زبانية هتك العرض في السجن

الفجر   في الإثنين ١٩ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


أخيراً نجحت أجرأ حملة صحفية لـ«الفجر» ضد زبانية هتك العرض... فقد وضعت المحكمة حداً لقضية عماد الكبير - أول قضية تعذيب مصورة - حكمت بحبس إسلام نبيه الضابط المتهم بتعذيبه ومعه رضا فتحي أمين شرطة بالحبس 3 سنوات.. فور صدور الحكم وقف عماد الكبير يهتف «الله أكبر.. أنا مش عايز غير كده».. بينما انهار إسلام نبيه وامتلأت عيناه بالدموع.. خرج إسلام من قاعة المحكمة بسرعة من باب صغير يؤدي إلي الجراج ولم تسمح قوات الأمن بمرور أحد إلا والده الذي بدا عليه الحزن الشديد ومعه ابن خالته.. لكن الزميل كمال مراد نجح في المرور من الباب مسرعاً خلف إسلام وعندما سأله رجل أمن عن هويته قال إنه شقيق إسلام فسمحوا له بالمرور.. ما فعله كمال ربما رغبة منه في تسجيل لحظة نادرة.. شاهد عن قرب دموع إسلام وانهياره.. وشاهد الحرس وهم ينهون الإجراءات بسرعة لترحيله إلي محبسه لقضاء فترة العقوبة التي قضي منها 10 أشهر.. بعد نحو نصف ساعة خرج إسلام وهو منهار يسنده اثنان من رجال الأمن.
نجحت «الفجر» في حملتها.. طوال سنة تقريباً وهي تتابع القضية.. كنا أول من فجرها وأول من عثر علي عماد الكبير وقدمه للرأي العام.. فعماد لم يكن سوي كليب شاهده كثيرون علي شبكة الإنترنت وتبادلوه علي تليفوناتهم المحمولة.. كان مجرد شبح.. لا اسم له ولا عنوان.. مجرد شخص يصرخ من عصا تم وضعها في مؤخرته.. الكاميرا تظهر وجهه وتخفي بقية الوجوه.. لكننا عثرنا عليه وتبنينا قضيته.. وتابعنا تفاصيلها لحظة بلحظة.. تحملنا في ذلك الكثير من المشكلات والضغوط.. تدبير مؤامرات وبلاغات ضد الجريدة باتهامات كاذبة.. وأن الجريدة ستبيع عماد الكبير لحساب الداخلية وستقبض الثمن.. اتهمونا بما يصل لتلفيق قضية مخدرات، لكننا لم نلتفت فقد كان هدفنا انصاف من وقع عليه الظلم وتقديم الجاني إلي العدالة.. كان هدفنا فضح ما يجري في أقسام الشرطة من ضرب علي القفا وشتيمة بالأب والأم وتعذيب بالعصا.. وتحمل أيضاً عماد الكبير الكثير بدءاً من العصا التي أدخلوها في مؤخرته مروراً بتهديده هو وأسرته وانتهاء بعرض أموال عليه حتي يتنازل عن بلاغه ضد الضابط، وصل المبلغ وكما قال إلي 700 ألف جنيه، لكنه رفض فكنوز الدنيا لن تنفعه ولن تعوضه عن الآثار التي لحقت به.. الآن «راسه في السما» بينما راس إسلام نبيه في سابع أرض!!

تغير عماد الكبير تماماً بعد الحكم لصالحه لم يعد هذا الشخص الذي عثرنا عليه في موقف ميكروباص في بولاق الدكرور.. لم يعد هذا الشخص الذي تحدث لأول مرة في قناة فضائية يحكي ما جري له.. لا يعنينا أن الشهرة عرفت طريقها إليه وغيرت من أدائه.. ولا يعنينا أن هناك من تاجر به واستفاد منه إعلامياً وأوحي للناس أنه هو من توصل إلي عماد الكبير ودافع عنه.. وكأنه لم يقرأ «الفجر».. وله ولغيره نحكي لكم الحكاية من البداية:

انتشرت علي مواقع الإنترنت كليبات عما يجري بأقسام الشرطة.. كان من بينها كليب عماد الكبير.. وقتها كتب الزميل وائل عبدالفتاح عن كليبات التعذيب وعن زبانية الداخلية، وناشد في نهاية ما كتبه الضحايا الإعلان عن أنفسهم، لكن لم يعلن أحد عن نفسه والتزمت الداخلية بالصمت ولم تعلق حتي علي الكليبات.. في هذا الوقت كان زميلنا كمال مراد قد انضم إلي كتيبة «الفجر» منذ شهرين.. شاهد الكليب أكثر من مرة حتي يعثر علي خيط يدله علي بطل كليب العصا.. دخل علي زميلنا عصام الزيات في الديسك وقال له «ح أجيب الراجل دا من تحت الأرض»، رد عليه عصام «ورينا يا سيدي شطارتك.. بس والنبي وأنت بتجيبه ما تناساش تجيب العصايا معاه».. سخرية عصام كانت تحدياً لكمال لأن يأتي ببطل التعذيب.. السخرية لم تنل من حماسه.. خرج كمال مراد من حجرة الديسك إلي مشاهدة الكليب مرة أخري.. ربما لا يعرف إسلام نبيه حتي هذه اللحظة أنه الشخص الوحيد الذي ساعد كمال مراد في أن يصل إلي عماد الكبير عندما قال لضحيته في الكليب وهو يشتمه بألفاظ قاسية «بكره كل الموقف ح يشوف اللي حصل لك».. هنا عرف كمال مراد أن الضحية سائق ميكروباص، لكن في أي موقف فالمواقف كثيرة؟! استمرت رحلة البحث 17 يوماً بدأت بمواقف السرفيس الرئيسية.. الرحلة يومياً من الساعة الخامسة مساء وحتي منتصف الليل.. كل ما كان يحمله كمال كارت عليه تليفونه المحمول وشنطة بها قلم وأوراق وكاسيت وصورة للضحية تم التقاطها من الكليب المصور.. في كل موقف كان يترك رقم تليفونه وفي أحد الأيام «الأربعاء» اتصل به شخص قال له: «إنت كنت بتسأل عن صاحب كليب التعذيب.. علي العموم هو موجود في بولاق الدكرور عند المزلقان» ثم أغلق الخط، كانت الساعة الثامنة مساء والأمطار تغرق شوارع القاهرة، لم يفكر كمال كثيراً، نزل من بيته في حدائق المعادي إلي مقر الجريدة في المهندسين وحكي لعبدالفتاح علي نائب رئيس التحرير ما جري فاتصل بزميلنا المصور أحمد حماد حتي يكون مستعداً، اتفق كمال وحماد علي القيام بالمغامرة في الصباح.. لكن كمال لم ينتظر حتي يأتي الصباح.. ذهب إلي بولاق الدكرور ونترك كمال ليحكي لكم «وصلت إلي الموقف كان عليّ السؤال بحرص وحذر.. اقتربت من سائقي الميكروباص الذين تجمعوا في أحد أركان الموقف.. سألتهم عن صاحب الصورة، لكنهم أنكروا معرفتهم به وابتعدوا عني، الطريقة التي تصرفوا بها معي غريبة وكأنهم يخشون من شيء، أحدهم قال لي أعبر المزلقان، ربما كانت هذه اللحظة الفارقة في القضية، والتي عبرت بها من المزلقان إلي العالم كله، وحولت مجري الأحداث في كليبات التعذيب في مصر.. توجهت لإحدي سيارات الميكروباص الموجودة في الموقف، وسألت سائقاً شاباً بعد أن أخرجت له صورة من بين طيات ملابسي للضحية بدا علي السائق الذهول وقال ده عماد الكبير، سألني عن هويتي فأخبرته أنني صحفي في جريدة «الفجر» جئت لمساعدته.. مرت دقائق وهو ينظر لي ويفكر وينظر من حوله في حذر، ثم قال «اركب أوصلك له».

بالفعل ركبت سيارته الميكروباص وجلست إلي جواره.. لكن يبدو أن تحركاتي في الموقف كانت مراقبة، قبل انطلاق السيارة صعد أمين شرطة، وطلب منه التوجه إلي القسم للقيام بمأمورية وهو يرمقني بنظرات غريبة، دار حوار بين السائق وأمين الشرطة جسد مدي تعنت الشرطة في التعامل مع السائقين في الموقف، في النهاية نزل كل الركاب من السيارة ونزلت أنا أيضاً وابتعدت عن السيارة بعد أن أشار لي السائق الشاب بالانتظار بعيداً بعد أن أرسل التباع الذي يعمل معه لإحضار عماد.. حضر عماد ومعه شقيقه عبده وابن عمه وبعض أصدقائه كانت لحظة فارقة في الموضوع برمته الشخص الذي تبحث عنه الدنيا كلها يقف أمامي.

سألته: هل أنت صاحب كليب التعذيب الموجود علي الإنترنت؟ فأجاب: نعم ماذا تريد؟ أخبرته أنني جئت لمساعدته وحتي أتأكد من أنه هو صاحب الكليب سألته: هل كنت تعلم أنه كان يتم تصويرك؟ فأجاب: نعم، وهنا تيقنت أنه صاحب كليب التعذيب، لأن الضحية في الكليب نظر إلي الكاميرا لمدة ثوانٍ اصطحبني الجميع إلي كبير العائلة عم عماد الكبير في أحد الشوارع الجانبية بالقرب من الموقف.. رجل صعيدي يرتدي جلباباً وعمة، أخبرته بما جئت إليه. قال «الموضوع انتهي ونحن لا نريد مشاكل مع الداخلية وأخبرني أنه بالأمس حضرت بعض قيادات الداخلية ومدير أمن الجيزة ومساعده واتفقنا علي إنهاء الأمر بالكامل، ونحن لا نريد الصحافة، الموضوع يمس شرفنا وعرض ابننا، ما حدث قضاء وقدر، وطلب مني الرحيل بطريقة مهذبة، تركته وأثناء خروجي تقابلت مع عماد وطلبت منه الحديث بعيداً عن عمه.

انتظرته علي ناصية الشارع حضر مع بعض أقاربه وبدأت في اقناعه بالذهاب معي إلي الجريدة وبدأ يحكي لي بسرعة كيف ذهب لمنزل وزير الداخلية حتي لا تدخل العصايا في شقيقه عبده، قال: اسمي عماد محمد علي الكبير ما حدث كان في بداية العام تقريباً.. الضابط الذي قام بذلك هو إسلام نبيه، معاون قسم بولاق الدكرور، وقام بالتصوير أمين الشرطة رضا فتحي ولكنني لن أذهب معك مهما حدث، الناس دي مبتعرفش ربنا أنا خايف علي اخواتي البنات وأمي بعد أن مات والدي بسبب ما حدث، قال عماد لي: كل الدنيا ضدي. استمر الحوار بيننا لمدة ساعة تقريباً في حضور شقيقه عبده الذي أخرج لي صورة وهو عارٍ وتظهر عليه آثار التعذيب والضرب بالكرباج علي ظهره.. في تلك الأثناء أجريت اتصالاً بالزميل عبدالفتاح علي وأخبرته بكل ما حدث وأعطيته عماد ليتحدث معه وبعد شد وجذب كنت أحاول أن اطمئن عماد للذهاب معي، اتفقت معه علي الحضور إليه في الساعة التاسعة صباحاً لاصطحابه إلي مقر الجريدة.. وقبل أن أرحل استمعت منه لتخليص ما حدث معه.

أثناء عودتي إلي منزلي في حدائق المعادي تلقيت اتصالاً هاتفياً من عبدالفتاح علي يطلب مني متابعة الموضوع في الصباح والتنسيق مع أحمد حماد مصور الجريدة.

وبعده بدقائق تلقيت اتصالاً من أحمد حماد واتفقنا علي ميعاد نتقابل فيه في الجريدة.. كانت ليلة عصيبة بالنسبة لي لم أذق فيها طعم النوم لحظة واحدة، في حوالي الساعة الثامنة التقيت مع الزميل أحمد حماد في مقر الجريدة وتوجهنا إلي موقف بولاق الدكرور في حوالي الساعة التاسعة، بدأت أجري اتصالات هاتفية مع عماد علي هاتفه المحمول قابلت بعض أصدقائه الذين اصطحبوني إلي مقهي صغير في حارة جانبية من شارع ناهيا.. مرت الدقائق صعبة ومملة، أجريت أكثر من خمسة اتصالات مع عماد الذي كان يخبرني أنه في الطريق وسيكون موجوداً خلال نصف ساعة، مرت ثلاث ساعات وعماد يماطلني ويتهرب مني في كل مرة اتصل به.. كان علي التصرف بأي طريقة، اتفقت مع زميلي أحمد حماد الذي كان له دور لا يستطيع أحد إنكاره علي تصويره بمجرد ظهوره.

كان لابد من الكشف عن جريمة تمت في الظلام في حق المجتمع ويحاول المجني عليه والجاني اخفاءها.. تركت مكاني علي المقهي وتوجهت إلي الموقف بعد نصف ساعة رأيت عماد يتحدث مع شقيقه عبده الذي كان يستقل سيارة ميكروباص امتلأت بالركاب ويستعد للرحيل، عادت إليّ الروح من جديد ابتعد عني عماد، وكأنه لا يعرفني أو يشاهدني من قبل، لاحظت وجوداً أمنياً غير عادي في الموقف، توجه عماد ليتحدث مع بعض أصدقائه وهنا أسرعت بالاتصال بزميلي أحمد حماد، الذي حضر علي الفور، أشرت له علي عماد وهو قادم نحوي فتمكن حماد من التقاط أول صورة لعماد الكبير فتحت باب القضية كلها.

بدأ عماد يتحدث معي ويحكي لي ما حدث بالتفصيل، حاولت بشتي الطرق إقناعه بالحضور معي إلي مقر الجريدة، ولكنه رفض بعد أن أنهي حماد مهمته ببراعة، دون أن يشعر عماد بأي شيء أشار لي بانتهاء مهمته.. طلبت من عماد الجلوس في أي مكان للحديث وعلي قهوة بالقرب من الموقف بدأ عماد يحكي لي تفاصيل ما حدث له، التف حولي مجموعة كبيرة من أقارب وأصدقاء عماد كان عليّ أن أحفظ كل حرف ولفظ وكلمة تخرج من عماد بكل دقة.. دون أن أدون أو أكتب حرفاً واحداً حتي لا أثير غضبه أو شكه، قال عماد: أنا خايف علي اخواتي البنات ملهمش حد غيري بعد موت أبي هددوني بتلفيق قضية بانجو لشقيقي واتفقت مع الضابط وقيادات في الشرطة علي إنهاء الموضوع، وأخذت وعداً بإنهاء قضية مقاومة السلطات، قال لي عماد: كل الدنيا ضدي حتي أقاربي خائفون من بطش الداخلية وعلي استعداد للشهادة ضدي. تعالي صوت عماد وطلب مني الرحيل بطريقة غير لائقة واعترف أنني كنت اتعمد إثارته ليقول لي كل شيء بالتفصيل، تركت عماد وهو في قمة غضبه.. خرجت من القهوة وعبرت المزلقان إلي شارع السودان ، وفي حوالي الساعة الرابعة وصلت إلي الجريدة، وكان حماد قد سبقني بالصور التي انفردت بها «الفجر».

نشر الموضوع بعنوان «الفجر تعثر علي بطل كليب التعذيب» مع أول صورة تنشر لعماد الكبير فتح الموضوع طاقة جهنم علي وزارة الداخلية، أرسل النائب العام خطاباً للجريدة يؤكد أنه سيفتح التحقيقات إذا ما ثبت صحة ما نشرته «الفجر».

فوجئ عماد الكبير بنشر الموضوع وصوره عليه وكان علي الداخلية التحرك لإنهاء الأمر بأي طريقة، تم استدعاء عماد إلي قسم شرطة بولاق، وبدأت الضغوط عليه للتنازل وإنهاء الأمر، وتم تدبير مؤامرة علي «الفجر» وقام عماد بتحرير محضر ضد «الجريدة» متهماً إياها بنشر وقائع كاذبة. في المساء اتصل بي عماد علي تليفوني المحمول، وطلب مقابلتي كان ذلك في مساء يوم الأحد، حضر عماد إلي مقر الجريدة مع شقيقه عبده عاتبني عماد بشدة لنشر الموضوع وصورته، واعتبر ما حدث فضيحة له بين أقاربه في الصعيد وفي الجريدة أيضاً جاء ناصر أمين المحامي واستمرت الجلسة حتي الساعات الأولي من الصباح وفي المساء نشرت الصحف القومية البلاغ الذي حرره عماد ضد «الفجر» وتمكنا من العثور علي صورة منه من عماد نفسه في الأسبوع نفسه، تحركت الدعوي التي تقدم بها ناصر أمين للنائب العام قبل ذهاب عماد للنيابة قمت بتسجيل اعتراف عماد دون أن يشعر بواسطة تسجيل وضعته في جيبي خشية من تراجع عماد، خصوصاً أنه تعرض لضغوط كبيرة من الداخلية وأقاربه للتنازل واتهام «الفجر» ومحرريها بالكذب والتضليل.

في صباح يوم المحكمة توجهت لاحضار عماد في عربة خاصة، وكان معه محام خاص من بولاق الدكرور، وكله عماد للحضور في قضية التعدي علي السلطات، وكان يعرف كل تفاصيل القضية، ولكن كانت له حسابات خاصة مع المسئولين في قسم بولاق منطقة عمله، لم يتقدم بالبلاغ عن الواقعة وعندما علم ناصر أمين ذلك وصفه بأنه «محامي نصف كم ولا يفهم في القانون»، وتوجهنا إلي النيابة نزل عماد الكبير معي من السيارة، وكان في انتظاره كل وسائل الإعلام والقنوات الفضائية وزميلي أحمد حماد.. دخل عماد الكبير إلي غرفة وكيل النيابة وبعد ساعات خرج ناصر أمين ليعلن براءة «الفجر»، فقد أكد عماد كل حرف نشرناه.

الحكم علي إسلام نبيه لم يكن انتصاراً لعماد الكبير وحده.. هو انتصار لكل الذين تعرضوا للتعذيب من قبل زبانية الداخلية.. وضاعت حقوقهم.. الحكم درس قاسٍ يجب أن يتعلم منه رجال الداخلية قبل أن يفعلو اما فعله إسلام نبيه، لكن يبدو أنه لن يتغير شيء في معاملتهم ولن يتراجعوا ولا تنتظروا خيراً من ورائهم.
 

اجمالي القراءات 9537
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق