50 سنة ..... طوارئ؟!

signature   في الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


على مر الحضارة الإنسانية دائما ما اتهم الأدباء بمحاولة المبالغة والتهويل  واللجوء للخيال حتى يستطيعوا الترويج لأفكارهم ومعتقداتهم ، ولكن فى هذا الكتاب ( 50 سنة طوارئ ) للكاتب صابر نايل فإننا نعتقد أن الواقع أقسى وأبلغ كثيرا مما ساقه الكاتب من أحداث ، ونستطيع أن يتأكد القارئ من ذلك من المفارقة الكبيرة فى عنوان الكتاب ، حيث من المفترض أن تكون حالة الطوارئ حالة استثنائية من الزمن متصلة بظروف معينة تنتهى بانتهائها ، ولكن أن تمتد هذه "الطوارئ" على مر 50 عاما متتالية (منذ 1953) في بلد حظى على استقلاله من الاحتلال الأجنبي منذ أقل من 50 سنة (منذ 1956 بالتحديد )  فهل هناك مفارقة أقسى من ذلك ؟؟

خمسون عاما صعد فيها العالم المتقدم للقمر ، وحقق مستويات عالية من الرفاهية والمعرفة والتقدم التكنولوجي ، مالم يحققه على مر التاريخ بأكلمه ، خمسون عاما نضج فيها الفكر الإنساني فدعم العدالة والمساواة وتخطى الاهتمام بحقوق الإنسان الى حقوق الحيوان ، فى والوقت الذى تجري فيه مصادرة حقوق الإنسان المصرى و مصادرة الحياة السياسية المصرية تباعا بدعاوى متتالية ، بدءا بالقضاء على أعداء الثورة أو بالتعبير الثورى (مسك البلد) مرورا بالقضاء على الاستعمار ومحاربة اسرائيل وتحرير الأرض والقضاء على مراكز القوى وانتهاءً بمقاومة الإرهاب. خمسون عاما عشنا فيها تحت شعارات نبيلة من نوع  " ارفع رأسك يا أخى " ولكن كان تكملتها كما يصرح الكاتب " حتى أقطعها لك " ، خمسون عاما كان فيها دائما مخبر و تهمة لكل مواطن ( وما أجمل تعبير الكاتب عن ذلك بقصة القس المسيحي الملتحي الذى قبض عليه بتهمة الانضمام للإخوان المسلمين ، ثم عندما ثبت لديهم انهم مسيحي ، حولوا تهمته الى الانضمام لتنظيم شيوعي ) ، خمسون عاما علمتنا قسوة الواقع أن نقرأ ونغمض أعيننا عن ما وراء السطور ، علمتنا أن نقرا ( القبض على تنظيم ) لمجرد أنه ( يرى .. ويعتقد .. وينكر ) فلا نهتم ، - خمسون عاما أصبح فيها ( اجتماع أكثر من شخصين فى أى مكان يعتبر تنظيم سرى ) يعاقب عليه بالسجن المؤبد فى حالة السلم ، وبالإعدام فى حالة الحرب ، ومازلنا لا نهتم.

من هنا نرى تنبع أهمية العمل الأدبي الذى بين أيدينا لرصد قسوة الواقع ، مستخدما التعبير الأدبي القصصي بقصتين الأولى بعنوان ( خمسون سنة قانون طوارئ) وتدور أحداثها خلال الخمسون عاما الماضية وبالتحديد منذ بداية الثورة واعلان الأحكام العرفية من خلال تتبع حياة عائلة الشيخ عبد الفتاح الفيومي وجيرانه من أهل الفيوم ، هؤلاء الأشخاص الذى تنكر الكاتب لحقيقة وجودهم  ، إلا إننا نتلمس خلال القصة بأحداثها وأزمنتها وأماكنها ما يؤكد عكس ذلك . وتبدأ القصة بخبر اعتقال الشيخ عبد الفتاح الذى يعمل مقيم للشعائر بأحد المساجد بمدينة الفيوم – التى شهدت مجمل أحداث القصتين – لحيازته مؤلفات سيد قطب ، ثم تنتقل القصة لسرد قسوة التعذيب الذى لاقاه هو وزملاءه فى سجن وادى النطرون بالفيوم حتى يلقى حتفه ، ثم يبدأ بعد ذلك مسلسل اضطهاد عائلته ، حيث تمنع المباحث اتصالهم الناس بهم ، ثم تقوم بسجن من جرأ على مساعدتهم من الجيران ( محمود الجزار ونصار السقا ) وتلفيق تهمة الدعارة لزوجته أم محمد ووفاتها على أثرها ، ثم ينتقل الكاتب برشاقة للحديث عن عمليات المقاومة التى تولدت ضد الذل الذى يمارسه البوليس السياسي ضد أهل الفيوم ، وبين أبناء الجيش المصري الذى أرسلوا ليحارب فى سيناء ليقولها وبصراحة على لسان أحد أبطاله ( خنصر ابن محمود الجزار) " ان تهاونت فى كرامتى فلن أستطيع حماية وطنى ، فالإنسان العبد لا يحرر وطنا" . ليرصد بمفارقة مؤسفة أحوال المصريين سواء على جبهة سيناء ، أو داخل مؤسسات الحكم ( الصحافة والبرلمان والجيش والشرطة) التى استغلت حالة الطوارئ فى فرض حالة من الضياع والتخبط أدت الى هزيمة 1967 ، ثم ينتقل الكاتب فى عجالة لقضية قمع مراكز القوى والانتفاضات الشعبية منتهيا بمناقشة حجج مقاومة الإرهاب ، صارخا ""ألغوا قانون الطاورئ ، ولن نحتاج لمكافحة الأرهاب ،  ألغوا قانون الطوارئ وسوف نستفيد من مليون جندى مركزى نوجههم لاصلاح الصحراء ، بدلا من استخدامهم فى تهشيم رؤوس المتظاهرين فى الجامعات .. " . بينما القصة الثانية ( باب الوداع ) تدور أحداثها قبل الثورة وفي نفس المنطقة ، حيث شاع الفساد والجريمة واستعباد الفلاحين وترهيبهم بين زوي السلطة من الباشاوات والإقطاعيين وذوي النفوذ والإرهاب من اللصوص وقطاعي الطرق ، وتنتهى القصة بصرخة تحذير أخرى من تفجر الموقف ، حيث عندما ينتهى الأمل فى الغد  (ويكره الجميع مجيء الليل خوفا من زوار الفجر) حينها يصبح أضعف وأطيب هم أسرعهم الى الثورة لأن ( أيأس الناس أشجعهم )..

اجمالي القراءات 7971
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق