لمحة عن انتفاضة الشيعة فى البحرين فى التسعينيات

عثمان محمد علي   في الأربعاء ٠٦ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


حقائق من انتفاضة التسعينات ( 4 )

الاسباب التي فجرت المصالحة بين السلطة والمعارضة وتجديد دورة العنف ..



هاني الريس

تجددت دورة العنف والعنف المضاد في البحرين، بعد إنهيار المصالحة التي عقدتها الحكومة مع حركة احرار البحرين الاسلامية وسماحة الشيخ عبدالامير الجمري، بالذات بوصفه الزعيم الأقوى في الحركة الدستورية والاسلامية المعارضة، والذي ظل يحظى بشعبية واسعة واحترام وتقدير كافة القوى والتيارات السياسة الاسلامية والديمقراطية والوطنية والقومية في البحرين، بفضل شفافيته و تسامحه وانفتاحه على الجميع، من أجل تحقيق الاهداف الوطنية الكبيرة التي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، وذلك نتيجة تراجع الحكومة عن تعهداتها والتزاماتها بتنفيد نصوص الاتفاق الذي أبرمته وزارة الداخلية البحرينية، داخل السجن مع لجنة المبادرة الامنية بقيادة الشيخ الجمري، والتي كانت تقضي بوقف الانتفاضة الشعبية، في مقابل الافراج عن كافة المعتقلين والمسجونين، من قيادات وقواعد وأنصار الحركة الدستورية، وفتح حوار سياسي بعد معالجة جميع القضايا المطروحة للحوار الوطني الذي طالبت به المعارضة، عندما اتهمت السلطة أعضاء لجنة المبادرة بتضليل الناس واستمرار دفعهم نحو المواجهة العنيفة مع قوات الأمن، خلال فترة اعتصامها في منزل سماحة الشيخ الجمري، حيث صعدت السلطة حملات القمع والاعتقالات العشوائية والتعذيب والقتل والنفي القسري للمواطنين، تعبيرآ عن واقعها وطبيعتها الأستبدادية القمعية، الأمر الذي حول البلاد، بعد ذلك إلى كابوس حقيقي يثير القلق المشوب بالخوف في نفوس المواطنين في مختلف المناطق البحرينية، خاصة بعد أن هددت السلطة بفرض الاحكام العرفية، وخروج تصريحات عسكرية من أن قوة دفاع البحرين، على استعداد لتنفيد الاوامر الصادرة من كبار المسؤلين، للتصدي لما وصف بأنه ( مؤامرة إرهابية شيعية ) تستهدف النظام السياسي والعائلة الحاكمة في البحرين .

وجاءت الأحداث بعد إنهيار المصالحة بوتيرة سريعة أكثر مما توقعته السلطة، حيث تبينت للعيان المحاولات الملتوية والخبيثة للسلطة، و حيث إحتدمت التناقضات بين شعب البحرين بمختلف طبقاته الاجتماعية وقواه السياسية وشخصياته الدينية الشيعية والسنية على حد سواء، وبين الفئة الحاكمة القابضة على زمام الأمور في البلاد، والتي ظلت دائمآ ترفض الحوار والمصالحة الوطنية، وأمعنت عبر شريحة صغيرة متنفدة يقف على رأسها رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، معتمدآ في سياسته المعادية للشعب والوطن، على زمرة من المرتزقة البريطانيين والاجانب، الذي يقف على رأسهم مدير جهاز المخابرات والأمن العام العميد ايان هندرسون، حيث أمعن كل هذا الطاقم المتسلط في سياسة الأستبداد والقمع والفساد الاداري، طوال أكثر من ربع قرن من الزمن، منذ حل المجلس الوطني المنتخب عام 1975، وتعطيل المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي، واتباع سياسة البطش بالمعارضين، والابعاد القسري، للمئات من العوائل البحرينية إلى مختلف العواصم العربية والعالمية، والامعان في إحتكار السلطة ومختلف المصالح الأقتصادية في البلاد، مما الحق الأضرار بمصالح الشعب والوطن.

وامام كل هذه التطورات الخطيرة التي شهدتها البلاد، في أعقاب انقلاب السلطة على نصوص الاتفاق الامني والأخلال بتعهداتها للحوار الوطني، اصدرت حركة أحرار البحرين الأسلامية، الشريك في هذه المفاوضات، بيانآ أوضحت فيه أسباب إنهيار المفاوضات مع وزارة الداخلية، وتجدد دورة العنف في البحرين، الذي جاء نتيجة ثلاث خطوات سلبية – بحسب البيان – أقدمت عليها السلطة البحرينية، بعد تشكيكها بالنوايا الحسنة تجاه لجنة المبادرة ومجمل الحركة الوطنية والديمقراطية البحرينية، واصرارها على تصعيد الوضع لكي تتاح لها فرصة القضاء على الأنتفاضة الشعبية .

الأول : اخطار مدير جامعة البحرين، بأمر من وزير التربية والتعليم عبدالعزيز الفاضل، الدكتورة منيرة فخرو، بتوقيفها عن العمل، وذلك في رسالة رسمية سلمت اليها شخصيآ، وبهذا الأخطار أصبحت الدكتورة منيرة فخرو، ممنوعة من القاء محاضرات على الطلاب أو الحضور إلى،مكتبها في الجامعة، وكانت الدكتورة فخرو، قد شاركت في مؤتمر المرأة العالمي في العاصمة الصينية بكين، مما أزعج السلطة البحرينية التي أرسلت وفدآ رسميآ من بنات العائلة الحاكمة وموظفات محسوبة عليها من مختلف وزارات الدولة الرسمية، كما أنها وقعت على عريضة الى جانب 200 سيدة وفتاة، تطالب بأعادة العمل بدستور البحرين العقدي للعام 1973، ورفع حالة الطوارىء ووقف عمليات التعذيب وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل للمواطنين، وكانت من ضمن الذين تبنوا العريضة الشعبية التي تطالب باعادة الحياة الديمقراطية ووقع عليها أكثر من 25 الف مواطن من مختلف الفئات والتيارات والطوائف البحرينية، ويبدو أن أهم الاسباب التي دفعت السلطة الى إيقاف الدكتورة منيرة فخرو، عن العمل هو انها القت محاضرة عن أسباب تفجر الأنتفاضة الشعبية في البحرين، في ندوة أكاديمية في مدينة ميلانو الايطالية، في نفس الوقت الذي قامت فيه السلطة، بأقالة مجموعة من السيدات البحرينيات، لأنهن رفضن كتابة الاعتذار عن مواقفهن الوطنية المطالبة بعودة الدستور والأصلاح الديمقراطي، من أمثال حصة الخميري، التي قدمت خدمتة دامت ثلاثين سنة في وزارة التربية والتعليم، وعزيزة البسام، الكاتبة والعضوة النشطة في الحركة النسائية في البحرين .

الثاني : فشل السلطة في اطلاق سراح العدد المتفق عليه من السجناء مع قادة الانتفاضة الشعبية الذين أفرج عنهم، وحسب هذا الاتفاق فقد كان على السلطة الافراج عن 600 سجين سياسي دفعة واحدة مع سماحة الشيخ الجمري، لكنها لم تفرج إلأ عن 200 معتقل إلى جانب الشيخ الجمري، علمآ بأن السجون ظلت تختنق بالمواطنين الذين ساقتهم قوات الأمن إلى هناك بصورة عشوائية لمجرد الأشتباه بأنهم من أنصار الحركة الدستورية والشيخ الجمري .

الثالث : عودة السلطة إلى فتح ملفات المعتقلين ومحاكماتهم، خلافآ للاتفاق مع قادة لجنة المبادرة الأمنية، امام محكمة أمن الدولةالتي يحاكم فيها اشخاص أبرياء بتهمة المشاركة في التظاهرات والعمل السياسي .

وفي هذه الاجواء الساخنة، تعالت الأصوات المطالبة بالعودة إلى الأنتفاضة وجددآ، تعبيرآ عن رفض الغالبية الشعبية للاجراءات الظالمة التي تمارسها السلطة الحاكمة في البلاد، ورفضها للمصالحة الوطنية على قاعدة الحوار المسؤل الذي يمكن أن يخرج البلاد من دوامة الأزمات السياسية والأجتماعية والأقتصادية الخانقة والمستمرة منذ عدة عقود مضت، وأتبعت الحركة المطلبية البحرينية، طريق الخيار السلمي الذي التزمت به منذ تفجر الأنتفاضة الشعبية، لحل الازمة، حيث عبرت في العديد من المناسبات عن ضرورات الأصلاح وتقويم الأوضاع السياسية والأجتماعية والأقتصادية، وإيجاد أعمال للعاطلين الذين بسببهم بدأت بوادر الأزمة التي طحنت البلاد طوال أكثر من أربع سنوات من العسف العام، وأبدت مختلف قوى المعارضة والتغيير، حرصها الشديد على استقرار الأوضاع ومناشدة الحكم بالعودة إلى تفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين العقدي لعام 1973، وإجراء انتخابات عامة لمجلس وطني كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية، واطلاق الحريات وحل مشكلة البطالة والسماح للمرأة بالمشاركة السياسية وبعودة جميع المبعدين إلى البلاد من دون أية شروط مسبقة، واطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء السياسيين .

وفي مقابل ذلك، قامت السلطة بقمع الحركة المطلبية، بعد أن صورت لنفسها بأنها قادرة على اسكات أصوات المعارضة الشعبية ووقف تداعيات الأنتفاضة المباركة، عندما قامت بشن حملات اعتقال واسعة النطاق في أوساط الحركة المطلبية، حيث دفعت بجحافل مرتزقة العميد هندرسون، ليواصلوا سياسة التنكيل بالمواطنين وخرق الحريات، حيث شهدت البلاد طوال ذلك الوقت موجات واسعة من العنف بي أجهزة الأمن والمواطنين العزل، ذهب ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى من طلقات الرصاص الحي والمطاطي وتحت وطأة التعذيب في السجون .

وكان رد الفعل الشعبي تجاه كل هذه الممارسات، مسالمآ وملتزمآ بقضايا النضال الحضاري السلمي النابذ للتعصب والعنف، حيث خرجت المسيرات والمظاهرات من مختلف مناطق البحرين تطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان، رافعة شعارات الأصلاح السياسي والأجتماعي والأقتصادي كسلاح وحيد في مقابل الرصاص والغازات المسيلة للدموع والأعتقالات العشوائية وأقتحام البيوت وترويع المواطنين ومنعهم من التجمهر والأحتجاج وحتى من التنقل بين منطقة وأخرى بذريعة الحفاظ على الأمن، الأمر الذي كان يعكس أساسآ اقتناع السلطة بأن تحقيق أمنها وليس أمن المجتمع برمته، يحتاج إلى تحقيق نتائج أفضل في مجالات المراقبة الامنية المكثفة وتشديد الخناق على الحريات وتوسيع حملات الاعتقال العشوائي وبناء السجون الجديدة، وبحسب بيان رسمي لمنظمة الصليب الاحمر الدولية صدر في شهر ديسمبر من العام 1998، كان هناك أكثر من 2111 سجين سياسي يرزحون تحت وطأة التعذيب في معتقلات وسجون البحرين، ذنبهم الوحيد هو دعوتهم لعودة العمل بالدستور وإجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني اللذان جرى تعليقهما منذ العام 1975 .


اجمالي القراءات 8250
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق