مصر بين عاصفتي "الصحراء" و"الحزم": هات وخد

في الأربعاء ٠١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ أعلنت الخارجية المصرية موقف الدولة من الضربة العسكرية على اليمن، وحسمت موقفها بالمشاركة الجوية والبحرية، والبرية إن لزم الأمر، تعددت المقارنات وبرزت على رأسها المقارنة التاريخية بين تدخل مصر في اليمن في الستينيات، وتدخلها هذه الأيام.

كان دور مصر في دعم الثورة اليمنية (26 سبتمبر 1962) أساسيًا، حيث دفعت حينها بما يقارب 70 ألف جندي لمساعدة الثوار في حربهم ضد الملكية. ونالت هذه المشاركة انتقادات كثيرة بالدخول في حرب "لا علاقة لنا بها"، غير أن الدولة في هذا الوقت كانت تنظر للمسألة بشكل أوسع من تعميم السياسة الناصرية المتحررة من الاحتلال، بل لتنال من الوجود الإنجليزي في خليج عدن، على مشارف باب المندب.

الناشط السياسي وائل خليل، وهو واحد من مؤسسي حركة مناهضة الحرب، يقول لـ"مدى مصر"، إن المقارنة مع عملية الستينيات لا تصح، مفسرًا: "عملية الستينيات كانت واحدة من ضمن اتجاه عام لمناهضة الملكية، كان يمكن النظر لها بسياق ثوري، يهدف لتعميم سياسة ما في الشرق الأوسط على حساب سياسة أخرى. أما الآن فالأمر ليس واضحًا تمامًا، والهدف المصري منها معدوم".

وذلك في إشارة للسياسة التي قادها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ضد الملكية، وضد الاحتلال الإنجليزي للشرق الأوسط. خاصة وأن تمركز القوات الإنجليزية في خليج عدن، قبيل باب المندب، في أعقاب تأميم مصر لقناة السويس، كان يعتبر تحديًا أساسيًا بعد العدوان الثلاثي على مصر.

إلا أن المقارنة الأهم، والأكثر دقة، لم تُطرح كثيرا، وهي بين مشاركة مصر إلى جانب القوات الدولية في حرب "عاصفة الصحراء" في العام 1991، التي كانت تهدف لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ومشاركتها في "عاصفة الحزم" هذه الأيام. وذلك لأسباب عدة، تتعلق معظمها بالمكاسب الاقتصادية التي جنتها الدولة، بالإضافة للتماهي مع الاتجاه الدولي الذي ضم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج الستة.

كانت مصر قد شاركت بقوات عسكرية في عملية 1991 تراوحت بين 33.600 إلى 35000 جنديًا. وهو ما اعتبر ثاني أكبر قوات عربية مشاركة بعد السعودية، أي أنها كانت الأكثر مشاركة عمليًا باعتبار أن الأراضي السعودية كانت هي أراضي الانطلاق، وبالتالي فإن معظم قواتها لم تبارح أرضها.

في خضم النقاش السياسي والاجتماعي الذي أحاط مشاركة مصر إلى جانب القوات الدولية في حرب "عاصفة الصحراء"، نشر مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الأهرام"، وقتها، عدة تقارير ومقالات بيّنت الدوافع التي دفعت الحكومة المصرية للمشاركة العسكرية حينها. قال المركز إن مصر ستحصد مكسبين أساسيين جراء المشاركة. والواقع أن هذان السببان لا علاقة لهما لا بـ"تحرير الكويت" ولا بـ"الأمن القومي العربي"، اللذان كانا يمثلان الدعايا الأساسية للمشاركة العسكرية المصرية.

وفي السياق نفسه، ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل، وهو الملاصق لدوائر صناع القرار منذ ما قبل النصف الأول للقرن الماضي، في كتابه "مبارك وزمانه: من المنصة إلى الميدان"، أن الدولة حصلت على مكتسبات اقتصادية مباشرة نتيجة مشاركتها في عاصفة الصحراء تقدر بـ100 مليار دولار، منها: 30 مليار إعفاء ديون مستحقة على مصر لدول أجنبية، و25  مليار دولار من الكويت، و10 مليارات دولار من السعودية، و10 مليارات دولار من دولة الإمارات. كما قررت مصر آنذاك تطبيق سياسة الخصخصة وتحرير الاقتصاد المصري ودعم مسار مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والمشاركة في حرب الخليج، في مقابل جدولة الديون العسكرية وإلغاء بعضها والحصول على قرض كبير من صندوق النقد الدولي.

كما بدأت مصر علاقة قوية مع المثلث المالي، البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، كان أساسها حصول الحكومة على قرض ثاني من صندوق النقد الدولي، بقيمة 375.2 مليون دولار لسد العجز في الميزان التجاري، بالإضافة لاعتماد سياسات التكيف الهيكلي، التي أسست لتحرير العملة المحلية والخصخصة وبدء مشاريع المعاش المبكر لتصفية القطاع العام.

مؤخرًا ساد جدال واسع حول الأسباب الرئيسية للعملية العسكرية في اليمن عمومًا، بينما كان هناك شبه توافق على دوافع المشاركة المصرية فيها. الجانب الخليجي قال إن العملية لـ"حماية الشرعية اليمنية، ولحماية الأمن القومي العربي ولتطويق النفوذ الإيراني الذي حاصر السعودية من عدة اتجاهات". الجانب السياسي المناهض، يمكن اقتباس رأيه مثلًا من حديث حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أمس الأول. حين قال نصر الله إن "العملية العسكرية تهدف لترسيخ سلطة آل سعود على اليمن، الذين ظلوا لعقود ينظروا للناس باعتبارهم مجرد رعيّة".

على المستوى المصري، انحصرت الدوافع بين دافعين، الأول وهو ما يروج له سياسيا وإعلاميا يستند على حماية باب المندب من تهديد سيطرة الحوثيين عليه. والثاني هو دفع فاتورة الدعم الخليجي للحكومة المصرية عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.

وفيما بدأت  آراء رسمية تتسرب لترجح كفة الدافع الثاني، بدأت واقعية الأول تتلاشى. حيث أشارت تقارير إعلامية، أكدتها قيادات حوثية، إلى أن لقاءات عدة عقدت في القاهرة بين مسؤولين حكوميين وقيادات حوثية، كانت رسالتها الأساسية أن لا نية للحوثيين بالمساس بالملاحة عبر باب المندب، وأن مصر لو أرادت المشاركة في تأمينه فلها ذلك.

يبقى أن الدافع الثاني كان هو الأقرب للواقع، الدولة تلقت عدة مليارات الدولارات من دول الخليج، وعليها دفع الثمن الآن.

يعود خليل ليقول: "الهدف المصري من العملية ليس واضحًا، مسألة باب المندب لا أساس لها، المضيق تحرسه قوات عدة منذ 2008 بدعوى محاربة القرصنة. الأساس أن مصر تلقت أموالًا من دول الخليج على شكل ودائع أو استثمارات أو معونات من الخليج بقيادة السعودية، وهي الآن تدفع مقابل ذلك.. وهذا مطابق مع مشاركتها في حرب الخليج الثانية، كان الأمر عبارة عن "هات وخد" ببساطة".

الكاتب اليساري تامر وجيه يتحدث أكثر عن سياسة "هات وخد"، التي أطلق تسميتها تسريب لمحادثة بين مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، في حديث مع الرئيس عن الدعم الخليجي.

وكانت موجة التسريبات التي نالت مكتب رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، اشتملت على محادثة بينه ومدير مكتبه عباس كامل، قال فيها إن على الحكومة التعامل مع الخليج بمنطق "هات وخد": الخضوع للسياسة الخارجية للخليج في مقابل تلقي مساعدات مالية تضخ في الاقتصاد المصري.

يقول وجيه: "الحقيقة أن هناك مؤشرات لأن مشاركة مصر في حرب اليمن ليست شبيهة بحرب اليمن في الستينيات، وإنما بحرب 1991"، موضحًا: "أولًا، السيسي أعلن أكثر من مرة أن أمن الخليج خط أحمر، وأن دعم مصر لهم مجرد مسافة السكة، وهو ما يعني بوضوح أن القيادة المصرية ترى واجبها دعم أمن الخليج، طبعًا انطلاقًا من كون الخليج هو الراعي الأول للانقلاب العسكري".

ويضيف: "مصر تشارك لأنها ترى دورها "شرطي رخيص التكلفة" لدعم مصالح الخليج

وبالتالي فإن المشاركة تأخذ منطق هات وخد، ولكن بين طرف قوي وطرف أضعف. تركيا مثلًا فعلت الشيء نفسه مع أمريكا مرات عدة، لكن كان وضعها التفاوضي أقوى، لكن مصر منهارة تقريبا، ما يعني عمليا أنها دولة تابعة ولا تملك حق الرفض".

اللواء نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية في أكاديمية ناصر، يقول لـ«مدى مصر» إن "مشاركة مصر في اليمن خلال الأيام الماضية، ليست كما كان في الستينيات بطلب يمني، إنما كانت بطلب سعودي".. مضيفًا: "هناك تبادل مصالح بين مصر والسعودية، نحن نعاني من الإرهاب وهم يخشون وصوله لهم، لذلك هم قرروا دعمنا، وبالطبع نحن لنا مصلحة في استمرار الدعم السعودي لمصر، وبالتالي نحن قمنا بدعمهم".

خليل يقدم زاوية أخرى حين يقول: "صحيح أن مقارنة الحرب الحالية تكون أدق مع حرب 1991، إلا أن هناك فارق هام. في الأولى، أخذت الدولة وقتها في اتخاذ القرار، كان هناك رؤية سياسية للدولة تؤدي لخيار المشاركة العسكرية، أما الحالية فليست كذلك".

ويستطرد: "قبل ساعات من بدء العملية على اليمن، قال وزير الخارجية اليمني إن مصر تؤيد التدخل العسكري، لتهرول الخارجية بإصدار تعليق يحسم أنها ضد الحل العسكري ويؤكد أن الحل الوحيد هو السياسي.. وبعد دقائق من إعلان العملية تقول مصادر سعودية أن مصر تشارك بالفعل في العملية، لتصدر الخارجية بيانًا بعد ساعتين من بدء الغارات السعودية، تذهب فيه للنقيض وتقول أنها تنسق المشاركة برا وبحرا وجوا.. هذا لا يعني سوى أن القرار المصري لم يكن مبنيا على نقاش سياسي داخل دوائر صناع القرار، أخذ دورته الطبيعية، وإنما كان قرارا مفاجئا، وكأنه أبلغ فجأة للدوائر الطبيعية ذات الاختصاص كوزارة الخارجية".

اجمالي القراءات 2066