جند الخلافة'.. تنظيم إرهابي جديد في مصر يحمل بصمة داعش

في الأحد ٢٠ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

جند الخلافة'.. تنظيم إرهابي جديد في مصر يحمل بصمة داعش

 

  • خطط “جند الخلافة” الإرهابي الذي ظهر مؤخرا في مصر، تسعى إلى إرباك أجهزة الدولة وإنهاكها عبر سلسلة من العمليات تستهدف منشآت حيوية وكنائس قبطية، واللافت أن هذا التنظيم يجمع بين أسلوب الإخوان في التحرك والتخطيط وطريقة داعش في التنفيذ والتقتيل، كما تلتقي هذه العصابات ذات المسمّيات المختلفة في أماكن تدريب واحدة وتنسّق مع بعضها في كيفية الانتشار.

القوات المسلحة المصرية هدف أساسي لمخطط الإرهاب

القاهرة – تتداخل فكرة تأسيس تنظيم “جند الخلافة” التي سعى من خلالها تنظيم داعش للتمدد داخل المحافظات المصرية مع خطط جماعة الإخوان عبر نشاط لجانها النوعية القائم على مبدأ الإنهاك والإرباك، اعتمادا على توسيع دائرة النشاط واستحداث روابط لمراكز المسلحين بين ليبيا ودول أخرى والداخل المصري، ويستقي التنظيم الجديد بعض أدبياته من إرث الجماعة الإسلامية الفكري خلال الثمانينات من القرن الماضي.

ويحظى التنظيم بعلاقات وثيقة بالقاعدة في درنة الليبية، لكن يظل ارتباطه بداعش هو الأقوى والأوضح بعد أن أسندت إليه مهمة الانتقام السياسي المذهبي وخلق فتنة طائفية باستهداف الأقباط، وإيجاد بدائل للتنظيم بعد التضييق عليه في سيناء.

ومن أبرز قادة التنظيم عمرو سعد الذي يتولى مهام التجنيد والتدريب ويشارك بنفسه في تنفيذ العمليات، ومهاب مصطفى الذي يتولى مهام التمويل والتنسيق مع الجهات الداعمة بالخارج، وأيضا عزت محمد وهو بمثابة العقل المدبّر وقائد التنظيم الفعلي الذي يضم قرابة أربعين عضوا البعض منهم لا يزال هاربا.

اللافت في التنظيم الذي يقف خلف العمليات التي استهدفت الكنائس والأقباط خلال الفترة الماضية، أنه يوظف أدبيات الجماعة الإسلامية التي نشطت في محافظات الصعيد وارتكبت العديد من جرائم الإرهاب في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي المتعلقة بتكفير الحاكم ووجوب الخروج عليه بدعوى عدم تطبيقه للشريعة.

الأكثر من ذلك أنه قلدها في بعض العمليات والممارسات عندما هاجم حافلة أقباط المنيا في مايو الماضي، وقتل من فيها واستولى على مجوهراتهم وأموالهم لتمويل نشاطات التنظيم، وكانت الجماعة الإسلامية بناء على فتوى أحد قادتها استباحت السطو على أموال ومجوهرات الأقباط للإنفاق على نشاطات الجماعة أثناء صراعها المسلح مع الدولة.

وأكد بروز هذا التنظيم الذي ينشط في صعيد مصر من جديد الحقيقة التاريخية المتعلقة بمسيرة مجمل تيار الإسلام السياسي، ومفادها أن مناهج وأهداف جماعاته واحدة، وأن الإرهاب حلقات متصلة داخل إطاره الواسع، والخلاف يكون فقط في تباين الأدوار وتعدّد المسمّيات وطرق توظيف الحدث الإرهابي واستثماره.

وذهب العديد من الخبراء إلى أن الأمر لا يرجع فقط إلى التنسيق الميداني بغرض تجاوز الضعف الطارئ للتيار الإسلامي التكفيري، وإنما التقاء في الرؤى والأساليب والأهداف، وكان سيد إمام المعروف بأنه منظر القاعدة الذي غذّت أفكاره جميع التنظيمات المسلحة اليوم، إلى جانب أفكار أبوبكر الناجي وأبوعبدالله المهاجر صاحب أطروحة فقه الدماء، دعا إلى تشكيل جبهة موحدة من فصائل السلفية الجهادية مهمتها التنسيق واستقطاب الآخرين للقيام بالمهمة العامة الجامعة.

المتابع المدقق يسهل عليه كشف وقائع هذا التلقيح الفكري والبشري بين التنظيمات؛ ففي سياق خطة وضعها أحد قادة داعش الحاليين للسيطرة على الواقع المصري أورد مقترحات كانت قد جربتها تنظيمات جهادية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وشرعت في تنفيذها بالفعل قبل أن تحبطها الأجهزة الأمنية.

قيادات الطليعة المقاتلة التي أسسها القيادي الإخواني مروان حديد بسوريا في ستينات القرن الماضي هم من صاروا لاحقا قادة الفصائل المسلحة التي قاتلت النظام السوري طوال السنوات الماضية بعد المرور بتجربتي القتال في العراق وأفغانستان.

وأنتجت التنظيمات التكفيرية التي تتلمذت في مدرسة سيد قطب واحتضنتها بيئة محافظة الفيوم الفقيرة، جنوب غرب القاهرة، قيادات أصبح الكثير منها فيما بعد قادة شرعيين أو ميدانيين بتنظيم داعش في العراق، ومنهم يحيى هاشم المُنظر الشرعي الرئيسي لداعش.

وعاد الذين تزاملوا في ميدان القتال بأفغانستان من قادة الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد، وجمعهم الميدان السوري على رأس فصائل ومنظمات بمسمّيات شتى وإن ظلت المناهج والأهداف متطابقة.

وقال البعض من المراقبين إن ما يظهر على السطح مجرد تناغم على مستوى محاكاة التكتيكات، لكن الواقع الفعلي يكشف عن انصهار تلك التنظيمات في تنظيم واحد، صحيح أنه غير مرئي، إلا أنه حاضر عبر المظلة الجامعة التي تتيح هذا التلقيح المستمر وتبادل الأدوار والمواقع.

وشدد طارق أبوالسعد، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، على أن التنظيمات القائمة يكمّل بعضها بعضا ويخدم أحدها الآخر، ويتمثل دور السلفيين في التجهيز والتهيئة، ليأتي دور الإخوان بعد ذلك لينحت الشخصية المعزولة ذات الفكر الخاص الرافض للمجتمع، ثم تتلقفها السلفية الحركية الجهادية فتمارس العنف على الأرض.

أوضح أبوالسعد أوضح لـ”العرب” أن جميع التنظيمات مناهجها وأهدافها واحدة ومؤمّنة بالنسخة الأخيرة التي صنعها أبوبكر البغدادي ومقتنعة بحمل السلاح، لكن فقط تختلف مسمّيات المصطلحات من فصيل إلى آخر وتتباين وجهات النظر في ترتيب أولويات المراحل.

ووفقا للبعض من الخبراء، فإن تلك التنظيمات جميعها ينحدر من عائلة راسخة في الحالة المصرية، ويشيرون إلى أنه ليس خافيا أن الإخوان هم منشأ الجماعات الأصولية الجهادية بمصر والعالم، إذ لا يمكن تجاهل دور جماعة الإخوان في تشكيل هوية مذهبية تقطع مع ما هو قائم من هوّية وطنية جامعة، وأسهمت أفكار سيد قطب في احتواء فصائل السلفية الجهادية خاصة الجهاد المصري والقاعدة وداعش.

وقبل أن تصبح الظاهرة التكفيرية عالمية مارست جماعة الإخوان وحلفاؤها بمصر، وفق مرحلية متوالية، أشكالا من العنف والاغتيالات والتمرّد على سلطة الدولة والسعي لإسقاط مؤسساتها القائمة ليبدأ الإرهاب المشترك بالتوازي مع تأسيس اللجان النوعية التابعة للإخوان منذ بدايات العام 2014.

وتآزر النسب الأيديولوجي الذي جمع تلك التنظيمات الإرهابية ضد الدولة “هوياتية” مغالية تقودها أفكار شديدة السوداوية والكراهية تجاه مختلف الأفكار والعقائد الأخرى، علاوة على هوس جنوني بالانفراد بالسلطة.

وتوصل الجيل الجديد من منظري تلك الجماعات إلى مُنتَج فكري غير مسبوق تحت عنوان “إدارة التوحش”، لمؤلف مجهول اسمه أبوبكر الناجي، وهو مزيج بين أفكار جماعة الإخوان القطبية التكفيرية وأفكار ما لحقها من جماعات سلفية تكفيرية.

هذا المنتج الفكري الجديد يخدم مشاريع القوى الداعمة التوسّعية عبر إسقاط الدولة وتفكيك مؤسساتها، وفي مرحلة النكاية والتمكين يجري كسر إرادة الدولة بتوجيه هجمات ضد أهداف اقتصادية واستراتيجية حيوية مثل منشآت النفط والبنية السياحية، وهو ما تصمم على تنفيذه تنظيمات داعش والإخوان والقاعدة بمصر، وتراهن تلك التنظيمات مجتمعة على استنفار القوى الأمنية التي ستنهض بطبيعة الحال لحماية المنشآت والمؤسسات وإيقاف الفوضى.

خطة إدارة التوحش تطبقها اللجان النوعية للإخوان وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه هشام العشماوي انطلاقا من الأراضي الليبية، وتنظيم ولاية سيناء الذي يتفرع عنه تنظيم جند الخلافة الذي يحمل أيضا عنوان ولاية الصعيد، على أمل الوصول إلى المرحلة الثالثة المسمّاة “شوكة التمكين” التي ستشهد، في تصورهم، تأسيس الدولة الإسلامية المزعومة، وهنا تتحد رؤى تلك الفصائل بشأن نظام الحكم، فجميعها مُعادٍ للحريات المدنية والتنوع السياسي والتداول والقيم الديمقراطية، وكلها مفرط في العداء للدولة الوطنية.

اجمالي القراءات 1377