عودة قوية لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء

في الخميس ٠٢ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عودة قوية لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء

 

  • أعلنت أربع من أكبر الجماعات المتشددة في شمال مالي، الاندماج في تنظيم واحد جديد تحت اسم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وقد بايع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، بحسب وسائل إعلام اعتادت نشر بيانات لتلك الجماعات، في خطوة تكشف أن تنظيم القاعدة بصدد جمع صفوفه للعودة بقوة في ظل اشتداد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ما يشكل خطرا على الأمن الهش في منطقة الساحل والصحراء وفي شمال أفريقيا، حيث مازالت رحى الحرب دائرة في ليبيا والوضع هشا في مالي والصومال والنيجر.

العرب  [نُشر في 2017/03/03، العدد: 10560، ص(7)]

عودة خطيرة

نواكشوط - في بداية سنة 2017، أشارت التوقعات الاستراتيجية إلى أن اهتمام العالم يجب أن يتوجه إلى تنظيم القاعدة الذي تمكن من إعادة بناء قدراته بهدوء، ومن المتوقع أن يكون أكثر نشاطا ويعود عودة قوية إلى التنظيم الأم.

ويؤكد صحة هذه التحذيرات بيان، صدر خلال اليومين الماضيين، عن التنظيمات الجهادية المسلحة الناشطة في منطقة الساحل والصحراء عن اندماجها في تنظيم واحد أطلقت عليه “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وبايع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

وحسب بيان بثته وكالة أنباء نواكشوط المستقلة التي تحصل في الغالب على بيانات التنظيمات الجهادية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء، فإن الأمر يتعلق بحركة أنصار الدين وكتائب ماسينا (حركة لعرقية الفلان) والمرابطين وإمارة منطقة الصحراء.

وتم اختيار إياد غالي، أمير حركة أنصار الدين، أميرا للتنظيم الجديد الذي يأتي لا فقط ليعلن عن عودة جديدة للتنظيم الأم، لكن يأتي أيضا في سياق قراءات استراتيجية مختلفة، يأتي على رأسها التنافس بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، الذي يتطلع بدوره إلى أفريقيا حتى تكون أحد مراكزه البديلة مع تراجع مناطق سيطرته في منطقة الشرق الأوسط.

بوكوحرام في التنظيم الجديد

يظهر شريط الفيديو، الذي عرضته الوكالة الموريتانية، أمير التنظيم إياد غالي وهو يتوسط أمراء التنظيمات المندمجة معه، وهم يحيى أبوالهمام، أمير منطقة الصحراء، ومحمدو كوفا أمير كتائب ماسينا، والحسن الأنصاري نائب أمير “المرابطون”، وأبوعبدالرحمن الصنهاجي قاضي منطقة الصحراء. وأعلن إياد غالي أن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” تتشبث ببيعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبومصعب عبدالودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.

وتعلن هذه الحركات الجهاد ضد القوات الدولية المنتشرة في شمال مالي وتشن عمليات انتحارية وهجمات ضد القوات المالية وتقوم بعمليات في كل من مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج والنيجر كما أنها متحالفة مع حركة بوكوحرام في نيجيريا.

تنظيم القاعدة يتلقى ضربة كبرى مع إعلان مقتل الرجل الثاني في صفوفه أبو الخير المصري في غارة للتحالف الدولي في سوريا

وتوقف المتابعون عند الحديث عن التحالف مع بوكوحرام بالتحديد، حيث سبق وأن أعلنت هذه الحركة التي تتمدد لتشمل نيجريا والنيجر والكامرون (وسط غرب) مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية. ولم تنضم إلى التنظيم الجديد فرع تنظيم داعش في المنطقة والذي يقوده هناك عدنان أبوالوليد.

ويعرف تنظيم القاعدة أن الصراع سيكون على أشده في هذه المنطقة الاستراتيجية للتنظيمات الجهادية، وهو بدوره يسعى لنقل نشاطه الرئيسي إلى أفريقيا في ضوء التضييق عليها في منطقتي آسيا والشرق الأوسط، وسيكون للتحالف مع بوكوحرام وأيضا لحركة الشباب الصومالية، المتواجدة في الشرق، تأثير كبير في مخطط توحيد خلايا منطقة الساحل.

ويضع محلل الشؤون الأمنية في مركز ستراتفور الأميركي للدراسات خطة القاعدة في إطار نظرية التدرج، أو ما أطلق عليه اسم الـ”بنلادنية”، نسبة إلى أسلوب أسامة بن لادن.

تعتمد هذه الاستراتيجية طويلة المدى على المبدأ القائل إن الإطاحة بالحكومات في الشرق الأوسط و”إقامة الخلافة” أمر مستحيل طالما ظل العدو البعيد وهو الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فاعلين في المنطقة.

وبناء على تجارب تاريخية في لبنان والصومال، قدّر أسامة بن لادن أن الأميركيين والأوروبيين هم نمور من ورق، سيرتدعون عن المنطقة إذا تمت مهاجمة قواتهم المنتشرة في أرجائها. لكن حتى وإن هزم وردع هذا العدو البعيد، فمن المستحيل واقعيا السيطرة على الأرض في الشرق الأوسط.

ويأتي التنظيم الجديد التابع للقاعدة اليوم نحو أفريقيا، في ظل الاهتمام الذي تضاعف بهذه المنطقة، فإلى جانب القوى التقليدية الأميركية والأوروبية المتمركزة في المنطقة، دخلت على خط التنافس قوى أخرى مثل إيران وتركيا والصين.

ويشير ستيوارت إلى أن هذا الأسلوب مكن تنظيم القاعدة من الحصول على بعض المزايا الصغيرة من خلال المحافظة على بقائه تحت الأضواء، وتقديم نفسه على أنه البديل الجهادي المعتدل لتنظيم الدولة الإسلامية وعرض صراعه من خلال عدسة استراتيجية الحرب طويلة المدى.

ونجح تنظيم القاعدة بالفعل في جذب الولايات المتحدة وحلفائها إلى ساحة صراع مباشرة. وتورطت واشنطن ومِن خلفها التحالف الدولي الأوسع في صراع فعلي ومستمر ضد مجموعات التمرد الجهادية في منطقة شديدة التنوع والاضطراب. وبما أن الغرب نزل بقواته بالفعل في مواضع قريبة من أفرع القاعدة، لم تعُد بحاجة الآن لاستهداف الغرب في بلاده، ورأت أنه من الضروري في هذه المرحلة التركيز على تجهيز وتسليح ودعم المجموعات والأفرع المحلية، ولهذا يُصبح الحكم على قوة القاعدة وفاعليتها بناءً على عدد هجماتها حُكمًا في غير محله ومُضللًا.

وتعتبر منطقتا القرن والساحل الإفريقيين من المعاقل التاريخية لتنظيم القاعدة، وتم الإعلان عن الوجود الفعلي في شرق أفريقيا عام 1996 من قبل أسامة بن لادن وتفجير السفارة الأميركية في كينيا عام 1998، كما أن الحضور القوي في الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء هو الآخر عرف تقريبا مع مطلع الألفية الحالية، نزوح المجموعات المتشددة من الجزائر وأفغانستان وجنوب ليبيا.

التنظيمات الجهادية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء تعلن عن اندماجها في تنظيم واحد أطلقت عليه "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"

مقتل الرجل الثاني

جاء هذا البيان في خضم الإعلان عن مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو الخير المصري في غارة للتحالف الدولي بقيادة أميركية في شمال غرب سوريا، في إطار سلسلة ضربات تستهدف قادة التنظيم في محافظة إدلب في الأشهر الأخيرة.

والمصري (59 عاما) صهر الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ويعتقد أنه نائب الزعيم الحالي أيمن الظواهري. وهو من الأعضاء "الملكيين" في التنظيم بصفته عضوا في مجلس "الشورى" وهو هيئة القيادة المركزية في القاعدة

ويرى تشارلز ليستر، الباحث في معهد الشرق الأوسط، مركز أبحاث مقره واشنطن، أن مقتله سيشكل "أكبر ضربة لتنظيم القاعدة منذ القضاء على ناصر الوحيشي في اليمن في يونيو 2015".

واعتبر أن مقتله سيستدعي بشكل "شبه مؤكد" ردا جهاديا "في سوريا أو أي مكان آخر في العالم"، يمكن أن يكون أهدافا أميركية في أفريقيا في عملية لا يستبعد الخبراء أن يتبانها التنظيم الجديد.

وتوعد "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" و"قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" الولايات المتحدة "وحلفاءها ووكلاءها بالانتقام من مقتل المصري. ويرى محللون مواكبون للتنظيمات الجهادية أن تواجد المصري في محافظة إدلب يؤكد أهمية سوريا في إستراتيجية تنظيم القاعدة.

وعانت القاعدة في أفريقيا عموما، منطقة الساحل والصحراء وبلاد المغرب، في السنوات التي شهدت صعود تنظيم الدولة الإسلامية من عدة خسائر، عندما انشق عدد من أنصارها لينضموا إلى تنظيم داعش، لكن القاعدة استعادت بعضا من دمائها عندما عاد مختار بلمختار مع مجموعته المرابطين إلى القاعدة من جديد.

وينشط جناح المغرب الإسلامي في بلدان شمال أفريقيا وخاصة في صحراء الساحل التي تمتد على مساحات حدودية شاسعة بين الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وأجزاء من جنوب ليبيا وشمال التشاد. ولدى تنظيم القاعدة مجموعات ناشطة في شمال مالي وليبيا والصومال والنيجر قامت بالتوسع إلى بوركينا فاسو في الشهور القليلة الماضية. وفي 2016، أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات استهدفت سلسلة من الفنادق والمنتجعات التي يرتادها الأجانب في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

ومازالت القاعدة في الصومال تُشكل خطرا كبيرا على الأمن سواء في سياق الهجمات الإرهابية أو قيادة التمرد المسلح. ومازالت الجماعة قادرة على شن هجمات إرهابية في مقديشو وغيرها من المدن.

ويقوم التنظيم -بانتظام- بالهجوم والإغارة على القوات الأفريقية المشتركة في جنوب الصومال، ويتحصل من هذه الغارات على غنائم من الذخائر والعربات والمواد الأخرى، ما قد يُهدد بعودة قوية للتنظيم في حال انسحاب القوة الأفريقية المشتركة.

وفي ظل انعدام الاستقرار في شمال مالي وقدرة التنظيم على الحصول على التمويل من خلال عمليات التهريب وخطف الرهائن وكميات السلاح الكبيرة المعروضة للبيع في ليبيا، فإن تنظيم القاعدة لديه فرص كثيرة للازدهار واكتساب الزخم في عام 2017.

اجمالي القراءات 2595