تدريس الثقافة الجنسية.. حق ترفضه عادات باطلة

في السبت ٠٥ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

تدريس الثقافة الجنسية.. حق ترفضه عادات باطلة
  • مواقف أغلب المجتمعات العربية من بعض قضايا الأخلاق تثير الكثير من الحيرة، فبينما يعتبر التطرق إلى مشاكل العلاقات الحميمية، تابوه (محرم) يحظر الاقتراب منه، نجد أن العديد من تفاصيل ومشاكل الحياة في نفس المجتمعات تدور حول الجنس، بداية من قضايا التحرش والاغتصاب وزواج القاصرات، وصولا إلى ارتفاع معدلات الطلاق بنسب مخيفة بسبب المشاكل التي تعوق بلوغ أحد الزوجين درجة النشوة خلال العلاقة الحميمية.
العرب  شيرين الديداموني [نُشر في 06/12/2015، العدد: 10119، ص(21)]
 
التثقيف الجنسي ضرورة وليس رفاهية أين نحن من التربية الجنسية السليمة
 
القاهرة - المفارقة، التي لا نعرف إن كانت تثير الضحك أو البكاء، أن عددا من الدول العربية احتلت مكانة متقدمة بين دول العالم في زيارة المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت، فجاءت مصر في المرتبة الأولى، وتلتها الكويت، والعراق، والجزائر، ثم الأردن، ما يعني أن عقول الشباب والفتيات ازدهرت بـ “ثقافة الشوارع الجنسية".

بعض الدول العربية، مثل الكويت وجدت الحلّ في تعديل قانون الفحص قبل الزواج وإدراج الثقافة الجنسية ضمن شروطه، بما يقضي بإلزامية المقدمين على الزواج الالتحاق بدورة تثقيفية قبل الارتباط، في حين طالبت دول أخرى، منها مصر بتدريس الثقافة الجنسية في مراحل الدراسة ما قبل الجامعة.

وظهرت مؤخرا محاولات جريئة من جانب “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” بالتعاون مع “مركز القاهرة للتنمية والقانون" ومؤسسة "تدوين"، عبر إطلاق حملة شعارها “مش عيب” تحت عنوان “التثقيف الجنسي ضرورة وليس رفاهية".

وعلى الرغم من أن الهدف المعلن للحملة تدريس ثقافة جنسية محترمة داخل المدارس تساعد النشء على إقامة علاقات متزنة وسليمة، إلا أنها أثارت حفيظة بعض علماء الدين الإسلامي، فاتهموها بأنها ستشعل غرائز الصغار مبكرا، وتقودهم إلى الانحراف والشذوذ الجنسي، وقام بعضهم بتوجيه رسالة للحملة قائلين "عيب عليكم" لأنه لا يوجد مبرر علمي أو تربوي يبرر تخصيص منهج دراسي بعنوان "الثقافة الجنسية".

متخصصون في التربية والصحة الجنسية علقوا على تحفظ هؤلاء العلماء بأنه تعنّت تسبب في خلق أجيال ثقافتهم الجنسية مشوّهة، أدخلتهم متاهة تشعبت مجاهلها تحت مسمى “العيب” و”الحرام".

الحق في المعرفة ينطبق على التثقيف الجنسي وإزالة الغموض من الأسئلة والمشاعر والسلوك والتغيرات الجسدية والنفسية والوجدانية

المفاجأة أن هناك علماء رفضوا الموقف المتحفظ لزملائهم من القضية، مثل الدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، الذي أكد لـ”العرب” أن الثقافة الجنسية غير محرّمة من الناحية الشرعية، معترفا بأن كثيرا من المشكلات الاجتماعية تنتج عن غياب الثقافة الجنسية الصحيحة، ما يتسبب في انتشار حالات الطلاق.

لكن عفيفي اشترط أن تكون هناك معايير وقواعد لنشرها وتدريسها حتى لا تخرج عن هدفها الحقيقي، وأن تخاطب فئة عمرية من الشباب يتمتعون بالنضج والاستيعاب والتفهم، خاصة المرحلتين الثانوية والجامعية.

ويستشهد بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر التي تدرّس مادة المتن، وتتناول كيفية تنظيم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وفقا للشرع والفقه الإسلامي.

يتفق معه الدكتور محمد الشحات الجندي، أستاذ الفقه والشريعة بالأزهر، الذي يرى أن الثقافة الجنسية لم تعد من المحرّمات التي لا يقترب منها أحد، خاصة وأن انتشار وسائل المعرفة الحديثة والأقمار الصناعية التي تغزو بلادنا جعلت المواد الجنسية من أفلام وصور ودردشة متاحة للشباب.

وقال الشحات لـ”العرب” إن الكثير من الشباب يتزوج وهو يعاني من أمية جنسية أو يستمد معلوماته عنها من أصدقاء السوء أو الأفلام المخلة، لهذا من الأفضل تدريس الثقافة الجنسية وشرحها للطلاب وفقا لضوابط دينية. في المقابل، يبدو أن القائمين على العملية التعليمية في مصر ما زالوا يعتقدون أن التثقيف الجنسي “عيب” لأنه يعلّم الصغار كيفية ممارسة الجنس، ويدفعهم تجاه الانفلات وتعدد العلاقات، لذلك رفضت وزارة التربية والتعليم في مصر وضع “الثقافة الجنسية” كمادة دراسية في مناهجها، معلنة وفاءها لتابوهات “العيب" والتقاليد العمياء.

تدريس الثقافة الجنسية يدخل تحت ثقافة العيب ويحتاج إلى تهيئة اجتماعية بصورة شفافة وعلمية

بشير حسن المستشار الإعلامي لوزارة التعليم المصري، قال لـ”العرب” إن تلك الدعوات ضد قيم وتقاليد المجتمع، مستنكرا قبول الأم أن تتلقى ابنتها، وهي مراهقة تدرس في المرحلة الإعدادية أو الثانوية، معلومات عن الجنس.

وأشار إلى أن المناهج الحالية بها ما يكفي من معلومات علمية تفيد الطلاب، أما تلك الحملات فمكانها برامج الفضائيات، وليس بالضرورة المناهج التعليمية بالمدارس.

وعلّل حسن شحاتة أستاذ المناهج الدراسية بجامعة عين شمس، رفض الوزارة بحساسية كل ما يتصل بكلمة الجنس في الحياة العامة، فهو يدخل تحت ثقافة العيب والمرفوض، خاصة في ظل مجتمع محافظ ومتدين. وتوقع أن يعترض أولياء الأمور على تدريس تلك المادة خاصة في المراحل الأولى للتعليم.

وقال شحاتة لـ”العرب” إن تدريسها يحتاج إلى تهيئة اجتماعية بصورة شفافة وعلمية، ومن المهم أن يشارك علماء الاجتماع والدين والتربية والنفس والفلسفة والإعلام في وضع منهج علمي مخطط للمادة، بما لا يتصادم مع عادات المجتمع.

متابعون أيضا لهذا الشأن أكدوا لـ”العرب” أن التثقيف المراقب أهم وأنفع من المعلومات التي يبحث عنها الأولاد، ويحصلون عليها بطرق خاطئة في الغالب، فالموضوعات التي تغلّفها هالات التحريم والصبغة الدينية، تكون مرتعا خصبا للخزعبلات والادعاءات والتخويف والترهيب.

ومن ثمة حرمان الإنسان من المعرفة وحق الاختيار، لذلك جاء تأكيد محمد دياب أستاذ الطب النفسي، لـ”العرب” بأن الحق في المعرفة ينطبق على التثقيف الجنسي وإزالة الغموض من الأسئلة والمشاعر والسلوك والتغيرات الجسدية والنفسية والوجدانية المرتبطة بالتطور النفسي والجسدي للإنسان واحتياجاته. وتساءل دياب ماذا فعل المجتمع للفتيات في فترة المراهقة لكي يجهزهن للحياة؟

وأجاب أن المنزل يتجاهل ما يمر به الفتى والفتاة من تغيّرات فيزيولوجية، والمسؤولون عن التعليم ليس لديهم الشجاعة الكافية ليتخذوا قرارا بتدريس الثقافة الجنسية.

اجمالي القراءات 2382