بعد نكسات التنظيم الأخيرة.. هل يُعاد تدوير مقاتلي «تنظيم الدولة» إلى سيناء؟

في الإثنين ٢٤ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تؤكد باستمرار السلطات الأمنية المصرية أنها تقلم بقوة أظافر عناصر «ولاية سيناء» فرع «تنظيم الدولة الإسلامية» في شبه جزيرة سيناء، ولا يكف الجيش المصري عن إعلان قيامه بعمليات قاضية ضد التنظيم من حين لآخر، تؤدي إلى مقتل أهم قيادات التنظيم.

على أرض الواقع يشكك أولًا بعض أهالي سيناء في ذلك، بسبب ما يقولون إنهم يرونه من حقائق تخالف ما تعلنه الجهات المصرية، وثانيًا يتضح قلق أصدقاء مصر الغربيين، خاصةً الولايات المتحدة التي أبدت نيتها في سحب القوات من سيناء، بسبب تزايد مخاطر التنظيم، وأخيرًا يأتي التخوف الإسرائيلي من زيادة القوة القتالية للتنظيم، ليؤكد خطورة الوضع بالتزامن مع الحديث عن وصول عناصر «تنظيم الدولة» الملاحقة من ليبيا وسوريا.

هجمات «ولاية سيناء» تتزايد

تصاعدت هجمات فرع تنظيم الدولة المعروف بـ«ولاية سيناء» لتصل لمعدلات غير مسبوقة، مع مستوى مرتفع في الهجوم والتكتيك، فقبل وبعد إعلان الجيش المصري عن قتله زعيم التنظيم الملقب بـ«أبي دعاء الأنصاري» في  أغسطس (آب)، تلاحقت سلسلة من الهجمات الإرهابية استهدفت عناصر من الجيش المصري، وحتى القوات الدولية المتواجدة في سيناء، كان أعنفها وقوع عملية كمين «زاغدان» وسط سيناء منتصف يوليو (تموز) الماضي، التي أودت بحياة 15 مجندًا.

 

وقبل الوقوف على أسباب ذلك، وأهمها انضمام عناصر من التنظيم الأم في سوريا وليبيا إلى عناصر التنظيم في سيناء، يمكننا القول إنه يقدر متوسط اعتداءات التنظيم في الشهر الواحد بـ30 عملية أو أكثر، حتى إن التنظيم نفذ نحو 27 اعتداءً خلال ثلاثة أسابيع فقط من شهر يوليو (تموز) الماضي، هذا الوضع دفع السلطات المصرية لاتخاذ قرار بمد حالة الطوارئ، وحظر التجول في بعض مناطق شمال سيناء لمدة ثلاثة أشهر؛ «نظرًا للظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها محافظة شمال سيناء»، وتضمن القرار أن «تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة، اتخاذ ما يلزم لمواجهة الإرهاب ومصادر تمويله، وحفظ الأمن بالمنطقة، وحماية الممتلكات العامة، والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين»، حسب المصادر المصرية.

ولا تتوانى السلطات المصرية بالرد على هذه الهجمات، لكنها تصطدم بمقاومة عنيفة من مسلحي «ولاية سيناء»، والأسوأ أن استهدف القصف المدفعي للجيش المصري يأتي على منازل المواطنين بشكل عشوائي في قرى رفح، والشيخ زويد، وهو ما أدى لمقتل وإصابة 20 مدنيًّا -على الأقل- في غضون عدة أيام.

يؤكد الباحث في مركز «ستا للدراسات» بالقاهرة،‏ مصطفى زهران، أن ولاية سيناء مختلفة جملةً وتفضيلًا عن باقي ولايات التنظيم الأم في العراق والشام، وتابع القول لـ«ساسة بوست»: «نجاحات ولاية سيناء الأخيرة وصعودها يعتمد على أمر مهم، وهو إيجاد الحاضنة المجتمعية التي تؤصل لوجوده وتبقي على آثاره، هذه الحاضنة كانت بسبب ما تعرضت له مناطق مثل الشيخ زويد، ورفح من هدم للبيوت والأراضي الزراعية»، ويستدرك زهران: «لو أصبح لدى السلطات المصرية رؤية حكيمة للتعامل مع هذه المتغيرات، واختلف تعاملها مع المشايخ والعشائر في سيناء، لانحسر تنظيم ولاية سيناء».

وحول إعادة تموضع التنظيم بعد الانحسار والتقليص في وجوده الجغرافي في ليبيا والعراق، قال زهران: «أعتقد هذا الأمر يؤثر نفسيًّا لا ميدانيًّا في ولاية سيناء، بدليل أنها ما زالت تحقق مكاسب على الأرض، وتتقدم بشكل أو بآخر».

عودة المقاتلين من ليبيا إلى سيناء

نجح عدد من المصريين الذي انخرطوا في القتال ضمن «تنظيم الدولة» في سوريا وليبيا بالتسلل عبر الحدود المصرية، والانضمام إلى عناصر التنظيم في شمال سيناء، إذ دفعت ظروف تنظيم الدولة في ليبيا والعراق وسوريا ببعض العناصر التي تحارب في صفوفه، والتي تحمل الجنسية المصرية، للعودة إلى بلادهم من جديد، والانضمام إلى «ولاية سيناء».

 

ويعتقد المحللون أن تنظيم الدولة قد يرى في سيناء مكانًا وظروفًا مناسبة لإعادة جذب الشباب إلى مشروعه الفكري، بعد ما نال منه من انتكاسات في ليبيا والعراق وسوريا، وفعليًّا رصدت سلسلة من الاتصالات بين قادة التنظيم في سيناء ونظرائهم في سوريا وليبيا، وضبطت السلطات المصرية قبل أسابيع أربع سيارات رباعية الدفع اجتازت الحدود المصرية من ليبيا، إذ يعد المثلث الجنوبي الرابط بين الحدود المصرية الليبية السودانية، بالإضافة إلى بعض المناطق الأمنية الهشة بين الحدود المصرية الليبية، أماكن ذهاب وإياب لعناصر التنظيم، كما كشف مصدر أمني تحدث لصحيفة «الحياة» أن رصدًا للاستخبارات المصرية قد أظهر أن من بين قتلى الاشتباكات الأخيرة «أشخاصًا كانوا على قوائم ترقب الوصول». كما أوضح المصدر أن: «إستراتيجية الجيش في سيناء كانت تعتمد خلال الشهور الماضية على عمليات نوعية تستند إلى المعلومات لتصفية قيادات وعناصر التنظيم، لكن مع وصول دعم لوجيستي لوحظ أن التنظيم يسعى إلى إعادة التموضع، وهو ما استدعى تنفيذ عمليات واسعة للجيش».

ففي ليبيا أنهكت عملية «البنيان المرصوص» التي قامت بها القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية التنظيم، ونزعت منه مدينة سرت، معقلهم الرئيسي في ليبيا (450 كلم شرق طرابلس) بعد عام من سيطرته على المدينة، حينها حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن عناصر التنظيم الفارين من مدينة سرت، سيشكلون خلايا جديدة في مناطق أخرى، وجاء في تقرير سري إلى مجلس الأمن أنه يتم إرسال أموال من ليبيا إلى جماعة «ولاية سيناء» التي أعلنت ولاءها للتنظيم، والناشطة في سيناء المصرية، وقال بان كي مون في التقرير إن «الضغوط التي تُمارَس أخيرًا على تنظيم داعش في ليبيا، قد تحمل عناصره بمن فيهم المقاتلين الأجانب، على نقل مواقعهم وإعادة التجمع في خلايا أصغر وأكثر انتشارًا جغرافيًّا، عبر ليبيا وفي الدول المجاورة».

يقول المتخصص في الشأن الليبي عبد الستار حتيتة: «لا أعتقد أن المتطرفين في الوقت الراهن يأتون إلى سيناء برغبتهم، بالنظر إلى صعوبة التسلل إلى سيناء خاصةً، والأراضي المصرية عمومًا، لكن هناك منظمات موجودة في المنطقة هي التي تقوم بتوجيه هؤلاء المتطرفين إلى مصر، بهدف إضعاف النظم السياسي، وإرباك المشهد في البلاد على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي»، وتابع القول خلال حديثه لـ«ساسة بوست»: «في حالة الفوضى الموجودة في العراق وسوريا وليبيا، فإن تلك المنظمات تجد سوقًا رائجة في أوساط المقاتلين، لإعادة تدويرهم وإدخالهم إلى مصر، سواء عن طريق سيناء، أو الحدود الغربية، أو الحدود مع السودان».

أمريكا وإسرائيل يدركان خطر التنظيم بسيناء

رغم سعادة الإسرائيليين بوصول التنسيق مع الجانب المصري إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن التخوفات الإسرائيلية باتت واضحة، سواء في حديث الإسرائيليين الذي لا يتوقف عن تهديد عناصر تنظيم الدولة لهم، أو بالأفعال التي كان آخرها إقامة حاجز جديد على الحدود الإسرائيلية المصرية لمنع تسلل مقاتلي تنظيم الدولة إلى الأراضي الإسرائيلية.

 

في الواقع، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إلى تلاقي المصالح بين عدة أطراف معنية بمحاربة تنظيم الدولة، تعمل سويًا على غير عادتها، فمع تزايد القلق الإسرائيلي من احتمال شن التنظيم هجمات ضدها، والمخاوف من أن يستخدم التنظيم قطاع غزة كملاذ آمن، دفع ذلك كل من مصر وإسرائيل إلى التحالف مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ونشرت حماس مئات من مقاتليها مؤخرًا على حدود غزة مع مصر، كجزء من اتفاق مع مصر لصد وصول عناصر التنظيم.

ويؤكد موقع «إن. آر. جي» الإسرائيلي، أن تنامي قوة تنظيم الدولة في سيناء رفع في الآونة الأخيرة من مستوى التخوف لدى إسرائيل، ويشير الموقع إلى أن: «هذه التخوفات تأتي في ظل عدم قدرة القاهرة على القضاء على مسلحي التنظيم بقواتها الذاتية؛ مما يؤدي إلى تقوية التحالف القائم بين مصر، وإسرائيل ضد التنظيم»، ويوضح الموقع أن تصاعد العمليات دفعت أوساطًا رسمية في الجيش الإسرائيلي إلى القول بأن: «أجهزة الأمن المصري تواجه صعوبات بالغة في الإطاحة بالتنظيم والتغلب عليه، وأنها لم تنجح بعد في الوصول إلى الأسرار الخفية للتنظيم الذي يحافظ على تكتم كبير»، وذكر الموقع: «يبدو لدى مقاتلي التنظيم وقادته إستراتيجية واضحة، ويعرفون ماذا يريدون، ويدركون ما يفعلون، في ضوء حرية الحركة التي ينالونها في سيناء».

وزادت من تخوفات الإسرائيليين نية الإدارة الأمريكية سحب قواتها من قاعدة في شبه جزيرة سيناء المصرية، إذ يعود سبب هذا القرار الأمريكي إلى تصاعد تهديد «تنظيم الدولة» بسيناء، حسب ما ذكرت شبكة «CNN»، وأغلقت الولايات المتحدة مؤخرًا بعض محطات المراقبة الصغيرة عن بعد، وشهد سبتمبر (أيلول) الماضي هجوم أصيب فيه أربعة جنود أمريكيين في سيناء يُعتقد أن «تنظيم الدولة» هو من نفذه، ونقلت الشبكة عن مسؤولي وزارة الدفاع قولهم: «الولايات المتحدة ترى أن تهديد الهجمات المسلحة في شمال سيناء، بما في ذلك من المجموعات ذات الصلة بـ (داعش) يتزايد».

بيئة «حاضنة» وضربات خاطئة للجيش

تشجع الظروف الاقتصادية والسياسية الآنية في سيناء -أكثر من أي وقت مضى- على توالد عناصر إرهابية مسلحة، تنشط في الجبال والصحاري، لتصبح المنطقة مركز عمليات عناصر «ولاية سيناء»، التي خلفت خسائر مادية وبشرية كبيرة للجيش المصري، بعد تزايد القدرات القتالية والتكتيكية للتنظيم.

 

تتميز سيناء بطبيعة جغرافية خاصة، فهي مليئة بالسهول والوديان والجبال التي يسهل الاختفاء بها، وأبناء سيناء المنضمون للتنظيم، يلمون بتفاصيلها وبطبيعتها أكثر من مجند جاء من الجنوب ليؤدي خدمته العسكرية، وهو لا يدري شيئًا عن شمال البلاد، فآلاف المسلحين في الغالب هم من أصول سيناوية، ضرباتهم تسمى بـ«العمليات الخاطفة»، إذ يضرب عناصر التنظيم أهدافهم، ثم يختفون بسهولة، ولذلك استخدمت السلطات المصرية العديد من الأساليب لمواجهة قدرة عناصر التنظيم على التخفي، كالاعتماد على أبناء سيناء كدليل لتحركاته خلال العمليات المسلحة، وهو ما شكل ظاهرة عرفت في المجتمع السيناوي بـ«الملثم»، الذي خصصت مهمته بمتابعة عناصر التنظيم وذويهم وإخبار الجيش المصري بتحركاتهم.

ويشكل انضمام أبناء المنطقة بشكل رئيس للتنظيم، مشكلةً كبيرة، إذ يعتبر شباب سيناء المنضمين للتنظيم، هذه الخطوة فرصة للانتقام من السلطات المصرية التي تتعامل مع المواطن السيناوي كمواطن من درجة أدنى، من وجهة نظرهم، وتتسبب في هدم منازلهم، وتجريف أراضيهم، واعتقال أبنائهم، وقتلهم لمجرد الاشتباه بانضمامهم لمجموعات إرهابية، وجدير بالذكر هنا، أن بعض أبناء سيناء الذين لا علاقة لهم بالتنظيم، يتعاملون مع عناصر التنظيم ويوفرون لهم الملاذات الآمنة والأغذية.

ويُرجع المختصون عدم قدرة الأجهزة الأمنية المصرية على منع الضربات الموجهة ضدها، إلى عدم وجود مقار أو تمركزات ثابتة لعناصر التنظيم، يمكن تحديدها وتوجيه الضربات لها، لذلك كثيرًا ما كانت ضربات الأجهزة الأمنية المصرية تستهدف بالخطأ أماكن مدنية في سيناء، لا تمت بصلة لعناصر التنظيم، وبالمقارنة مع وضع التنظيم في ليبيا وسوريا، كان ما يميز تلك المناطق وجود مراكز واضحة يمكن رصدها وتوجيه ضربات إليها، وهو ما سهل توجيه ضربات موجعة للتنظيم.

اجمالي القراءات 1791