ملف خاص.. كيف خان الإخوان الثورة.. فى أربع خطوات؟!

في الأربعاء ٢٣ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

ملف خاص.. كيف خان الإخوان الثورة.. فى أربع خطوات؟!

رسوم ايهاب الهندي
 
نشر: 24/1/2013 5:39 ص – تحديث 24/1/2013 5:42 ص

كتب: محمد توفيق

1- فى أثناء الثورة.. ترْك ميدان التحرير والتفاوض مع النظام للحصول على مكاسب تضمن بقاء الجماعة والإفراج عن كوادرها

2- بعد نجاح الثورة.. محاربة الثوار وتشويههم من أجل انتخابات مجلس الشعب

3-بعد الوصول إلى السلطة.. إرهاب المتظاهرين والاعتداء عليهم وقتل شهود العيان.. ولنا فى الحسينى أبو ضيف عبرة

4- قبل الانتخابات.. المتاجرة بدماء الشهداء للحصول على أكبر مكاسب ممكنة

أربع خطوات فقط يجب أن نحفظها ونتناقلها جيلا بعد جيل، لأنها كانت كافية لإزاحة الثورة والثوار وأحلام ملايين البسطاء من المشهد ليبقى الإخوان وحدهم فى الصدارة.

الخطوة الأولى هى ترك ميدان التحرير والتفاوض مع النظام ومحاولة الحصول على مكاسب تضم بقاء الجماعة والاعتراف بها والإفراج عن كوادرها، والخطوة الثانية هى محاربة الثوار وتشويههم (فى أحداث «محمد محمود») من أجل انتخابات مجلس الشعب، أما الخطوة الثالثة فهى المتاجرة بدماء الشهداء للحصول على أكبر مكاسب ممكنة، أما الخطوة الرابعة والأخيرة فهى إرهاب المتظاهرين والاعتداء عليهم وقتل شهود العيان ولنا فى «الحسينى أبو ضيف» عبرة لمن يعتبر.

خان، يخون، فهو إخوان، هكذا يقول الحاضر، والتاريخ أيضا فعندما خطا رئيس الوزراء إسماعيل صدقى أولى خطواته نحو مفاوضاته حول المعاهدة عام 1946، وعندما وقف الشعب المصرى كله ضده وضد معاهدته، (معاهدة صدقى - بيفين) أيَّده الإخوان واستخدموا واقعة «صلح الحديبية» فى تبرير تصرفاته، وكانوا يؤكدون فى كل مكان تأييدهم لصدقى مستخدمين الآية الكريمة «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْد»، بل إنه عندما اشتدت المظاهرات الشعبية ضد هذه المعاهدة طلب صدقى باشا من المرشد العام أن يركب سيارة سليم زكى باشا مساعد الحكمدار المكشوفة ليعمل على تهدئة الجماهير واستجاب المرشد العام لطلب صدقى باشا.

وافق المرشد حسن البنا على تلك المعاهدة التى رفضتها مصر كلها، والتى ما زالت حتى الآن رمزا للخيانة الوطنية والتفريط فى حقوق الوطن، بل إن المرشد قد سمح لنفسه بأن يركب سيارة البوليس ليعمل على تهدئة المتظاهرين المعارضين للاتفاقية، وتصدرت هذه الصورة الصحف فى اليوم التالى!

لكنهم (جماعة الإخوان) انقلبوا على صدقى بعد فشل المفاوضات!

وهو ما تكرر بالضبط فى أثناء ثورة يناير 2011.

ففى اللحظة التى كان فيها الشعب المصرى ينتفض لإزاحة مبارك عن كرسى الحكم، وكانت القوى الثورية تحتشد فى ميدان التحرير، كانت جماعة الإخوان تعقد لقاءات سرّية وعلنية مع اللواء عمر سليمان نائب المخلوع، بل إن قائدى المفاوضات كانا الدكتور محمد مرسى والدكتور سعد الكتاتنى، وقد حاولا الاتفاق على مغادرة الميدان مقابل الإفراج عن خيرت الشاطر، وهو ما أكده الدكتور محمد حبيب النائب السابق للمرشد.

ويواصل حبيب كشفه كواليس ما دار بين الرئيس الحالى ونائب الرئيس السابق قائلا: اللقاء بين الدكتور مرسى وعمر سليمان كان محاولة لصرف الإخوان عن الميدان مقابل الإفراج عن بعض القيادات من الجماعة مثل خيرت الشاطر، وكان يمكن أن يتم تحقيق الاتفاق لولا أن الشباب رفضوا!

الشباب الذين رفضوا يمكن الرهان عليهم، لكن أغلبهم ترك الجماعة إلى غير رجعة، فلا يمكن لشخص يفكر أن يظل عضوا فى جماعة تدرِّب أعضاءها على السمع والتنفيذ دون مناقشة والطاعة دون تفكير، وبالتالى فمصير من يُحكِّم عقله وضميره أن يتركها طوعا أو رغما عنه.

أحيانا كثيرة كانت الحركة الوطنية فى جانب، وجماعة الإخوان المسلمين فى الجانب الآخر فقد تأرجحت علاقات الجماعة بكل القوى السياسية ما بين مهادنة ووشاية وخيانة هذا يقوله الباحث عبد الرحيم على فى كتابه «الإخوان المسلمون: قراءة فى الملفات السرية»، راصدا بالوثائق عديدا من الوقائع منذ تأسيس الجماعة.

فعلى الرغم من مساوئ العصر الملكى الذى عاش فيه المصريون عهودا من الاستبداد والفقر، فقد حرص حسن البنا على توطيد علاقته بالقصر منذ نشأة الإخوان، فعملوا على إزجاء المديح للملك فؤاد والثناء عليه، وتوالت مراثيهم له بعد موته معتبرينه حامى الإسلام ورافع رايته، وفى عام 1937 كتب حسن البنا تحت عنوان «حامى المصحف» واصفا الملك فاروق بأنه حامى المصحف الذى يبايعه الجميع وعلى استعداد للموت بين يديه جنودا للمصحف وأن الله قد اختاره واصطفاه ملكا، وذلك على الرغم من تاريخ الملك فاروق وفساده، ويبرر عمر التلمسانى الاستعراض الحافل الذى أقامته جوالة الإخوان للاحتفاء بالملك فاروق بأنه استعراض لقوة الإخوان أمام الملك لجذب اهتمامه.

ولم يكتف البنا بذلك، بل طالب بتتويج فاروق -وفقا لمراسم دينية يشرف عليها الشيخ المراغى شيخ الأزهر فى ذلك الوقت- ووصف عدم تنفيذ ذلك بالإثم العظيم، وعندما خرجت الجماهير لتهتف «الشعب مع النحاس» هتف الإخوان «الله مع الملك»!

تلك الصورة تكاد تكون متطابقة مع ما حدث من جماعة الإخوان عندما اشتعلت الأحداث فى شارع «محمد محمود» وقامت قوات الأمن المركزى بالاعتداء على المتظاهرين وأدت إلى استشهاد أكثر من 50 متظاهرا وإصابة المئات، وقتها لم يكن يشغل بال الإخوان القتلى والجرحى وإنما كانوا يعلنون أن انتخابات مجلس الشعب فوق الجميع، لذلك هاجمت الجماعة وقتها الأحداث والثوار، وطالبتهم بمغادرة الميدان والتوقف عن مهاجمة قوات الأمن المركزى، حيث قال الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة، معلقا على الأحداث: «محاولة من البعض للتأثير على العرس»!

وقال المهندس خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام للجماعة: إن المتظاهرين الموجودين بميدان التحرير «يسعون إلى الفوضى، ويجب التصدى لأى محاولة لعرقلة المسار الديمقراطى وتأجيل الانتخابات البرلمانية».

إنها الخيانة بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ قبيحة، لكنها خيانة دائمة ومتجددة مع كل حدث أو حادث أو حديث، فقبل الانتخابات الرئاسية أعلنت الجماعة وأعلن المرشح الرئاسى وقتها الدكتور محمد مرسى أنه بمجرد أن يأتى إلى كرسى الحكم سيأتى بالقتلة والأدلة للقصاص لشهدء موقعة الجمل وماسبيرو ومحمد محمود وغيرهم ممن ضحّوا بحياتهم كى يستثمر هو تلك التضحيات ويصبح رئيسا لمصر، لكنه بعد أن وصل إلى كرسى السلطة توالت البراءات للضباط المتهمين فى كل الأحداث، وخرج المتهمون فى موقعة الجمل من القضية لعدم كفاية الأدلة، وحصل المشير طنطاوى والفريق سامى عنان على الخروج الآمن من السلطة، بل وقام بتكريمهما رغم مسؤوليتهما عن سقوط شهداء أمام مبنى ماسبيرو دهسا تحت الدبابات.

لكن الكارثة الأكبر ليست فى خيانته دماء الشهداء، وإنما لتقسيمه الشعب المصرى وانحيازه الفجّ إلى أهله وعشيرته وجعلهم البديل الجاهز لحمايته بدلا من الشرطة، ولا يوجد دليل على ذلك أكثر وضوحا مما جرى أمام قصر الاتحادية حين أمرت قيادات الجماعة أتباعها بالنزول إلى الاتحادية وطرد المعتصمين والمتظاهرين والاعتداء عليهم لتسقط معها كل الأقنعة التى تستخدمها الجماعة لتبرير مواقفها أمام البسطاء الذين لم تعد تخدعهم الشعارات الزائفة والوعود الكاذبة والكلام المجانى الذى تقبع خلفه انتهازية بالغة جعلت من كان يسبّ اليهود ويصفهم بأحفاد القردة والخنازير هو نفسه من يرسل خطابا إلى شيمون بريز ويصفه فيه بالصديق، بل ومن كان يطالب بطرد السفير هو نفسه يحافظ على السفير ويحميه!

لكنها عادة الإخوان الذين لا يخجلون من التعاون مع الشيطان ذاته إن كان ذلك يحقق مصالحهم.

فقد هادن الإخوان «الوفد» ثم انقلبوا عليه، ودعموا الملك ثم ناصبوه العداء، وتعاونوا مع رجال يوليو وتصادموا معهم، وساندوا السادات وتمردوا عليه، ويصرخون ليل نهار بالعداء لأمريكا ويسعون فى الخفاء إلى مد الجسور معها. يدعون إلى الديمقراطية والتعددية ويضيقون بها وبالمطالبين بأعمالها داخل الجماعة، فإما «السمع والطاعة» وإما الإبعاد والحصار والتهميش والتشنيع. على حد تعبير الدكتور رفعت السعيد فى كتابه عن حسن البنا.

فعندما رأى الإخوان فى قوى اليسار والشيوعيين خطرا كبيرا خصوصا بعد أن لاقوا شعبية كبيرة بين الطبقات الفقيرة البائسة من خلال برامجهم عن العدالة وحقوق الفقراء، عمدوا إلى تشويههم فقال عنهم محمد الشافعى إنهم أخطر من التبشيريين وإنهم سيهدمون المساجد ويمنعون العبادة ويُبيحون الأعراض ويذلّون الأديان، ووصل الأمر بالإخوان إلى حد التحالف مع الغرب وأمريكا إلى ضرب قوى اليسار، فطلب البنا من «فيليب أيرلاند» السكرتير الأول للسفارة بالقاهرة فى 29 أغسطس من عام 1947 إنشاء مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية على أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان، وأن تتولى أمريكا الإدارة ودفع مرتبات أعضائه من الإخوان، وفى ذلك الصدد أشار «ريتشارد ميشيل» إلى أن مخابرات الجماعة قد أمدت الحكومة الأمريكية بمعلومات مكثفة عن التنظيمات الشيوعية خصوصا فى الدوائر العمالية، والطلابية.

لذلك لم يكن مستبعدا أن تفعل الجماعة مع فعلت، ولكنها عبرة لمن يعتبر من الماضى ليواجه الحاضر ويستعدّ للمستقبل.

هل الإخوان أغبياء فعلا؟!

لولا غباء الإخوان ما اكتشف أحد أنهم كاذبون وخونة!

لا يوجد شىء أخطر على الإخوان من عقولهم، إنهم أغبياء سياسيا بصورة لا يمكن تجاوزها، فالفارق الجوهرى بين الإخوان فى عهد «حسن البنا» والإخوان فى عصر «محمد بديع الشاطر» هو الذكاء، فالمرشد حسن البنا كان شديد الذكاء، بصورة لافتة ومدهشة، وكان قادرا على إقناع أنصاره وأعدائه بالشىء ونقيضه، وربما من شدة ذكائه ظل وحده محتفظا بحب كل من تخلو عن أفكار جماعة الإخوان، بل إن أغلبهم ما زال مصمما على أن البنا لم يكن أبدا ليرضى عن أداء جماعته وطريقة تفكيرهم.

نعم، من المؤكد أن حسن البنا لم يكن أبدا ليرضى عما يفعله أنصاره بعد وصولهم إلى السلطة التى حلم بها كثيرا، لكن ليس فقط لأنهم خالفوا تعاليمه وتعليماته، ولكن لأنهم أغبياء لدرجة جعلت البسطاء يكتشفون غباء قيادات الجماعة وانتهازيتهم وحرصهم الشديد على السلطة، علاوة على أنهم ليس لديهم وعى أو رؤية أو قدرة على إقناع الناس بعدما اكتشف الجميع حمقهم.

الأمثلة على غباء الإخوان كثيرة ومتعددة ولا تحتاج إلى تذكير أو إظهار أو توضيح، ولكن هناك نموذجا يجب الوقوف أمامه كثيرا كدليل على الغباء الشديد للإخوان، وهذا الدليل هو رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل الذى قررت الجماعة أن تأتى به من وزارة الرى ليجلس على كرسى أكبر وأهم فى توقيت بالغ الدقة وشديد الحساسية.

الدكتور قنديل يفتقر إلى كل شىء تقريبا سوى أنه كان محبا لجماعة الإخوان، وكان يعمل فى وقت من الأوقات مساعدا لنائب المرشد خيرت الشاطر، بخلاف ذلك فهو يفتقر إلى الكاريزما واللباقة والذكاء والوعى والقدرة على الإبداع أو التفكير أو إيجاد حلول للمشكلات المزمنة التى تعانى منها مصر، أو حتى إيجاد حلول للمشكلات التى تواجه حكومته، بل إن حكومته ضاعفت من المشكلات وأسهمت فى صناعة مشكلات أخرى لم يكن لها وجود من قبل.

لكن وجود قنديل على رأس الحكومة مع أول رئيس منتخب بعد الثورة فى ظل أزمة اقتصادية عاصفة تمر بها مصر جعلنا نكتشف قدرات الجماعة وخيالها على اختيار رجالها، فالجماعة التى حاربت الدكتور كمال الجنزورى أستاذ الاقتصاد والخبير بمقتضيات العمل السياسى وطالبت برحيله عن رئاسة الحكومة أتت بواحد من أقل رجاله قدرة وكفاءة.

لست من أنصار الدكتور الجنزورى، بل إننى كنت واحدا من الذين يريدون رئيسا للوزارء أكثر منه كفاءة وحكمة ومواكبة للعصر وقدرة على حل المشكلات السياسية والاقتصادية ولديه خيال أفضل ومهارات جديدة إلا أنه بعدما صار الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء جعلنا نترحم على أيام الدكتور الجنزورى وندرك قيمته، لكن ما حدث كشف لنا عقلية الإخوان التى ترسخ لمبادئ عقلية القطيع. تلك العقلية التى تعتمد على الحشد والتعبئة دون وعى أو تفكير، وقد تشعر أن جوستاف لوبون فى كتابه الأشهر «سيكولوجية الجماهير» كان يتحدث عن جماعة الإخوان حين قال: «عجز الجماهير عن التفكير المتعقل يحرمها من كل روح نقدية، أى من قدرة التمييز بين الحقيقة والخطأ، وبالتالى من تشكيل حكم دقيق على الأمور، فالأحكام التى تقبلها ليست أحكاما مفروضة من فوق أى غير قابلة للنقاش».

ويضيف «لوبون» قوله: «إن الخيال الخاص بالجماهير كخيال كل الكائنات التى لا تفكر عقلانيا، فالجماهير تشبه إلى حد ما حالة النائم الذى يتعطل عقله مؤقتا ويترك نفسه عرضة لأى أفكار ساذجة، ولكن سرعان ما تتبخر على محك التفكير، ولما كانت الجماهير غير قادرة لا على التفكير ولا على المحاكمة العقلية فإنها لا تعرف معنى المستحيل، فالجماهير لا تفكر عقلانيا، وإنما تتبنى الأفكار دفعة واحدة أو ترفضها، وإنما لا تحتمل مناقشة ولا اعتراضا، وأن التحريضات المؤثرة عليها تغزو كليا ساحة فهمها وتميل إلى التحول إلى فعل وممارسة فورا، وتصير الجماهير مستعدة للتضحية بنفسها من أجل مثلها الأعلى.

ويفسر «لوبون» سر الجرائم التى ترتكبها هذه الجماهير التى لا تترك إلا كحشود كبيرة قائلا: إن جرائم الجماهير ناتجة عموما عن تحريض ضخم والأفراد الذين أسهموا فيها يقتنعون فى ما بعد بأنهم قد أطاعوا واجبهم، وهناك خصائص أساسية تجدها فى الجماهير وهى القابلية للتحريض، السذاجة أو سرعة التصديق، المبالغة فى العواطف سواء كانت طيبة أو سيئة.

ما كتبه جوستاف لوبون كان بمثابة الوصف التفصيلى لأعضاء جماعة الإخوان (وحازمون أيضا!) الذين لا تحركهم إلا عقلية القطيع وثقافة الحشد، ولا يخرج أعضاؤها إلى المظاهرات إلا بتعليمات، ولا تسمح لأعضائها بالتفكير الحر والناقد، إنهم الجماهير التى قصدها فى كتابه، تلك الجماهير التى وصفها بالقطيع التى لا تستطيع الاستغناء عن قائدها، وهؤلاء القادة غالبا ليسوا رجال فكر، ولا يمكنهم أن يكونوا وإنما رجال ممارسة وانخراط، وهم قليلو الفطنة وغير بعيدى النظر!

لماذا اكتشف الجميع كذب الإخوان؟

أكثر شىء جعل الناس تكتشف كذبهم هو إصرارهم على الكذب الفجّ والساذج والبليد

أعلن الإخوان عدم وجود مرشح رئاسى لهم ثم عادوا وأعلنوا عن وجود مرشحَين..

وأكدوا أن لديهم مشروعا للنهضة ثم قالوا إنها مجرد فكرة

الجماعة تلجأ دائما إلى الكذب وتبيحه لأعضائها باعتباره ضرورة تقتضيها المصالح العليا

لا يوجد لدى الإخوان حقائق ثابتة، وإنما هناك مصالح دائمة بناءً عليها تتحدد رؤية الجماعة وتوجهاتها واتجاهاتها، لذلك تلجأ دائما إلى الكذب وتبيحه لأعضائها باعتباره ضرورة تقتضيها مصالح الجماعة، وبالتالى فلا مانع من الترويج لكذبة كبيرة لكل مرحلة جديدة فبعد الثورة مباشرة أعلن الإخوان عدم وجود مرشح رئاسى لهم، ثم عادوا وأعلنوا فجأة بعد فتح باب الترشيح عن مرشحَين الأول المهندس خيرت الشاطر، وبديله الدكتور محمد مرسى.

فى هذه الأثناء تم ابتكار كذبة جديدة تناسب متطلبات المرحلة الجديدة، فتم الإعلان عن «مشروع النهضة» وتعيين مهندس لها ثم بعد ذلك تم تغيير مهندس النهضة بواحد صاحبه!

لكن بعد نجاح مرشح الجماعة فى الانتخابات ووصوله إلى كرسى السلطة أعلن مهندس النهضة أن مشروع النهضة مجرد فكرة لا وجود لها إلا فى رؤوس أصحابها.

كنت أتمنى أن يكون لدى الإخوان مشروع للنهضة حتى لو اختلفت معهم عليه، لكن المدهش أن تجد تنظيما عمره يزيد على الثمانين عاما خاض سلسلة طويلة من المعارك، وتحمَّل أعضاؤه كل شىء فى سبيل هدف واحد فقط هو الوصول إلى السلطة، وحين تحقق لهم ما أرادوا لم يكن لديهم مشروع ولا فكر ولا رؤية، لذلك اكتشف الجميع -ببساطة- كذبهم سواء كانوا عمالا أو فلاحين، طلبة أو موظفين، أطفالا أو مسنّين، الكل عرف أن مشروع النهضة أكبر كذبة فى التاريخ، ليس فقط لأن الناس بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم لم يجدوا له أثرا على أرض الواقع، ولكن لأن كذبهم بليد وخيالهم منعدم، فلم يتقنوا فى حياتهم شيئا أبعد من شراء أصوات البسطاء بالزيت والسكر، واقتصاد البقالين، وبالتالى اكتشف الشعب أنهم فارغون ومراوغون وفاشلون.

لكن أكثر شىء جعل الناس تكتشف كذبهم هو إصرارهم على الكذب الفج والساذج الذى سرعان ما يكتشفه الناس، فقبل انتخابات مجلس الشعب أعلنت الجماعة أنها ستنافس على 20% فقط من مقاعد البرلمان ثم قفزوا بالنسبة إلى 30٪ ثم إلى 50%.

وفى أثناء الحملة الانتخابية للرئيس محمد مرسى وعد بتعيين قبطى وامرأة نائبَين له، ولكننا فوجئنا بأنه اختار المستشار محمود مكى وحده نائبا للرئيس ولم يعرف أحد الفئة التى يمثلها سيادة المستشار!

كذْبة أخرى حرصت جماعة الإخوان على ترديدها فى أثناء الحملة الانتخابية للرئيس مرسى، وهى أن الرئيس سيقوم بحل الجمعية التأسيسية وجعلها توافُقية، بحيث تضم كل فئات المجتمع وتمثل كل التيارات، وبعد أن صار مرشح الإخوان رئيسا خرج كل ممثلى الكنائس المصرية الثلاث من اللجنة التأسيسية وخرج بعدهم ممثلو أغلب القوى السياسية، ولم يبقَ فى اللجنة سوى ممثلى التيار الإسلامى ومحمد عبد المنعم الصاوى ممثل الأقباط فى لجنة وضع الدستور!

الكلام فى أثناء الانتخابات كان مجانيًّا وغير ملزِمًا لأحد، ومَن لديه قدرة أكبر على إطلاق وعود زائفة، كانت فرصته أكبر فى الفوز، وكان الدكتور مرسى يعلن دائما عن خمسة وعود أساسية وهى: تحقيق الأمن والنظافة، وإنهاء أزمة المرور، وتوفير الوقود وتحسين الخبز، وكان يزيد عليها وعدا آخر للإعلاميين الذين ساندوه فى الانتخابات وهو ضمان حرية الإعلام وعدم غلق قنوات فضائية أو صحفية فى عهده أو حبس صاحب رأى، لكن قبل أن تمر ستة أشهر فقط تم إغلاق أكثر من قناة، منها قناة «دريم» بقرار من وزير الإعلام، ولم تعد للبثّ مرة أخرى إلا بحكم قضائى، ولم يكتفِ أتباع الجماعة والرئيس بغلق القنوات والتحريض على الإعلام، لكنهم قاموا أيضا بملاحقة الكُتاب والصحفيين والإعلاميين وتقديم بلاغات ضدهم للنائب العام الذى تم تعيينه بالمخالفة للقانون الذى أقسم الرئيس على احترامه أمام أعضاء المحكمة الدستورية العليا، الذين بعد أن نصّبوه رئيسا ترك أنصاره يمنعونهم من دخول قاعة المحكمة خوفا من أن يصدروا أحكاما بحل الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى.

لكن هناك كذبة تاريخية يحرص أعضاء وقيادات الجماعة على ترديدها دائما لإضفاء قوة وهمية على الجماعة، وهذه الكذبة هى أفراد الجماعة الذين فى كل مرة تجد تفاوتا شديدا فى أعدادهم التى يذكرها قادة الجماعة منذ المؤسس «حسن البنا»، حتى المرشد «بديع الشاطر»، ففى شهادته أمام القضاء يقول مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا إن عدد أعضاء جماعته فى عام 1945 كان نصف مليون عضو، ولا يمضى سوى وقت قليل -بضعة أشهر فقط- حتى يعلن الشيخ البنا فى حديث له لمجلة «آخر ساعة»: «فى مصر ألف وخمسمئة شُعبة تضم مليونا من الإخوان، ولنا شُعَب أخرى فى الشرق كله تجعل منا مليونا من الإخوان، ولنا شُعب أخرى فى الشرق كله تجعل منا مليونا ونصف من الإخوان العاملين عدا الإخوان المناصرين وهم كثيرون». ويعلق الدكتور رفعت السعيد قائلا: «ولعلنا هنا نلحظ الاختلاف الكبير فى الأرقام بما يوحى ببعض المبالغة من جانب الشيخ ومحاولة للتظاهر بالقوة».

لكن جريدة الإخوان تعود فتقول إن شُعب الإخوان «تعدّت الألفين وخمسمئة، وعدد أعضائها يربو على نصف مليون»، بل إن الشيخ البنا نفسه يعود مرة أخرى فيقول فى شهادة له أمام محكمة أخرى «إن جماعة الإخوان المسلمين تتكون من نحو ألف شُعبة منبثّة فى البنادر والقرى، ويتراوح عدد أفراد كل شُعبة ما بين 50 و200 عضو وبذلك يكون مجموعهم ما بين 50 و200 ألف من مختلف الطبقات، عدا الطلبة فهم لا يدخلون ضمن الإحصاء، إذ لا يُمنحون حق العضوية، وقد تُوزَّع عليهم نشرات الجماعة للعلم بها».

إن هذه الواقعة واحدة من وقائع كثيرة تكشف عن محاولات جماعة الإخوان صناعة صورة وهمية لها بالتضخيم فى عدد أعضائها، واستخدام أرقام لا سند لها ولا دليل عليها سوى مدى قناعتك بمن يقول واقتناعك بما يُقال، فجماعة الإخوان منذ نشأتها اعتادت أن لا تقول الحقيقة مطلقا وإنما تقول لك ما تريدك أن تعرفه فى هذه اللحظة.

أكاذيب الإخوان لا تنتهى، فكلما شعروا بالخطر أذاعوا كذبة جديدة ليبيعوا للناس الوهم من جديد، والمدهش أن البعض يلتمس لهم العذر ويصدقهم من جديد ويشترى منهم!

اجمالي القراءات 3686