الإسلام السياسي: تهشيم الدولة الوطنية وخراب الوطن العربي

في الخميس ٢١ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 
الإسلام السياسي: تهشيم الدولة الوطنية وخراب الوطن العربي
  • منذ العقود الأولى لنشاط الجماعات الإسلامية تشكل شبه توزيع للأدوار بين هذه الجماعات على جناحي الوطن العربي شرقا وغربا. فلئن كان الهدف الأول والرئيسي للجماعات الإسلامية وفق أيديولوجيتها هو تفكيك الدولة الوطنية ونخرها من الداخل، فإن توظيفها الدولي كان فعالا أيضا في رسم حدود بين شرق الوطن العربي ومغربه، وذلك بخلق التباس في مفهوم الدولة الوطنية ذاتها.
العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 22/01/2016، العدد: 10162، ص(13)]
 
أطلال الخراب
 
تواجه “الدولة الوطنية القطرية” في الوطن العربي تصفية لتركات الثقافة والأيديولوجيا والمؤسسات المرتبطة بالمنظومة القانونية من جهة وبالأفعال والقرارات السياسية من جهة ثانية، في صراع بلغ مداه الأقصى بين نُظم وحكومات الدولة الوطنية وبين الإسلاميين، اختلفت مَنابته وأسبابه وخلفياته وتقاطعه بين المشرق والمغرب، فيه يختلط المحلي بالعالمي، والديني بالإرهابي، والقومي بالأممي، وهي (أي الدولة الوطنية) بذلك تجني تراكمات ما أصبح يعرف اليوم ضمن الأدبيات السياسية بـ”الإسلام السياسي”، فهل هو واحد في نظرته للدولة الوطنية، في ظل الجغرافيا الواسعة الآخذة في التقسيم وإعادة ترتيبها وتأهل أهلها لمرحلة جديدة؟

مشروعية السؤال السابق لا تأتي على خلفية الإيمان ولا التاريخ المشترك وهما مهمان بلا ريب، وإنما من حقائق الحاضر، والذي يتميز بأمرين، الأول الهجوم من الآخر، والأمر الثاني القابليَّة للفوضى وللتغير في انتظار ما سيتحقق من آمال كبرى مصحوبة بفتنة الدماء، ونتيجة لذلك ظهرت ثلاث جبهات معلنة عن نفسها، وساعية لتحديد مسار حركة المجتمعات العربية ورسم مستقبلها الجغرافي والوجودي.

الأولى، الجماعات الدينية المنشغلة بالسياسة والمتلهفة للسلطة بفريقيها، العنفي الدموي، والسلمي المجتمعي، وهما ينطلقان من أرضية واحدة، يبدو فيها الفضاء الديني مشكلا للوهم أو للحقائق، يحركان من خلاله العواطف الدينية للشعوب العربية، من ذلك مثلا “عودة الخلافة الإسلامية”، حيث نراها معلنة في التطبيقات العملية وفي البيعة وفي الفعل الإجرامي لداعش حاضرا وللقاعدة في السنوات الماضية، كما نجدها في الأدبيات الأولى للترويج الفكري بين الأتباع في تنظيم الإخوان المسلمين عند نشوئه في مصر، وإلى غاية قيام ثورة الضباط الأحرار في 1952.

كما نراها محفوظة في الذاكرة الجماعية للأمة، وهي تراها هنا راشدة عادلة، تتمنّى عودتها لمواجهة التقسيم، والفساد المالي والسياسي، وتلك حالة وجودية وسّعت الهوة بين الحكومات والشعوب، بل إنها على الأمد الطويل ستقضي على الإسلاميين، لأنهم أصبحوا جزءا من منظومة الفساد حين شاركوا في الحكم.

الحزب الحاكم في تركيا يرغب في القيام بدور الخلافة وفي ذلك يلتقي مع الجماعات الإرهابية في الهدف

الطرح السابق فتح شهيّة الحزب الحاكم في تركيا إلى القيام بدور الخلافة، وهو في ذلك يلتقي مع الجماعات الإرهابية في الهدف، وفي اتخاذ العنف منهجا لتحقيق المنشود، والشواهد على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال محاولة تركيا القضاء على نظام بشار الأسد حتى لو أدى ذلك إلى قتل كل الشعب السوري، والعمل من أجل احتلال جزء من سوريا، ومطاردتها للأكراد في كل مكان على حساب علاقتهم وعيشهم مع العرب، ودعمها للجماعات الإرهابية باعتبارها أدوات لتحقيق الأمل التركي في العودة، ناهيك عن تدخلها بالقوة في العراق، وتوظيفها للصراع المذهبي في المنطقة العربية.

الجبهة الثانية، الحكومات والأنظمة، حيث الاختلاف بَيّن بين المشرق والمغرب لجهة التعامل مع الإسلاميين، وسنشرح هذا لاحقا، لكن الذي يعنينا هنا، أن ترك المؤسسات الدينية وخاصة المساجد لجماعات الإسلام السياسي في البداية ثم تحالفها مع بعض العناصر من أجل ضرب قوى سياسية أخرى، جعل الدولة الوطنية تواجه هزات كبرى، انتهت السيادة فيها للتيار الديني، كما تابعنا خلال الانتفاضات العربية منذ نهاية 2010، وشكلت في الواقع الجديد تحالفا أوصل الإسلاميين إلى الحكم، كما هو الأمر في تونس ومصر وقبلهما الجزائر وبعدهما المغرب، كما تم دعم الإسلاميين لإسقاط الدولة الوطنية في دول عربية أخرى كما هو الأمر في سوريا، دون أن ننسى هنا الميراث الدموي بين النظام السوري وتنظيم الإخوان المسلمين.

الجبهة الثالثة، هي القوى الخارجية بكل أنواعها، القريبة منها مثل إسرائيل وتركيا وإيران، أو البعيدة منها، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وبعض دول الاتحاد الأروربي، وحلف الناتو. كل هؤلاء وغيرهم يلتقون مع كثير من القوى الإسلامية الداخلية، وخاصة الجماعات الإرهابية، حول هدف واحد هو إنهاء دور الدولة الوطنية، بما سيساعد على رسم خارطة جديدة للمنطقة العربية، تبدو فيها تقسيمات سايكس بيكو ذكريات ماض جمي">أما في دول المغرب العربي فإن المرجعية مختلفة، صحيح أن عمل الإسلاميين بدا إصلاحيا، ومتأثرا إلى حد كبير بالأحداث الدائرة في المشرق، وخاصة احتلال فلسطين، ولكن الإسلام كان عملا ثوريا لتحرير الدول المغاربية، والمتابع لتاريخ تلك الدول منذ احتلت من طرف فرنسا (الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا) أو من طرف إيطاليا (ليبيا) سيجد أن ثورات المقاومة المتواصلة ذات جذور دينية (صوفية).

بالصيغة السابقة كان الإسلام بالنسبة للمغاربيين هوية يتم على أساسها تحرير الأوطان، وبالتبعية إقامة الدولة الوطنية، وكان لدى المشارقة دولة يجب إصلاحها طبقا لمقتضايات الشريعة، وهذا يعني أنه ومنذ وقت مبكر تشكل وعي بالدولة الوطنية في المشرق يختلف عنه في المغرب العربي، فهناك في المشرق كان الأمر ولا يزال وسيبقى صراعا من أجل السلطة، أما في المغرب العربي فهو صراع من أجل الهوية.

ليس في مقدور السلطات المغاربيّة أن تقنع شعوبها بعدم جدوى وجود تيار إسلامي، بدليل أن السلطات هناك عملت ولأكثر من خمسة عقود على إبعاد الإسلاميين من المشاركة في السياسة والحكم، ثم أجبرت على الاعتراف بهم، كما أنه ليس في مقدور تيار الإسلام السياسي أن يقضي على الدولة الوطنية التي تقع على مرمى حجر من أوروبا والتي ترفض أن يكون الإسلام لجماعة أو تيار، إذن ليس أمام الاثنين إلا صيغة التعايش.

ومهما يكن، فإن الخلاف بين الإسلاميين في المشرق والمغرب حول الدولة الوطنية ومصيرها، هو خلاف يتعلق بنظرة الأطراف لدور الإسلام، فدول المغرب العربي تعتبر الإسلام هوية، لذا فهي غير مستعدة للتنازل عنه، أما دول المشرق فترى فيه انتماء عقائديا وهدفا سياسيا، وذلك هو الخلاف الجوهري.

اجمالي القراءات 2779