حسن حنفى يحاول توجية الفكر الاسلامي نحو اليسار:
عرض لكتاب : صانعوا الإسلام المعاصر

signature   في الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


الكاتبان جون اسبوسيتو { الأستاذ الجامعى بجماعة جورجتاون الأمريكية ، ومدير مركز التفاهم الاسلامى المسيحي ، وصاحب مجموعة كبيرة من المؤلفات أهمها " تاريخ الإسلام لجامعة أوكسفورد" (عام 2000) ، والخطر الاسلامي :( واقع أم أسطورة) (عام 1999) ، و " الاسلام : الطريق المستقيم (1998) ، وموسوعة اكسفورد للعالم الاسلامي الحديث (1995) }. و جون فول {استاذ التاريخ الاسلامي بنفس الجامعة ، ومؤلف كتاب "الاسلام : الاستمرار والتغير فى العالم الاسلامي"} ، واللذان اشتركا معا فى كتاب "الاسلام والديمقراطية (1996)" الذى قدما فيه بالاضافة الى كتاباتهما المنفردة - رؤيتهما المحايدة للاسلام التى نالت الكثير من الجدل الواسع نظرا لما قدمته من نظرة جديدة خالفت النظرة التقليدية التى طالما نظر بها العالم الغربى للإسلام . وفى مايو 2001 اجتمع الكاتبان معا مرة أخرى فى اصدار كتاب "صانعوا الاسلام المعاصر: "، والذى صدر فى  257 عن مطابع أكسفورد. 

وفى هذا الكتاب يتعقب الكاتبان نمو تيارات اسلامية معاصرة عن طريق تناول حياة و أطروحات تسعة شخصيات ثقافية اسلامية أثرت اعمالهم فى مختلف أوجه التفكير الاسلامي على مدى العقدين السابقين اللذان شهدا بزوغ الحركات الأصولية الأسلامية كقوى طاغية على سطح الأحداث. وشارك كل منهم بصور مختلفة فى تفاعلات هذه الظاهرة برؤيته الخاصة التى مثلت مدى  واسعا من التمايز الجغرافى والثقافى والديني عبر المجتمعات الاسلامية المختلفة ، وقد خصص لكل واحد منهم بابا منفصلا بعناوين دالة،  وهم  : اسماعيل راجى الفاروقى (رائد التقارب الاسلامي المسيحي الأمريكي الفلسطيني الأصل ) ، وخورشيد أحمد (ناشط اسلامى واقتصادي باكستانى) ،و مريم جميلة (صوت الاسلام المحافظ) ، حسنى حنفى (المفكر الـ"كلاسيكي") ، ورشيد غندوشى ( ناشط تونسى فى المنفى) ، وحسن الترابى (المنظر السوداني) ، وعبد الكريم سروش (رائد من رواد الحركة الاصلاحية فى ايران ) ، وأنور ابراهيم ( ناشط اسلامى معتدل ماليزي) ،و عبد الرحمن واحد "رئيس اندونيسيا السابق " ( الرئيس المفكر) .وبقدر ما حاول المؤلفان مراعاة اتساع التمثيل والتنوع الجغرافى ليشمل مختلف البلدان والتيارات الإسلامية ، وما حاولا تبريره فى المقدمة بالحديث عن دور المثقف فى المجتمع وتأثيره فيه ، الا أن فكرة تمثيل التيارات الفكرية الاسلامية الحديثة بأشخاص تظل محل خلاف ، خصوصا مع اتساع أطروحات الفكر الديني فى التيارات الاصلاحية الذى قد يتشعب منطقيا بتشعب وتجدد المسائل الخلافية ، فى الوقت الذى تجاهل الكتاب شخصية كشخصية ابن لادن وما يتبعه من أنصار الفكر السلفى الذى قد يطبق عليهم نفس المبدأ بسهولة نظرا لما يتميز به هذا التيار من جمود . وبالرغم من ذلك فإن المؤلفان استطاعا وبصورة غير مسبوقة كمثقفين غربيين فى هذه الكتاب ان يضعا حد فاصلا بين "المفكر" ، و "الناشط السياسي" ولم يقعا فى الفخ الذى وقع فيه أغلب من تابع ظاهرة الاسلام السياسى حتى من داخل العرب والمسلمين فى رصدهم للظاهرة، كما قسم المؤلفان الفكر الأسلامي لمدارس محددة أولها : العلماء الدينيين التقليديين، و المثقفين العلمانيين ، ومفكرى "تحديث"الاسلام (المجتهدين) ، ويرى الكاتبان ان المفكرين التسعة التى اختيروا لهذا الكتاب يقعوا أسرى لنفس المدارس ، إلا أنهم يشتركون فى أنهم يتخذون موقفا نقديا لتراثهم الثقافى ويؤمنون بالحوار مع الثقافات الأخرى .

ويمثل المثقفين العرب كلا من اسماعيل فاروقى و حسن حنفى ، وحسن الترابى ورشيد غندوشى ، أما فاروقى وحنفى فإنهما يتمتعان بدراسة أكاديمية للدراسات الاسلامية والفلسفة الغربية ، فالفاروقى الذى قضى حياته العلمية فى أمريكا الشمالية كان ناجحا فى عرض الفكر الاسلامى باللهجة العلمية الفلسفية التى يفهمها الغرب ، وخصوصا فى الدراسات المقارنة، ولذلك كان أكثر شهرة هناك، أما حسن حنفى فهو "كاتب كثير الانتاج" تمثلت معظم أطروحاته حول مفهوم "التراث" وتدعيم مصطلح "اليسار الاسلامي" كشاطئ يمكن أن تجنح اليه سفينة التأسلم عندما تسعى أن تترجم فكرها النقدى الى عمل فعلى . أما الترابى فهو يركز على الوظيفة السياسية للإسلام أكثر من التأصيل الفلسفى له، وهنا تظهر بعض السطحية فى تفسيرهم للنظام السودانى على أنه دولة إرهابية ، يحاولان تبريرها بأن الترابى طالما استخدم سياسات معادية للتوجهات الاسلامية غالبا ما تكون تصادمية مع الغرب ليطبق أجندته الخاصة. ومن جهة اخرى فإن غنوشي ومن نفس المنطلق يسعى الى تفصيل أهمية التواصل بين المناطق الثقافية لتبادل الانجازات الخاصة بكل منطقة مع صيانة الأصالة الثقافية لكل منها.

أما خورشيد أحمد الباكستانى فإنه كان مشتركا فى تأصيل ما سمى "بالنظرية الاقتصادية الاسلامية" والتطبيق الفعلى لها خلال توليه وزارة الخزانة الباكستانية ، ومع توجهاته الشيوعية ، فإنه كان يعتبر جزءا أساسيا للجماعات الأسلامية التى أسسها المودودي . و عبد الكريم سروش ، الذى تخصص فى العلوم الطبيعية ، فإنه استطاع ان يظل فى مركز المؤسسة الثورية الأيرانية مع محافظته على موقفه المخالف للرؤية التعصبية التى ترى تعارض الاسلام مع السياسة والعلم وفى هذا الصدد فإنه يتخذ موقفا مهما فى التمييز بين الدين والفكر الديني ، ويؤيد موقفه من خلال خبرته بالنصوص الدينية. ويجمع الكاتبان بين أنور ابراهيم وعبد الرحمن عبد الواحد ، ليس فقط لأنهما من نفس المنطقة الجغرافية (جنوب آسيا ) ولكن لتقارب فكرهما ، ومأساتهما الشخصية ،  فأنور ابراهيم هو رئيس وزراء سابق لماليزيا ، ويقضى الآن عقوبة السجن بتهمة التعاون فى الفساد والتمييز العرقى. اما عبد الواحد فقد أهين وأجبر على الاستقالة من رئاسة أندونيسيا . اما الشخصية النسائية الوحيدة فى هذا الكتاب ، وهى مريم جميلة الأمريكية اليهودية الأصل والتى اعتنقت الأسلام ، فإنها صنعت لها سمعة "ككاتبة تقليدية متمسكة بالقيم العظيمة للتراث الاسلامية " . ومن هنا فإن معظم اسهاماتها تأتى فى اطار الدعوة والخطابة .

 

اجمالي القراءات 12559
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق