الشرق الأوسط ...ومفاهيم الهيمنة في النظام العالمي

  في الأربعاء ٢٥ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


د:  محمد وقيدي
باحث ومفكر مغربي
   
تتميز أحداث الشرق الأوسط بتعدد أبعادها، بحيث إن مقاربتها من زاوية من زوايا النظر قد لاتمس إلا بعدا من تلك الأبعاد. وتتميز تلك الأحداث أيضا بتداخل عواملها السياسية الآنية أو الاستراتيجية،ثم الاقتصادية الجهوية أو العالمية، والتاريخية الآتية من عوامل تشكلت عبر الزمن، ثم الصراعات والنزاعات السياسية التي تهم المنطقة وتدور بين بلدانها أو الدولية ، أي التي تكون نتاجا للعلاقات الدولية ولمشكلات المطروحة على هذا المستوى.


حددنا طريقة تناولنا لأحداث الشرق الأوسط في تناولها عبر مفاهيم تعلقت بها، وإن كنا قد دققنا في تخصيص تناولنا بالقول إنه يخص مفاهيم الهيمنة في نظام العالم المعاصر. ونعني بمفاهيم الهيمنة تلك التي جاءت من اجل أن تؤطر على صعيد النظر الممارسات الهيمنية في العالم المعاصر والتي نرى بصفة خاصة أنها بدأت تتبلور انطلاقا من القرن التاسع عشر مرافقة ظهور الحركة الاستعمارية. وقد وقع تداول تلك المفاهيم على نطاق واسع سواء بكيفية تبريرية أو بثورة نقدية.

      المفاهيم صياغة مركزة لكيفية تمثل الوقائع ولمجموع التصورات التي تتكون في الذهن عنها، وهي لذلك أساس التعامل مع تلك الوقائع وبها. إنها تحرر الذهن من ضرورة استحضار التفاصيل ووصفها في كل حين.

    للمفاهيم دور آخر نراه اقرب إلى مانحن بصدده الآن، إذ هي تستخدم لتوجيه الفكر نحو تمثل معين للوقائع، وتدفعه نحو فهم معين لها، وهذا دور إيديولوجي يبنيها مستخدموها من أجل إعطاء دلالة مقصودة لواقع وسلوك معينين.

    ليس في وسعنا في إطار مقالنا الحالي أن ندرس كل المفاهيم التي أطرت سلوك الهيمنة أو لخضوع إليها. يتعلق الأمر بتحليل مفاهيمي وإيديولوجي في الوقت نفسه.فلنبدأ دراسة نماذج من تلك المفاهيم.
 
1) الاستعمار والاحتلال

    انطلقت حركة الاستعمار الحديثة من أوربا منذ القرن التاسع عشر، حيث بدأت البلدان الأوربية، وخاصة منها تلك الموجودة على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، بتحريك قواتها العسكرية في اتجاه الجنوب نحو بلدان الضفة الجنوبية في الشمال الإفريقي، ثم نحو البلدان الإفريقية والأسيوية.

      كان دور الإيديولوجيا التي تبلورت مرافقة للظاهرة الاستعمارية هو ان تجعل هذه الظاهرة مقبولة، لا عند من خضعوا لها فحسب، بل حتى عند الذين مارسوها وكانوا يخططون لسياساتها في البلدان التي خضعت لاستعمار أراضيها بالقوة.

      دخلت الجيوش الفرنسية إلى المغرب ، مثلا،واحتلت أراضيه،ولكن باستخدام مفهوم آخرهوالحماية. ولكن الجيش كان يسيطر بالقوة على البلاد ويتيح لمؤسسات أوجدتها الحكومة الفرنسية استغلال الثروات المغربية وفق السياسة التي تخدم مصلحة الدولة المستعمرة.

    حاول علماء الاجتماع والاقتصاد والتاريخ التابعين للسلطة الاستعمارية، بل الذين كان بعضهم موظفا داخل تلك السلطة تبرير الظاهرة الاستعمارية عبر بلورة بعض الأفكار والمفاهيم. ومن ذلك القول بأن جيوش البلدان الاستعمارية دخلت البلدان الأخرى التي كان يسودها نظام قبلي من أجل مساعدتها على بناء دولة حديثة. وبعبارة تأخذ بمصطلحات اليوم، فإن البلدان الأوربية كانت ترى أن نظام العالم لايستقيم دون إدماج البلدان الأحرى في سياق التحديث الذي انطلق من المجتمعات الأوربية.كاندور الجيوش الاستعمارية، في نظر مؤرخيها وعلمائها في الاجتماع والاقتصاد ،تعمل من أجل نقل المدنية خارج أوربا.
 
        نجد أكثر من ذلك لدى عالم الاجتماع الفرنسي جاك بيرك، وقد كان من أقرب الباحثين إلى بلاد الشمال الإفريقي العربية وإلى العالمين العربي والإسلامي. فهو يصرح بخصوص المعرب بصفة خاصة، بأنه بلد لم يستعمر ولكنه احتل. وكان يقصد بذلك أن وجود القوات الفرنسية في المغرب كان بمقتضى معاهدة حماية، وأن وجود تلك الجيوش لم يلغ السلطة المغربية. ولكن هذا القول غير كاف لوجود تلك القوات مسيطرة على البلاد وفاتحة الطريق، ولو مع بقاء السلطة الوطنية، أمام سياسات استغلال الثروات الوطنية. والتعبير الذي جاءنا به بيرك نابع من الحرج الفكري الذي أحس به وهو الذي كان يقول عن نفسه بأنه ذو هوية مزدوجة شرقية وغربية ينظر إلى كل طرف منهما بعيون الأخرى. ثم إن السلطة الاستعمارية عملت على إزاحة السلطة المغربية عندما لم تسايرها في كل سياساتها.

    مع وعينا بالفوارق الموجودة بين الحالتين، فإنه يمكن مقارنة ما سبق مع وجود القوات الأمريكية اليوم في العراق ووجود قواعد عسكرية لها في الخليج. فتلك القوات حسب تعبير الأمريكيين عن حالتها توجد هناك لتحرير العراق من نظام غاشم ولوضع أسس مجتمع ديمقراطي ولحماية المنطقة والعالم كله من أخطار ديكتاتورية تمتلك أسلحة دمار. لكننا نعلم أن المبررات التي يتم تقديمها لم تعكس الأهداف الحقيقية من احتلال الأرض العراقية.

    هكذا نرى أن  الإيديولوجيا التي رافقت الظاهرة الاستعمارية والهيمنية بصفة عامة حاولت وضع مفاهيم ذات دلالات إيديولوجية لتبرير هيمنتها، ونرى أنه يجب إخضاع تلك المفاهيم للتحليل النقدي الذي يبرز حقيقتها، ويكشف خلفياتها.

2) المصالح الحيوية

    المصالح الحيوية بالنسبة لكل مجتمع أو دولة هي المصالح التي يتوقف عليها وجود كل دولة واستمرارها على ماهي عليه من حيث نظامها السياسي والمجتمعي، ولكنها أيضا مجموع المصالح المادية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والسيادية. لكل دولة الحق في أن تكون لها مصالح حيوية في المستويات التي ذكرناها.

    ما نلاحظه اليوم هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي القوة العظمى في الزمن المعاصر لما، هي الدولة الأكثر استخداما لهذا المفهوم لتبرير سياساتها في العالم على الحد الذي نستطيع القول معه إنها استحوذت على هذا المفهوم وعلى دلالاته بالنسبة للعلاقات الدولية.
    باسم مصالحها الحيوية تسمح الولايات لمتحدة لنفسها بأن تتجاوز المنظمات الدولية، وبأن تتدخل في جهات مختلفة من العالم، ترى أن تلك المصالح فيها مهددة. ولا باس من التدخل لتغيير الأنظمة السياسية والمجتمعية لبلدان أخرى، إذا كانت سياسات تلك الأنظمة تتعارض مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة. تدخلت في القارة الأمريكية في الشيلي، وتدخلت في القارة الأسيوية في العراق. وحتى إذا كان تصرف البلدان الأخرى في ثرواتها متعارضا مع مصلحتها، فإنها تعتبر ذلك مهددا لمصالحها الحيوية، وتتدخل، كما هي الحالة في الخليج.وأكثر من ذلك، فالولايات المتحدة لاتساير المنظمات الدولية التي تتعارض قراراتها مع المصالح الحيوية للقوة العظمى في العالم.
  ليست المصلحة المشتركة للعالم في حفظ مصالح كل البلدان هو المعيار الذي تسمح به الولايات المتحدة، حسب الدلالة التي تعطيها لهذا المفهوم.
 
3) نظام العالم
العصر الذي نعيش فيه هو الذي ظهر فيه بدون مثيل في السابق حيث عن نظام عالمي.  لقد جاء هذا المفهوم نتيجة الوعي بأن العالم صار، أكثر من أي وقت مضى وحدة مترابطة، سواء على صعيد مظاهر تطوره أو على صعيد مشكلاته. تطورت وسائل الاتصال وطرق التواصل، فأصبحت العلاقات قائمة بين جهات العالم المختلفة. كل شيء اليوم له طابع العالمية. لكن وحدة العالم هذه هي التي دعت أيضا على التفكير في شروط تعايش الناس فيه، خاصة أن الحروب بدورها اصطبحت عالمية تتدخل فيها ، مهما كان موقعها كل بلدان العالم عبر المنظمات الدولية على الأقل.

نتيجة لما سلف ذكره صار هناك بحث عن قواعد متبادلة للتواصل والتفاعل وللعلاقات الدولية.هناك بحث عن نظام للعالم يرمز إلى وحدة عميقة مطلوبة هي وخدة الإنسانية. لكن السياسات المتبعة اليوم من طرف القوى الكبرى ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة الأعظم في العالم، وجه السعي نحو وحدة نظام العالم إلى سير نحو إرباكه، كما أكدنا ذلك في محاولة سابقة. لقد أدت التدخلات القوية في توجيه سياسات العالم إلى توجيه التطور نخو القضاء على نظام العالم الذي إما أن يكون عادلا أو لايكون. أما اعتماد القوة كمعيار للحق، قمن شأنه إرباك ذلك النظام.

تلاحظ في إطار ماسبق تحولا في مسار تطور بعض مبادئ إنجاز مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية، بحيث إن المبادئ المطلوبة لذلك الإنجاز ، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، صارت موضوعا لصراعات خرج بها عن أهدافها ، إذ جعل منها مبادئ تعتمد لقوة والتدخل الخارجي في تحقيقها، في حين أنه ينبغي دفع المكونات في كل مجتمع على تحقيقها اعتمادا على تطورات داخلية.

تلك نماذج من المفاهيم التي استخدمت في زمننا لتأكيد الهيمنة، علما بأن الغاية منها قد تكون عكس ذلك. وليس هذا المقال إلا تلميحا للدراسات النقدية التي يمكن أن تنجز بصددها.
 

اجمالي القراءات 7540
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق