أخوان مصر وأخوان الأردن

توجان فيصل-الراية القطرية   في الأربعاء ١٧ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


البيان الذي اصدره الأخوان المسلمين في مصر والمتضمن طروحات متطرفة من مثل حصر الولاية السياسية بالمسلمين ورفض مساواة المرأة ، اعتبره البعض كشفاً لحقيقة قناعات الأخوان التاريخية منذ تشكل تنظيمهم ، والبعض الآخر اعتبره مؤشراَ علي وجود انقسام داخل الحركة وفي مصر تحديداً ، مكان ولادة ومركز قيادة الحركة ، مما يرجح أن ذات الانقسام حادث في الفروع وقد يظهر قريباً .



ولكن البعض الاخر أشار إلي أن انقساما ، أو فصاماً ، أيديولوجيا آخر قد حدث من قبل بين قيادة الأخوان التاريخية في مصر ، وبين فروع التنظيم في الدول العربية والمسلمة الأخري ، شبيه بالفصام ما بين مركز الحركة في القاهرة وفروعها في الأقاليم والأرياف المصرية ، بحيث تطغي السمة المحافظة والمتشددة علي بعض القيادات التقليدية في المركز في القاهرة تحديداً .

تلك كانت آراء بعض المختصين في قضايا الإسلام السياسي من أخواننا المصريين ، المطلعين بدقة وتفصيل علي تاريخ وواقع الأخوان المسلمين في مصر . ولكن من منطلق إطلاعنا ومتابعتنا لواقع الأخوان المسلمين في الأردن نجد أنه من المجدي أن نبدي الملاحظات التالية للمساعدة علي إيضاح الصورة الكلية لمسار وواقع هذا التنظيم الرئيس في مجموعة ما يعرف "بالإسلام السياسي" في العالم العربي خاصة .

بداية نقول أن الأخوان المسلمين في كافة أنحاء العالم العربي في أربعينيات هذا القرن (عند نشوء تنظيم الأخوان في الأردن) كانوا موحدين في الفكر والبرنامج وحتي في عقد لواء القيادة لزعماء إخوان مصر.

وأبرز سمات هذا التوحد أن مؤسسي الحركة وقادتها الأوائل في مصر(حسن البنا وسيد قطب خاصة) كانوا وما زالوا يعتبرون القادة الروحيين للتنظيم ، تتلمذ علي يدهم قادة الأخوان في الأردن، وكتبهم ومؤلفاتهم تدرس للأتباع باعتبارها المرجعية الفكرية للتنظيم الفرع.

ولكن الفارق الرئيسي بين تنظيم الأخوان الأم في مصر وفرعه في الأردن ،هو في كون الأخوان في مصر بدأوا وظلوا معارضة وحجبت عنهم الدولة صفة الشرعية السياسية - رغم غض الطرف المتذبذب عن وجودهم وأنشطتهم - وفعّلت هذا الحجب في المراحل الحساسة والمفصلية ، مثل خوض الأخوان الإنتخابات النيابية او مطالبتهم الأخيرة بتشكيل حزب سياسي تابع لهم .

وبالمقابل فإن تنظيم الأخوان في الأردن بدأ بترحيب رسمي ، بحيث افتتح الأمير عبد الله مقرهم عند إشهارهم عام 46 ، وبقوا التنظيم الوحيد المرخص له بالعمل كحزب سياسي رغم رفض الأخوان لتسمية " الحزب " لأسباب أيديولوجية تنبع من عدم إيمانهم بالتعددية اللازمة للحزبية الديمقراطية ، وعدم إمكانهم إعلان أهدافهم بالوصول للحكم بالمقابل - كحال أي حزب يريد أن يظل أوحداً - وخسارة تحالفهم مع نظام خصهم برعاية تفضيلية حصرية .

وحين رأي الأخوان ان من مصلحتهم التسمي باسم حزب ، ورغبوا في الوقت ذاته بالإبقاء علي صفتهم التنظيمية الأساسية الغائمة والتي لا رديف لها في قاموس العمل السياسي في العالم كله.. رضي النظام الأردني بمنحهم هذه السمة المزدوجة، ولهم حصرياً ايضاً .

بل وزاد علي هذا بأن أعطاهم فرصة سبق إضافية في التواجد كحزب سياسي اوحد لثلاث سنوات أخري بعد ما أسمي بعودة الديمقراطية، والذي هو عودة الحياة البرلمانية لا أكثر ، عام 89 .

فقد علق النظام إصدار مجلس النواب لقانون يبيح تشكيل الأحزاب التي كانت محظورة لحينه ، بل وأرجيء إلغاء الأحكام العرفية التي فرضت عام 57 ( وهو دليل عل درجة الديمقراطية وقدرة السلطة التشريعية علي اتخاذ القرار التشريعي الذي هو حق حصري لها في الدستور) ، إلي حين إصدار ما اسماه الملك الراحل "بالميثاق الوطني" الذي لا سند له في الدستور( قصته طويلة وذات ابعاد سياسية أهم تأجيل الحياة الحزبية ، لكن ليس هذا مكان سردها) ..

وهذا التأجيل غير الدستوري استمر لأوائل عام 93 ، بحيث لم يتبق للأحزاب الأخري ، القديمة المقموعة والجديدة التي ستنشأ لأول مرة ، أكثر من بضعة اشهر لاستكمال عملية التسجيل والإشهار واستقطاب الأعضاء وحشد الدعم الشعبي لفكرها وبرامجها ومرشحيها!!

ومع أن أخوان الأردن كانوا أكثر ديمقراطية في طرائق إدارة تنظيمهم من التنظيم الأم في مصر، كون مجلس شوري الأخوان الأردنيينيحق له عزل المراقب العام في حين لا يحق هذا لمجلس شوري إخوان مصر بل هو محصور في الأعضاء المؤسسين ..

فإن من تولي منصب المراقب العام للأخوان في الأردن منذ تأسيس الحركة عام 47 وحتي العام 93 إثنان فقط ، أي بمعدل ربع قرن للواحد ، بينما انخفض هذا إلي نصف هذه المدة ( عملياً وليس بتغيير نص في النظام الداخلي ) بعد عودة "الديمقراطية المقيدة" (حسب وصف مؤرخ مقبول رسمياً لحين نشره كتاباً تحت هذا العنوان ) ..

ولكن ، كما قلنا في مقالتنا السابقة ، كان الأخوان المسلمون في الأردن أكثر من استفاد من التجربة الديمقراطية ، وذلك "بدمقرطة" إدارتهم للجماعة وتأسيس حزب يعمل كواجهة لها ، لم يلبث ان انتقل من مجرد الواجهة إلي دائرة الأداء الحزبي لحزب معارض بحق ، بانتخاب أمينه العام الجديد السيد زكي بني ارشيد ، والذي يمثل جيل الشباب في الأخوان ويحظي بدعم واسع لدي القواعد ..

في حين كان أول امين عام للحزب من القادة التقليديين ، والذي تولي رئاسة مجلس النواب الحادي عشر لثلاث سنوات متتالية من ولاية المجلس التي تدوم لأربع سنوات ، مع علمي الأكيد - وبالخبرة المباشرة في المجلس الذي تلا - بأن رئاسة المجالس المتعاقبة ،منذ عام 89 وحتي يومنا هذا علي الأقل، تفرض عليه ولا ينتخبها أعضاؤه بحرية ..

ومما يؤكد الرافعة الرسمية التي توفرت لمرشح الأخوان لرئاسة مجلس النواب ذاك أن تعدادهم فيه كان لا يزيد إلا قليلاً عن ربع أعضائه ، في حين ان تعدادنا حين حاولنا استعادة حرية قرارنا في الرئاسة فاق نصف الأعضاء، ولم يمكن اختراقنا ومع ذلك أفشلنا.. ولا مجال هنا لبيان كيف تم ذلك!!

وبما ان المراقبين للشأن الأردني يعرفون مجريات الانتخابات البلدية الأخيرة والتي أدت لانسحاب الأخوان منها، ومن قبلها اعتقال وإسقاط عضوية إثنين من نواب الأخوان والجبهة، وسلسلة المساجلات ما بين الأخوان والحكومة والتي انتهت باعتذارات وتنازلات مذلة للأخوان .. آخرها قبولهم إسقاط اشتراطاتهم وقبول اشتراطات الحكومة لخوض الانتخابات النيابية ، بما فيها تحديد أسماء مرشحيهم ..

فإن القول بان تياراً جديدا معارضاً بدأ يتشكل داخل الأخوان أمر شبه محسوم ، وحصول انشقاق بين من يسمون حمائم وصقور ليس بمستبعد. وقد تكون التسمية مضللة للقاريء ، كون صقور الجبهة الذين يقودهم أبو ارشيد ليسوا هم المتزمتين ، بل هم الأكثر انفتاحاً وديمقراطية وقبولاً بالآخر ..

بينما من يسمون " الحمائم " هم من الأكثر تقليدية ومحافظة، ولهم مواقف معروفة منشورة (في المجلس والصحافة وفي الندوات العامة) يرفضون فيها ولاية غير المسلم او مساواة المرأة أو مجرد تواجدها في الوظائف والعمل العام إلي جانب الرجل ، تعود إلي ما قبل انتخابات عام 89 وتستمر لما بعدها ، وإن تبدلت أو خففت مرحلياً لغايات سياسية آنية.

ومن هنا فإن السؤال عن اي من التيارين المرشح إن ينقسم بينهما أخوان الأردن يمكن ان يمعن في الابتعاد عن الأخوان في صيغتهم الأصلية التي أعاد نشرها أخوان مصر ، وايهم يمكن أن يكمل الطريق نحو المزيد من الدمقرطة والانفتاح .. الإجابة عنه يمكن أن تضل طريقها في خضم التسميات غير الدقيقة وغياب علم القاريء بالتفاصيل الأدق !!







 

اجمالي القراءات 7149
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق