مترجم: لماذا تحتاج إيران الهيمنة على الشرق الأوسط

في الإثنين ٢٠ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في السابع من مارس الماضي، زعم اللواء حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، أن “نفوذ الثورة الإسلامية امتد إلى اليمن، وأنها أثرت على دول وشعوب من البحر الأبيض المتوسط وحتى مضيق باب المندب في اليمن”.

وفي وقت لاحق، حيا محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني، مقاومة الحوثيين للتحالف الذي تقوده السعودية، مؤكدًا أن “محور المقاومة” بقيادة إيران يقاتل “محور الغزو” الذي يضم إسرائيل والسعودية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والآن في اليمن.

وكان عضو في البرلمان الإيراني مقرب من المرشد الأعلى قد أعلن “أن ثلاثة عواصم عربية (بيروت ودمشق وبغداد) قد سقطت بالفعل في أيدي إيران وأنها أصبحت تابعة للثورة الإسلامية، وصنعاء هي العاصمة الرابعة”.

هذه التصريحات تعيد التأكيد على أن إيران كانت تقاتل من أجد مد نفوذها إلى البحر المتوسط ومضيق باب المندب. فأحيانًا يجري ذكر الدعم الإيراني للحوثيين في سياق “منافسة جيوسياسية عظيمة” جديدة مع السعودية. فكلا البلدين تتصارعان منذ زمن طويل على زعامة المنطقة الممتدة من الخليج الفارسي مرورًا بالبحر المتوسط ووصولًا إلى بحر العرب.

من ناحية، وكما يشرح روبرت كابلان الموضوع بلباقة، أقامت إيران “بذكاء شديد إمبراطورية عسكرية حديثة هي الأولى من نوعها، إمبراطورية بلا مستعمرات ومدرعات ومصفحات أو حاملات طائرات، التي كانت تمثل الأدوات المعتادة للسيطرة والنفوذ”. وعلى الناحية الأخرى، فإن السعودية، بوصفها قائدة المعسكر السني، تكافح من أجل بناء تحالف سني يتكون من السعودية ومصر وتركيا لإحداث التوازن مع الخطر الشيعي المزعوم.

بعد انخراطهما في سلسلة من الحروب التي شُنت بالوكالة لتقويض نفوذ بعضهما البعض، تتصارع الآن الرياض وطهران على اليمن بشكل صارخ. تعتبر السعودية اليمن بوابة خلفية استراتيجية بالنسبة لها، وتعتبرها إيران ورقة استراتيجية رابحة لنفس السبب. بالتأثير على اليمن، تسعى إيران للضغط على الرياض للتخفيف من حدة مواقفها في العراق وسوريا، وزيادة الضغط على الحدود الجنوبية للسعودية سيؤدي ذلك الغرض.

ولكن يمكن النظر أيضًا إلى “المنافسة العظيمة” الدائرة بين طهران والرياض، القائمة في معظمها على أسس طائفية وأيديولوجية، عبر المنظور الجيوثقافي. فكما هو واضح، فإن الأيديولوجيا الشيعية الثورية المعادية للاستعمار التي ظهرت في عام 1979 هي القوة المحركة لتمدد نفوذ إيران في المنطقة. فقد ولدت الثورة الإسلامية ديناميكية جادبة برفقة التحولات الجيوسياسية الهائلة في السياسات الإقليمية والدولية. وقد أظهرت إيران ليس فقط كحاضنة سياسية للشيعة، ولكن أيضًا كملجأ للجماعات المسلحة التي تحدت القوى التقليدية في المنطقة. ومنذ أن كان الشيعة يمثلون حوالي 40% من سكان اليمن، فمن الممكن أن يمثل اليمن ميدان المعركة التالي بالنسبة لإيران لهزيمة العدو الأيديولوجي، وهي الراديكالية التي تدعمها السعودية والوهابية.

كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تتمتع به اليمن هو دافع آخر للدعم الإيراني للحوثيين، فبوقوعه بين اليمن وجيبوتي وإريتريا، فإن باب المندب هو رابع أهم مضيق لشحن النفط والوقود في العالم. ويمكن للحوثيين تعطيل تدفق إمدادات النفط أو مهاجمة المضيق المارة عبر المضيق في حالة ما إذا تعرضت إيران إلى أي تهديد بالحصار.

توضح وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن “غلق مضيق باب المندب سيمنع ناقلات النفط القادمة من الخليج الفارسي من الوصول إلى قناة السويس أو خط أنابيب سوميد، مما سيضطرها للدوران حول الحافة الجنوبية لقارة أفريقيا، مما سيمثل تكلفة ووقتًا إضافيًّا في النقل”. وهو ما سيمنح إيران نقطة قوة أخرى إلى جانب مضيق هرمز. وعلى ما يبدو فإن اندلاع حرب في المضيق أصبح حتميًّا.

إلا أن القوى الجيوسياسية والجيوثقافية، على أهميتها الحاسمة، ليست القوى الدافعة في تشكيل مسار استراتيجية إيران نحو اليمن. على النقيض من ذلك، فإن الفهم الأعمق والأكثر دقة للجغرافيا على المدى الطويل هو ما يدفع إيران إلى بناء علاقات مع الحوثيين. إن إيران تقع في قلب الشرق الأوسط الأكبر، وبوصفها “قلعة الشرق الأدنى”، فقد كانت أول قوة عظمى في العالم القديم.

لكن إيران تفتقر إلى حدود وموقع يسهل الدفاع عنهما، وهي مميزات جذبت القبائل والأمم المختلفة إلى الهضبة الإيرانية. وإن افتقارها إلى حدود يسهل الدفاع عنها، إلى جانب أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي يغلب على سكانها التشيع والتحدث بالفارسية، هو تذكير بـ”الوحدة الاستراتيجية” الهائلة التي تعاني منها إيران. يوضح هذا المصطلح، الذي ابتكره محي الدين مصباحي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فلوريدا الدولية، يوضح أن “إيران بالفطرة وبصورة افتراضية تعاني من وحدة استراتيجية ومحرومة من تحالفات ذات معنى وقوة كبيرة رابحة”.

وقد شددت الثورة الإسلامية والحرب العراقية الإيرانية من وحدة إيران الاستراتيجية. ففي أوج الحرب، تلقى العراق دعمًا من دول الخليج والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وبالنسبة للعديد من الإيرانيين، مثلت حرب الثماني سنوات “احتشاد العالم كله ضد إيران”، وهو عرض حقيقي لوحدة إيران الاستراتيجية.

كما أن الحرب مع العراق أعادت التأكيد على المشاكل التاريخية التي تواجه إيران في إلحاق الهزيمة بخصومها. فالمنطق الجغرافي والتاريخي يظهر أن قدرات الردع الإيرانية تستند بشكل كبير على قدرتها على إظهار قوتها خارجيًّا. فقد دفعت المساحة الشاسعة والحدود المضطربة إلى جانب الاضطرابات التاريخية العميقة إيران إلى الدفاع عن وحدتها واستقلالها خارج حدودها. وهذا يعني أن الإيرانيين، وبصرف النظر عن نوع نظامهم أو أيديولوجيته، ميّالون لإظهار قوتهم في مناطق تتعدى حدود إيران. ومن هذا المنظور، فإن بناء علاقات استراتيجية مع الميلشيات الشيعية كانت ولا تزال أداة استراتيجية بالنسبة لإيران للتعويض عن وحدتها الاستراتيجية. ولأكثر من ثلاثة عقود، كانت تلك العلاقات حجر الزاوية لاستراتيجية إيران لتحقيق تطلعات أمنها القومي وردع التهديدات الخارجية.

لقد شكلت الجغرافية الفريدة لإيران ووحدتها الاستراتيجية مسار سياستها الخارجية وسعيها نحو الزعامة. وكما أشار فريد زكريا أنه “عندما قرر نيكسون وكيسنجر في السبعينيات أن إيران ستكون رجل أمريكا في المنطقة، فعلوا ذلك اعترافًا منهم بأهمية إيران الجيواستراتيجية، وليس أنهم قاموا بدعم الشاه”.

توضح الجغرافيا أن إيران تمثل محورًا هامًا للتطور المستقبلي للشرق الأوسط الأكبر عبر علاقاتها مع الميلشيات الشيعية، وهو ما يجب أن نطلق عليه “انتقام الجغرافيا”.

اجمالي القراءات 1990