مناورات «إخوانجية» (١-٢)

عثمان محمد علي   في الأحد ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً


مناورات «إخوانجية» (١-٢)

  بقلم   د.حسن نافعة    ٣٠/ ١٠/ ٢٠١١

أُغلق باب الترشح لانتخابات مجلسى الشعب والشورى، ومن المقرر أن تبدأ الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب فى ٢٨ نوفمبر المقبل، وأن تنتهى جولتها الثالثة والأخيرة يوم ١٠ يناير المقبل، وأن تعلن نتائجها يوم ١٣ يناير، وأن يعقد مجلس الشعب الجديد أولى جلساته قبل نهاية يناير. أما انتخابات مجلس الشورى فمن المقرر أن تبدأ جولتها الأولى فى ٢٩ يناير، وأن تنتهى جولتها الأخيرة فى ١١ مارس، وأن تعلن نتائجها النهائية فى ١٤ مارس، وأن يعقد مجلس الشورى الجديد أولى جلساته قبل نهاية شهر مارس عام ٢٠١٢.

الانتخابات البرلمانية المقبلة هى الأهم والأخطر فى تاريخ مصر الحديث، وذلك لسببين رئيسيين، الأول: لأنها الأولى بعد ثورة عظيمة أسقطت نظام الفساد والاستبداد الذى خيّم على مصر لما يقرب من ثلث قرن، وبالتالى يفترض أن تشكل اللبنة الأولى فى بناء نظام جديد يأمل شعب مصر أن يكون ديمقراطياً كاملاً. والثانى: لأن البرلمان الذى ستفرزه هذه الانتخابات سينفرد بانتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية المخولة بكتابة الدستور الجديد.

ولأنها انتخابات مصيرية بالنسبة للمستقبل، فمن حقنا أن نتساءل عما إذا كانت ستفرز برلمانا يليق بثورة ٢٥ يناير ويطمئن الشعب المصرى على قدرته فى اختيار لجنة لكتابة دستور يليق بمصر الجديدة. لم أفقد الأمل نهائياً، وإن كانت تراودنى شكوك وهواجس كثيرة تثير لدىَّ شعوراً بعدم الارتياح أو التعويل كثيراً على ما قد تسفر عنه هذه الانتخابات.

أسباب كثيرة بنيت عليها شكوكى وهواجسى هذه، منها:

١- إصرار المجلس العسكرى على أن تشمل الانتخابات التشريعية المقبلة مجلس شورى، وعلى تخصيص نسبة ٥٠% من المقاعد المنتخبة للعمال والفلاحين فى المجلسين، فالإصرار على وجود مجلس لا قيمة له ولا وظيفة لم يكن له من سبب من الناحية الفعلية سوى إطالة مرحلة انتقالية كانت قد طالت أصلا أكثر مما ينبغى ثلاثة أشهر إضافية بلا أى مبرر، والإصرار على الإبقاء على النسبة المخصصة للعمال والفلاحين فى انتخابات تجرى لأول مرة وفق قانون معقد يضيف إلى تعقيداته تعقيدات جديدة لا يستطيع الناخب العادى استيعابها بسهولة.

٢- تردى الحالة الأمنية بطريقة تثير شكوكاً جدية حول إمكانية السيطرة على العملية الانتخابية وإخراجها بالقدر الكافى من النزاهة المطلوبة حتى فى حال انضمام الشرطة العسكرية إلى قوات الشرطة، فقد وصلت هذه الحالة إلى درجة تبعث على القلق من احتمال تفشى جميع الوسائل التقليدية وغير التقليدية لإفساد إرادة الناخبين: أعمال البلطجة، محاولات شراء أصوات الناخبين بالمال أو بالتهديد والوعيد، خصوصاً من جانب أجهزة الحكم المحلى وما تبقى من جهاز مباحث أمن الدولة القديم، توظيف الدين فى الدعاية الانتخابية ولجوء بعض القيادات الدينية إلى دعوة الناخبين للتصويت لصالح قائمة معينة أو شخص معين باعتباره عملاً صالحاً يثاب عليه صاحبه فى الآخرة....الخ.

وإذا كانت درجة الإخلال بالأمن قبل الانتخابات قد وصلت إلى حد الاعتداء على الكنائس وإحراقها، والتجرؤ على رجال الجيش والشرطة العسكرية فى العباسية ثم فى ماسبيرو، واحتلال مناطق سكنية بأكملها فى ٦ أكتوبر، فكيف يمكن لأجهزة أمن لم تكتمل مقوماتها، ولاتزال تمارس عملها وفقاً لنفس الأساليب القديمة، أن تسيطر على انتخابات ربما تكون الأسخن فى تاريخ الانتخابات التشريعية، خصوصاً بعد السماح بخوضها من جانب فلول النظام السابق.

٣- عدم التعامل الجدى مع المطلب الخاص بإشراك المغتربين المصريين فى عملية التصويت رغم مرور تسعة أشهر على نجاح الثورة، وقد دفعت هذه المماطلة غير المبررة بالبعض إلى رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية العليا التى حكمت بإلزام الحكومة بضرورة تمكينهم من المشاركة فى هذه الانتخابات. ولأنه من المرجح عدم قيام الحكومة بتنفيذ الحكم، لأسباب متنوعة، فقد يفتح هذا ثغرة يمكن النفاذ من خلالها للطعن بعدم دستورية هذه الانتخابات.

٤- عجز الأحزاب والقوى السياسية صاحبة المصلحة فى التغيير عن تنسيق مواقفها وسياساتها وتوحيد قوائمها الانتخابية بما يمكّنها من التصدى مجتمعة لمحاولات إجهاض الثورة أو سرقة مكتسباتها، ولإثبات أنها تقدم مصلحة الوطن ومستقبله على مصالحها الشخصية أو الحزبية الضيقة.

أريد أن أتوقف بعض الشىء عند هذه النقطة الأخيرة، لأننى كنت وما زلت أؤمن دائماً بأنه بوسع القوى السياسية المطالبة بالتغيير وصاحبة المصلحة أن تحصل لمصر على الكثير إن هى تكاتفت وتمكنت من الاتفاق على سلم للأولويات وسعت لتوسيع الأرضية المشتركة فيما بينها، ولأنه أتيح لى التعرف عن قرب على تفاصيل معظم المحاولات التى جرت من قبل لتوحيد فصائل القوى الوطنية حول قضية التغيير يمكننى تقديم شهادة يعتد بها، أُسأل عنها أمام الله وحده، فقد كنت نائباً للمرحوم الدكتور عزيز صدقى فى الجبهة الوطنية للتغيير، التى بذلت جهوداً مضنية للتنسيق بين القوى الوطنية قبيل الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥، وتوليت بنفسى كتابة بيانها التأسيسى وجميع ما صدر عنها من بيانات أو خطب ألقاها الدكتور صدقى،

ولم أتردد فى القيام بدور المنسق العام للحملة المصرية ضد التوريث، التى شكلتها القوى السياسية المناهضة لهذا المشروع، حين طُلب منى ذلك وحين توافر الإجماع الذى اشترطته، وأصبحت أول منسق عام للجمعية الوطنية للتغيير بعد قيامى بتنظيم الاجتماع الذى عُقد فى منزل الدكتور البرادعى عقب عودته من فيينا فى فبراير ٢٠١٠، والذى أعلن فى نهايته قيام هذه الجمعية، وتوليت بنفسى صياغة المسودة الأولى لمطالب الجمعية السبعة، وصدرت بعد مناقشتها مع الدكتور البرادعى، ولم أترك الجمعية الوطنية إلا بعد يأسى من معارك صغيرة كانت تثار حول أمور أبعد ما تكون عن قضية التغيير.

لقد دفعنى حرصى الشديد على المحافظة على تماسك الجمعية قدر الإمكان وعدم انفراط عقدها إلى تحمل الكثير، رغم «ر زالات» البعض ممن اتهمونى بأننى «طيب» أكثر مما ينبغى، وليست لدىَّ «خبرة سياسية»، وأننى سلمت قيادة الجمعية للإخوان، ثم قامت الثورة وفاجأت الجميع، وحاول البعض أن يصعد على أكتافها، بل أن يسرق لحمها الحى، ورغم أننى كنت قد تخليت عن موقعى كمنسق عام فى الجمعية فإننى ظللت على تواصل دائم مع منسقها العام الجديد، وكنا حريصين معاً على أن تستمر الجمعية فى جهودها للم الشمل وتنسيق المواقف من أجل التوصل إلى مؤسسات منتخبة ودستور يليق بمصر الثورة رغم كل الصعوبات، لكن يبدو أنه كان للجماعة تقدير آخر للموقف.

كنت أدرك بوضوح أن ثورة ٢٥ يناير، التى شاركت فيها الجماعة بعد اندلاعها بأيام، ولعبت دوراً مهماً فى إنجاحها، تفتح أمام الجماعة آفاقاً رحبة تمكنها من لعب دور قيادى فى المرحلة اللاحقة، وكنت أتمنى أن تنجح فى استغلال هذه الفرصة بروح الجماعة السياسية الناضجة والمتفهمة لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، وبذل كل ما فى وسعها للم الشمل والمساهمة فى بناء مؤسسات سياسية تتسع للجميع وتليق بمصر الثورة، غير أن بعض تصرفاتها بدت لى صادمة،

رغم أنها لم تكن مفاجئة، لذا لم أتردد - ولكن من موقع المتعاطف مع الجماعة وليس المعادى لها - فى كتابة مقال تحت عنوان «الإخوان ولعبة السياسة» نُشر فى هذا المكان، قلت فيه: «لا أظن أننى أُبالغ إن قلت إن الأداء السياسى للجماعة، الذى اتسم بالغموض فى بعض المواقف، ولم يكن بنَّاءً فى مواقف أخرى كثيرة- خاصة بعد الثورة- أصبح الآن مستفزاً ومُخَرِّبًا، وخطرًا على الثورة، بل يهدد بضياع فرصة حقيقية تتيحها الثورة لتأسيس نظام ديمقراطى حقيقى فى مصر، وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كلُّ مَن يتسبب فى وقوعها مسؤوليتها كاملة أمام التاريخ، ولا أظن أننى فى حاجة للتدليل بأمثلة على ما أقول، ويكفى أن نسترجع موقف الإخوان من مظاهرة الجمعة الماضية...».

وقد رد الدكتور محمود غزلان على المقال معاتباً، وربما غاضباً، لكن ظل الود قائماً، ومن ناحيتى لم أفقد الأمل فى أن يُغلِّب الإخوان فى النهاية مصلحة مصر على مصلحة الجماعة، إلى أن حان وقت التنسيق فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فتأكد لى بالدليل القاطع أن الجماعة تناور، وأن قضيتها الأولى - وربما الوحيدة - هى الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد.

كلنا نتذكر أن الجماعة بدأت بالحديث عن حرصها على ألا يتجاوز نصيبها فى البرلمان المقبل ٣٠% من إجمالى المقاعد، ثم زاد إلى ٥٠%، لكنه انتهى بالترشح على ما يزيد على ٩٥%، وهو ما يفتح المجال لاحتمال حصولها على أكثر من نصف عدد المقاعد، وربما على أغلبية الثلثين للسيطرة على العملية التشريعية على طريقة الحزب الوطنى. الأغرب من ذلك أن الجماعة أعلنت عن مبادرة تؤكد استعدادها لترشيح ٢٠ شخصية عامة من غير الإخوان على قوائمها، كنت واحداً منهم، لتضمن مجلساً «متوازناً»، وقام عدد من قيادات الجماعة بالاتصال بى بالفعل، لكن المساحة لا تتسع هنا لعرض بقية القصة التى تهم قراء كثيرين سألونى عن ملابسات عدم ترشحى.

للقصة بقية إذن، فإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.

اجمالي القراءات 5648
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٠٢ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61371]

وهل لمجلس الشورى أهمية

إنني أتفق تمام مع هذا المقال فما جاء به واقعي ولم يبالغ الدكتور حسن نافعة فيه ، فمجلش الشورى ليس له ضروررة تحنمه الآن ، فلماذا الإصرار عليه ؟ وتحميل البلد فوق طاقتها وتعطيل  المصالح وتكبيد الشعب الجهد والمشقة في انتخابات أخرى لا طائل منها ؟ كما ان الغياب الأمني أصبح ظاهرة لا ينكرها  شخص فهو أمر واقع يشعر به أغلبنا ، ناهيك عن نسبة كبيرة سوف تستقطع من مقاعد البرلمان لمن  ؟ للفلاحين والعمال ، إننا لانقلل من شأنهم فهم مكون أصيل في نسيج المجتمع  ، لكننا نعرف جميعا ان الحزب الوطني المنحل أخذ مكتسباته ومعظم مقاعده من هذه الفئة ، فهل هذا مايريده المجلس العسكري  ؟ ناهيك عن افتقاد معظمهم لأبسط صور الثقافة والمعرفة التي تكون الرأي السليم ، ولماذ .. ا لأنه سيقع على عاتق هذه الفئة ومن معها ، الموافقة على الدستور الجديد وتمريره ، وهذا أخطر ما في القضية ، فهل هذا مقصود أيضا ؟ ورقم ثلاثة هو : الاختلاف والتحزب والتفرق الذي عليه الأحزاب في مصر فلم تتفق إلا على شيء واحد وهو الاختلاف فقط . وهذا الوضع هل يخدم أحد إن الأصوات تتفتت والمصالح تتعارض  لصالح من  هذا ؟ الإجابة معروفة .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق