اتَّسم عام 2018 بهيمنة حفنة من الرجال الأقوياء، الحكام المستبدون دمرت إجراءاتهم في كثير من الأحيان حياة ملايين الأشخاص وعرَّضت أمن كوكب الأرض وسلامته مستقبلاً للخطر، على المشهد السياسي الدولي.
وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فإنَّ دونالد ترامب بالولايات المتحدة الأميركية، وفلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينغ بالصين، إضافة إلى تشكيلة من الشخصيات الاستبدادية الثانوية ذوي العقلية المشابِهة الذين يعملون بأنظمة مارقة في جميع أنحاء العالم، قد استخدموا جميعاً مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية ومحلية على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية والقوانين والبيئة عالمياً.
مفارقات غريبة ومُحبطة قام بها الحكام المستبدون سنة 2018
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن السلوك التعسفي لأولئك الرجال الأقوياء أو الحكام المستبدون أسفر عن مفارقات غريبة ومُحبطة، إذ توسَّع الاقتصاد الأميركي، حتى عندما تسببت حرب الرسوم الجمركية الحمائية بين الولايات المتحدة والصينفي تقييد حركة التجارة الحرة العالمية.
واحتفلت دول أوروبا بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، من أجل إنهاء كل الحروب، وسط مخاوف من نشوب صراع جديد مع روسيا.
إلى جانب ذلك، انتهكت دول مُسلّحة نووياً اتفاقيات رئيسة للحد من انتشار الأسلحة النووية، في حين تقاتل إيران المنبوذة من أجل إنقاذ اتفاق نووي واحد.
وحظي الغضب العارم إزاء مقتل صحافي سعودي واحد باهتمام إعلامي أكثر مما لقيته مآسٍ إنسانية عديدة في سوريا واليمن وأفغانستان.
وتنامى الوعي بأزمة تغير المناخ أفضل من أي وقتٍ مضى. لكن تبقى الاستجابة الدولية مُعرقَلة حتى الآن نتيجة الانقسامات السياسية، وزاد التوتر بشأنها مع تحديد موعد نهائي علمي -مدته 12 عاماً- لإنقاذ الكوكب، وصدور تقارير عن انخفاض في أعداد الحيوانات ونسبة النباتات، وظهور حوادث ناجمة عن التغيرات المناخية الحادة مثل حرائق الغابات بكاليفورنيا.
لكن على صعيدٍ أكثر تفاؤلاً، انتصر الأخيار في ماليزيا وأسقطوا زعيماً فاسداً، وأثبتوا أنَّ الصناديق المكتنزة بالمجوهرات وحقائب اليد من ماركة «Hermès» العالمية الفاخرة لا تضمن السعادة.
واصلت حركة «MeToo» مواجهتها القوية ضد الحكام المستبدون الضارين. وتزوجت الممثلة الأميركية صاحبة البشرة السمراء، ميغان ماركل، الأمير الإنكليزي الأشقر ذا البشرة المائلة للحمرة، الأمير هاري، في قلعة ويندسور.
وفاجأ فريق كرة القدم الإنكليزي الجميع بالوصول إلى نصف نهائي كأس العالم. وقنَّن الكنديون، ربما على أمل الابتعاد عن كل ذلك، حيازة نبات القنب (الحشيش) واستهلاكه.
مغامرات دونالد ترامب في بلد مجنون
تصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مجدّداً، أجندة وسائل الإعلام الإخبارية في عام 2018، بالأغلب لجميع الأسباب الخاطئة، إذ أوجد عدم تسامح الرئيس الأميركي مع النقد، والتّعسف في اتخاذ القرار، وتحريف الحقيقة، المناخَ المناسبَ لجميع الرجال الأقوياء الاستبداديين المناهضين للديمقراطية بجميع أنحاء العالم. وبذلك، أصبح ترامب أول «رئيس مارق» لأميركا.
وأثارت محاولات ترامب الخبيثة لترهيب ما سماه وسائل إعلام «الأخبار الزائفة» مخاوف بشأن الديمقراطية وحرية التعبير. واستغل ترامب تغريداته على موقع تويتر -بعشوائية وعدم دقة، وأحياناً بأسلوب هجومي تشهيري- لصرف الانتباه عن إخفاقاته، مثل مشكلته المُزمِنة مع النساء.
وعندما اتُّهِم القاضي بريت كافانو، الذي رشَّحه ترامب لعضوية المحكمة العليا، بارتكاب اعتداءات جنسية خلال جلسات استماع في مجلس الشيوخ الأميركي، رد ترامب بتشويه سمعة الضحية الرئيسة، كريستين بلاسي فورد. وأدت معاداته الصارخة للمرأة إلى خلق حالة استقطاب في البلاد، وهو تأثير معهود لترامب.
وقد واجه ترامب نفسه ادَّعاءات متعددة بسوء السلوك الجنسي، إذ أثارت ممثلة الأفلام الجنسية السابقة ستورمي دانيالز موجة من الجدل الحرج والسخرية عندما كشفت تفاصيل علاقة حميمية، زعمت أنَّها جمعتها بالرئيس ترامب.
وازدادت مشاكل ترامب القانونية سوءاً، بعد أن اعترف محاميه الشخصي السابق، مايكل كوهين، أمام المُدّعين العامين، بارتكاب سلسلة من الجرائم، من ضمنها انتهاكات متورط فيها ترامب بشكل مباشر، مُتعلّقة بتمويل حملته الانتخابية.
وبعثت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي برسالة توبيخ حادة لترامب، إذ ينذر فوز الديمقراطيين الساحق بـ40 مقعداً في مجلس النواب -وهو الفوز الذي وُصف بـ «التسونامي الأزرق»- بأنَّ عمليات التدقيق في أنشطة ترامب داخل الكونغرس ستتضاعف في عام 2019. وبحلول نهاية العام، أبدى أقل من نصف الأميركيين (40%) رضاهم عن أداء ترامب الوظيفي.
حصانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
وفي روسيا، أُعيد انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً للبلاد في انتخابات، يقول تقرير الصحيفة البريطانية إنها مزوَّرة، لم تكن لتسمح بأية نتيجة أخرى. وأمَّن بوتين هيمنته داخلياً عن طريق ملاحقة المنتقدين مثل زعيم المعارضة، أليكسي نافالني.
إلى جانب أنَّه استغل استضافة روسيا كأس العالم لكرة القدم لتعزيز نفوذه وتحصين منصبه. ومع ذلك، واجه بوتين معارضات واسعة في أنحاء الدولة، بسبب تعديلات في نظام المعاشات الحكومية، وتراجعت شعبيته وسط تلميحات عن تفاقم مستوى الفساد.
وتعمَّد بوتين استعراض القوة الروسية أمام العالم، من خلال إجراء تدريب عسكري مشترك ضخم مع الصين، واختبار دفاعات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بحر البلطيق وشمال المحيط الأطلنطي، وشن حملات تضليل للتأثير في الانتخابات بأوروبا ودول البلقان.
واحتجز الجيش الروسي كذلك سفناً تابعة للبحرية الأوكرانية قبالة شبه جزيرة القرم؛ ما أثار مخاوف من نشوب حرب تتضمن مشاركة الناتو. وساعدت روسيا أيضاً ديكتاتور سوريا، بشار الأسد، في استعادة السيطرة على معظم أراضي الدولة.
ويُعزِّز موقف ترامب المُتملّق تجاه بوتين التكهنات بأنَّ الكرملين لديه معلومات محرجة بشأن ترامب تُستخدم كأوراق مساومة. وكان ترامب قد تجنَّب توجيه نقد مباشر إلى بوتين، حتى بعد إثبات أنَّ روسيا هي التي خططت لتنفيذ مؤامرة اغتيال الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال، في جنوب إنكلترا، باستخدام غاز مثير للأعصاب، وعوقبت روسيا بفرض مزيد من العقوبات الغربية عليها. بينما من جانبه، استهزأ بوتين بمن يتهمون موسكو بضلوعها في هذا الهجوم.
شي جين بينغ رئيس الصين إلى الأبد
أحكَم زعيم الصين قبضته على السلطة عقب صدور قرار من مجلس الشعب الصيني، في شهر مارس/آذار 2018، بإلغاء الحد الأقصى لعدد الولايات الرئاسية؛ أي تعيينه فعلياً رئيساً مدى الحياة. وعزَّز الحزب الشيوعي الحاكم سيطرته على منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وشبكة الإنترنت، والمؤسسات الأكاديمية والدينية. وأصبحت أية محاولة لتحدي الحكومة الصينية نشاطاً محفوفاً بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى.
وانعكست سياسة عدم التسامح المطلق للرئيس شي جين بينغ في المعاملة القاسية التي تلقاها أقلية الأويغور المسلمة في إقليم شينغيانغ الغربي، إذ أفادت تقارير مُفصَّلة بوقوع عمليات اعتقال جماعية في مراكز «إعادة التعليم من خلال العمل»، التي تهدف ظاهرياً إلى احتواء تهديد التطرّف الإسلامي. وعانى المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء المؤيدون للديمقراطية حملات قمعية في هونغ كونغ.
على غرار بوتين، شن الرئيس الصيني حملة قوية لتوسيع نفوذ بلاده عالمياً، إذ جرى الانتهاء من عسكرة كثير من الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وشدَّد كذلك حصار بكين الدبلوماسي لتايوان. وأسفرت تلك التحركات عن مواجهات خطيرة مع القوات الأميركية التي تنظم دوريات للحفاظ على «حرية الملاحة» في تلك المنطقة.
الديكتاتوريون والديماغوجيون الآخرون
تسارع نمو التوجه المؤيد لحكم «الرجل القوي» الواحد بجميع أنحاء العالم. ففي البرازيل، نجا اليميني المتطرف غايير بولسونارو من هجوم بسكين وفاز برئاسةالبلاد، واحتضنه ترامب كتوءم روحي له. وأدَّى تركيز بولسونارو على التنمية إلى تفاقم المخاوف من أن يسفر ذلك عن تدمير غابات الأمازون.
وطالبت الأمم المتحدة، في تقرير لها، بالتحقيق مع الزمرة العسكرية الحاكمة في ميانمار بزعامة الجنرال مين أونغ هلاينغ، في ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية
على خلفية اضطهادهم أقلية الروهينغا المسلمين. وفي العاصمة التايلاندية، بانكوك، استعد الجنرال المستبد السابق برايوت تشان أوتشا للإشراف على إجراء انتخابات رئاسية، وسط مخاوف من تزويرها أو تأجيلها مرة أخرى.
وفي فنزويلا، تولَّى نيكولاس مادورو، الخليفة غير المؤهل لهوغو تشافيز، رئاسة البلاد وسط حالة بؤس اقتصادي واسعة النطاق. وفرَّ ملايين الفنزويليين إلى الدول المجاورة؛ هروباً من الفقر المستشري ومعدلات الجريمة المُروّعة والفوضى السياسية ببلادهم. أما في الفلبين، فاعترف الرئيس رودريغو دوتيرتي، الذي يُحاكي أسلوب خطاب «أميركا أولاً» لترامب، بأنَّه قد أمر بتنفيذ عمليات إعدام غير قانونية.
السيسي يسحق آخر آمال انتفاضة الربيع العربي في مصر
وفي الشرق الأوسط، سحق الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً آمال انتفاضة الربيع العربي 2011 بمصر، إذ أُعيد انتخابه رئيساً لمصر بنسبة 97% من الأصوات، على غرار النسبة التي كان يفوز بها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بعد أن تعرَّض جميع المعارضين الجديرين بالثقة للسجن أو المضايقات، أو الضغط عليهم للانسحاب من العمل السياسي.
في تركيا، مهَّد رجب طيب أردوغان، الذي وضع ما سماه هو «مثالاً يحتذي به بقية العالم»، طريقه لتولِّي فترة رئاسية أخرى والاستحواذ على صلاحيات تنفيذية إضافية كاسحة.
بالنسبة لكوريا الشمالية، تعزَّزت قبضة دكتاتور البلاد الوحشي، كيم جونغ أون، بعد عقد قمة مع ترامب في سنغافورة. وزعم ترامب حدوث انفراجة في مسألة نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، لكن عملياً لم يتخلَّ كيم جونغ أون عن ترسانته النووية.
بينما برز الأمير محمد بن سلمان باعتباره «حليفاً مستبداً» آخر لدونالد ترامب
وشهد عام 2018 ظهور حليف مستبد آخر للرئيس ترامب على مرأى ومسمع من الجميع، هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وفي البداية، قدَّم محمد بن سلمان نفسه بوصفه مصلحاً ليبرالياً؛ إذ سمح في بادرة لطيفة، للسعوديات بقيادة السيارة.
لكن حدثت بعد ذلك جريمة قتل بالقنصلية السعودية في إسطنبول لأحد أبرز منتقديه، الصحافي السعودي الذي كان يعيش في الولايات المتحدة جمال خاشقجي. وزعمت تركيا ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنَّ لديهما أدلة دامغة على أنَّ محمد بن سلمان هو من أصدر الأومر بقتل خاشقجي.
وعلى الرغم من نفي هذا الادعاء بقوة، تضررت مصداقية الأمير محمد بن سلمان بشدة. وعَمِلَ ترامب بلا خجل، للدفاع عن تلميذه المشمول برعايته، لكن البيان الأخرق للبيت الأبيض لم ينجح إلا في الكشف عن أنَّ ترمب سيتغاضى عن جريمة القتل.
ويُعد ولي العهد السعودي رمزاً لنوعية القادة الاستبداديين منعدمي الأخلاق المناهضين للديمقراطية، الذين برزوا على الساحة الدولية في عام 2018. وكان ظهور مثل هؤلاء القادة بمثابة جرس إنذار لتطوُّر أخطر، متمثّل في انهيار القانون الدولي والتداعي البطيء للنظام العالمي.