تغيّرت الأحوال في سوريا كثيرًا، التي اقتربت من دخول عامها السابع في حرب أودت بحياة نحو نصف مليون، واقتربت خسائرها المادية من ربع تريليون دولار. وجغرافيًّا، أصبح النظام السوري يسيطر على النسبة الأكبر من أراضي سوريا، بعدما تحوّلت نسبة كبيرة منها إلى رُكام.
النظام يسيطر على أغلبية الجغرافيا السورية.. والأكراد ثانيًا
أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان، خريطةً جديدة، محدَّثة حتى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، تُظهر تباين مناطق السيطرة على الأراضي السورية، وتعكس الألوان المختلفة في الخريطة مناطق سيطرة أطراف الصراع.
فيعبر اللون الأحمر عن المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام السوري وحلفائه، فيما يُعبر اللون الأصفر عن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الغالبية الكردية، ويعبر اللون الأسود عن مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فيما يُعبر اللون الأخضر والأخضر القاتم عن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، بما فيها قوَّات درع الفرات التي تعد مزيجًا من قوات عسكرية تركية وحلفائها من المعارضة، المتمركزة شمالي سوريا على الحدود الجنوبية لتركيا.
من خلال نظرة سريعة على خريطة سوريا ، تستطيع أن تدرك بسهولة سيطرة النظام على النسبة الكبرى من الأراضي، يليه بعد ذلك سيطرة «قسد»، ثم الفصائل المعارضة، ثم «تنظيم الدولة» التي تآكلت مناطق سيطرته بشدة، وبالأخص بعدما فقد الرقة، قبل أسابيع، التي كان يعتبرها عاصمة الخلافة.
وبلغة رقمية أكثر تحديدًا، فقد تضخّمت المساحة التي يسيطر عليها النظام؛ فالنظام السوري الذي كان يسيطر على 22% فقط من مساحة سوريا في أواخر عام 2015، أصبح يسيطر بمساعدة حلفائه (روسيا، وإيران، وحزب الله) على نحو 53.7% من جغرافيا سوريا، بمساحة تقترب من 100 ألف كيلومتر مربع.
فيما جاءت في المركز الثاني، «قسد» التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية صديقها المفضل في الداخل السوري؛ وتسيطر على نحو 26.8% من الجغرافيا السورية، بمساحة تقترب من 50 ألف كيلومتر مربع.
وفي المركز الثالث، جاءت فصائل معارضة سورية، التي تسيطر على 13.7% من الجغرافيا السورية، بمساحة تزيد على 25 ألف كيلومتر مربع، وتتضمن تلك النسبة 1.2% تسيطر عليها فصائل «درع الفرات» التي تقودها تركيا.
أمَّا في المركز الرابع والأخير، فقد جاء تنظيم الدولة، ذلك التنظيم الذي كان يسيطر في منتصف 2015 على أكثر من نصف مساحة سوريا، أصبح يسيطر على 5.8% من جغرافية سوريا، بمساحة تبلغ 10 آلاف كيلومتر مربع، وتتضمن تلك النسبة، نسبة سيطرة جيش أطلق على نفسه اسم «خالد بن الوليد»، وهو مبايع لـ«تنظيم الدولة»، ويسيطر على 0.13% من الجغرافيا السورية.
وبذلك احتفظ كلٌّ من الأكراد، والفصائل المعارضة بمركزيهما الثاني والثالث لفترات طويلة، ولكن تبدَّل الحال كثيرًا بالنسبة للنظام وتنظيم الدولة اللذين تبادلا مراكزهما في السيطرة على الجغرافيا السورية، ليصبح النظام أولًا، و التنظيم أخيرًا.
نحو نصف مليون في عداد القتلى.. والنظام يقتل أكثر من 80% من الضحايا المدنيين
قُتل نحو نصف مليون شخص، خلال الحرب السورية، منذ انطلاق «الانتفاضة السورية» في منتصف مارس (آذار) 2011، وحتى منتصف يوليو (تموز) 2017 -بعد تحولها لحرب- إذ قُتل نحو 475 ألف شخص، وفقًا لآخر إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان في هذا الصدد.
وكان المدنيُّون لهم الحظ الأوفر من هذا العدد، بمقتل نحو 100 ألف مدني -99617 مدنيًّا- ويبدو أن سيطرة النظام السوري على أغلبية الجغرافيا، لم يأتِ على حساب القوى المعارضة له فقط؛ وإنما أيضًا على جثث عشرات آلاف المدنيين؛ إذ كان للنظام السوري النصيب الأكبر في قتل أكبر عدد من المدنيين، بنسبة تتعدى 80%.
فقُتل على يد قوات النظام أو في سجونه، 80 ألف مدني، بفارق ضخم عمَّا قتلته المعارضة من مدنيين، والتي جاءت في المركز الثاني بقتلها 7 آلاف مدني، وجاءت روسيا ثالثًا بقتلها 5 آلاف مدني، فيما جاء تنظيم الدولة رابعًا بقتله 4 آلاف مدني، وجاءت أمريكا خامسًا بقتلها 1903 مدنيين، فيما جاءت تركيا في المركز السادس والأخير بقتلها 540، بحسب توثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ووثَّق المرصد مقتل المزيد من الضحايا المدنيين، في تقارير أحدث له تتبَّعت الضربات الروسية، وضربات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بشكل خاص، وهناك تقرير يعود إلى 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويوثق 25 شهرًا منذ بدء التدخل الروسي في سوريا، أفاد بارتفاع عدد الضحايا المدنيين من الضربات الروسية، ليصل إلى نحو 6 آلاف مدني، وهو رقم يبلغ نحو نصف الضحايا المدنيين لضربات التحالف الدولي الذي بلغ أكثر من 2900، 43% منهم من الأطفال والنساء، بحسب توثيق المرصد الذي يعود إلى 27 أكتوبر الماضي.
2 مليون مُصاب و12 مليون نازح.. و210 آلاف معتقل!
مع تضخُّم عدد القتلى المدنيين، والذي اقترب من 100 ألف قتيل، يفيد المرصد أن هذا الرقم يمثل فقط عدد القتلى الذي استطاع توثيقه، متوقعًا أن العدد الحقيقي قد يزيد على هذا الرقم الموثق بـ85 ألف قتيل آخرين. ويُضاف إلى هذه الأرقام، إصابة أكثر من مليوني مواطن سوري بجروح مختلفة أو إعاقات دائمة.
لاجئة سورية فقدت أطرافها بسبب الحرب، وكانت أوفر حظًّا من كثيرين مثلها، بتمكُّنها من تركيب أطراف صناعية في تركيا.
ولا تتوقَّف معاناة المدنيين السوريين على القتل والإصابة فقط؛ إذ يعتقل النظام السوري نحو 210 آلاف معتقل، بحسب تقرير للمرصد، يعود إلى نهاية أكتوبر الماضي، أعرب فيه المرصد عن تخوُّفه من أن يلحقوا بنحو 15 ألف مدني، قضوا في سجون النظام، بينهم من قُتل تحت التعذيب، وأجبر النظام ذويهم على الإمضاء على تصاريح تفيد بمقتلهم على يد فصائل معارضة.
ومع قسوة ظروف الحرب اضطرّ ملايين السوريين إلى النزوح من أماكنهم إلى مدنٍ أخرى داخليًّا، أو اللجوء إلى بلاد أخرى مجاورة، ليقدَّر عدد إجمالي النازحين بنحو 12 مليون شخص أغلبيتهم نازحون داخليًّا، فيما لجأ أكثر من 5 ملايين منهم إلى دول مجاورة.
وفقًا لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فيبلغ عدد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، في الفترة من 2011 وحتى نوفمبر 2017، 5.344.184 لاجئًا سوريًّا في دول: تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.
وتتصدَّر تركيا دول المنطقة والعالم في استقبال اللاجئين السوريين؛ إذ تستضيف 3.285.533 لاجئًا سوريًّا على أراضيها، متفوقةً بفارق كبير على أقرب منافسيها لبنان، الذي يستقبل نحو مليون لاجئ سوري. وأوربيًّا، استقبلت أوروبا 987,571 طلب لجوء سوريًّا، وتُعد ألمانيا أكبر مستقبل لطلبات اللاجئين السوريين في أوروبا باستقبالها نحو 515 ألف طلب لجوء من 2011 وحتى سبتمبر (أيلول) 2017، بحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
226 مليار دولار خسرها الاقتصاد السوري بسبب الحرب
بالإضافة إلى الخسائر البشرية الضخمة التي لا تُقدَّر بثمن، خسر الاقتصاد السوري قرابة ربع تريليون دولار، إذ أفاد تقرير للبنك الدولي يعود إلى يوليو الماضي أن الاقتصاد السوري خسر 226 مليار دولار، وبحسب التقرير نفسه، فإنَّ 60% من السوريين يعيشون في فقرٍ مدقع بسبب الحرب، فيما يعيش 75% من السوريين بلا عمل، أو تدريب، أو دراسة.
ويفيد التقرير بأن أكثر من نصف مليون سوري يفقدون وظائفهم سنويًّا، في الفترة الممتدة من عام2010، وحتى عام 2015، كما تضرَّرت المباني في سوريا بما تضمنته من وحدات سكنية وطبية تضررًا كبيرًا. وبحسب التقرير فإن 27% من الوحدات السكينة في سوريا قد دُمرت تمامًا، أو تضررت جزئيًّا، فيما تضرر نحو نصف المنشآت الطبية في سوريا جزئيًّا.
مقاتل كردي أعلى أحد مباني مدينة عين العرب (كوباني) بعد استعادتها من تنظيم الدولة.
وتوقَّع التقرير، إذا ما انتهى النزاع في العام الحالي، أن تتقلَّص الفجوة بين الناتج الإجمالي المحلي، ومستواه قبل اندلاع الحرب بنحو 41% في السنوات الأربعة المقبلة، ولكن الوضع سيسوء أكثر، وستزداد الخسائر السنوية إذا ما استمرَّت الحرب، ولفت تقرير البنك إلى أنَّ الحرب أدت إلى تقلص 80% من الاستثمارات في سوريا.
وإن بدت تلك الأرقام ضخمة، وصادمة، فقد ذهبت تقديرات أخرى إلى ما هو أبعد؛ إذ أفادت دراسة أجراها الباحث الاقتصادي عمار يوسف مطلع العام الجاري، بأن الخسائر الاقتصادية من الحرب تعدت التريليون دولار، وقاربت 1170 مليار دولار، ولفتت أيضًا إلى أن 89% من السوريين يعيشون في فقرٍ مدقع، وأشارت دراسة الباحث أيضًا إلى أن 67% من قدرة سوريا الصناعية، قد دمرت تدميرًا كاملًا.