريحات المسؤولين الإسبان والتنديد الحقوقي بما تعيشه النسوة فالتجارة التي تنتعش من خلال التهريب المعيشي تدرّ على سبتة ومليلية أرباحا تقدر بـ2000 مليون يورو.

وفي هذا الصدد كشفت الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان أن خزينة الدولة الإسبانية تستفيد من أكثر من 400 مليار سنتيم سنويا، بسبب التهريب المعيشي بين سبتة والداخل المغربي. وذكر غييرومو مارتينز، المستشار عن منطقة الباسك، أن قيمة السلع المهربة من سبتة إلى الداخل المغربي تبلغ 700 مليار سنتيم. ما يعني أن السلطات الإسبانية تستفيد سنويا من أكثر من 2700 مليار سنتيم.

وأكد محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب”، أننا طالبنا بالإغلاق النهائي لمعبر سبتة والعمل على فتح ورش تنموية في المنطقة لتوفير فرص شغل تضمن كرامة المواطنين إلا أننا تفاجأنا بعودة السلطات المغربية الى فتح المعبر من جديد.

وقالت خديجة ذات 25 سنة العاملة في مجال التهريب المعيشي، لـ”العرب”، أعمل في هذه المهنة منذ خمس سنوات ولا يهمني ما تكسبه المدينتين بقدر ما يهمني ما سأجنيه من بيع المواد التي سأعود بها من سبتة إلى الفنيدق، وأنا مازلت صغيرة وقادرة على حمل مواد ثقيلة على ظهري.

وطالبت فيدرالية رابطة حقوق النساء بالعرائش، السلطات المغربية والإسبانية بالكف عن “المماطلة في حل هذا الملف بشكل يقي حياة وسلامة النساء الباحثات عن لقمة عيش وضمان كرامة العابرات وإنصافهن”، موجهة دعوة إلى الحكومة والقطاعات الوصية، وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، إلى “اعتبار الملف أولوية في السياسات العمومية مركزيا وترابيا، والتمكين المجالي الاقتصادي وتقديم بدائل حقيقية لهؤلاء النساء المهمشات اللواتي يكابدن الويلات من جراء استمرار غض الطرف عن عواقبه”.

وعلّقت خديجة، أنه لا بديل في الأفق يقينا المعاناة التي نكابدها ليل نهار كي نكسب لقمة من عرق جبيننا، رغم ما نتعرض له من تصرفات من السلطات والرجال الذين يزاحموننا في المجال ليس آخرها التحرش والسباب والشتم. مضيفة أنني عاينت

سقوط سيدة منذ عامين وتعرّضت لكسر مزدوج في رجلها، ويا ويل من سقطت تحت أقدام الآخرين ستموت لا محالة أو على الأقل ستغدو معاقة. 

اجمالي القراءات 1468