عجيب غريب ضمير بعض البشر أو خطيئة البكاء على الطّغاة

في الإثنين ٢٤ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

عجيب غريب ضمير بعض البشر أو خطيئة البكاء على الطّغاة
الحمد لله وسلام على عباده الذّين اصطفى:
1- عندما تمّ تنفيذ حكم إعدام الطّاغية المقبور صدّام حسين يوم عيد الأضحى، خرجت علينا بعض الأبواق الإعلاميّة والآلات المتثيقفة تنعى نبيّ البعث، وتستبق حساب الله يوم القيامة فتجعله من أصحاب الجنّة بعد إصباغ صفة الشّهيد ( مع ما في هذه الصّفة من مغالطات تنأى عن المعنى القرآني لها) عليه، وهذا باتّباع سلفهم الصّالح الذّي استطاع أن يعلم الغيب ويتعدّى على حقّ الله في جعل بعض البشر من المبشّرين بالجنّة. الذّين أنعم عليهم الطّغاة وهم أحياء أقاموا لهم مجالس عزاء ( التّي منا أنزل بها من سلطان) بعد موتهم، أرعدوا فيها وأزبدوا وتوعّدوا لأنّ حكم الإعدام الذّي نفّذ يوم عيد الأضحى لم يقم أيّ اعتبار لمشاعر المسلمين، غير أنّ هؤلاء المتباكين على صدّام نسوا أو تناسوا أنّ الطّاغية وأبنائه أعدموا العشرات بل المئات يوم العيد، لكنّ حينها لم نحس منهم من أحد ولم نسمع لهم ركزا، ولم نر لهم دموعا على النّفوس البريئة التّي أزهقت قربانا لآلهة القصور.
 
2- الصّورة تعود إلى الواجهة بعد العثور على القعيد القذّافي داخل قنوات الصّرف الصّحّي – وهو المكان اللاّئق بكلّ هؤلاء الطّغاة- وقيام الثّوّار اللّيبيّين بإعدامه. هذه الصّورة أثارت حفيظة بل حزن وتوعّد الطّابور الثّاني – الطّبقة المتثيقفة التّابعة لسلاطين الجور- بسبب الطّريقة التّي تمّ بها التّخلّص من القعيد. هؤلاء نسوا بل تناسوا كيف قبع القعيد على صدور ليبيا والشّعب اللّيبي مدّة 42 سنة، أباح فيها لنفسه ولأبنائه ولتابعيه كلّ شيء، واستباح حرمة ليبيا عمر المختار. القعيد ملك ملوك إفريقيا والمهووس الذّي لم يعرف له التّاريخ ولا الجغرافيا مثيلا، واجه شعبه بالقتل فهل كان جزاؤه إلاّ القتل؟ القعيد الذّي صرف خلال مدّة حكمه أكثر من 3000 مليار دولار على فلسفته الرّجعية وأفكاره الشّاذّة، وأصبح معروفا عالميا بسخائه على راقصات أبنائه وحارساته الإيطاليات وعلى تمويل الإرهاب العالمي، ودعم حركات الانقلاب في إفريقيا، بل وحتّى دعمه وتمويله لملاعب أوروبا وجامعاتها والحملات الانتخابيّة لمترشّحيها، هذا السّخيّ أيّما سخاء، عاش أبناء ليبيا -التّي حكمها بكتائبه ولجانه الشّعبيّة- أيّام حكمه في الأحياء العشوائيّة، وأصبحت ليبيا دولة لا تختلف كثيرا عن الصّومال.
 
3- بعد كلّ الذّي ذكر وفي أيّام خروج الشّعب اللّيبي إلى الشّوارع للمطالبة بحقّ السّكن اللّائق بالبشر، كان ردّ القعيد واضحا لا مساحة لتأويله: زنقة زنقة، دار دار، بيت بيت سنقضي عليهم. وكان ردّ ابنه المقرّب منه سيف الجاهليّة أشدّ وضوحا: سنغرق ليبيا في الدّماء. وراحت ليبيا فين – كما يقول إخواننا المصريّين-؟ في ستّين دهية؟ الآلاف من القتلى، آلاف الجرحى وآلاف اليتامى والثّكالى، دمار شامل، خسائر بملايير الدّولارات، ومجال مفتوح للشّركات الأجنبيّة للبناء والتّعمير والكسب والنّهب وهذا كلّه بسبب هذا المهووس القعيد. في هذه الأيّام الحالكات التّي عاشها الشّعب اللّيبي وتعرّضه لعمليّة إبادة شاملة، نسي بل تناسى هؤلاء المتثيقفون كتابة كلمات تعرّي الطّاغية وتقف إلى جنب المظلوم، لكن هيهات هيهات.
 
4- مثقّفو وعلماء ذيل بغلة السّلطان خرجوا ينعون ليبيا بسبب تدخّل حلف النّاتو لحماية المدنيّين وتخليصهم من المهووس القعيد، ولحماية منابع البترول أيضا. فهل عيب يا متعالمين أن يبحث النّاتو عن مصالحه بعد أن حمى الشّعب اللّيبي؟ هذا إن سلّمنا جدلا أنّ السّبب كان البترول، لكن ما غاب عن عقول الكثيرين أنّ النّاتو كانت له امتيازات خلال حكم القعيد، وليس بحاجة إلى دعم اللّيبيّين للحصول على  هذه الامتيازات. والحقّ يقال: إنّ دول الاستقلال أو الاستغلال كانت الحامي بامتياز لمصالح الغرب – الشّيء الذّي جعلنا نحن أبناء أجيال الاستقلال نطرح تساؤلات عديدة ومشروعة حول طبيعة هذه الدّول التّي ساهمت بشكل كبير في بقائنا في دائرة التّخلّف والتّبعية (لنا عودة إلى هذا النّقطة)- والمدافع الرّئيس عن تواجد الشّركات متعدّدة الجنسيّات، لكن من يعقل؟ الغريب أنّنا نحن المسلمين لازلنا نحسب أنّ أمّة لا تصنع العلم والمعرفة لها مكانة في عالم الشّهادة، وما فاتنا أنّ الغرب تفوّق بصنعه للعلم والمعرفة ولا يكمن أن تكون لنا كلمة ونحن أبناء عالم الغيب نستدعيه كلّ حين ليعيننا على عالم الشّهادة.
 
 
5- يحلو لمثقفي ذيل بغلة السّلطان أن يذكّروا النّاس بما حقّقه الطّاغية من إنجازات ومشاريع جعلت  دولنا تتصدّر المراتب الأولى في جميع المجالات – بشرط أن نقلب قائمة ترتيب الدّول- وبفارق شاسع عن دول الغرب الكافر، لكن سرعان ما يفضحهم أصدقاؤهم الوهّابيّون - الذّين يحبّون أن يذكّروا النّاس بنعمة إسلامهم الرّجعي- ليقولوا لنا أنّ الله جعل الغرب متطوّرا ليكون مسخَّرا لخدمة الإسلام والمسلمين، ونسي هؤلاء الحمقى أنّ أمّتنا أصبحت مسخرة الأمم. أعود فأقول أنّ ما حقّقه الطّغاة في دولنا – المتربّعة على عرش البترول الغاز غيرهما من الثرّوات الباطنيّة دون أن ننسى التّخلّف والرّجعيّة والظّلاميّة- لا يرقى لما حقّقه رئيس بلديّة صغيرة من بلديّات دولة أوروبيّة كاليونان ولا مجال للحديث عن بلديّات دول أوروبيّة أخرى فضلا عن دولة يسمّونها – زورا-  سرطان المنطقة.
 
6- إنّ المتباكين على المقبور صدّام أو المهووس القعيد هم صنّاع الطّغيان، فالطّاغية ما كان له أن يتفرعن لولا هذه الطّبقة الخسيسة من المتملّقين والمتزلّفين. هذه الطّبقة تعمل في كلّ الأزمنة على إشعار المهووسين بالحكم أنّهم وحيدو أزمنتهم ومعجزات عصورهم، بعثهم الله ليحكموا النّاس ويتحكّموا في رقابهم. بعدها ينجح الطّاغية الصّغير في امتحان دخول عالم جنون العظمة ليصبح طاغيا لكنّه غير متمرّس على الأعمال الجهنميّة، ممّا يدفعه إلى ارتكاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيصبح متألّها من أمثال فرعون أو الذّي حاجّ إبراهيم في ربّه وقال أنا أحيي وأميت. قال تعالى" وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا" القصص -6- وقال في موصع آخر من نفس السّورة" إنًّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" القصص -8-
 
7- والحمد لله وسلام على عباده الذّين اصطفى.
 
محمدي كمال
 



 

اجمالي القراءات 4737