البعد الإسرائيلي: ليس غائبا ولكنه شماعة لتخلفنا وهزائمنا

عثمان محمد علي   في الثلاثاء ٢٨ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


البعد الإسرائيلي: ليس غائبا ولكنه شماعة لتخلفنا وهزائمنا

GMT 4:00:00 2009 الثلائاء 28 أبريل

أحمد أبو مطر



--------------------------------------------------------------------------------


توجد في ساحة الفكر والنقاش العربي مسألة مهمة وشديدة الحساسية عند غالبية المتلقين العرب، وهي مسألة نقد وتعرية الأخطاء والسلبيات العربية. هناك من يرى وأنا واحد منهم أنه لا يمكن تقييم الأخطاء والتغلب على السلبيات إلا بتعريتها ونشرها على الملأ كي يتأكد من وجودها، وبالتالي التركيز على مرتكبيها الذين يحولون دون تقدم الأقطار العربية في كافة المجالات. وهناك وجهة النظر الأخرى التي ترى أنه ما الفائدة من نشر غسيلنا الوسخ على العالم؟ أي أنهم يعرفون أنه غسيل وسخ وقذر ولكنهم يعملون بالقول (وإذا بليتم فاستتروا)، رغم أنه مهما كانت سواتر تغطية هذه البلاوي فهي معروفة للقريب والبعيد، العربي والعجمي. والملفت للنظر أن أصحاب هذا الرأي يقبلون منك ويشكرونك جزيلا إذا تحدثت عن هذه الأخطاء والسلبيات والهزائم في المجالس الخاصة المغلقة، ولكنهم ينتقدونك ويلعنونك إذا ما أقدمت على الكتابة عنها صراحة في وسائل الإعلام. وهذا ما يجعلني أعتقد بأن (العرب يخافون من الأقوال أكثر من الأفعال). فهم يسكتون على كل الظلم والفساد والقمع الذي يتعرضون له من أنظمتهم المستبدة التي جعلت عدد السجون أكثر من عدد رياض الأطفال، ويثورون في وجهك إن كتبت منتقدا مساوىء هذه الأنظمة بحجة أن هذا لا يخدم سوى الأعداء خاصة دولة إسرائيل!.

البعد الغائب في محور أبو مطر – برادلي
ومن تنويعات وجهة النظر السابقة هناك من يضع اللوم كل اللوم على دولة إسرائيل فيما يتعلق بهزائمنا وتخلفنا، وينتقدون بقسوة شديدة أصحاب وجهة النظر الأولى المنتقدة للأخطاء والمعرية للسلبيات معتمدين على أنهم يتغاضون أو يغيبون البعد الإسرائيلي المتسبب في كل هذه الأخطاء والسلبيات والهزائم. ومن أوضح الكتابات في هذا السياق ما كتبه الزميل الأستاذ مسعد غنيم رئيس تحرير موقع (مصرنا) في العاشر من أبريل 2009 بعنوان (البعد الغائب في محور أبو مطر – برادلي).
وللتذكير فقط فهو يقصد الكاتب البريطاني جون برادلي صاحب الكتاب المشهور (داخل مصر) الذي ركّز على السلبيات والأخطاء وممارسات الفساد في داخل مصر خاصة في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، وقد تردد أن السلطات المصرية قد منعت الكتاب من التوزيع في مصر، وذلك استنادا على معلومة تقول أن الجامعة الأمريكية في القاهرة كانت قد طلبت من دار النشر البريطانية (بلجريف ماكميلان) خمسين نسخة من الكتاب ثم ألغت الطلبية بعد أن أبلغتها أجهزة الرقابة المصرية أن الكتاب ممنوع في مصر. ويقع الكتاب في 242 صفحة، من المهم للقارىء الذي لم يطلع عليه أن يلمّ بعناوين فصول الكتاب: الثورة الفاشلة (يقصد ثورة 1952)، الإخوان المسلمون، المسيحيون والصوفيون في مصر، البدو وسيناء، التعذيب، الفساد، ضياع الكرامة في مصر، مصر بعد مبارك. ومن المعروف أن جون برادلي من الخبراء البريطانيين في الشؤون المصرية والسعودية، وقد اعتمد في كتابه على العديد من المشاهدات والمصادر منها لقاءات مع كتاب ومثقفين ليبراليين مصريين في مقهى (الندوة الثقافية) قرب الجامعة الأمريكية، لذلك يبدأ كتابه بعبارة للروائي المصري علاء الأسواني صاحب رائعة (عمارة يعقوبيان)، يقول فيها: " إن جون برادلي كاتب يبحث عن الحقيقة في بلاد عربية يحكمها ديكتاتوريون، وأنّ كتاباته جريئة وضرورية من أجل فهم الحقيقة خلف الصورة الحكومية المزيفة لمجتمعاتنا ".
يقول الزميل الأستاذ مسعد غنيم في توصيفه ل (محور أبو مطر – برادلي):
(بعد قراءتي للكتاب لم تكن مفاجأة أن أجد الطرف الآخر لمحور مميز في ساحة الحرب الإيدولوجية والنفسية التي تطل علينا بوجهها الزلق حربا على العرب والمسلمين، والطرف العربي لذلك المحور يمثله فريق يطاردنا صوته وصورته في برنامج الجزيرة " الاتجاه المعاكس" وغيرها من القنوات مثل الحرة والعربية....ويحاصرنا قلمه في الصحافة الورقية والاليكترونية....وسواء حسنت نية أصحاب هذا الفريق أو ساءت، فالعبرة بالمآلات وليس بالمقاصد التي لا يعلمها إلا الله وليس لنا الحكم عليها، وتحديدا في مآل وقع ما يكتبون على القارىء العربي وقضيته المركزية فلسطين، وهو ما أراه سلبيا أكثر منه إيجابيا، ونقضيا أكثر منه نقديا، ويعتبر الدكتور أحمد أبو مطر من أكبر ناشطي هذا المحور...القاسم المشترك الأعظم بين طرفي هذا المحور هو أنهم في نقدهم أو نصحهم لمصر خاصة والعرب عامة غالبا ما يغيبون البعد الإسرائيلي عن الصورة التي يرسمونها لفشل المشروع العربي عموما، وإن ورد ففي الهامش ويأتي لينا ومبررا في الطرف الأمريكي في حالة برادلي، وتحت هجوم لفظي شكلي في الطرف العربي في حالة أبو مطر).

تناقضات وأحكام غيبية
هذا الرأي للزميل الأستاذ مسعد غنيم يحمل من وجهة نظري متناقضات عديدة منها:
أولا: هو يعترف بأنني لا أغيب البعد أو العامل الإسرائيلي عند التعاطي مع القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، ولكن نقده لي أنني أورد العامل الإسرائيلي (تحت هجوم لفظي شكلي). وطالما أنا كاتب فسلاحي هو القلم أي الكتابة التي يسميها (هجوما لفظيا شكليا)، فهل يستطيع الزميل أن يعطينا أسلوبا آخر يستعمله الكتاب بما فيهم هو في كتاباته. هل هناك هجوم لفظي شكلي وهجوم غير شكلي ولفظي؟. كتبت أكثر من مرة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بألفاظ صريحة قاسية فهل هذه أيضا شكلية؟ وما معنى شكلية هنا؟ هل قام هو أو كتاب آخرون بعمليات انتحارية كي نقول: أنت تستعمل الألفاظ والكلمات وغيرك ضحى بنفسه؟. ماذا كتب غيري أكثر قسوة من عناوين بعض مقالاتي: (نتائج مستقبلية للجرائم الإسرائيلية)، (بعد كل هذا الإرهاب: هل تريد إسرائيل السلام فعلا؟). أتمنى على الزميل أن ينصحني ماذا أكتب أكثر من ذلك كي يشطب اسمي من محور برادلي، ويعطيني شهادة حسن سلوك في العمل الوطني. وبالنسبة لبرادلي أيضا على القارىء أن يتذكر أن كتابه عن وصف ما يجري داخل مصر، وليس عن أسباب ذلك كي نقول له أنت أغفلت البعد والعامل الإسرائيلي. لماذا لم يناقش الزميل الأستاذ مسعد غنيم المعلومات التي وردت في الكتاب، ويفندها ويبين ما فيها من مغالطات إن وجدت؟. أما أسباب ذلك فمن يقرأ الكتاب بدقة وموضوعية ربما يخالف برادلي في بعضها ولكن لا علاقة للبعد الإسرائيلي بحدوثها.
ثانيا: الخلاف حول النقد هل نمارسه أم لا؟ وبصراحة لم أستطع أن أميز بين النقض و النقد كما أورده الزميل في سياق خوفه من وقع ذلك على القارىء العربي وقضيته المركزية فلسطين. إن بديل النقد هو هذا الضجيج العاطفي صاحب شعارات: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) في حين أن المواطن الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي يتجول في كل الأقطار العربية بحرية واحترام وسلام وترحيب بينما المواطن العربي يحتاج إلى تأشيرة دخول مسبقة في أغلب الأقطار العربية. و (أمجاد يا عرب أمجاد) في حين أننا نتجرع الهزائم والفساد والاستبداد ورغم ذلك نصفق للمستبدين واللصوص بالروح بالدم نفديك يا...). فهل إذا كتبت وغيري كثيرون عن هذه المظاهر والتخلف نكون نمارس النقض وليس النقد. كل ما أكتبه أنا وغيري ممن يطلق عليهم الليبراليين يكتبه بقسوة أكثر الكتاب المنتمين للتيار الإسلامي والقومي العروبي، فلماذا لا يواجهون بنفس النقد والتجريح؟.

وبصراحة جارحة: هل إسرائيل مسؤولة؟
دولة إسرائيل احتلت فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، وهي المسؤولة عن ممارسة هذا الاحتلال وما نتج عنه، ولكن هل إسرائيل مسؤولة:
1. عن نسبة أمية تصل إلى ما يزيد عن متوسط ستين بالمائة في كافة الأقطار العربية حسب إحصائيات تقارير التنمية البشرية العربية وليست إحصائيات الموساد والمخابرات المركزية؟.
2. عن أكبر نسب وحالات فساد في كل الأقطار العربية بدون استثناء، مما يجعل غالبية هذه الأقطار في صدارة قائمة الدول الفاسدة التي تنبأ جون برادلي لبعضها بالانهيار؟.
3. عن مصادرة حقوق الإنسان في غالبية الأقطار العربية حيث السجون والمعتقلات أكثر من المستشفيات ورياض الأطفال. لماذا أنت وأنا حصلنا على الجنسية الأمريكية والنرويجية بعد مرور السنوات الخمسة أو السبعة على إقامتنا بينما المواطن العربي من أي قطر يعيش أربعين عاما في قطر آخر ويحتاج لتجديد إقامته كل عام، وعندما ينتهي عقده يطرد بدون رحمة وتناسي مجرم أنه أعطى ذلك البلد خبرته وشبابه. لماذا يوجد مواطنو (البدون) في أكثر من قطر عربي أي بدون أي إثبات للهوية الشخصية؟.
4. عن حرمان الفلسطيني في مخيمات لبنان من العمل فيما يزيد على ستين مهنة ووظيفة، حيث لم يترك هذا القانون له سوى مهنة الزبالة والدعارة!.
5. عن التمييز العنصري والعرقي الذي يمارس ضد الأكراد في سورية بقرارات حزبية رسمية؟
6. عن التطهير العرقي الذي يتعرض له سودانيو دارفور الذين اعترف المطلوب جنائيا عمر البشير أن القتلى منهم لا يزيدون عن تسعة ألاف شخص!!. تصور تسعة ألاف لا يهزون ضميره ولا وجدانه إن وجدا!!.
7. عن عدم قيام سوق عربية مشتركة كي لا أقول وحدة عربية بينما الدول الأوربية على أبواب الوحدة الكاملة بعد فتح الحدود بين 27 دولة وعملة موحدة؟.
8. عن حروب فتح وحماس التي قتلت من الفلسطينيين ما لا يقل عن قتلاهم من جيش الاحتلال الإسرائيلي؟. هل إسرائيل مسؤولة عما سبق من فضائح وجرائم؟؟.

إسرائيل مجرد شماعة لتخلفنا و هزائمنا
هل تريد إسرائيل النصر والتقدم والنهضة والحضارة للعرب؟ منطق الحياة والصراع يقول: لا. وهل يريد العرب النصر والتقدم والنهضة والحضارة لإسرائيل؟. الواقع الميداني المعاش يقول لا و نعم بشكل ملتبس، فعندما توقع دول عربية معاهدات صلح وسلام مع إسرائيل فهذا يعني أنها ضد محو إسرائيل من الخارطة. وعندما يستمر النظام السوري في مباحثاته السرية والعلنية مع إسرائيل بقصد الانسحاب من الجولان المحتل، فهذا يعني أن سورية مع الاعتراف بدولة إسرائيل إن انسحبت من الجولان كما انسحبت من سيناء التي كانت ثمن توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وعندما يعترف المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1988 بقيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 فهذا يعني اعترافا بدولة إسرائيل ضمن تلك الحدود، وعلى هذه القاعدة تم توقيع اتفاقية أوسلو التي اعترفت فيها السلطة الفلسطينية بدولة إسرائيل. حتى حماس تعترف بدولة إسرائيل عندما تقترح هدنة طويلة الأمد لستين عاما، أم أنها تريد ستين عاما أخرى للإعداد لمعركة التحرير؟. والإخوان المسلمون في مصر نفسها صرّحوا أكثر من مرة بأنهم سوف يحترمون كافة المعاهدات والاتفاقيات الموقعة مع النظام المصري، مما يعني بوضوح أن المقصود هو اتفاقية كامب ديفيد، فقط لو يساعدهم العالم بالسكوت لاستلام السلطةّّّ!!!. فما علاقة كتابات برادلي وأبو مطر بهذا الواقع؟ هل نحن مسؤولين عنه؟.

التاريخ يكتبه الأقوياء
لذلك فإنه إزاء تلك الأسئلة والمعطيات فإن إسرائيل المعترف بها من العرب والفلسطينيين علنا عند البعض وسرا عند البعض الآخر والبقية تسعى لذلك، هي مجرد شماعة نعلق عليها هزائمنا وتخلفنا وعنترياتنا الفارغة. هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قرّرنا محو الأمية في الأقطار العربية؟. هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قررت الشعوب العربية الثورة ضد حكامها المستبدين الطغاة وإقامة أنظمة ديمقراطية تحترمنا كبشر أو كاحترام الحيوانات في الدول الأوربية والأمريكية؟. هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قرّرت أنظمتنا العربية قيام الوحدة العربية وإلغاء الحدود بين ألأقطار العربية؟.
أقولها بوضوح العامل والبعد الإسرائيلي موجود، لكنني لا أقبل أن تكون إسرائيل وموسادها شماعة لهزائمنا وتخلفنا وفسادنا وحروبنا الداخلية. لذلك نخاف من النقد الواضح الصريح بينما الدول التي تعرف قدراتها ومتأكدة من عظمتها وقوتها لا تخشى أجهزتها ومواطنوها وكتابها من النقد بدليل أنه لو اجتمع قوميو وعروبيو وإسلاميو الأقطار العربية ما كتبوا ضد سياسة الولايات المتحدة ربع ما كتبه الأمريكي مايكل مور أو ويليام بلوم ورغم ذلك لم يواجها بالنقد واللوم كما في حالتنا العربية. ولماذا ننسى أنه في دولة إسرائيل يتم إحالة أصغر موظف ورئيس الوزراء للقضاء بسبب قضية فساد لا تتعدى ربع مليون دولار، دون أن يقال لهم: استروا علي فضائحنا كي لا يتشفى فينا أعداؤنا العرب!!. ومن يستطيع نسيان المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه صاحب كتاب (التطهير العرقي في فلسطين) الذي فضح بالوثائق أغلب جرائم التطهير العرقي التي مارستها الدولة الإسرائيلية منذ عام 1948 ضد الفلسطينيين؟. لماذا لم يواجهه أي إسرائيلي بنفس النقد والتعنيف العربي ويقولوا له: أنت خائن لأنك تعطي أعداءنا شهادات ووثائق إسرائيلية عن جرائم دولتنا. قارنوا ما قام به هذه المؤرخ الإسرائيلي مع تطبيل غالبية العرب لصدام حسين ونظامه الذين ارتكبوا بحق الشعب العراقي عربا وأكرادا جرائم ترقى لحد التطهير العرقي خاصة ما أطلق عليها حملات الأنفال التي تؤكد الوثائق والشهادات العراقية أن ضحاياها لا يقلوا عن مائة وثمانين ألفا أغلبهم من الأكراد . وما زالوا يصفقون أيضا للمطلوب جنائيا عمر البشير رغم كل جرائم التطهير العرقي التي طالت ما لا يقل عن ربع مليون سوداني من أصول أفريقية في إقليم دارفور. تلك دول قوية تعرف قدراتها وتتقدم من خلال النقد مهما كان قاسيا وفاضحا، ونحن شعوب نريد التستر على فضائحنا وتخلفنا ونلعن من يكتب عنها، ولدينا شماعة جاهزة هي إسرائيل، نعلق عليها كل فسادنا وتخلفنا وقمعنا وأميتنا وهزائمنا....والله المستعان على هذا الحال وكل حال.

اجمالي القراءات 7757
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق