الإسلام والغرب... التعايش الممكن

جون إل• إسبيزيتو   في الخميس ٢١ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


لفترة طويلة احتكر المتطرفون والإرهابيون التغطية الإعلامية التي تفرد حيزاً واسعاً لتعليقاتهم، لدرجة التصق فيها الخطاب المتشدد بالعالم الإسلامي وأصبح بمثابة الرسالة التي يوجهها للعالم. لكن في خضم كل ذلك هناك أسئلة كثيرة تطرح، من قبيل: كيف تفكر الأغلبية الساحقة من المسلمين العاديين وكيف تشعر وترى الأمور من وجهة نظرها الخاصة؟ ما هي آمالهم ومخاوفهم؟ وما هي أوجه الظلم التي يستشعرونها وينوءون بحملها؟



وما السبب وراء شعور الكراهية المتصاعد ضد أميركا، والذي يجتاح العالم الإسلامي ويكاد لا يستثني أحداً؟ هل هي مؤشر على صدام الثقافات، كما يرى البعض؟ وهل يكره المسلمون حرياتنا فعلاً، أم أنهم مستاءون من أفعالنا وسياستنا الخارجية؟

وبدلاً من الاستماع إلى صوت المتطرفين والتعامل معه كنموذج ممثل للعالم الإسلامي، أو الاكتفاء بآراء الخبراء والمتابعين لشؤون المسلمين، لماذا لا نتوجه مباشرة إلى تلك الغالبية الصامتة من المسلمين لاستطلاع رأيها واستكناه مواقفها دون واسطة أو تدخل؟ تحقيقاً لهذا الغرض طرحنا مجموعة من الأسئلة على المسلمين في مختلف بقاع العالم حول آرائهم الحقيقية لنخرج بخلاصة أساسية مفادها أنه عندما تُترك الكلمة للإحصاءات والبيانات ونعطيها الفرصة لتقود الخطاب وتتحكم فيه، بدل الانطباعات والأهواء، فإن الأمور تتضح: إذا كانت المشكلة تكمن في الإسلام الراديكالي الذي يحرض على العنف ويرتكز على تفسيرات متطرفة للدين، فإن الحل الأمثل لمواجهته يكمن في الإسلام المعتدل وليس شيئاً آخر مثل العلمانية التي تدعو إليها بعض النخب، لاسيما في نسختها المتطرفة واللادينية.

لذا جاءت الدراسة الجديدة التي قمنا بها تحت عنوان "من يتحدث باسم الإسلام؟ ما هو الرأي الحقيقي لمليار مسلم؟"، لتعكس مواقف حوالي 1.3 مليار مسلم. وقد امتدت الدراسة على مدى ست سنوات قمنا خلالها بأبحاث متواصلة طالت أكثر من 50 ألف مستجوب يتوزعون على 35 بلدا تقطنها غالبية سكانية مسلمة أو تتوفر على أعداد كبيرة من المسلمين. ويُعتبر استطلاع الرأي الذي يمثل أكثر من 90% من السكان المسلمين في العالم، أول دراسة شاملة من نوعها تسعى إلى استكناه آراء المسلمين ومعرفة مواقفهم إزاء عدد من القضايا العالمية. وتتحدى النتيجة النهائية للدراسة المقولات الكلاسيكية حول صراع الحضارات، أو حتمية المواجهة بين الإسلام والغرب، حتى في ظل الحروب الدائرة حالياً في أفغانستان والعراق. وفي بعض الأحيان خرجت الدراسة بنتائج مدهشة وغير متوقعة عندما أظهرت مثلاً أن المسلمين، شأنهم شأن الأميركيين، يرفضون استهداف المدنيين ويعتبرون ذلك أمراً غير مبرر من الناحية الأخلاقية. أما الذين اختاروا العنف والتطرف كوسيلة للرد على خصومهم، فإن الدراسة كشفت بأن ما يدفعهم إلى ذلك هو السياسة، وليس الفقر أو التدين. والأكثر من ذلك أنه من بين 7% من المستجوبين الذين اعتبروا هجمات 11 سبتمبر مبررة، لم يعبر أي منهم عن كرهه للحريات الأميركية، بل بالعكس تماماً أظهرت الدراسة توقهم الجارف لحرياتنا. لكنهم في الوقت نفسه يعتبرون أن الولايات المتحدة، والعالم الغربي عموماً، يتبنى سياسة مزدوجة تقوم على الكيل بمكيالين تقف في وجه المسلمين وتحول دون رسمهم لمستقبلهم باستقلالية وحرية.

المسلمون يرون أن أفضل وسيلة ينتهجها الغرب لتحسين علاقاته بمجتمعاتهم، هي تغيير نظرته السلبية للإسلام، وإعادة النظر في سياساته الخارجية!

ومع أننا في الغرب تنهال علينا صور الشباب المسلم الغاضب وهو يشارك في مظاهرات عنيفة تجوب الشوارع وتتوعد الغرب، أو شباب آخر يلتحق بتنظيم "القاعدة" ويتدرب في معسكراتها، إلا أن الدراسة أظهرت كيف يحلم الشباب المسلم في غالبيته بالحصول على الوظائف والعيش بسلام بدل الذهاب إلى الحرب وخوض المعارك. وعندما سألنا الشباب المسلم عن أحلامهم المستقبلية اتفق أغلبهم على أنها تتمثل في تحصيل فرص عمل جيدة وضمان الأمن الاجتماعي لهم ولأسرهم، ولم يعبر سوى القليل منهم عن رغبته في تبني العنف سبيلاً للتغيير. وقد أبانت الدراسة أيضاً أن المسلمين في مختلف أنحاء العالم ينفرون من العلمانية، كما من الحكم الديني، وهم يسعون، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم في الغرب، إلى مزيد من الحريات والحقوق والديمقراطية. لكن في الوقت نفسه يعتقد غالبية المسلمين بأن على المجتمع أن يستند إلى القيم الإسلامية، وبأن تكون الشريعة مصدراً من مصادر التشريع فيه.

ولا شك أن الغرب سيُسر كثيراً إذا ما عرف أنه من بين كل عشرة مسلمين هناك تسعة يتبنون آراء معتدلة. ويرى المسلمون أن أفضل وسيلة ينتهجها الغرب لتحسين علاقاته مع مجتمعاتهم، هي تغيير تلك النظرة السلبية التي يحملها عن المسلمين وعن الإسلام، فضلاً عن إعادة النظر في سياساته الخارجية. وتبقى الأخبار غير السارة أن عدداً كبيراً من المسلمين الراديكاليين الذين يشكلون 7% من مجموع المسلمين (تتحول هذه النسبة إلى 91 مليون مسلم في العالم)، مستعدون لارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين. وستواصل هذه الراديكالية تحديها للغرب طالما ظل الشعور بالإقصاء السياسي والظلم مهيمناً على المسلمين. وتخلص الدراسة في النهاية إلى أن الصراع بين المسلمين والغرب ليس حتمياً، وبأنه مرتبط بالسياسة أكثر منه بالدين. لكن ما لم يستمع صناع القرار مباشرة إلى الأشخاص العاديين ويتخلصوا من التصورات المغلوطة التي تتحكم في الإدراك، سيواصل المتطرفون على الجانبين معاً اكتساحهما لمواقع جديدة.

اجمالي القراءات 6697
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق

اخبار متعلقة