مشروع إسلامي بصياغة ليبرالية!

السيد يسين   في الخميس ١١ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


يقدم "المشروع السياسي لسوريا المستقبل" الذي يتضمن رؤية جماعة "الإخوان المسلمين" فى سوريا، مفهوماً إسلامياً للدولة الحديثة يستحق التأمل.


وهذه الدولة كما يقرر المشروع، دولة مدنية لا هي "ثيوقراطية" (دينية) ولا هي علمانية، وإنما تتسم بسمات محددة.



غير أنه قبل الانطلاق في استكشاف أبعاد هذا المفهوم الإسلامي "الإخواني" –إن صح التعبير– علينا أولاً أو نلقي نظرة على "منطلقات المشروع" أو القيم الأساسية التي ينهض على أساسها. وبعض هذه القيم لا خلاف بشأنها لأنها قيم عامة، وتعريف المشروع لبعضها الآخر يحتاج إلى وقفة نقدية. والسؤال هنا؛ ما هو مصدر رؤية جماعة "الإخوان المسلمين" لصياغة المشروع الحضاري الذي يقترحونه ويطرحونه على الناس لمناقشته؟ تجيب وثيقة المشروع على هذا السؤال بنص قاطع مبناه "أن الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين، الكتاب والسنة، هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري يتصدى لتحديات الواقع، وما فيه من أسن وركود أو قهر وبغي وظلم".

والشريعة الإسلامية –في نظر المشروع– نصوص ثابتة واجتهاد متجدد، ينزل النصوص على الوقائع وفق قواعد أصول الفقه الإسلامي وقواعده وضوابطه.

الوثيقة قالت "إننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية"... فعدم فصل الدين عن السياسة يحدث خلطاً بين "المقدس" و"الدنيوى".

ثم ما تلبث وثيقة المشروع أن تؤكد على بعض الحقائق أو –كما تقول– القواعد الشرعية التي يتخذها "الإخوان المسلمون" في سوريا إطاراً عاماً يحف موقفهم الشرعي ويضبط تحركهم السياسي. وتسرد الوثيقة أحد عشر منطلقاً هي الأسس التي قام عليها المشروع الحضاري الإسلامي المقترح.

وهذه المنطلقات هي وحدة الخالق وتكريم المخلوق، والإنسان مستخلف في الأرض، والإنسان والحرية، والعدل بين جميع البشر، والتنوع للتعارف والحوار، والعالم ساحة دعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط، والشريعة تضع الإصر وتوسع دائرة العفو، والتدرج، وأخيراً التيسير والتبشير.

ويلفت النظر أن عرض المعاني التي تتضمنها كل قيمة من هذه القيم، يستند إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبعض هذه القيم عموميات يشترك فيها المسلمون وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى التي تسعى إلى الحرية وتحقيق العدل بين البشر.

وقد تكون قيمة التنوع للتعارف والحوار ميزة نسبية في الإسلام لاستنادها إلى آية قرآنية تصلح أساساً متيناً لحوار الحضارات أو حوار الثقافات. يقول الله سبحانه وتعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير". وفى هذه الآية توجيه إلهي للمسلمين كافة أن الحوار هو أساس التعامل بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات، وليست العداوة أو العدوان أو الإرهاب، كما تذهب إلى ذلك بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة.

غير أن قيمة الجهاد في سبيل الله كما وردت في وثيقة المشروع تستحق وقفه نقدية. تقول الوثيقة إن الجهاد "بمعنى المصابرة والمجاهدة والصبر على الأذى ماض إلى يوم الدين". غير أن هناك تعريفاً إضافيا للجهاد "بمعنى القتال، فهو ماض إلى يوم القيامة كذلك، طالما أن هناك اعتداء على المسلمين باحتلال أرضهم أو ظلمهم أو فتنتهم عن دينهم، أو الوقوف حائلاً بينهم وبين تبليغ دعوتهم". بالنسبة للقتال في حالة احتلال أرض المسلمين هذه مسألة لا خلاف بشأنها، وهى محل إجماع المواطنين مسلمين وغير مسلمين في أي بلد إسلامي أو عربي. غير أننا ينبغي أن نتوقف أمام عبارة "ظلم المسلمين" لأنها عبارة مطاطة غير محددة، قد تستخدم ذريعة لشن العدوان من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأخطر من ذلك عبارة "فتنة المسلمين عن دينهم، أو الوقوف حائلاً بينهم وبين تبليغ دعوتهم"، لأنها يمكن أن تكون دعوة مفتوحة أمام أي جماعة متطرفة لتكون ذريعة لها تبرر لجوءها إلى الإرهاب بدعوى الدفاع عن حق تبليغ الدعوة الإسلامية!

وتضيف الوثيقة إلى معاني الجهاد "إنصاف المظلومين ونصرة المستضعفين في الأرض"، وتقترح أن يأخذ هذا المعنى طريقه إلى السلوك الدولي بشكل قوة دولية عادلة، مهمتها مساعدة الشعوب المستضعفة التي تتعرض حقوقها للانتهاك، وأفرادها للإبادة الجماعية.

ويلفت النظر أن الوثيقة تضم باباً خاصاً لمناقشة قضية التجديد (الباب الثاني) والذي يتضمن فصلين: الإسلام المتجدد وجماعة الإخوان المسلمين: أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب. وهذا الباب يتضمن رؤية جماعة "الإخوان المسلمين" السوريين في التجديد، وهي رؤية عامة قد لا يكون هناك خلاف بصددها، إلا في التأكيد على أن "الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة". وإن كانت الوثيقة تحفظت وقالت "إننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية". وفي هذه العبارة تكمن مشكلة صراع جماعة "الإخوان المسلمين"، سواء في سوريا أو مصر مع نظامي الحكم في البلدين. لأن عدم فصل الدين عن السياسة يؤدي إلى الخلط الشديد في مجال الفكر السياسي والممارسة الديمقراطية بين ما هو "مقدس" وما هو "دنيوي". ولا نبالغ لو قلنا إن هذا الاتجاه بالذات هو سر الصراع الحاد والعنيف بين جماعة "الإخوان المسلمين" منذ نشأتها في مصر عام 1928 وعديد من الأنظمة السياسية العربية، لأنها في الحقيقة ليست سوى حركة انقلابية تسعى إلى إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، وتبنيها على أنقاض الدولة العربية المعاصرة، أيا كان نظامها السياسي.

وقد حرصت وثيقة مشروع "الإخوان المسلمين" في سوريا على التأكيد أنها بهذا المشروع تدخل "في مرحلة تجديد الذات عن طريق مراجعة الماضي واستشراف المستقبل"، وهي تسعى لتكون الحركة الإسلامية الوسط. وفي سبيل ذلك تعتمد الجماعة على عدد من المفاهيم الأساسية، أبرزها أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وهي تؤمن بأنه –كما أشرنا– لا يفصل الدين عن السياسة. كذلك تؤمن الجماعة بأن الحكم العادل هو أحد الأهداف الكبرى في الإسلام، وأن الاستبداد السياسي هو عدوان على كرامة الناس وحقهم في اختيار النظام الذي يريدون، لتحقيق مصالحهم وحقهم في مساءلته وتقويمه.

ويحمد لجماعة "الإخوان المسلمين" السوريين في الواقع النص على أن "الحكم العادل" أحد الأهداف الأساسية، وهو ما يتفق مع الاتجاه السياسي المعاصر الذي يركز على أهمية "الحكم الرشيد".

غير أن الاقتصار على موضوع "الحكم العادل"، يقصر عن أن يكون مفهوماً شاملاً للديمقراطية. لذلك غاب مفهوم الديمقراطية بأبعاده المعروفة عن الوثيقة. ومن ناحية أخرى تقرر الجماعة أنها تدعو للوسطية والاعتدال وتبني منهج الحوار، وأنها تتعامل مع الحركات والأحزاب غير الإسلامية من منظور القواسم المشتركة في سبيل مصلحة الوطن والأمة. كما أنها تؤمن بتغير الحلول مع تغير الظروف والمعطيات، وهي تحرص على الاستفادة من تجارب الآخرين. وفي هذا الاتجاه انفتاح يتعارض مع رؤى دينية أخرى مغلقة، ترفض الآخر وتعادي الغرب هكذا على وجه الإجمال، وبدون تفرقة بين التيارات والحركات والأحزاب السياسية التي يزخر بها، وتتوزع بين اليمين والوسط واليسار. وهذا الاتجاه كذلك ينقد الاتجاه الثقافي العدمي الذي ينكر أصالة الثقافات غير الإسلامية، بدعوى أن الثقافة الإسلامية وحدها هي التي تحتكر الحقيقة!

ومن الأمية بمكان أن جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا تؤكد على أهمية التعددية السياسية والعمل العلني للأحزاب، وتستنكر الإرهاب وتدعو إلى نبذ العنف.

ويبقى السؤال؛ كيف ترجمت الجماعة هذه المبادئ في تعريفها لسمات الدولة الحديثة وفق المفهوم الإسلامي؟



 

اجمالي القراءات 7393
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق