الأحواز العربية (1) 84 عاماً من الاحتلال الفارسي والتجاهل الدولي

عثمان محمد علي   في السبت ٠٢ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً



الأحواز العربية (1) 84 عاماً من الاحتلال الفارسي والتجاهل الدولي


صحيفة المجلس - عمر غازي


خارطة الأحواز


على الرغم من بشاعة ودموية ما تتعرض له أمتنا العربية من مآس وويلات يشيب لها الولدان، وما يقاسيه شعوبها من احتلال وعدوان وإبادة على يد الجيش الأمريكي و الإسرائيلي في العراق وفلسطين ، وما يصاحب ذلك عادة من تعتيم إعلامي رهيب وتضليل للرأي العام وإخفاء وقلب للحقائق وتآمر وخذلان، إلا أن ذلك الواقع مع مراراته وقسوته وبشاعته لا يقاس بحال من الأحوال لما تتعرض له أمة أخرى تشاركنا دماء العروبة ويجمعنا بها رباط الدين، تتمنى ولو نظرة حانية أو إلتفاتة يسيرة لقضيتها المغيبة في مقابر الصمت والنسيان العربي والدولي.


هذه الأمة المنسية هم عرب الأحواز والبالغ عددهم قرابة الـ10 ملايين نسمة، والذين للأسف الشديد لم يسمع بمعاناتهم سوى النذر اليسير وربما مروا عليها مرور الكرام.

والأحواز إقليم عربي شاءت له الأقدار أن يعيش في رحم المعاناة والألم منذ نحو 84 عاماً لم يتذوق خلالها مواطنيه سوى مرارة العنصرية البغيضة والشعوبية المقيتة، التي يمارسها الفرس ضدهم وقساوة الإضهاد والقمع وآلام الاحتلال ونيران الإبادة .
وبرغم مرور هذه السنين الطويلة منذ الاحتلال الفارسي لدولة الأحواز العربية عام 1925م بتواطؤ دولي بريطاني حينها، إلا أن هذا الشعب العربي الأبي لم يستكين لحظة في الدفاع عن حقه الأصيل وقضيته العادلة، رغم جراحاته النازفة، والتجاهل الدولي، والغياب التام عن الإعلام العالمي والعربي .
وعلى الرغم من أن الموقف العربي الرسمي كان مؤيدا وداعما للقضية الأحوازية في البداية سيما في عقدي الخمسينات والستينات من العقد الفارط ،فيذكر التاريخ أنه في عام 1964 أدرجت قضية عرب الأحواز على جدول أعمال مؤتمر القمة العربي الأول المنعقد في القاهرة، وكانت قرارات القمة حاسمة ومواقف قاداتها واضحة وداعمة لهذه القضية، فكان من ضمن قرارات القمة إدراج قضية الشعب العربي الأحوازي في المناهج الدراسية العربية، والإعلام العربي إلى جانب قضايا العرب الأخرى كقضية فلسطين والمدن المغربية المحتلة " سبتة" "ومليلة"، وقضية الشعب الأرتيري.
إلا أنه مع مرور الأعوام وتوالي العقود، وتغير المواقف، غابت قضية الأحواز أو غيبت، وأضحى النسيان هو العنوان الرئيس لهذه القضية على الصعيد الرسمي، إلا من بعض المواقف العابرة التي لا تكاد تذكر، مقارنة بما يجب أن يكون، لقضية أمة واحدة، وجسد واحد ، ودم مشترك.
إن إلقاء الضوء على هذه القضية المتجاهلة سياسياً وإعلامياً على الصعيدين العربي والدولي لهو دعوة لكل عربي ومسلم ومن في قلبه أدنى ذرة من رحمة أو إنسانية، وصلته الحقيقة الكاملة أن يعمل جاهدا كل من مكانه وموقعه على إظهار الحقيقة وانتشارها وإيصال الصوت العربي الأحوازي الحر لكافة المنابر دفاعا عن الحق ونصرة للمظلوم، سيما الإعلاميين والكتاب والباحثين والمدونين، لكشف فضائح الرافضة الفرس وجرائهم البشعة في حق الإنسانية جمعاء، وإعادة الحق التاريخي المغتصب.
فالإجرام الذي تمارسه إيران بحق هذا الشعب العربي – مما سنكشفه في هذه الحلقات تباعا- فاق حدود المعقول، وأظهر طائفية بغيضة ضد العرب المسلمين، ولم يتوقف عند مصادرة الحقوق الثقافية والممتلكات الشخصية فحسب بل تعداه إلى مصادرة الحرية والحياة نفسها بسلاسل من الاعتقالات القمعية المتواصلة ناهيك عن القتل المتعمد والاغتيالات المستمرة أثناء وقبل وبعد كل تحرك أحوازي نتيجة الضغط الرهيب والتفرقة في المعاملة، هذه العنصرية البغيضة شملت كل مرافق الحياة على تنوعها فيقدم الفارسي على العربي في جميع التعاملات اليومية لسبب واحد ما هو إلا فارسيته فحسب.
إلا أنه -وللأسف الشديد - برغم هذه الحقائق يوجد بين ظهرانينا الكثير من المخدوعين بإيران وشعاراتها الزائفة ودعاواها المضللة بكونها حامية الإسلام – بزعمها-، وادعاءاتها الكاذبة بمناصرة القضايا العربية، وإيران بذلك ما هي إلا كذئب يستدرج ضحاياه للوقوع بهم، فإيران الفارسية الصفوية التي تحتل إقليم الأحواز العربي، والجزر الإماراتية الثلاث منذ عام 1971 م، وتردد المزاعم بحق البحرين بين الفينة الأخرى، لا تعترف سوى بالقومية الفارسية وتاريخها القديم والحديث لا يعرف سوى العداء والكره الشديدين للعرب، ولن تتوقف أطماعها الاستيطانية والتوسعية عند هذا الحد فحسب، فما الأحواز سوى نواة لأحواز جديدة على خريطة إيران التوسعية، وهي بذلك لا تقل خطرا عن دولة الكيان الصهيوني " إسرائيل"، وربما يكون خطرها أشد وأنكى لأن إسرائيل عدائها معلن وأطماعها ظاهرة للعيان، أما إيران فتتستر تحت غطاء الإسلام وإدعاء الهم الواحد والعدو المشترك، والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه: هل أطلقت إيران يوما صاروخا على إسرائيل؟!! وماذا قدمت إيران للقضية الفلسطينية منذ بدأها ؟ وهل ساعدت إيران العرب يوما على تحرير أراضيهم أو دحر عدوهم ؟

الأحواز: التسمية

لإقليم الأحواز عددا من المسميات (الأحواز – الأهواز – الأخواز - عربستان – خوزستان – عيلام) ولكل منها تفسيرها :
- الأحواز : كما يعرفها أهلها وهي جمع لكلمة "حوز"، وهي مصدر للفعل "حاز"، بمعنى الحيازة والتملك، وهي تستخدم للدلالة على الأرض التي اتخذها فرد وبين حدودها وامتلكها. و"الحوز" كلمة متداولة بين أبناء الأحواز فمثلا يقولون هذا حوز فلان،أي هذه الأرض معلومة الحدود ويمتلكها فلان. وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة "الأحواز"، وأطلقوا على العاصمة سوق الأحواز للتفريق بينهما.
- الأهواز: هي نفسها الأحواز ولكن الفرس يقلبون الحاء إلى هاء فيقولون الأهواز .
- الأخواز : أطلق العرب على المناطق الشمالية من الإقليم الأخواز، والأخواز قوم سكنوا هذه المناطق منذ القدم ولسانهم ليس عربيا ولا فارسيا ولا عبرانيا ولا سريانيا ولهم طباع خاصة بهم تختلف كلياً عمن جاورهم.
- عربستان : سميت بذلك عهد "إسماعيل الصفوي"، وربما في عهد ابنه "طهماسب" وهي كلمة فارسية معناها : إقليم العرب. وذلك لأن كلمة "إستان" تعني بالفارسية "القطر" أو "الإقليم". ومهما اختلفت الآراء في هذه التسميات فهي تشير إلى أصل الإقليم وسكانه العرب الذين يكوّنون الأغلبية وهو دليل اعتراف من الفرس أنفسهم بعروبة هذه المنطقة وعدم تبعيتها لدولتهم.
الجدير بالذكر أن إمارة عربستان أو الأحواز كانت بعربستان في الدستور الإيراني وفي المعاملات القانونية حتى عام 1936م حيث تم إلغاء هذه التسمية (عربستان) قانونيا من كل الكتب والتعاملات القانونية ، وأصبح الإقليم أو القطر يسمى بمحافظة خوزستان.
- خوزستان: وهو الاسم الذي أطلقه الفرس خلال العهد الساساني على جزء من الإقليم وهو يعني بلاد القلاع والحصون وسمي به الإقليم مرة أخرى بعد الاحتلال الإيراني بأمر من رضا شاه عام 1925م ، وتم تداول تسمية خوزستان، إيرانيا وعالميا، وبشكل رسمي وقانوني منذ العام 1936م.
عيلام: نسبة إلى العهد العيلامي قبل 4000 ق.م. حيث كان العيلاميون الساميون أَول من استوطن الأحواز.
ويرى الباحث محيى هادي أن استعمال كلمة الأهواز هو الاستعمال الصحيح وهو تأكيد لعروبة هذه المنطقة و حفاظا على تاريخها ، أما تبديل الأهواز بالأحواز فهو طمس لتاريخها و محاولة لمحوه . فيقول : " من خلال مراجعاتي للمصادر التي بين يدي لم أجد أبدا أي واحد يذكر كلمة الأخوازي و لا الأحوازي بل وجدت إنهم يذكرون فقط كلمة الأهوازي . ففي تاريخ الإسلام للذهبي مثلا تتكرر كلمة الأهوازي 246 مرة ، أما في -معجم الأدباء- للحموي فإنها تتكرر أكثر من 20 مرة".
وأضاف :" من خلال مراجعتي المصادر التي بين يدي وجدت :كلمة الأهواز تتكرر 2821 مرة في 174 كتاب و أن كلمة الأهوازي تتكرر 1916 مرة في 107 كتاب".وإذا نظرنا عبر كتب التاريخ العربية فإنها تؤكد لنا تسمية الأهواز بالأهواز ، و ليس فقط تؤكد ذلك الكتب التاريخية القديمة بل و أيضا فإن الكتب التاريخية الحديثة تؤكد ذلك أيضا. فمثلا إنني الآن أتصفح كتاب -مذكرات سليمان فيضي - الذي كان يعمل بأمرة الشيخ خزعل ، ومؤلف الكتاب هذا يذكر كلمة الأهواز أيضا.

الموقع الجغرافي والمساحة

تبلغ مساحة المنطقة العربية الأحواز ، قرابة 330 ألف كم مربع . أي ما يعادل مساحة بلاد الشام مجتمعة (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) ، وهي بذلك تعد ثالث أكبر دولة خليجية من حيث المساحة بعد المملكة العربية السعودية، والعراق.
وتقع الأحواز في المنطقة الغربية الجنوبية من إيران على السواحل الشرقية للخليج العربي، ابتداءً من مضيق باب السلام (هرمز) إلى شط العرب . وعلى الخط العرض 30 ـ 33 درجة شمالاً،وطول 48 ـ 51 درجة شرقاً. وتحدها من الشمال جبال كردستان،ومن الشرق جبال زاكروس ومن الغرب جمهورية العراق،ومن الجنوب الخليج العربي .
وذكر الباحث الإيراني "أحمد كسروي" في كتابه "تاريخ خوزستان في خمسمئة عام" أن التاريخ الجيولوجي لأراضي كل من الأحواز والسهل الرسوبي من العراق متماثل، حيث تكونا من ترسبات نهري “دجلة” والفرات” و”نهر كارون” وتفرعاته. وهو ما أدى إلى ظهور الأراضي على جانبي “شط العرب”، وكونت بذلك مع سهول بلاد العراق وحدة قائمة بذاتها لها خواص مناخية متشابهة. ويؤكد أن العلاقات المكانية الطبيعية التي تربط بين عربستان وإيران تكاد تكون معدومة؛ إذ ليست هناك أي علاقة في التكوين الطبيعي بين سهل عربستان وهضبة إيران الجبلية.اهـ
وبعد الاحتلال الفارسي للأحواز قامت إيران بتقسيم وتوزيع الأحواز وتقطيعها إدارياً على ستة محافظات إيرانية مجاورة، إمعاناً في إضعاف العرب وتهميشهم في الإقليم فألحقت مناطق كبيرة من القطر الأحوازي العربي بإدارة محافظات مجاورة ذات أغلبية فارسية.
فأصبح هذا القطر المحتل مقسم إلى المحافظات الثلاثة ذات الأغلبية العربية،وهي : محافظة خوزستان في الشمال(وهي التسمية الفارسية التي أطلقها الفرس على الأحواز أو عربستان)،ومحافظة بو شهر(والتسمية العربية لها هي أبو شهر)ومحافظة هرمزگان في أقصى جنوب الإقليم ، قبالة السواحل العمانية .
كما وزعت السلطات الإيرانية باقي مناطق وسكان إقليم الأحواز إلى محافظات أخرى ذات أغلبية سكانية غير عربية وهي محافظة "لرستان" في الشمال، ومحافظة "عيلام" في الشمال الغربي، ومحافظات "جهار محال بختيارية" ومحافظة "كهيكيلوية وبوير أحمد" ومحافظة "فارس" من الشرق المجاورة للإقليم.
يقول الرحالة الدنماركي كرستين نيبور الذي زار عربستان ( الأحـواز ) فى عام 1772 م (العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للقسم الشرقي من الخليج العربي. وانه يستحيل تحديد الوقت الذى أنشأ فيه العرب موطنهم على الساحل . وقد جاء فى السير القد يمة أن العرب أنشأوا هذا الموطن منذ عصور سلفت . وإذا استعنا بالملاحم القليلة التي وردت في التاريخ القديم أمكن التخمين بأن هذه المواطن العربية نشأت فى عهد أول ملوك الفرس في القرن السادس قبل الميلاد تقريبا . وان ملوك الفرس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد ساحل البحر) .
ويضيف الرحالة الدنماركي أن (عربستان مستقلة عن بلاد فارس ، وان لأهلها لسان العرب وعاداتهم ، وانهم يتعشقون الحرية إلى درجة قصوى شأن اخوانهم في الباد ية) .


لمحة تاريخية





شهد إقليم الأحواز نشأة حضارة "عيلام" قبل 4000 أو5000 سنة وهي امتداد لحضارة ما بين النهرين.كما كانت هذه الأرض العربية موطنًا حضاريًّا للعنصر السامي العربي في عهد ما قبل الإسلام، وعندما جاء الفتح الإسلامي حُكمت الأحواز، وبقت تحت الخلافة الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي، وظلت الأحواز تحت الحكم العربي الإسلامي طوال هذه الفترة التاريخية.
وقد نشأت في الإقليم عدة إمارات عربية من أهمها ؛ إمارة المشعشعين، وإمارة البوناصر، وإمارة كعب والتي كان آخر أمرائها هو الشيخ خزعل الكعبي، وهو آخر حاكم عربي بالأحواز، ، حيث دارت بينه وبين الدولة الصفوية بقيادة شاه إيران رضا خان بهلوي معارك ضارية لم يتمكن خلالها الإيرانيون من احتلال الأحواز بالقوة، فلجئوا بالتعاون مع بريطانيا إلى تدبير خديعة باستدراج الأمير "خزعل الكعبي" إلى يخت، بدعوى إجراء حوار مع الإيرانيين، وهناك تم اعتقاله واقتيد إلى طهران يوم 20 أبريل 1925م وأعدم.

السكان

قدر عدد السكان بنحو 1.5 مليون نسمة من العرب عام 1925 م حين ضم الإقليم إلى إيران وقد أضيف إليه نصف مليون فارسي في إطار حملة التفريس التي بدأتها إيران عقب الاحتلال مباشرة، أما عن عدد السكان الفعلي الآن فلا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد العرب في الإقليم بصورة رسمية،و ذلك لاختلاف المصادر وطبيعة توجهها الفكري والقومي وتتباين الأعداد بين أعلاها وأدناها،وقد ورد في التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2002 أن أكثر من 4 ملايين عربي يتعرضون للاضطهاد في إقليم الأحواز،إلا أن الإحصائيات غير الرسمية تقول إن العدد الفعلي للعرب يصل إلى نحو عشر ملايين نسمة.
ومن أشهر القبائل العربية في الأحواز بني كعب"، و"بني طرف"، وقبائل "آل سيد نعمة"، و"بني تميم"، و"آل كثير" ، وقد أحصى الكاتب الأحوازي يوسف عزيزي بني طرف في كتابه عن القبائل العربية في شمال إقليم الأحواز أكثر من 350 عشيرة وقبيلة عربية تقطن هذا الإقليم العربي المحتل.

اجمالي القراءات 9724
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق