كيف تحولت الجزائر من بلد الموت إلى واحدة من أكثر 10 دول في العالم أمنًا

في الأحد ١٣ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في احتفال الذكرى السبعين لعيد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا نهاية عام 2013، قال الرئيس الفرنسي السابق «فرانسوا هولاند» من قصر الإليزيه: «أظن أن وزير الداخلية مانويل فالس، سيقوم بزيارة للجزائر»، لكنه تدارك سريعًا، وقال بابتسامةٍ ساخرةِ: «عفوًا.. لقد عاد مانويل فالس مؤخرًا من الجزائر، أمر جيد أن يعود وزير الداخلية سالمًا معافىً.. هذا في حد ذاته كثير».

هكذا وصف الرئيس الفرنسي الوضع الأمني في الجزائر حين أطلق عليها وصف «الغابة غير الآمنة»، تصريحات أثارت حينها جدلًا كبيرًا، لكنها لم تكن تعكس الحالة الحقيقة للأمن في الجزائر.

الجزائر السابعة عالميًا في مؤشر الأمان

ففي تقريرٍ لمعهد «غالوب الأمريكي» لاستطلاعات الرأي مطلع شهر  أغسطس (آب) صنّف  الجزائر ضمن البلدان العشرة الأولى التي يشعر  فيها السكان بالأمان، حيث احتلت المرتبة السابعة ، في تصنيف الدول الأكثر أمنا في العالم لسنة 2017، وبذلك تصدرت الجزائر الدول الإفريقية في القائمة.

واعتمد معهد غالوب  في  استطلاعه على مؤشر غالوب للقانون والنظام الذي يقيس  مدى الشعور بالأمان على المستوى الشخصي  وكذا الخبرات الشخصية المتعلقة بالجريمة وتطبيق القوانين، وتحصلت الجزائر على 90 نقطة من أصل 100 في المرتبة الأولى إفريقيًّا، فيما احتل المغرب المرتبة الـ43 في التصنيف العالمي وتونس المرتبة الـ79، في حين أن ليبيا لم تظهر في القائمة.
وحسب نفس الاستطلاع، تتربع سنغافورة على رأس دول العالم الأكثر أمنًا بنتيجة 97 من أصل 100، متبوعة بأوزبكستان وأيسلندا وتركمانستان، ثمّ النرويج، كما احتلت سويسرا المرتبة السادسة بنفس  النتيجة التي حازت عليها الجزائر.

تقرير معهد غالوب جاء نِتاج أكثر من 136 ألف مقابلة أجريت سنة 2016 على مستوى 135 بلد، واعتمد الاستطلاع على أربعة أسئلة لتقييم ثقة الأشخاص في قوات الشرطة ومدى شعورهم بالأمن ليلًا في أحيائهم ومدنهم.

وتباينت ردود فعل الجزائريين حول هذا التصنيف حيث علقّ الدكتور في الإعلام والاتصال «عبد الله بن عجمية» على الموضوع قائلًا: «كأكاديمي أثق كثيرًا في معهد غالوب ونتائجه البحثية، ولكن القول بأن الجزائر واحدة من أكثر 7 دول أمنا في العالم، فهذا أمر يثير الدهشة.. إذا كان المعهد يقصد العمليات الإرهابية – كالذي تعيشه الدول الأخرى – فهذا صحيح، أما إذا كان يقصد بناء على افتراضاته البحثية شعور المواطن بالأمن والطمأنينة على ماله وأهله وممتلكاته فقد جانبت الصواب كثيرًا أيها المعهد المحترم».

ذكريات «العشرية السوداء»: الموت والخوف ذكريات الجزائريين قبل عشرين عامًا

عاشت الجزائر في  فترة التسعينيات من القرن الماضي سنوات من الرعب والخوف امتزجت بسفك الدماء، أطلق على تلك الحقبة اسم «العشرية السوداء» نسبة للسواد والظلمة التي عاشتها البلاد، حيث عشر سنوات من القتال بين الجيش الجزائري والمسلحين الإسلاميين.

بدأت فصول الرعب عام 1991م ,حيث تم إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية الجزائرية التي أسفرت عن فوز الإسلاميين، ليبدأ بعدها مسلسل سفك الدماء و سلسلة المجازر التي  استهدفت  الأبرياء، حيث اختبر الجزائريون كل أنواع العنف، وحدثت إبادة جماعية للقرى والأحياء والمداشر بأكملها، وأصبح المواطن الجزائري فاقدًا لحريته في بلده، حتى وصل الحال بالجزائري قبل خروجه من منزله يوميًا عليه توديع عائلته؛ لأنه لا يعرف هل سيعود أم أنه سيقتل وترمى جثته على أطراف الطريق.

أصبح مشهد الجثث والقتلى في كل مكان، رؤوس مذبوحة ومعلقة على الأبواب قتلى بالمئات من يوميات الجزائريين، حصدت تلك الحقبة في أرقام شبه رسمية ما يقارب ربع مليون قتيل، فيما قدرت جهات حقوقية عدد الضحايا بنصف مليون.

الوئام والمصالحة الوطنية.. مفتاح الجزائريين نحو الأمان

حينا وصل الرئيس الجزائري «عبد العزيز بوتفليقة» إلى سدة الحكم وجد أمامه بلدًا محطمًا أمنيًّا ويأسًا وإحباطًا لدى الجزائريين من الوضع القائم، ليستغل ذلك بطرحه مشروع «الوئام المدني» سنة 1999، والقاضي بالعفو عن المسلحين مقابل استسلامهم، وبالرغم من كون المشروع ليس بالجديد بالنسبة للجزائرين، حيث سبق للرئيس السابق «يامين زروال» طرح مبادرة «قانون الرحمة» الذي فشل في إنزال المسلحين من الجبال، إلاّ أنّ قانون «الوئام المدني» في عهد بوتفليقة ساهم بشكل كبيرٍ في الحد من الحرب الأهلية، إذ استسلم حوالي 6 آلاف و500 مقاتل من مجموع أكثر من 20 ألف مقاتل هو عدد المسلحين المناوئين للنظام آنذاك في ظرف أسبوع فقط من تطبيق قانون.

نجاح مشروع الوئام المدني شجع بوتفليقة على طرح مشروع قانون «المصالحة الوطنية» على استفتاء شعبي في 28 سبتمبر (أيلول) 2005، وصوت الجزائريون لصالحه بنسبة 97%، ونصّ المشروع على جملة من الإجراءات المتصلة بتسوية آثار الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد في العشرية السوداء، وأبرز بنوده العفو عن المسلحين الذين يقبلون وقف العمل المسلح وتسليم أسلحتهم، والإفراج عن المساجين المتورطين في الأعمال الإرهابية أو تمويلها ومنح تعويضات لعائلات المسلحين الذين قضت عليهم القوات الحكومية، إضافة إلى إجراءات أخرى تخص فئات أخرى متضررة من المأساة الوطنية.

شُرع في تطبيق القانون يوم 28 فبراير (شباط) 2006 وكشف رئيس خلية المساعدة القضائية المكلف بتطبيق السلم والمصالحة الوطنية «مروان عزي» أن 15 ألف مسلح استفادوا من إجراءات العفو التي تضمنها قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية في الجزائر، وقال إن 9 آلاف مسلح استفادوا من مشروع المصالحة الوطنية.

وساهم مشروعي المصالحة والوئام في الجزائر في الحدّ من الأعمال الإرهابية في البلاد، وسمح للجزائريين بطي صفحة العشرية السوداء التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين ومهدت لحقبة جديدة في تاريخ البلاد من خلال عودة الأمن والاستقرار والتركيز على التنمية الشاملة، خصوصًا الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

ارتفاع أسعار النفط ترفع ثقة الجزائريين ببلدهم

أثار نجاح الجزائر في تخطي العشرية السوداء وكبح جماح العنف وبسط الأمن في البلاد عودة الثقة بين الجزائريين ومع انتعاش سوق النفط وارتفاع أسعاره شكل الحفاظ على هذا المكسب تحديًّا للحكومة الجزائرية، وما ساعدها على ذلك وصول سعر برميل النفط إلى سقف المائة دولار.

وان كانّ لبّ العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر نهاية القرن الماضي هو أزمة انخفاض النفط في الثمانينات من القرن الماضي الذي فجّر أزمة أكتوبر (تشرين الأول) 1988 حيث  خرج عشرات الآلاف من الجزائريين في احتجاجات عنيفة ضد إجراءات الحكومة التقشفية التي  عكست انخفاض سعر البرميل من النفط إلى 3 دولارات، ليسقط مئات الضحايا في تلك الأحداث التي كانت منطلقًا وسببًا غير مباشر للعشرية السوداء، فإن عصر استرجاع الثقة للجزائريين اتسم بارتفاعٍ قياسي  لأسعار الذهب الأسود حتى وصل إلى 150دولار للبرميل، هذه الأسعار  الخيالية قفزت بالخزينة الجزائرية لتحصد 200 مليار  دولار من الاحتياط الأجنبي، حيث ارتفع دخل الجزائر من العملة الصعبة إلى 2.5 مليار  دولار في السنة، وهو ما ساهم في تسديد مديونية الجزائر للخارج.

الوفرة  المالية هذه جعلت الجزائريين ينسون هموم  العشرية السوداء، وذلك بعد أن صرفت حكومات بوتفليقة المتعاقبة مبلغ 800 مليار دولار من عائدات البترول في  محاولة منها لشراء السلم والأمن الوطنيين، وراهن بوتفليقة في محاولة منه لاسترضاء الجزائريين على مشروعين: مليونا سكن، ومليونا منصب شغل، وهو الرهان الذي لم يكتمل إلى اليوم، بالرغم من الحجم المهول من الأموال التي صرفت.

لماذا لم يلتحق الجزائريون بالربيع العربي؟

حين خرجت الشعوب الربيع العربية مطالبة بإسقاط الأنظمة؛ خصوصًا في  تونس ومصر، كانت الأعين موجهة نحو الجزائر تترقب خروج الجزائريين للثورة على نظامهم، لكن ذلك لم يحدث وخيّب الجزائريون أمل من كان ينتظر، وبالرغم من خروج بعض الاحتجاجات المناوئة لرفع السلطات الجزائريين لأسعار بعض المواد الغذائية الأساسية نظرًا لإنخفاض أسعار النفط، وأحداث العنف التي  شهدتها محافظة غارداية في الجنوب الجزائري، إلاّ أنّ تلك الاحتجاجات سرعان ما أفَلَت في وقت تصاعدت فيه موجة الربيع العربي.

ذاكرة الجزائريين لم تنس ما حدث في  العشرية السوداء من قتل وخوف، وكانت دافعًا للجزائريين أوجب عليهم السكوت والخضوع، فهاجس الأمن والاستقرار جعل الجزائريين يستغنون عن بعض حرياتهم وجعلهم يسكتون عما يرونه «فسادًا ينخر في دولتهم».

انفلات الجزائر من كوكبة الربيع العربي  كان نتاجًا أيضًا لسياسة إصلاحات قامت بها الحكومة الجزائرية كقانون الأحزاب الذي أعقبه فتح المجال السياسي باعتماد أكثر من 40 حزبًا سياسيًّا جديدًا، إضافة إلى فتح القنوات التلفزيونية الخاصة، وسنّ إصلاحاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ عميقة تؤدي إلى توسّع اقتصادي مستدام وعادل، وزيادة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية، ومساءلة فعلية للزعماء السياسيين.

ضعف المعارضة السياسية في  الجزائر و عدم ثقة قطاع عريض من الشعب الجزائري بها كان له دور آخر في تجنب الجزائر لربيع عربي فبالرغم من تكتلها مطلع 2011 في تنسيقية الوطنية للتغيير الديمقراطي بهدف  الضغط على الحكومة، إلا أن اتهامها من طرف قطاع عريض من الشعب آنذاك نحو جرّ البلاد إلى دوامة عنف؛ جعلتها حبيسة نفسها.

خوفًا من العنف.. ثقة الجزائريين بالجيش والأمن الوطني تعود

تشهد حدود الجزائر الشرقية تعزيزات عسكرية كبيرة تصل إلى 40 ألف جندي مرابط على الحدود بين الجزائر وليبيا، ويأتي هذا الاستنفار العسكري بعد  ورود تقارير أمنية حذرت من احتمال تعرض القوات الجزائرية الموجودة في الحدود مع ليبيا لهجمات تنفذها جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ناهيك عن تفجر الأوضاع وانفلاتها  في ليبيا بعد الثورة الليبية، وتخشى الجزائر من تسلل الميليشيات الليبية إلى ترابها لزعزعة الأمن والاستقرار بالجنوب الجزائري.

الحدود الليبية ليست وحدها التحدي الذي يواجه الجيش الجزائري،  فالوضع في مالي جعل حدود البلدين البالغ طولها 1400 كيلومتر صار خطيرًا بعد تفجر الأوضاع في مالي نتيجة للتدخل الفرنسي في البلاد مطلع  سنة 2013 ، التدخل ذلك جعل الجزائر تدفع ثمنه غاليًا بعد تعرضها لهجوم إرهابي غير مسبوق في تيقنتورين، لكن تعامل الجيش الجزائري مع ذلك الهجوم أعاد بريق الجيش وبطولاته أثناء الثورة التحريرية إلى الجزائريين، وبنى ثقة جديدة أنهت الصورة المأساوية التي رسمت لدى الجزائريين خلال العشرية السوداء.

 

 

 

وفي خلال جولة لـ«ساسة بوست» في وسط المجتمع الجزائري بمدنة غرداية، أكد معظم من التقينا على ثقته الكبيرة في الجيش الجزائري سليل جيش التحرير الوطني بحسبهم، فقال محمد الأمين: «الحمد لله على نعمة الجيش الجزائري، المهمة التي يؤدونها في حماية حدود البلاد تجعل الجزائريين جميعًا يرفعون له القبعة»، وبدوره قال المواطن الجزائري عبد المجيد: «الجيش الجزائري هو الوحيد الذي صار يحظى بثقة الشعب، وهو الذي سيحميها من المؤامرات التي تحاك

اجمالي القراءات 2219