ابتعاد الأزهر عن دوره التنويري ترك الساحة الدينية فريسة للإسلام السياسي

في الأربعاء ٠١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
ابتعاد الأزهر عن دوره التنويري ترك الساحة الدينية فريسة للإسلام السياسي
تجديد الخطاب الديني يستدعي التوفيق بين الإسلام والعالم الحديث الذي يجمع بين المبادئ الدينية والقوانين التي تتوافق مع العقل.
العرب محمد نوار [نُشر في 01/04/2015، العدد: 9874، ص(13)]
 
مراجعة آليات الخطاب الديني أولى خطوات تفكيك منظومة الإسلام السياسي المتطرفة
 
مسألة تجديد الخطاب الديني أصبحت تطرح نفسها بقوة على المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي خاصة في ظل العنف المتواتر الذي تقف وراءه الجماعات التكفيرية المتطرفة، ما جعل مؤسسة الأزهر تسعى لاسترجاع مكانتها في تبيان أسس الدين الإسلامي لتقف في وجه هذه التيارات التي سوقت الإسلام في صورة دين السيف والداعي إلى الإرهاب. فهل باستطاعة المؤسسات الدينية تجديد الخطاب الديني المتوافق مع حداثة العصر لبيان تهافت مقولات الإسلام السياسي؟

لا يزال الأزهر بمنأى عن قضية تجديد الخطاب الديني ونشر الاعتدال وتعاليم الإسلام الوسطي، وإعادة النظر في الفكر الإسلامي لمواجهة الأيديولوجيات المضلّلة التي تضر الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

ورغم أن العالم الإسلامي يعيش في صراعات أيديولوجية تتعلّق بالتراث الديني والحداثة العلمانية أو العولمة، نجد ظهور خطابات إسلامية بديلة أدت إلى انقسامات في الفكر الإسلامي وفي الخطاب الديني، وساهم هذا التنوّع في تشتت المسلمين وفي الابتعاد عن الوسطية التي ينتهجها الأزهر الشريف، وسار الكثير من الشباب خلف شيوخ ومعتقدات تيارات الإسلام الراديكالي، التي تنتج سياسة العنف وتكفير الآخر طالما ظل بعيدا عن فكرهم ومذهبهم الديني والأيديولوجي.

ويطالب عدد من شيوخ الأزهر بتبني خطاب ديني جديد من شأنه التوفيق بين الإسلام والعالم الحديث، والذي يجمع بين المبادئ الدينية والقوانين التي تتوافق مع العقل.

وفي هذا الإطار، يقول محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري: تجديد الخطاب الديني هو القضية الكبرى للأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، لمواجهة الخطاب التكفيري الذي تنامى خلال الفترة الماضية، وأساء كثيرا بأفعاله الإرهابية للإسلام.

شيوخ السلفية وغيرهم يرفضون ضربات التحالف ضد داعش في بغداد ودمشق، بحجة أن الكفار هم من يقتلون هؤلاء المسلمين

 

 

ويوضح أن الوزارة تعكف على وضع إطار لكيفية تناول أخلاق القرآن الكريم، خاصة وأن بعض حفظة القرآن لا يفهمون معاني الآيات ودلالتها وتوقيت ومناسبة نزولها، ويقعون فريسة أمام شيوخ العمائم المتشدّدين لتفسير الآيات على أنها تدعو إلى قتل الآخرين وذبحهم وتكفيرهم.

محمود عاشور رئيس دار التقريب بين المذاهب، يرى أن هناك صراعا بين التراث الديني وبين الحداثة والعولمة، وبعض الشيوخ غير قادرين على مواكبة تطوّرات الخطاب الديني في العصر الحديث، ولذلك بعض العمائم قد تهدر رسالة الإسلام لأنها لا تفهم الدين فهما صحيحا، خاصة وأن عظمة الدين الإسلامي تكمن في عدم وجود وسيط بين الإنسان وخالقه، وبالتالي لا يوجد كهنوت أو شيوخ أو صكوك غفران في الإسلام، وهو ما يجعل المسلم الذي يجيد الفهم واستيعاب الشرع يتألق في حياته بكل ثقة ويقين، بعيدا عن تدخّل أصحاب العمائم.

ويضيف: أن كبار الصحابة لم يدّعوا لأنفسهم قداسة، رغم قربهم من الرسول (ص) ولم يتاجروا بالدين الإسلامي وقدّموا القدوة الصالحة، مدللا على كلامه، بأن أبا بكر لم يكن شيخا، ولا الأئمة الأربعة (حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل) كانوا يملكون مفاتيح الجنة والنار، بل كانوا جميعا عبادا لله ولم يكفّروا أحدا، ولم يدّعوا أنهم يمتلكون باسم عقولهم وقلوبهم الإسلام الصحيح.

ويؤكد أن شيخ الأزهر يجب أن يكون على رأس شيوخ وسطيين يقدّمون الإسلام الوسطي للناس، فضلا عن أهمية تجديد الخطاب الديني بما يتلاءم مع كل مجتمع، لمنع اختراق المتشدّدين عقول الآخرين بأفكارهم الهدّامة، وبالتالي لا بد أن ينغمس الأزهر في قضايا الناس لتبصيرهم بشؤون حياتهم وتخليصها من عراقيلها التي تحول دون فهمهم الصحيح لدين.

من جانبه، يوضح أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن قضية الخطاب الديني الإسلامي وتجديده تعتبر قضية أمن قومي بالنسبة إلى الوطن العربي، والمسلمون في انتظار ما سيقدّمه شيوخ الأزهر خلال الفترة المقبلة لمواجهة الفكر التكفيري والداعشي الذي ينتشر.

هناك صراع بين التراث الديني والحداثة، وبعض الشيوخ غير قادرين على مواكبة تطورات الخطاب الديني

واستطرد قائلا: لكن أولا الأزهر مطالب بتطهير مجال الدعوة من شيوخ يسيئون للدين، ويظهرون في صورة المتاجر بالدين والمخادع في تعاملاته مع الآخرين، وهذا يحتاج إلى تدخّل أزهري لتصفية هؤلاء الذين لا يحترمون أنفسهم، كونهم يجب عليهم أن يكونوا قدوة للآخرين وهم أبعد ما يكون عنها، ويؤكد أن انتشار الفكر الداعشي بين الناس يعود إلى التسلل الناعم لشيوخ الفتنة بين المواطنين، والدواعش أصبحوا قريبين جدا للأشخاص العاديين.

فليس من المفترض أن يكونوا في العراق وسوريا حتى يتم وصف أصحاب العمائم بالدواعش، ولكن الفكرة باتت تملأ جميع العقول، حتى أن الكثير من شيوخ السلفية وغيرهم يرفضون ضربات التحالف الدولي ضد داعش في بغداد ودمشق، بحجة أن الكفار هم من يقتلون هؤلاء المسلمين، وهو ما يعني تعاطفا ومساندة ضمنية لتنظيم داعش، ولذلك لا عجب من السير على طريقهم بعد ابتعاد الأزهر عن مسؤولياته، وترك الساحة الدينية فريسة أمام تيار الإسلام السياسي.

وفي سياق متصل، يدق الشيخ سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، ناقوس الخطر من سعي بعض الدول الإقليمية مثل تركيا إلى سحب البساط من تحت أقدام الأزهر، لا سيما وأنها تؤسس جامعة إسلامية كبيرة باسم السلطان محمد الفاتح بتمويل من دولة قطر، وتسعى إلى جذب كبار شيوخ الإسلام في العالم، حتى تصبح بديلا عن الأزهر خلال الفترة القادمة، ويرى أن هذه الجامعة ستؤثر بشكل قوي على دور الأزهر على المستويين الإسلامي والعالمي.

ويوضح أن وسائل الإعلام قد امتلأت بمدّعين يطلقون على أنفسهم علماء دين، يبيعون الوهم للناس بلا أيّ حقيقة علمية أو دراسة بعلوم الشرع والفقه.

 

ويقول: العالم العربي يمر بمرحلة دينية حرجة جدا، والشعوب في حاجة إلى من يجيدون لغة الخطاب الديني والإسلام الوسطي، لا سيما وأن تجديد الخطاب الديني يستدعي تغييرا جذريا في مؤسستي الأزهر والأوقاف، نظرا لاختراق جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي لهاتين المؤسستين بقوة، وعلى الأزهر أن يبادر بإنقاذ مصر من عثرتها، وأن يتقدّم شيوخه الصفوف ليس بالكلام ولكن بالأفعال.

ويؤكد أن مصر والعالم العربي في حاجة إلى أهل الخبرة والمهارة والحس الديني الوسطي، بالإضافة إلى إصلاح الأزهر للحفاظ على الأمن الديني في مصر، وتخريج شباب يفهمون وسطية الدين الإسلامي السمحة.

اجمالي القراءات 1353