رسائل «ولاية سيناء» من استهداف أقباط العريش

في الأحد ٢٦ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

طالت يد تنظيم «ولاية سيناء»، فرع «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) بسيناء، مسيحيي شبه الجزيرة المصرية بالخطف والقتل والاعتداء، إلا أن تلك الحوادث بقيت خلال السنوات الماضية متقطعة تقع ضمن الاستهداف العام للمواطنين المصريين، قبل أن تشهد تطورًا خطيرًا خلال الأيام العشرة الماضية، نجم عنه مقتل سبعة مسيحيين في ظل غياب كامل للدولة؛ ليصبح استهداف المسيحيين نهجًا من قبل التنظيم في الفترة الأخيرة، وهو من توعد بشكل صريح ومباشر قبل أيام باستهداف المسيحيين بهجمات، خاصة في شمال سيناء، وبالرغم من أن هذا التنظيم لم يتبن آخر العمليات بحق مسيحيين قتلًا ثم حرقًا، إلا أنها عملية تأتي في نفس سياق الإصدار الأخير للتنظيم.

هذه الأحداث دفعت مسيحيي سيناء لاتخاذ قرار جماعي بالنزوح من مدينة العريش، المكان الوحيد الذي تركزوا فيه خلال السنوات الأربع الأخيرة. لتنزح أمس 40 عائلة مسيحية من العريش إلى الإسماعيلية، وتستضيفهم الكنائس، قبل أن يُنقلوا اليوم، السبت 25 فبراير (شباط) 2017، إلى مدينة المستقبل في ضواحي الإسماعيلية، وفقًا لمصدر كنسي.

المسيحيون في دائرة قتل «ولاية سيناء»

كانت ليلة الثلاثاء الماضي هادئة على عائلة السيدة «نبيلة فوزي» المقيمة في شارع سلمان الفارسي بمدينة العريش، حتى الساعة العاشرة والنصف مساء، ومع ذلك، وكأية ليلة من ليالي العريش الآن، أصبح الخوف يلتحف النفوس؛ فلا يُستبعد وقوع مصاب ما.

حدث هذا المصاب عندما اقتربت الساعة من الـ11، فطارق لباب البيت المتواضع لبى سكان البيت نداءه ارتكب جريمته في لحظات معدودة مع اثنين آخرين مُسلحين، قُتل الابن مدحت (45 عامًا) برصاصة في الرأس، وقتل الأب المسن سعد حكيم حنا بعدة رصاصات، ولم يكتفوا بذلك، بل حرّقوا الجثتين مع المنزل بعد أن نهبوا أمواله.

هذه الحادثة التي استهدفت عائلة مسيحية لم تكن الأولى خلال الأسبوعين الماضيين؛ فقد أُحصيَ مقتل سبعة مسيحيين في العريش: أحدهم التاجر هاني، الذي يسكن في نفس شارع عائلة نبيلة، كما قتل تاجر محل الأحذية جمال توفيق جرجس (50 عامًا)، أما الطبيب بهجت مينا وليم زاخر، فقد قتل وهو يقود سيارته.

التنظيم الذي وجه رسالة خاصة للمسيحيين المصريين في تسجيله الأخير الذي تبني فيه تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، هدد بشكل صريح بارتكاب عمليات ضدهم على غرار تفجير الكنيسة. وجاء هذا التهديد مع الحوادث الأخيرة لتشكل دافعًا قويًا نحو نزوح مسيحيي شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس.

اقرأ أيضًا: دلائل صحة وضعف رواية السيسي حول حادث الكنيسة البطرسية.. من الصادق ولماذا؟

يذكر أنه في سبتمبر (أيلول) 2012، اضطرت عشرات الأسر القبطية للنزوح القسري بعد هجوم مسلحين على محال وبيوت مملوكة لهم. وفعليًا استُهدف رجال دين ومواطنين مسيحيين من قبل تنظيم «ولاية سيناء»، كما حدث في اغتيال القس مينا عبود في يوليو (تموز) العام 2013، وبعده قتل كاهن كنيسة مارجرجس بالعريش القس رافائيل موسى في يونيو (حزيران) 2016.

ومؤخرًا، ومن جملة التدهور الأمني الذي تعاني منه مدينة العريش وشمالي سيناء عمومًا، أُجبر أصحاب المحال التجارية القريبة من المقار الأمنية، المسيحيون منها بخاصة، على نزع كاميرات المراقبة المثبتة عند مداخل محلاتهم، وإلا سيكون مصيرهم القتل. وتستفيد الجهات الأمنية المصرية من هذه الكاميرات؛ لتفريغ ما صورته عند وقوع هجمات مُسلحة ضد المقر الأمني أو في محيطه، وفي حال عدم تقديم هذه الكاميرات للجهات الأمنية، تُثار الشكوك حول انتماء صاحب المحل التجاري لـ«ولاية سيناء»، وهو ما يجعلهم بين نارين.

«ولاية سيناء» وإرباك المشهد المصري

«هذه الأحداث تعمد إلى ضرب وحدتنا الوطنية وتحاول تمزيق الاصطفاف جبهة واحدة في مواجهة الإرهاب الغاشم الذي يتم تصديره لنا من خارج مصر، استغلالًا لحالة التوتر المتصاعد والصراع المستمر في أرجاء المنطقة العربية»، بهذه الكلمات أدانت الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية، وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، «الأحداث الإرهابية المتتالية في شمال سيناء»، كما وصفها البيان الصادر أمس الجمعة.

الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران، يُفسّر تركيز «ولاية سيناء» لضرباته ضد المسيحيين، بأنها محاولة منه لإعادة تموضعه بسبب ما يمر به الآن من مراحل «أفول» على حد تعبيره، كما أنه يتنبّأ بأن تتكرر مثل هذه العمليات ذات البعد الطائفي على إثر «حالة الاضطراب التي يعشيها التنظيم».

غياب الظهير القبلي القوي

بعد أن كان الاستهداف يقتصر على رجال الدين والتجار المسيحيين، وسّع تنظيم «ولاية سيناء» دائرة استهدافه للمواطن المسيحي في سيناء، وإذ يعزى ذلك إلى غياب العزوة القبلية التي توفر الحماية والنفوذ في مجتمع سيناء، إلا أن تطور الظروف بشكل خطير يوسع دائرة استهداف الجميع، ومنهم المسيحيون، كما يلحق بتلك الأسباب تنامي ما يسمى الغطاء الشعبي لتنظيم الدولة في سيناء.

وقد يرجع استهداف التنظيم للمسيحيين، سعيه لتطوير نطاق اشتباكاته مع النظام المصري، وإنهاكه بتوسيع دائرة عملياته، وذلك وفقًا لما يراه الباحث في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد زغلول، مُشيرًا إلى أن الاستهدافات لم تقتصر فقط على أقباط سيناء إذ امتدت إلى العاصمة القاهرة بتفجير الكنيسة البطرسية وتهديد التنظيم بالتوسع في مواجهاته لهم طبقًا لإصداره الأخير باستهداف الأقباط والسعي لتوسيع نطاقات استخدامه لورقة الطائفية التي استخدمها التنظيم الأم في العراق والشام، بحسب زغلول.

ولفت زغلول أيضًا إلى غياب الظهير القبلي لأقباط سيناء كأحد عوامل سهولة استهدافهم من قبل التنظيم، بالإضافة إلى التدهور الأمني العام، لذا فإنه يعتقد بضرورة «إعادة تقييم الاستراتيجية الأمنية المطبقة في سيناء بخاصة في ظل نشاطات المسلحين الحالية في مدينة العريش».

استدعاء التدخل الأجنبي

شهدت أحداث الموصل في العراق تجربة أليمة عاشها مسيحيو المدينة بسبب تقديم «تنظيم الدولة» نفسه كحاكم فعلي يطبق الشرع في المنطقة التي اعتبرها من دولته، واضعًا ثلاثة خيارات أمام هؤلاء المسيحيون، وهي الإسلام أو دفع الجزية أو السيف، لذا كان مُتوقعًا تعامل «ولاية سيناء» مع مسيحيي العريش بنفس المنطق، لكن الواقع كان مغايرًا بلجوئه للقتل والحرق دون مقدمات، مُستخدمًا مبررات أخرى غير مسبوقة له مثل أن «المسيحيين في مصر محاربين  للإسلام» وأنهم «ليسوا معاهدين»، لتسويغ استهدافهم.

الرسالة الأهم هي أن السيسي ليس قادرًا على حماية المسيحيين.

توجهنا بالسؤال عن سبب الاختلاف ذلك إلى الأكاديمي السيناوي أحمد سالم، فقال إن الرسائل التي يريد التنظيم توجيها للحكومة المصرية تتمثل في إظهار «فشل» الأمن المصري وعدم قدرته على حماية مواطنيه المسيحيين، الذين يعتبرهم التنظيم موالين للنظام المصري، خاصة بعد إعلان البابا تواضروس تأييده للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في «الحرب على الإرهاب» في سيناء. لذا يُرجع سالم شيئًا من الأسباب إلى ما اعتبره تورط من قبل الكنيسة المصرية في إظهار مواقف سياسية بالتوازي مع حملات قمع النظام ضد الإسلاميين. و«عمومًا الرسالة الأهم، هي أن السيسي ليس قادرًا على حماية المسيحيين»، على حد تعبير سالم.

«يحاول التنظيم إدخال المسيحيين في الصراع واللعب على الوتر الطائفي من خلال تصوير أن أقلية كالمسيحيين تتحكم في 40٪‏ من الاقتصاد المصري، وهذا ما أشار له التنظيم في الإصدار الأخير»، يقول سالم الذي أثار نقطة أُخرى وهي بحسبه «محاولة استدعاء التنظيم للتدخل الأجنبي»، وهو يعتقد أنها من أهداف التنظيم، مُشيرًا إلى كتاب «إدارة التوحش» الذي يستعرض استراتيجية «تنظيم الدولة» في إظهار فشل الأنظمة العربية التي يعتبر أنها تحكم بالوكالة عن الغرب، الذي قد يضطر عقب فشلها المنتظر إلى التدخل المباشر لحماية مصالحه.

مسيحي سيناء هم أهل الوادي

يُعتبر عدد المصريين المسيحيين في محافظة شمال سيناء قليل نسبيًا، فمع اللحظات الأخيرة لنزوح هؤلاء من سيناء، كانت العريش هي المدينة الوحيدة التي يوجد بها جميع مسيحيو شمال سيناء. ونزح في السابق العدد القليل منهم الذي كان يتواجد في الشيخ زويد، بينما انعدم وجودهم في مدينة رفح.

ويوضح لنا المواطن السيناوي أحمد محمد أنه «كانت أسرة واحدة تقبع في الشيخ زويد، لكن رب العائلة (مجدي لمعي) اختطف في العام 2013 ثم قتل، فنزحت أسرته، لذلك تركز مسيحو سيناء في مدينة العريش«، مُشيرًا إلى أن مسيحيي سيناء جميعهم من أهل الوادي، أي سُكان أصليون لسيناء، لذا فإن محمد يعتقد أن ما أسماه بـ«الاستهداف المفاجئ» للمسيحيين، يتعلق بالرغبة في تهجيرهم، وليس بعقيدتهم.

وتعد منطقة «دير الوادي» القابعة في طور سيناء مركزًا للمسيحيين منذ القرن السادس الميلادي، حين كانت محطة رحلتهم المقدسة إلى القدس عبر سيناء، وأيضًا محطة القادمين من أوروبا عبر ميناء الإسكندرية إلى نهر النيل ومنه بريًا إلى خليج السويس حتى الطور.

وكانت منطقة الطور تُعرف قديمًا باسم رايثو، وقد لجأ إليها الموحدون الأوائل بسيناء هربًا من اضطهاد الرومان لهم في القرن الرابع الميلادي. وتشمل المنطقة دير الوادي في قرية الوادي على بعد خمسة كيلومترات شمالي الطور، وهو الدير الوحيد في سيناء المحتفظ بعناصر معمار القرن السادس الميلادي.

ووفقًا لمدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء عبد الرحيم ريحان فقد «توافد المسيحيون على سيناء من كل بقاع العالم، وهم آمنون مطمئنون في ظل التسامح الإسلامي، الذي سارت عليه الحكومات الإسلامي».

هذا وتحتوي مدينة العريش على ثلاثة مواقع تتبع الكنيسة القبطية، وهي مطرانية شمال سيناء في ضاحية السلام، ومقر الاستراحات الكنسية في حي المساعيد، كما أن هناك كنيسة مارجرجس وسط العريش، وهي مواقع تخضع لحراسة من الأمن المصري.

اجمالي القراءات 1389