إلي أين يريد أن يأخذ التيار السلفي مصر

في الأحد ٠١ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 
     
 

تحركات ليس هذا وقتها

إلي أين يريد أن يأخذ التيار السلفي مصر ؟


محيط ـ جمال الملاح

 


 
       
ماذا يريد بعض السلفيين من الإسلام وليس الوطن فقط، فالتساؤل الآن لم يعد مقتصراً على حقيقية الدور الذي يلعبه "بعض" السفليين ضمن سيناريو الثورة المضادة ـ عن قصد أو دونه ـ، بل اتسعت دائرة الاستفهام حول تحركات السلفيين في الفترة الأخيرة لتضع علامات تعجب كثيرة أمام أسئلة عديدة لا إجابات عنها حتى الآن، ويبدو الخاسر الأكبر هنا هي صورة الإسلام أمام العالم، بل والكثير من عامة المسلمين أنفسهم.


معركة منبر النور


ففي ظل الظروف شديدة التعقيد التي تشهدها البلاد حالياً، كان السلفيون على موعد مع معركة لا تقل في شدتها وضراوتها عن غزوة الصناديق، المعركة هنا ليست مع البلطجية والمخربين الذين يحاولون التأثير على الأمن القومي المصري في تلك الفترة العصيبة، ولا مع مؤشرات النمو الاقتصادي الغير مطمئنة والتي تحتاج بحق إلى وقفة حقيقية من جانب المخلصين لهذا الوطن، وإنما كانت المعركة الجديدة للسلفيين هذه المرة مع أحد منابر بيوت الله وهو منبر مسجد "النور" بحي العباسية، تلك هي غزوتهم الجديدة، والحق يقال أنهم استطاعوا وبكل جدارة أن يخرجوا من تلك الغزوة منتشين بنصرهم بينما خرجت صورة الإسلام مشوهة في وسائل الإعلام العالمية!


فقد استولى السلفيون "عنوة"، على منبر جامع النور، ومنعوا خطيب المسجد من إلقاء خطبة الجمعة للأسبوع الثالث على التوالي، بينما تولى أحدهم إلقاء الخطبة، رغم تحذيرات وجهت لهم من وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية.


الغريب في الأمر مشاركة الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية في السويس، وأحد قيادات التيار السلفي، في تلك الحادثة المشينة، بل وهدد سلامة، جهات لم يسمها، بأن منبر مسجد النور لن يعتليه أحد إلا من العلماء المتعاملين مع جمعية "الهداية الإسلامية" التي يترأسها، ودفع سلامة بالدكتور عبدالرحمن الخولي، وهو من قيادات التيار السلفي، لإلقاء خطبة الجمعة، التي حمل فيها بشدة على وزارة الأوقاف ودعاتها، إلى حد اعتباره أن الصلاة في مساجد الأوقاف خلف أئمة الوزارة «مشكوك في صحتها»، متهماً إياهم بالتبعية للجهات الأمنية !


اختبار للقوة


وبعد الانتهاء من الصلاة، ردَّد سلفيون هتافات أكدوا فيها "أحقيتهم" بالمسجد، وطالبوا بإعلان مصر "دولة إسلامية"، وهتفوا "في سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء.. فليعد للدين مجده أو تراق بيننا الدماء"، كما طالبوا بإقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، الذي قالوا إنه "علماني".


وكان مسجد النور قد شهد اشتباكات بين فريقين، الأول يؤيد صعود الإمام الرسمي المعين من قبل وزارة الأوقاف (الشيخ أحمد ترك)، والآخر يمثله السلفيون، وقد اعتدى أعضاء التيار السلفي على إمام وخطيب المسجد الشيخ أحمد ترك، كما اعتدوا على الدكتور حسن الشافعي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الصوفية، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف خلال إلقائه خطبة بالمسجد.

 


 
  الشيخ حافظ سلامة    
من جانبه نفى الشيخ فؤاد عبد العظيم وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد والقرآن الكريم، امتلاك السلفيين للمسجد، وأكد على أن موقف الشيخ سلامة متشدد وبعيد عن روح القانون والإسلام، وأن ادعاءات التيار السلفي والشيخ حافظ بملكيتهم للمسجد ناتج عن حصولهم على حكم خاص بملحقات المسجد وليس المسجد نفسه، لافتا إلى أن الوزارة أعدت مذكرة قانونية لاستئناف الحكم في الملحقات.

ووصف عبد العظيم ما حدث أيام الجمع الماضية بأنها صورة لا يقرها الإسلام، داعيا التيار السلفي للحفاظ على الوسطية والاعتدال والعودة لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، موضحا أن الأوقاف تفتح أبوبها لجميع من كانوا مستبعدين أمنيا في النظام السابق.  وقال عبد العظيم لصحيفة «الشرق الأوسط»: «إن السلفيين ينهون عن الخلافات والمشاجرات في المساجد خلال خطبهم، ويقومون بممارستها من أجل احتلال المشهد العام والسياسي».


وأعتبر البعض أن صلاة جمعة مسجد النور، الذي يُعَدّ من أشهر مساجد القاهرة، يعد بمثابة "اختبار قوة" بين التيار السلفي والحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الأوقاف، انتهى لمصلحة الأول، وهو ما أثار استياء وزير الأوقاف الدكتور عبدالله الحسيني، ودعا الحسيني إلى تدخل القوات المسلحة والشرطة من أجل تمكين إمام المسجد من اعتلاء المنبر واستعادة السيطرة على المسجد، فيما لم تشأ قوات الجيش والشرطة أن تكون طرفاً في الخلاف واكتفت بمراقبة الوضع والعمل دون وقوع مواجهات بين الطرفين.

وتشير الواقعة السابقة إلى أن السلفيين لم يعدوا يأبهون بالرأي الآخر، وكأن لسان حالهم يقول أن حقوقنا سنأخذها بالقوة ولا مكان بعد الآن لحكم القانون، هكذا فهم السلفيون الديمقراطية التي أفرزتها لنا ثورة يناير العظيمة، وهذا هو لسان حالهم: نحن فقط وليذهب الآخرون إلى الجحيم!


فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر انتقد من جهته السلفيين ومحاولتهم عبر الإعلام السيطرة على عقول المسلمين وسلوكهم، مؤكداً خلال حواره مع برنامج واحد من الناس على فضائية دريم، على أن الأزهر تنبه لذلك.

وأشار إلى أنه يراد لنا أن نعيش على مذهب واحد ونكفر المذاهب الأخرى ونفسق أو نبدع، موضحاً أن هذه بدع لم يعرفها الإسلام.


إجراءات تصعيدية
 

 
  مسجد النور بالعباسية    
يبدو أن بعض السلفيين لا يشعرون بعظم وصعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد حالياً، وتلك مصيبة كبرى، وإن كانوا يدركون فالمصيبة أعظم، فلا يعقل في تلك المرحلة بالذات أن يهدد بعض السفليين المجلس العسكري والقيادة السياسية في البلاد باقتحام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ما لم يتم تسليم كاميليا شحاتة وغيرها من "المسلمات الجدد اللائي يحتجزهن البابا شنودة " حسب تعبير السفليين.

وهدد السلفيون باتخاذ العديد من الإجراءات التصعيدية خلال الفترة المقبلة في حالة تخلي المجلس العسكري عن تنفيذ وعده بالاستجابة للمطالب التي تم إعلانها أمام الكاتدرائية وعلي رأسها الإفراج عن كاميليا و70 مسلمة محتجزة في الكنائس وإقالة البابا شنودة ومحاكمته وتفتيش الأديرة والكنائس من الأسلحة.



لا يمكن لأحد أن ينكر حق جميع المصريين في معرفة مصير كاميليا وأخواتها، وأن النظام السابق تعامل مع مثل هذه القضايا بنوع من عدم المسؤولية زاد من حدة التوتر بين المسلمين والأقباط، إلا أن أثارة القضية من قبل السلفيين وفي هذا التوقيت الشديد التعقيد ينم عن احتمالين لا ثالث لهما وهما: أما أن السلفيين لا يملكون الوعي الكافي لما تمر به البلاد حاليا أو أن عناصر ما اندست بين التيار تتعمد إدخال مصر في دوامة من الفوضى.


فلا يمكننا أن نتصور أن بعض السلفيين ممن تظاهروا أمام الكاتدرائية كانوا ينوون بالفعل اقتحام الكنيسة لولا حدوث انشقاق أو "خيانة" حسب تعبير بعضهم من كبار المشايخ، بينما كان الوضع داخل الكاتدرائية أشد توترا حيث تجمع عشرات الشباب المسيحيين معترضين على ما حدث، وكادت تحدث مصادمات طائفية لا تحمد عقباها لولا تدخل قوات الجيش والشرطة.


التوقيت والظروف الذي تمر به مصر حالياً لا يحتملان ما يقوم به بعض أعضاء التيار السلفي وغيره ـ عن قصد أو دونه ـ، مصر ومؤسساتها الآن في أشد الحاجة لاسترجاع هيبتها، وقبل ذلك مصر تحتاج لأبنائها (مسلموها ومسيحيوها، سلفيوها وإخوانها، وليبراليوها)، ليتنا ننحي خلافاتنا جانباً من أجل مصر. 

اجمالي القراءات 4403