بعث السجين السياسي الإيراني سعيد ماسوري برسالة نشرت على الإنترنت أورد فيها مشاهداته في سجن «كوهر دشت» (بمدينة كرج غربي طهران)، وعنون الرسالة بعبارة «مراسيم دفن الأحياء!» وتم إرسالها إلى موقع «الناشطون من أجل حقوق الإنسان»، وفي ما يلي نص الرسالة:
التطلع إلى الحياة أو في الأقل التطلع إلى الغد هو الدافع الرئيس للإنسان في قضاء اليوم. قد لا يثير هذا الموضوع انتباهًا أو اهتمامًا يذكر، ولكن تصوروا أن لا يوجد هناك غد ولا ينتظرك إلا أطنان من التراب لتدفن تحته، إذًا فما هو معنى الإنسانية والأخلاق والصحة والعافية وتناول الطعام وأمثال ذلك بالنسبة لك؟
فلماذا نتعامل تعاملاً إنسانيًا؟ ولماذا لا تستعمل ولا تتعاطى أسوء أنواع المخدرات ليخدرك حتى غدك في الأقل؟ ولماذا يجب أن تفكر في معنى الحياة أو تجد تعليقًا وتفسيرًا لها؟
إذا كان فتى بالغ عمره ما بين 17 و18 عامًا أو 20 عامًا يجب عليه أن يعتبر نفسه مذنبًا ومجرمًا مستحقًا للإعدام بحكم القانون ويحتمل أنه لا يعرف شيئًا من علم الأخلاق الكانتي يلجأ إليك للدردشة وتهدئة باله بقدر أو آخر، ماذا تقول له لتهدئة باله؟ ويا ترى ما معنى أصلاً تهدئة بال هكذا شخص وما القول له؟ هل ينبغي القول له إن عملية الإعدام شنقًا أو رجمًا لا تطول إلا بضع دقائق فلا تحزن!؟ أو ينبغي لك أن تكون له قسًا لتجعل إعدامه وشنقه أداة لتطهيره من ذنوبه ليطمئن بذلك قلبه؟
حقًا عندما يضع فتى حكم عليه بالإعدام رأسه على كتفك ويجهش بالبكاء ماذا تهمس في أذنه لتهدئته وهو مراهق لم يذق بعد طعم الحياة بكاملها بل يعتبرها خالية تمامًا من الأمل كونه لا ينتظر منذ أمد طويل إلا ليتم شنقه وخنقه بحبل المشنقة أو دفنه في حفرة الرجم؟
يا أبناء البشر...! قولوا لي كيف أساعد شابًا أو فتىً على الصعود إلى المشنقة أو النزول إلى حفرة الرجم لكي لا يصاب بالذعر والخوف؟ ليس هذا من نسيج الخيال أو حلمًا أو أضغاثًا أو كابوسًا وإنما واقع الحال الذي نعيشه نحن هنا يوميًا حيث يوجد عشرات من هؤلاء الفتيان والشبان نعايشهم يوميًا ونحن لم نعرف لماذا وكيف هم يبقون على قيد الحياة في كل غد ولا يقدمون على الانتحار ليتخلصوا من هذا الجحيم؟!
حاليًا تصوروا كيف أُضفِي لهذه العقوبة الوحشية طابع قانوني ورُتّبَت لها مراحل ومعاملات إدارية وروتينية! أي أنه وبعد أن يتم إصدار الحكم بالإعدام شنقًا أو رجمًا على شخص ما في دهاليز الظلام الرهيبة هذه فعليه أولاً أن يوقّع ورقة الحكم الصادر عليه بالإعدام وبعد أسابيع يتم نقله إلى دائرة تنفيذ الأحكام لإبطال بطاقة هويته (سجله للأحوال المدنية) فبعد ذلك يعتبر المحكوم عليه ميتًا بموجب القانون في هذا النظام! كونه قد شهد ووقّع بتوقيعه أو بصمته على أنه ميّت وليس حيًّا! بعد أن يضغط بإصبعه المرتجفة خوفًا على ورقة إبطال هويته كإنسان حي! ثم يعيدونه إلى القفص ليعاود الوقوف في طابور منتظري الإعدام شنقًا ليصل دوره للانتقال إلى المشنقة...!
أجل، إنهم أحياء ولكن أموات محتجزون في السجن..! يبدأ جحيمهم في هذا العالم من وجهة نظر سجّانيهم...! تصوروا حال أب وأم يتعين عليهما أن يجلبا ورقة هوية ابنهما الفتى أو الشاب ليسلموها إلى دائرة تنفيذ الأحكام ليبطلوها قبل إعدام ابنهما، تصوروا شعورهم... هل لوحظت حقوقهما في الحياة أيضًا!!
ليس ما أكتبه مبالغًا فيه إطلاقًا وليس كابوسًا. ليس هنا حتى الجحيم ولا عالم الآخرة! بل هنا هذه الدنيا! ولكن دنيا السجن، سجن «رجائي شهر» (كوهردشت) أي آخر الدنيا أو نهايتها. عندما كانوا يدخلونني في السجن قال لي حارس باب السجن: ليس هنا شبيهًا بالجحيم أو مثيلاً له بل هنا الجحيم نفسه!! حيث العذاب والأذى والتعذيب يبدأ من هنا والناس يُقتلون بموت بطيء قبل إعدامهم شنقًا أو رجمًا.
إن القانون هو بالضرورة يهدف إلى تنظيم العلاقات بين أبناء البشر ولكن في هكذا علاقات أية جهة تدعي أنها إنسان؟ هل أنا الذي أكتب هذه السطور؟ أم الذين يقرؤونها أو يسمعونها؟ أم الذين يُعدَمون؟ أم الذين يصدرون هكذا أحكام أو يسنّون هكذا قوانين؟؟؟ يبدو أن هذا طلسم من الخوف يخيم على المرء ككابوس حتى عند التفكير فيه. ترى كيف تتجسد حقوق الإنسان في ما يتعلق بهكذا أناس أحياء أموات؟! هنا في هذا السجن (سجن «رجائي شهر» أو «كوهر دشت» - غربي طهران) يوجد ما يقارب 400 أو أكثر سجين محكوم عليه بالإعدام نصفهم يعتبرون أمواتًا بحكم مراسيم الدفن المذكورة (أي المراحل أو المعاملات الإدارية والروتينية) حيث تم إبطال أوراق هويتهم أي ماتوا رسميًا وقانونيًا! إذًا فإنه وفي ظل هذا النظام ليس الحديث عن حقوق المواطنة ورأي المحامي وإطالة التحقيق والمحاكمة وأي حق آخر من الحقوق الإنسانية ليس إلا مزاحًا غير مضحك وإنما مأساوي وشرّ البلية ما يضحك!
سعيد ماسوري
أيلول (سبتمبر) 2010 – سجن «رجائي شهر» (كوهر دشت)-