رقم ( 4 )
الفصل الثانى : العذاب الالهى فى الدنيا

 
الفصل الثانى : العذاب الالهى فى الدنيا  
(  المقال الاول  )  أسباب عذاب الدنيا :
مقدمة :
1 ـ يأتى العذاب بغتة ، سواء فى الدنيا أو بالموت وبعده فى الجحيم ، وبين لحظة الاحتضار والبعث لا إحساس بالزمن ، فيستيقظ الانسان يوم البعث يظن أنه لبث  بعض يوم كشأنه حين كان يستيقظ من النوم فى حياته الدنيا . 
الذى أراد الدنيا وإنغمس فى صراعاتها وتكاثرها سادرا فى العصيان ينسى أنه سيموت . وتأتيه الخسارة فى المال أو فى الأولاد أو المرض فيتفاجأ بها ، وحتى لو أشتد به المرض فهذا لا يطفىء أمله فى الدنيا ويظل متمسكا بالحياة معتقدا أن الموت لن يصل اليه ، ولهذا يفاجئه الموت ، وفى لحظة الموت تتلقاه ملائكة الموت بالصفع وبالركل (الانفال 50 ) (محمد 27 ) )، فيكون هذا عذابا له يذوقه بغتة دون أن يتوقعه كما جاءه الموت بغتة دون أن يتوقع . ثم يتلوه تقلبات اليوم الآخر من بعث وحشر وعرض أمام الله جل وعلا وحساب ، ثم خلود فى النار .   
2 ـ لنتقى عذاب الدنيا  وعذاب الآخرة علينا أن نتعرف على الأسباب فى عذاب الدنيا، وهى متداخلة ، يجمعها ( الكفر ( الكفر بالله جل وعلا وكفران نعمته ، ويجمعها ( الظلم ( ظلمهم لرب العزة بالكفر وظلمهم البشر   . ونعطى بعض التفصيلات :
أولا  ـ الكفر بالله جل وعلا والصّدّ عن سبيله 
1 ـ  هناك كافر مسالم لا يؤذى أحدا ولا يقوم بإكراه أحد فى الدين ، ولا يقوم بالصّد عن سبيل الله . أى يكون مسلما حسب الاسلام السلوكى الذى يعنى السلام . هذا لا شأن له معنا هنا هو حسابه عند ربه  . نتحدث هنا عن كافر يقوم بصدّ الناس عن سبيل الله ، ينطبق عليه قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال  )، عذابه أن جهده ينتهى الى حسرة وخسارة وهزيمة ، وإذا مات كافرا فمصيره جهنم .
2 ـ الصّدّ عن سبيل الله له معنى آخر هو ( أن تشاقق الله ) أى تعاديه . وهذا ما فعلته قريش فعوقبت ، قال جل وعلا فيهم بعد هزيمتهم فى موقعة بدر : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) الانفال ) .وعن إقتران الصّدّ عن سبيل الله بالشقاق مع الله نقرأ قوله جل وعلا :  (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) محمد ).
3 ـ وحدث هذا مع بعض أهل الكتاب الذين إعتدوا فعاقبهم الله جل وعلا بالرعب ، فخرجوا من ديارهم وجلوا عنها ،وكان هذا الجلاء بديلا عن عذاب كان سيقع بهم فى الدنيا ، قال جل وعلا عنهم  : ( وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر).
4 ـ والخزى أيضا هو من عذاب الدنيا لمن يضل الناس عن سبيل الله ، ثم ينتظره عذاب الحريق فى الآخرة ، يقول جل وعلا عمّن يجادل بغير علم ليصدّ عن سبيل الله : ( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيق ) الحج 9 ) ) ،  فالذى يحترف الاضلال لا يمكن أن يهتدى أبدا ، قال جل وعلا :  (  إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) النحل  )،  ينطبق هذا على شيوخ الفضائيات فى أديان المحمديين الأرضية . 
5 ـ ويلحق الخزى أيضا بالمتحكمين فى المساجد ، والمساجد أصلا يجب أن تكون لعبادة الرحمن وحده لا شريك له فيها : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)الجن )، أصبحت المساجد منتمية الى فلان وفلان من الناس مثل  المسجد النبوى ، مسجد الحسين ، مسجد الامام الشافعى ، مسجد السيدة زينب ..مسجد أبى حنيفة ..الخ   . هذا تخريب لمساجد الله ، لأنه ممنوع فيها ذكر إسم الله جل وعلا وحده ، فلا بد عندهم من ذكر آلهتهم تلك . وقد توعّدهم  الله جل وعلا بالخزى فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة ،  قال جل وعلا عن أولئك الظالمين :  (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) البقرة) 114 ). ندخل بهذا على الظلم كأحد مسببات العذاب .
ثانيا : الظلم :
1 ـ هناك كافر مسالم لا يؤذى أحدا ولا يقوم بإكراه أحد فى الدين ، ولا يقوم بالصّد عن سبيل الله . أى يكون مسلما حسب الاسلام السلوكى الذى يعنى السلام . هذا لا شأن له معنا هنا هو حسابه عند ربه  . هو يظلم رب العزة فقط بأن يؤمن بآلهة وأولياء مع الله جل وعلا أو أن ينسب له ولدا ، ولكنه لا يقع فى ظلم البشر .  هناك كافر يظلم الله جل وعلا ويظلم البشر. هذا معرّض لعذاب الله جل وعلا فى الدنيا والآخرة .
2 ـ ينطبق هذا على المستبدين ، وهم بالتعبير القرآنى أكابر المجرمين . المجرم العادى قد يقتل شخصا ، ولكن المستبد يقهر شعبا ويقتل آلافا مؤلفة حتى يظل فى عرشه بالتآمر ، أو بالتعبير القرآنى( المكر )،  وفى النهاية يكون هذا المستبد ضحية مكره ، أى يتعذب بعمله ومكره . وهو فى سبيل إحتفاظه بسلطانه يرفض الحق . وهى قاعدة عامة لم يكن فرعون موسى الأول فيها أو الأخير ، إذا يحظى المحمديون بمئات الفراعين من مئات السنين . قال جل وعلا:  (  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)  الانعام ).
3 ـ هذا المستبد يتكون حوله ( ملأ ) من الكهنوت والجنود والأتباع يكوّنون دولته العميقة  ، وهم الذين يحتكرون الثروة على حساب الأغلبية الساحقة من الجوعى ، وبإحتكارهم الثروة يصبحون ( مترفين  )،  وهم يرفضون دعوة الحق والعدل .وجودهم إرهاص بتدمير دولتهم من الداخل أو من الخارج ، وقد جعلها رب العزة قاعدة عامة فى تعذيب المترفين ، قال جل وعلا : (( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)الاسراء )،  وعن إستمرار هذه القاعدة قال جل وعلا عن الأمم السابقة: ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) الاسراء )، وقال عن الأمم اللاحقة : (  وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) الاسراء 58 ))، وقال عن تعذيب أولئك المترفين  : (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)  المؤمنون )،  هم مترفون متنعمون لا يتحملون الألم بمثل ما يتحمله الفقراء الصابرون ، لذا يكون وقع الألم عليهم شديدا ، لذا فهم لا يصرخون ، بل يجأرون ، أى يصرخون بأعلى صوت .! 
ثالثا : كفران النعمة : 
1 ـ الدعوة الى الاسلام الحنيف الحق تستلزم إنفاقا فى سبيل الله ، لذا هو مقترن بالايمان بالله جل وعلا ورسوله . قال جل وعلا يأمر بالانفاق فى سبيله جل وعلا:(  آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ  ) الحديد 7 ). الله جل وعلا هو الذى إستخلفنا فى هذا المال ، وإختبرنا به ، فالذى ينفق منه فى سبيل الله إبتغاء مرضاة الله جل وعلا له أجر كبير . وتتوالى الآيات فى الحث على الانفاق فى سبيل الله ( الحديد 8 : 10 ) ) الى أن يقول جل وعلا يجعل الإنفاق فى سبيله قرضا له جل وعلا ، ويجه بهذا خطابا للبشر جميعا فيقول :  (  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) الحديد ). ونتهيّب من التعليق على هذا ، ولقد تكرر هذا التعبير فى القرآن الكريم ( البقرة 245 ، المائدة 12 ، الحديد 18 ، التغابن 17، المزمل 20 ). ) ، وفى كل آية يكون الجزاء عظيما كريما فى الدنيا والآخرة . فالله جل وعلا يُخلف ويضاعف أجر من ينفق فى سبيله : (  وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سبأ ).
2 ـ فى المقابل فإن البخيل الذى يبخل بمال الله الذى إستخلفه فيه يكون كافرا للنعمة . ومصيره يوم القيامة أن يتعذب بما جمع من مال ، قال جل وعلا : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران )، هذا فى الآخرة .
3 ـ أما فى الدنيا ، فالعذاب هو بالخسارة ، وقد جاءت قصة فى القرآن الكريم عن أصحاب بستان بخلوا بثمره على الفقراء فعوقبوا بفقدان البستان ، وكان هذا عذابا لهم، قال جل وعلا: (  كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) القلم 33 )).
4 ـ وفى دولة النبى محمد عليه السلام فى المدينة كان الانفاق فى سبيل الله جهادا تطوعا دون إكراه . هذا عكس الشائع فى الدول حتى الديمقراطية منها . وبعض الصحابة كان يبخل بمال الله مع ثرائه ، فقال جل وعلا يحذرهم :  ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ) . العذاب هنا يعنى أن يستبدل قوما غيرهم ، يعنى تعذيبهم بالاهلاك .!
5 ـ النبى محمد عليه السلام وطائفة من المؤمنين معه جاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ،فأفلحوا . قال عنهم جل وعلا :  (  لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة  ).
6 ـ جاء هذا فى سياق رفض المنافقين التبرع أو الجهاد بالمال وبالنفس دفاعا عن دين الله جل وعلا . كانوا يقبضون أيديهم ، قال جل وعلا عنهم : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة  ).  وبسبب رفضهم فقد حلّ بهم عذاب دنيوى مناسب. كانت نعمتهم فى الأموال وفى الأولاد ، فجعل الله جل وعلا عذابهم الدنيوى فى أموالهم وأولادهم،قال جل وعلا : (  فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ( 55 )( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (85) التوبة ).
7ـ هو كفران للنعمة ، يشبه ما وقع فيه فرعون موسى الذى كان يفتخر بالأنهار التى تجرى من تحته وبإمتلاكه مصر : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف ).  كفر بالنعمة فتحولت عذابا له ، فهذا النيل أصبح عذابا لفرعون وقومه ، حمل له الطوفان والجراد والقمل والضفادع وتحولت مياهه الى دماء ، ثم حمل له الرجز  أى ( مرض جلدى ودمامل ( الأعراف: 133 137 ).
8 ـ جدير بالذكر أن بعض الصحابة إعترف بذنبه فكانت توبته أن يقدم صدقة : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)التوبة).
وجير بالذكر أيضا أن الله جل وعلا ذكر إمتناع المنافقين عن التبرع المالى : ( هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) المنافقون )،  ثم بعدها كان ختم السورة بالحث على الانفاق فى سبيل الله قبل أن يأتى الأجل بالموت والندم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(11) المنافقون ).
أخيرا :
المحمديون لم ينفقوا أموالهم فى سبيل الله ، بل ينفقونها فى الصّد عن سبيل الله ، أى بدلوا نعمة الله كفرا ، بدلوا نعمة القرآن الكريم كفرا بإيمانهم بالأحاديث الشيطانية ورفعها فوق القرآن الكريم ، وبدلوا نعمة البترول كفرا ، بتحويل ثروتهم البترولية الى سلاح يقتتلون به ويدمرون به أنفسهم . هذا اكبر عذاب يحدث لهم، ويشهده العالم . ينطبق عليهم قوله جل وعلا : (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ).
 
 ( المقال الثانى ) وقوع العذاب: من الله جل وعلا  
أولا : العذاب المباشر من رب العزة جل وعلا للظالمين فى الأمم السابقة 
1 ـ فى الأمم السابقة التى عذبها رب العزة بالاهلاك كانت القوة يحتكرها الملأ الطغاة الظالمون مقابل مؤمنين مستضعفين ومعهم النبى . كان التدخل الالهى مباشرا بإهلاك يقضى على المستكبرين ولا يتعرض بأذى للنبى والمؤمنين . لم يكن فى مقدور المؤمنين المستضعفين حرب أولئك الطغاة فكان التدخل الالهى يقوم وحده بالمهمة .
2 ـ حسب علمنا كان قوم فرعون هم آخر من أهلكهم رب العزة جل وعلا ، وقد إحتكر فرعون وقومه القوة،وإعتقد أنه قادر على  ( قهر ) بنى اسرائيل، وقد قالها لقومه:  (  قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الاعراف).  كان مغرورا بأنه له ملك مصر ونهر النيل يجرى من تحته ، فعذبه الله جل وعلا بالنيل ، الذى حمل له الطوفان والجراد والقمل والضفادع وتحولت مياهه الى دم، وجاءه النيل بوباء الرجز أو الدمامل . نجا بنو اسرائيل  والمصريون العاديون من كل هذا وتعذب به فرعون وقومه فقط .  ولم يرتدع فأغرقه الله جل وعلا بجنوده بينما أنجى بنى اسرائيل ، قال جل وعلا :  (  وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)طه ). يلفت النظر أن قوم فرعون هم دولته العميقة من العسكر والمخابرات وأجهزة الحكومة، كلهم غرق مع فرعون ، قال جل وعلا :(( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات  ).
2 ـ وفى مقابل ( جنود فرعون ) فإن لرب العزة (جنوده). قال جل وعلا : ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) الفتح ) ، أى جنود الله جل وعلا فى هذه الأرض وفى السماوات ، ولا يعلمها إلا هو جل وعلا :  (  وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) المدثر ).
3 ـ بهذه الجنود كان التعذيب الالهى مباشرا من رب العزة ، كما حدث فى تعذيب إهلاك الأمم السابقة ، عذبهم رب العزة جل وعلا بذنوبهم بطرق مختلفة، قال عنهم جل وعلا: (  فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت ). وهذه ( جنود ) عرفناها من القرآن الكريم . ولكننا فى النهاية لا نعلم جميع جند ربك، لأن منهم من هم فى السماوات والأرض ، ولأن منهم ما لا يمكن أن نراه ونحن أحياء ، وهم الملائكة . 
ثانيا : نوعية العذاب المباشر من رب العزة جل وعلا للظالمين فى الأمم اللاحقة
1 ـ إنتهت مرحلة الاهلاك العام أو التعذيب العام وجاءت مرحلة الاهلاك الجزئى ، بتعذيب قوم ظالمين بسبب إعتدائهم على قوم مؤمنين مسالمين، أى أن يكون هناك قوم مؤمنون يطلبون حقا لهم من خصم متكبر جبار، يرجون نصرة الله جل وعلا ، فينصرهم الله جل وعلا بملائكته التى لا يراها البشر . التدخل الالهى هنا يكون عاملا مساعدا للعنصر البشرى المؤمن الذى يجب عليه أن يتحرك دفاعا عن النفس ، وعندها يأتى التدخل الالهى بنصرته وتعذيب المعتدين . 
2 ـ بدأ هذا بالنبى محمد حين أخرجه الذين كفروا ، وطاردوه يريدون قتله ، فإختبأ منهم فى الغار مع صاحب له ، قام النبى بدوره البشرى فى التخطيط للهجرة ، وجاء التدخل الالهى نُصرة له وقت الحاجة . إذ اقترب المُطاردون من الغار، فنصره الله جل وعلا الذى كان معه برحمته وعنايته، قال جل وعلا : (  إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة ). . أيّده ربه جل وعلا بجنود غير مرئية . وجاءت أكاذيب السيرة فإفترت أساطير ساذجة عن حمامة وبيضة وخيوط عنكبوت .!! 
3 ـ بعدها ، تاجرت قريش بأموال النبى والمؤمنين فى رحلة الشتاء والصيف ، صادرت أموالهم وديارهم ، بل وتابعت الهجوم على المؤمنين حين كانوا مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس حتى يعدوا ما إستطاعوا من قوة . ونزل لهم الإذن بالقتال . وكان لقريش سطوة هائلة ، وكان المؤمنون ضعافا . جاءهم الأمر بالتعرض لقافلة قرشية تتاجر بأموالهم ، مع وعد لهم بالحصول على غنيمة القافلة أو بالنصر لو حدث قتال . كانوا ـ خوفا من قريش وتهيبا من الدخول فى حرب ـ يتمنون الحصول على القافلة بلا حرب . وحين تحتمت الحرب مع جيش قرشى يفوقهم عددا وعُدّة خاف فريق من جيش النبى ، وأخذوا يجادلونه فى الحق بعدما تبين . قال جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)الانفال ).  تحتم عليهم القتال فإستغاثوا بالرحمن جل وعلا فأمدهم الله جل وعلا بملائكة ـ لا تحارب بدلا عنهم ـ ولكن تثبت قلوبهم .: (  إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ )(12)الانفال ).  وفى نفس الوقت تدخلت جنود الله جل وعلا فى أعين المؤمنين لتشجعهم فرأوا جيش العدو قليلا حتى لا يخافوا منه ، بينما رأى المشركون جيش النبى قليلا جدا ليشجعهم على الاتحام الحربى ليقضى جل وعلا أمرا كان مفعولا : ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44)الانفال  ) إذن هو تدخل إلهى جعل جيشا قليلا خائفا ينتصر على جيش يفوقه ، فى حرب نفسية حقيقية . لذا قال جل وعلا  : ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) الاحزاب ).
كان هذابا عذابا دنيويا حلّ بهم ، إذ إرتبط وقوع العذاب بهم بإخراجهم النبى من مكة ، فأخرجوه والمؤمنين معه،  قبلها قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الانفال  ). ولكن هذا العذاب الذى جاء بتدخل الاهى تمثل فى  مساعدة إلاهية نفسية معنوية لجيش النبى . أى إختلف الوضع عن الأمم السابقة التى لم يكن عليها أن تحارب . هنا حرب يضطر الى القيام بها مؤمنون مسالمون دفاعا عن أنفسهم ضد عدو باغ . وأتى التدخل الالهى عاملا مساعدا . 
4 ـ تكرر التدخل الالهى نُصرة للنبى والمؤمنين وعذابا لبعض المعتدين من أهل الكتاب الذين إغتروا بحصونهم المنيعة التى ظنوا أنهم بها يتحدُّون رب العزة جل وعلا . إعتدوا على دولة النبى فإستعد النبى لقتالهم ، فقذف الله جل وعلا فى قلوبهم الرعب ، فأخذوا يدمرون بيوتهم وممتلكاتهم ورحلوا عنها ، وكان جلاؤهم هذا بديلا عن عذاب دنيوى ، قال جل وعلا : (   سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر).  التدخل الالهى هنا كان معنويا نفسيا جعل المعتدين يعانون من هيستيريا الرعب من جيش لم يكن قد أتى بعدُ لحربهم . وهو فى نفس الوقت كان عاملا مساعدا لهذا الجيش الذى لم يحارب.
5 ـ وحوصر المؤمنون فى ( المدينة ) بجيش من مختلف القبائل تحالفت مع قريش ، وجاءوا يريدون إستئصال المؤمنين . كان موقفا عسيرا ، وقد وعدهم الله جل وعلا بالنصر، آمن بهذا النصر المؤمنون وسخر به المنافقون : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) ) ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) الاحزاب ).  أرسل الله جل وعلا جنوده لم يرها البشر وأرسل ريحا عاتية هزمت جيوش الأحزاب ، ولا شك أن هذا كان يعنى عذابا وخزيا لهم .  
6 ـ وفى موقعة ( حُنين ) الدفاعية إنضم لجيش النبى كثيرون من ضعاف الايمان ، وتكاثر عدد الجيش بهم ، وعند الاصطدام الحربى ولُّوا هاربين ، وصمد النبى والمؤمنون معه، وأنزل الملائكة بالسكينة عليهم، وأنزل العذاب الدنيوى بالكافرين ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة). ويقول جل وعلا عن دور الملائكة فى التثبيت النفسى للمؤمنين : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) الفتح  ).
7 ـ وحين نقض المتطرفون من كفار قريش العهد وإعتدوا على المؤمنين فى مكة قبيل موت النبى ـ أعطاهم رب العزة مُهلة أربعة أشهر هى الأشهر الحّرّم ـ ويجب قتالهم بعدها إن لم يكفوا عن إعتدائهم . وإعتبر رب العزة هذا عذابا لأولئك الكافرين المعتدين ناكثى العهد . قال جل وعلا :  (  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ) التوبة 14 ). هنا القتال للمعتدين يكون تعذيبا لأولئك المعتدين بأيدى المؤمنين .
8 ـ فى كل الأحوال فالتدخل الالهى فى هذه المرحلة ( مرحلة اللاحقين )هو عامل مساعد لجيش مؤمن يحارب دفاعا ـ ضد جيش معتدى . ولو تقاعس المؤمنون المسالمون  عن فريضة الدفاع عن أنفسهم ـ مع قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ـ فسيحل بهم العذاب.
9 ـ هذا ما قاله جل وعلا للصحابة المتقاعسين : ( إِلَّا تَنفِرُوا  يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التوبة 39 ). ).
أخيرا : 
1 ـ نحن لا نعلم جنود الله ، فلا يعملها إلّا هو . وقد إكتشفنا بالعلم الحديث بعضها . منها ما يسبب العذاب بالمرض لمن يجلب لنفسه إستحقاق العذاب ، مثل الأمراض التناسلية من الايدز والسيلان والزهرى   . نحن لا نتحكم فى بلايين الفيروسات والبيكتيريا والجراثيم والفطريات التى تغمرنا وتعشش على جلونا وتتكاثر فى أحشائنا، ولا نتحكم فى تكاثر خلايانا ، قد تتكاثر عشوائيا فتسبب عذاب السرطان . كلها ضمن جنود الرحمن ، وبأمر إلاهى توقعنا هذه الجنود فى عذاب أليم . وفى الوقت الذى يحدده رب العزة تنطلق تلك الجنود لتقيم حفلات تعذيب دنيوية للعُصاة وللظالمين . 
2 ـ وقد ينبهر البعض بمواكب الظالمين ويغتر بتقلبهم فى البلاد ، وقد نهى رب العزة عن هذه النظرة السطحية فقال جل وعلا:  ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران ). مع متاعهم القليل هم يتعذبون بالقلق والخوف والشكوك فيمن حولهم وتوقع الانتقام ، ثم لا بد من عذابات المرض ، ثم يأتيهم الموت حتى لو كانوا فى بروج مشيدة ( النساء 78  ).
3 ـ ينطبق هذا على شيوخ القنوات الفضائية الذين يتقلبون فى البلاد يجادلون فى آيات الله يبغونها عوجا وصدا عن سبيل الله :  (  مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) غافر ) . هؤلاء تتربص بهم جنود الرحمن جل وعلا لتوقع بهم العذاب ، وكم رأينا من شيوخ يدعون الى الارهاب وقتل المسالمين من أهل الكتاب ومن الغرب ، ثم يسعون الى مستشفيات الغرب للعلاج على أيدى أطباء  يعتبرونهم كفرة ، وهم فى حالة خزى . والخزى من أنواع العذاب ، أى هو عذاب نفسى بجانب العذاب الجسدى . . !!
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : (  أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) النحل ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
 
( المقال الثالث ) : تعذيب الأمم البائدة فى الدنيا 
 مقدمة : حديث رب العزة جل وعلا عن إهلاك الأمم البائدة يأتى أحيانا موصوفا بالعذاب ، أى إنهم قبل موتهم وإهلاكهم تذوقوا عذابا لا يعلمه إلا علام الغيوب جل وعلا . 
2 ـ وهناك قواعد عامة لهذا التعذيب المرتبط بإهلاك الأمم السابقة ، ونعطى بعض التفصيلات : 
أولا : الوصف العام 
1 ـ خطوات الابتلاء : يبدأ الابتلاء بالشّر كى يتضرعوا ، ولكنهم يستكبرون ، فيأتيهم إبتلاء النعمة فيغترون ، وبكفران النعمة تحل بهم نقمة الاهلاك ، قال جل وعلا :  (  وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) الاعراف ) ، وقال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الانعام ). 
ثانيا : الأسباب : الكفر والظلم والطغيان 
1 ـ فى حالتى التكبر عن التضرع والكفران بالنعمة هم ظالمون طُغاة ، قال جل وعلا عن عاد وثمود وفرعون :  ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)) الفجر ). وكانوا يستهزئون بالرسل : ( وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ (8) الزخرف).
2 ـ وكانوا يعصونهم عنادا وإستكبارا فى الأرض ، والنبى صالح حذر قومه ثمود من عقر الناقة فقال لهم : ( وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ )الشعراء 156 )) فعقروها:  ( فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ  ) الشعراء) 158 )  . وقال عنهم رب العزة أيضا : (  وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  )( فصلت 17  )
3 ـ جعلها جل وعلا قاعدة فى الاهلاك فقال :  ( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). 
4 ـ وقصّ رب العزة نبأ قرية جاءها ثلاثة من الرسل ، فاتهموا الرسل بالكذب ، وهددوا برجمهم وتعذيبهم : ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) يس ). ونصحهم رجل فقتلوه . فكانت عاقبتهم الاهلاك:  (  إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يس ).وواضح أنه لم يكن فى هذه القرية مؤمنين أنجاهم الله جل وعلا، بمثل ما حدث من وجود مؤمنين فى الأقوام الأخرى.  
5 ــ وكان قوم مدين يريدون رجم نبيهم شعيب لولا أن عائلته تحميه :  ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ  ) هود 91 )). وأهل الكهف هربوا من إضطهاد قومهم ، وبعد أن إستيقظوا من نومهم الطويل كان خوفهم لا يزال يقظا فى قلوبهم فقالوا عن قومهم :  (  إنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) الكهف 20 ))، وحتى آزر والد ابراهيم هدده بالرجم وآذنه بالطرد : ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) مريم 46 ). ).
6 ـ وأوجز رب العزة قصص الأنبياء فى حوار موحّد جرى من كل قوم مع نبيهم ، وكل قوم كفروا وقالوا لأنبيائهم  : (  لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) ابراهيم ).
5 ـ الظلم هو السبب المشترك فى عذاب وإهلاك الأمم السابقة ، قال جل وعلا :  (  وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) الحج ). 
 هم بدلوا نعمة الله كفرا ، فحل بهم البوار : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) ابراهيم ) أى هم السبب فى البوار . يأتيهم المنذرون يأمرونهم بالاصلاح ، فيرفضون ، فيحل بهم الهلاك : ( وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) الشعراء ). وهى قاعدة سارية : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) الاسراء ). والله جل وعلا لا يغير نعمته على قوم حتى يكفروا بها ، وهذا ما حدث فى إهلاك فرعون وآله ومن سبقهم  : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال ).
ثالثا : العبرة والعظة 
1 ـ سنعرض للعبرة والعظة فى فصل خاص ، لكن نقول سريعا إن الله جل وعلا أنزل  قصص الماضين للعبرة والعظة ، قال جل وعلا :  ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود)، وقال جل وعلا عنهم :  (  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف). 
2 ـ وبعد أن قصّ جل وعلا قصص الأمم البائدة جاء وعظ الناس ، فقال جل وعلا يحذرهم : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الاعراف). 
3 ـ وتكرر هذ التحذير فى قوله جل وعلا :  ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)  النحل ).  
4 ـ وقال جل وعلا عن البشر جميعا :  (  وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) يوسف ).. وهى دعوة يتبناها كل داعية يدعو بالقرآن الكريم وحده بعد موت خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، لذا جاء فى الآية التالية :  (  قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ). 
5 ـ وتعليقا على إهلاك قوم ثمود قال جل وعلا :  (  وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل ). ولا تزال بيوت قوم ثمود المحفورة فى الجبال باقية حتى الآن شاهدا على قوله جل وعلا:  (  فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل ).
5 ـ وقال جل وعلا عن تكذيب العرب لخاتم النبيين : ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) الحج ) ، أى كذبوا كما كذّب السابقون . والنتيجة  هلاك السابقين ، وتظل ملامح ظلمهم مائلة شاهدة : قصر مشيد كان يسكنه المترفون ، ثم بئر معطلة كان يرتوى منه بقية القوم ولم تحظ  هذه البئر إهتمام  المترفين أصحاب القصر  ،  قال جل وعلا :  ( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) الحج ) . لذا يأتى الأمر بالسير فى الأرض للعظة: ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج ).
6 ـ وهذا مثل رائع فاجع يعبر عن حال بلاد المحمديين اليوم . المترفون الحكام والملأ التابع لهم يسكنون القصور الفاخرة ، بينما يتكدس الفقراء فى أحياء بلا خدمات وبلا مرافق . أى بئر معطلة وقصر مشيد ..!! 
7 ـ ولهذا تنتشر حمامات الدم فى بلاد المحمديين ، وعاقبة المستبدين ماثلة أمام الجميع ، ولا يعتبر بها اللاحقون . 
 8 ـ لماذا لا يتعظون ؟
 قال جل وعلا: ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
هذا الكتاب تم نشره مقالات ، وننشرها الآن فى هذا الكتاب عن العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ، عن عذاب الله جل وعلا للمستحقين له فى الدنيا ثم فى الآخرة. ثم فصل عن التعذيب فى مصر الفرعونية.
more