رقم ( 5 )
الباب الثاني: التطبيق - الفصل الأول : تطبيق الأمر بعمل المعروف والنهي عن عمل المنكر

 

الباب الثاني: التطبيق - الفصل الأول : تطبيق الأمر بعمل المعروف والنهي عن عمل المنكر

 

1 ـ عذاب أهل النار مؤبد خالد، لا يريحهم الموت، ولا مجال فيه للتخفيف، يقول جلّ وعلا ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) في هذه الأبدية في العذاب يعلو صراخهم بطريقة لا يمكن تخيلها، ويأتي التعبير القرآني عن صراخهم بتعبير هائل، يقول جل وعلا ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ) وفي هذا (الاصطراخ) يرجون ربهم إعطاءهم فرصة أخرى ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) ويأتيهم الجواب بأن الله جل وعلا أعطاهم فرصة العمر في حياتهم الدنيوية، وكانت كفيلة لمن أراد أن يتذكر ويتعظ، ففي كل أمة من الناس خلا فيها نذير (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ )( فاطر 24)، والنذير كل واعظ بالحق من الرسل والأنبياء وغيرهم. وربما يكون النذير موقف شدّة يجعل الانسان يتذكر ربه، ولا يخلو كل إنسان من مواقف شدّة وفواجع ومصائب تجعله يجأر لله جل وعلا يطلب النجدة ، فكل إنسان يأتي له نذير لعله يتذكّر. ويتذكّر ثم يلهو وينسى ويعود إلى غفلته إلى أن يفاجأ بالموت فيطلب ـ دون جدوى ـ من ملائكة الموت فرصة أخرى ليعود للحياة ليصلح من أمره (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )(المؤمنون 99 : 100 )، (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )( المنافقون 10 : 11 ).

 

ثم في النار يظل فيها خالداً مخلداً ( يصطرخ) يطلب فرصة أخرى ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، ويأتيهم الرفض الحاسم بسؤال إستنكارى مؤلم (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر 36 : 37 ).

 

الشاهد هنا هو قولهم وهم يصطرخون في النار (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ). لم يقولوا (ربنا أخرجنا نؤمن) بل (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ). القضية ليست في مجرد الايمان بل في العمل .!.

 

2 ـ لا عبرة بإيمان يعجز عن دفع صاحبه للعمل الصالح والكف عن العمل السيء. فأكبر طاغية مذكور في القرآن وهو فرعون موسى كان يؤمن بالله وأنّ لله جل وعلا ملائكة، ولم يمنعه هذا الايمان من التندر على موسى في مؤتمره ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحتى أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ )(الزخرف 51 : 53).

 

فرعون كان يؤمن بالله جل وعلا وملائكته ومع ذلك أعلن نفسه الرب الأعلى في مؤتمر صحفي آخر (فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (النازعات23 : 26)، ( والسؤال للمستبد العربي البائس : هل قرأ قوله جل وعلا عن مصير فرعون (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى )؟

 

فرعون هذا حين أدركه الغرق أعلن إيمانه في الوقت الضائع (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ )(يونس 90 : 92). (نفس السؤال للمستبد العربي البائس: هل إتّخذ من مصير فرعون آية وعبرة ؟ أم هو ضمن أكثرية الناس الذين هم عن آيات الرحمن غافلون ؟ أولئك الغافلون سيكون لديهم متسع من الوقت، ففي خلود أبدي سيصطرخون ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ). ونعيد القول بأنّ القضية ليست في مجرد الايمان بل العمل .!.عجز أيمان فرعون عن جعله يعمل عملا صالحاً غير الذي كان يعمل .! 

الكفر يحوى إيماناً، ولكنه إيمان قليل عاجز عن إصلاح صاحبه ودفعه للإكثار من العمل الصالح والتوبة من الكبائر. يقول جل وعلا عن إيمان أولئك الكافرين القليل (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ )( البقرة 88)، ( وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً )، (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155)(النساء 46 ، 155)، (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ)( الحاقة 41)، لذا لا بد في دخول الجنة من الايمان والعمل الصالحات، ولذا فأهل الجنة هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

 

3 ـ لقد خلق الله جل وعلا النفس البشرية على أساس قابليتها للفجور والتقوى، والفجور مقدم فيها على التقوى، لهذا تحتاج النفس لجهد في تزكيتها بالتقوى، ولو تم تركها لغرائزها فستهبط إلى قاع الرذيلة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (الشمس 8 : 10) . ومن السهل وبدون جهد أن تفسد النفس وأن يفسد المجتمع ويعيش الناس على غرائزهم، ومن الصعب إصلاح الناس وتزكيتهم بالتقوى والضمير الحيّ. ومن هنا لا بد أن يتعاون الناس جميعاً معاً في التواصي بالحق وبالتواصي بالصبر وفي التناهي عن المنكر وفي أن يأتمروا بالمعروف. وكل الأفراد سواء في حاجتهم للنصح ، وقد قال جل وعلا مستنكراً من ينصح الناس ولا ينصح نفسه (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)( البقرة 44 )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)( الصّف 2 : 3). أي إن الموضوع ليس مجرد الأمر بالمعروف بل الأمر بفعل المعروف والنهي عن فعل المنكر. ليس مجرد القول ولكن التطبيق .

4 ـ والتطبيق الجماعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم وعياً أجتماعياً عاماً كما يستلزم حيوية حركية نشطة في المجتمع بحيث يتفاعل المجتمع وتتكون منه كله (أمّة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فتفلح (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران 104). العدو الأكبر هنا هو وجود تلك الأغلبية الصامتة التي يفسد بها المجتمع لأنها البيئة المناسبة التي ينبت فيها الاستبداد، ويتشجع فيها أي مجرم ليركب مستبداً تلك الأغلبية الخانعة الخاضعة .

 

وفي الاستبداد يسود الظلم والفساد ويجد أفراد المجتمع في الانحلال الخلقي مجالا للتنفيس عن أحلامهم الموءودة ورغباتهم المكبوتة، وتدفع المرأة الثمن فيتحكّم فيها الرجل الخانع ليعوّض خضوعه للمستبد، ويصبح الشرف مرتبطاً بحجاب المرأة ونقابها وليس بالنخوة والشجاعة وقول كلمة الحق ومواجهة الظلم وحفظ العهد والوعد ونجدة الملهوف. كما يدفع الثمن المصلحون طبقاً لثقافة الاستعباد السائدة و التي تجعل الأغلبية الصامتة ضحية لثقافة السماع فتصدق كل ما يقال لها في أجهزة دعاية المستبد، وتتقبل كل ما يتبوله فقهاء السلطة في آذانها. وهكذا تسود في هذا المجتمع عاهات أخلاقية واجتماعية تصبح بمرور الزمن عادات وتقاليد، بل قد يقوم فقهاء الاستبداد والفساد بتسويغ وتبرير وتشريع تلك الكبائر لتصبح معالم أساسيه في الدين الأرضي السائد. ومثلا ساد في العصر العباسي الثاني تطرف الحنابلة وأكتسب مسحة دينية تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم جاء العصر المملوكي بالتصوف بشعار نقيض وهو (عدم الاعتراض) واكتسب هو الآخر مسحة دينية. وفي هذين العصرين ساد الشذوذ الجنسي والانحلال الخلقي تحت النقاب والحجاب واللحية والجلباب. ليس هذا بالتأكيد العرف أو المعروف الذي يجب أن نأمر به. المعروف هو القيم العليا الفطرية التي تكمن داخل كل ضمير بشري، ولا يختلف عليها إنسان، من الكرم والشجاعة والرحمة و العدل والاحسان والحرية .

 

5 ـ ثم إن هذا التطبيق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم التمكين، وهذا التمكين يحتاج وقفة ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني :التطبيق - الفصل الثاني- التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهي عن عمل المنكر

 

 التمكين للشعب وليس للمستبد بالشعب:

 1 ـ إقامة الأمر بفعل المعروف والنهي عن فعل المنكر تستوجب سلطة شعبية تصدر عن وعي عقلي وحركة نشطة متفاعلة في البيت وفي الشارع. بالوعي العقلي يعرف الفرد إن حركته في الدفاع عن مظلوم تعني دفاعاً مسبقاً عن نفسه، لأنه لو ترك الظالم يفترس مظلوماً وسمع صراخ المظلوم وتكاسل عن نصرته فسيأتي سريعاً اليوم الذي يكون هو فريسة للظالم يلتهمه الظالم دون أن يدافع عنه أحد. كما إن الظالم لا يلبث أن يرتدع عن ظلمه لأنّه سيواجه بغضب شعبي ووقوف الأفراد ضده يضربون على يده، فيتحول من صاحب نفوذ إلى مجرم خارج عن القانون يتمتع بإحتقار الناس.

بالوعي العقلي الايماني يعرف الفرد أن الفلاح في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع معاً هو أن ينبض هذا المجتمع بالتحرك الايجابي في الخير ضد الظلم والاستبداد والاكراه في الدين. بهذا الوعي (الجمعي) يتخلص المجتمع من سرطان مزمن هو الأغلبية الصامتة المقهورة، وهي الرحم الذي ينجب المستبد. بهذا الوعي الجمعي أو ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان يصبح كل فرد مستعداً للتضحية بحياته دفاعاً عن فرد آخر مظلوم، بل يتبارى المختلفون في الرأي في الدفاع عن خصم لهم في الرأي أو في الدين لو تعرض لإضطهاد بسبب رأيه أو دينه، يحققون مقالة فولتير: - إنني أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد  للموت دفاعاً عن حريتك في الرأي -. وكنا نتمنى أن يقول هذه المقالة الاسلامية أحد فقهاء (المسلمين). بهذا الوعي الجمعي تتكوّن للمجتمع سلطة لا مجال فيها مطلقاً لحاكم، لأن المجتمع ممثلا في أفراده سيكون هو الحاكم، ومن يتولى المناصب من المتخصصين لن يكونوا سوى خدم للشعب، وهذا هو وصفهم في أمريكا والغرب.

 

2 ـ بدون هذا الوعي الجمعي والاستعداد الفردي والجمعي للدفاع عن الحرية السياسية والدينية وحقوق الأفراد لا يمكن إقامة ديمقراطية حتى لو تم إنتخاب برلمان ورئيس طبق دستور رائع ومثالي. كل ذلك لا يجدي مع وجود أغلبية صامتة خانعة مقهورة لا تنهض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في وجود هذه الأغلبية الذليلة ستتحول الديمقراطية إلى صراع بين لاعبين محترفين مختلفين يتداولون بينهم السلطة وركوب الشعب ؛ تأتي الانتخابات بحكومة مدنية من اولئك اللاعبين فيسرقون ما استطاعوا فيقوم إنقلاب يحكم فيه العسكر بالاستبداد، ويسرق العسكر ما استطاعوا، فيثور عليهم اللاعبون فيتوارى العسكر وتتولى حكومة مدنية أخرى من لاعبين جدد، وتتوالى القصة من ديمقراطية فاسدة إلى انقلاب فاسد، وفساد مستمر إلى أن تتأهل التربة الملوثة لانتاج سرطان مدمر هو الحكم الديني القادم من حمأة الأغلبية الصامتة ومن قاع الحرمان فيها. يأتي تحت شعارات برّاقة تخدع الأغلبية الصامتة وتبشرها بالمهدي المنتظر أو بغيره أي فارس يركب حصاناً أبيض يأتي من عالم الغيب لنصرة القاعدين الخاملين . يأتي (التتار) متنكرين تحت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود، وتكون المؤهلات غاية في البساطة ومغرية لأفراد الأغلبية الصامتة المطحونة؛ لا يشترط ان تكون ثرياً أو من عائلة محترمة، كما لا يشترط أن تكون مثقفاً أو عالماً أو مؤهلاً. كل هذه رتوش لا تقدّم ولا تؤخر. المهم أن تطلق على الناس لحيتك وأن ترفع لهم (السّواك) وأن تتبنّى الجلباب والزبيبة والنقاب. وسرعان ما يتحول المسجد إلى معقل للتخطيط للوثوب على الحكم بحشد الصامتين ليكونوا وقود المعركة، ثم بعد الوصول للحكم يتم ركوبهم كالعادة فليسوا مؤهلين إلا للركوب .

 

حدث هذا في السودان وفي ايران وفي باكستان ، ويجري الاستعداد لوقوعه في مصر واليمن وتونس وليبيا والاردن والعراق ..

 

3 ـ ولتفادي هذا لا بد من (تمكين) الشعب. لا بد من سلطة الشعب ؛ سلطة حقيقية وليس مثل شعار أراجوز ليبيا السابق في كتابه الأخضر. تمكين الشعب ليس خيالا مستحيل التحقيق، فهو نظام حياة في الغرب في عصرنا الراهن. وقد حدث فعلا في القرن السابع الميلادي في الدولة الاسلامية. حين حدث (التمكين) فمارس شعب المدينة في عهد النبي محمد عليه السلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ينبغي أن يكون.

 

 التمكين إخوانياً وسلفياً :

1 ـ على عادتهم في التلاعب بالقرآن الكريم يقوم الاخوان المسلمون والسلفيون بتحريف معنى قوله جل وعلا (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج  41)، ويحتلّ التمكين معلماً أساساً من ( جهادهم ) للوصول إلى الحكم. الوصول للحكم هو أملهم وجنتهم وحياتهم وموتهم وولعهم وحلمهم في نومهم ويقظتهم. في سبيل الوصول للحكم يتظاهرون بالتقوى والخشوع لله جلّ وعلا والخنوع والخضوع ـ أحياناً ـ للناس. لا يتورعون عن التحالف مع الشيطان أو خيانة الأوطان. كل شيء عندهم يهون للوصول الى الى الحكم. وهم يعتمدون سياسة التمهل والصبر والنفس الطويل، ولكن لا يترددون في ركوب أي موجة تنقلهم الى كرسي العرش، ثم بكل بساطة يضحّون بمن أوصلهم إلى كرسي العرش .

2 ـ في سياستهم المتمهلة للوصول للعرش توجد لهم مرحلتان : التربية والتمكين. في مرحلة التربية يقومون بغسل مخ الجماهير باستغلال المساجد والتعليم والاعلام حتى يقتنع الناس بأنهم هم المختارون من لدن الله لحكم الناس بالشريعة، أو الحاكمية الالهية. وتحت شعارات مطاطة وفضفاضة و(مقدسة) يعملون بكل جهدهم في توجيه عاطفة الناس الدينية نحو إقامة وتطبيق شرع الله أو (حاكمية الله) بحيث يصبح كافراً مرتداً مهدور الدم كل من يناقشهم في مدلول تلك الشعارات وكيفية تطبيقها، ومهما أعلن إسلامه فلا ينجيه من غضبهم. وبهذه الطريقة دفع الراحل فرج فودة حياته لمجرد أنه تساءل وناقشهم فلم يستطيعوا الردّ عليه إلّا بالرصاص. يحلو لهم القول بالحاكمية بدلا من حكم البشر وتطبيق شرع الله بدلا من شرع البشر، ويتناسون أنهم هم البشر الذين سيحكمون وأن شريعتهم هي أقوال فقهاء من البشر. ولكن إيّاك أن تواجههم بهذا فسيكون مصيرك مثل فرج فودة .!. وبعد أن يقتنع أغلبية الناس بالحاكمية على أنها الاسلام وبالاخوان والسلفية على أنهم المختارون من الله لحكم الناس بالاسلام، يتمهد الطريق سلمياً لهم للوصول للعرش وبدء المرحلة الأخرى والأخيرة وهي (التمكين). وبالتمكين لا مجال للرجوع إلى الوراء .

 

3 ـ حدث الربيع العربي مبكراً بالنسبة لهم إذ كانوا ولا يزالون في مرحلة التربية، فترددوا بين الرفض والتأييد، فلما لاح إنتصار الثورة سارعوا بركوبها ؛ إستخدموا ما حققوه من سيطرة ونفوذ في القفز على الثورة المصرية والتلاعب بها وبالمجلس العسكري أملا في الوصول للتمكين . وهم الآن بصدد وضع دستور (يمكنهم) من ركوب المصريين باسم الاسلام .! وما يحدث في مصر ستكون له إنعكاساته على العرب أجمعين، ومن يناهضهم فمصيره التكفير والتخوين.

 

4 ـ بوصولهم للتمكين سترتفع في المساجد وتتصدر الخطب الآية الكريمة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). بل بدأ مبكرا استيرادهم للعصي الكهربائية لفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأديب المصريين وفرض السيطرة والتمكين والتحكم في الناس حتى يركعوا لهم ويسجدوا باعتبارهم ممثلي رب العزّة في الأرض .!

 

 التمكين قرآنيا وحصانة الكنائس والمعابد والمساجد:

 

1 ـ قوله جل وعلا (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) جاء في سياق لا يمكن فهم الآية بدونه، ولذا فإن من العادات السيئة لمن في قلبه زيغ أن يقتطع الآية من سياقها ويحرّف معناها ليتماشى مع هدفه. فما هو سياق الآية الكريمة ؟

يقول جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج 38 :41).

 

2 ـ السياق الخاص للآية مع ما قبلها وما بعدها جاء في حق الدفاع المشروع ضد إعتداء ظالم . ويبدأ بحقيقة الاهية تؤكّد إن الله جل وعلا يدافع عن الذين آمنوا، أي الذين إختاروا الأمن والسلام طريقاً في تعاملهم السلوكي مع الناس، وإختاروا الايمان بالله جل وعلا وحده الاها لا شريك له في تعاملهم القلبي والتعبدي مع رب الناس. هؤلاء يدافع عنهم رب العزة، وهو جل وعلا في المقابل لا يحبّ كلّ خوّان كفور ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)، أي كل ظالم معتد بسلوكه مع الناس وبعقيدته في الشرك وتقديس البشر والحجر .

 

3 ـ ثم يأتي الإذن بالقتال الدفاعي للمؤمنين عندما يقع عليهم هجوم باغ ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) أي إذن لهم بالقتال. وهو ليس خاصّاً بالمؤمنين في المدينة في عهد النبوة بل هو اذن صريح لكل من يتعرض للظلم والقتل بأن يدافع عن نفسه بغض النظر عن عقيدته ودينه، اذ يكفي ان يكون مظلوماً ومعرضاً لاحتمال الابادة بالقتل حينئذ يأتيه نصر الله اذا قاتل دفاعاً عن حقه في الحياة. وقد غفل علماء التراث عن عمومية الآية في تشريعها الالهي لكل مظلوم يفرض الاخرون عليه الحرب، أي كان من حق الشعوب التي فتحها المسلمون عنوة ان يدافعوا عن انفسهم و ان يردوا الاعتداء بمثلة. وغفل علماء التراث عن معنى آخر أهم، وهو أن الايذاء الذي اوقعه مشركو قريش بالمؤمنين وصل إلى درجة القتل، وحين يقاتل المشركون المعتدون قوماً مسالمين لا يردون على انفسهم القتل فان إبادة أولئك المستضعفين حتمية. أي ان القرآن يشير إلى حقيقة تاريخية اغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسي الامبراطوري، وهي ان المشركين قاموا بغارات علي المدينة وحدث قتل وقتال للمسلمين، وسكت المسلمون عن الدفاع عن أنفسهم لأن الاذن بالقتال لم يكن نزل بعد، فلما نزل التشريع اصبح من حقهم الدفاع عن النفس. وجاءهم الإذن بالقتال مع وعد الاهي بالنّصر (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

 

4 ـ وغفل علماء التراث ايضاً عن التدبر في الاية التالية لتشريع الاذن بالقتال والتي تقول (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). الآية هنا تعطي حيثيات الاذن بالقتال لرد العدوان، الاول ان اولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال، والثاني انهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم لمجرد انهم كانوا يقولون ربنا الله، وهذا ما اشار اليه علماء التراث لكنهم غفلوا بسبب التعصب الديني في القرون الوسطي عن التدبر في الفقرة الثانية من الآية والتي تؤكد انه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه وحريته العقيدية لتهدمت بيوت العبادة للنصارى واليهود والمسلمين وغيرهم حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيراً. والاهمية القصوى هنا في تأكيد القرآن علي حصانة بيوت العبادة لليهود والنصارى والمسلمين حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات، أي كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من اديرة وكنائس وغيرها ثم جاء بالمساجد في النهاية، وقال عن الجميع انهم يذكرون فيها اسم الله كثيراً ولم يقل طبقاً لعقيدة الاسلام في الالوهية (يذكر فيها اسم الله وحده) حتى يجعل الحصانة من الاعتداء لكل بيوت العبادة لكل الملل والنحل .

 

 

 

والاهمية القصوى هنا ايضاً أن تشريع الاذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء وانما ايضاً لتقرير حرية العبادة لكل انسان في بيت عبادته، مهما كانت العقيدة والعبادة، فلكل انسان فكرته عن الله وعقيدته في الله وهو يقيم بيوتاً لعبادة الله و لابد ان تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هي ومن فيها بالامن والسلام ، وتلك هي حقيقة الاسلام الذي غفل عنها علماء التراث .

 

5 ـ ولأولئك المؤمنين المدافعين عن الحرية الدينية ولغيرهم جاء الوعد الالهي بالنصر: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، أي إن ما يفعلونه من قتال دفاعي في سبيل الحرية الدينية وحصانة بيوت العبادة لليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم هو نصرة لله جل وعلا، وأكّد رب العزة  جل وعلا لينصرنّ من ينصره ، كما أكّد من قبل إنه يدافع عن الذين آمنوا لأنه جل وعلا لا يحب كل خوّان كفور. وهذا وعد الاهي ينطبق ويتحقق لكل من يقوم بشروطه ، أي كل من يدافع عن الحرية الدينية ويقف ضد الاكراه في الدين ويستميت في الدفاع عن حصانة بيوت العبادة لكل الناس يعده رب العزة القوي العزيز بالنصرة .

 

6 ـ وهذا الدفاع عن رب العزّة يستلزم التمكين، أي أن يكون لك جيش قوي، ولكي يكون لك جيش قوي لا بد أن تكون لك دولة، ولكي تكون لك دولة لا بد أن تكون شعباً مستقراً على أرض يملكها ويقيم عليها وله نظام حكم ونظام إدارة، تنشىء هذا الجيش وتوفر موارده المالية، ولا بد لهذه الدولة من كيان قانوني تشريعي يحفظ حقوق الأفراد وينظّم التعامل بينهم. ولكي تكون دولة اسلامية لا بد أن تتأسس على الحرية الدينية وقيام الناس بالقسط  والعدل وممارسة الشورى بينهم في كل أمورهم، وحتى يتعلم الناس تطبيق كل تلك القيم العليا المتعارف عليها لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذا تقول الآية التالية عن مجتمع المؤمنين ودولتهم وتمكينهم  (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج 38 :41). هذا هو السياق الخاص لقوله جل وعلا ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج 41).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 التمكين النفسي بتغيير الأغلبية الصامتة لتكون أمة متفاعلة بالخير:

 

1 ـ السياق العام للآية الكريمة في القرآن كله يبدأ بمصطلح (الذين آمنوا) في قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، وكيف انه يعني اساساً وفي التعامل السلوكي والظاهري الذين اختاروا الامن والامان في تعاملهم مع الناس حتى لو كان هؤلاء الناس يعتدون عليهم ويضطهدونهم بسبب الدين.

وكي نفهم المعنى المراد بالذين آمنوا في خطاب القرآن لأتباع النبي واصحابه نقرأ قوله تعالى لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) ( النساء 136) فالله تعالى يدعو هنا الذين امنوا إلى الايمان بالله ورسله وكتبه السماوية. أي يدعوا الذين اختاروا الايمان بمعنى الأمن والأمان ان يضيفوا إلى ذلك الايمان السلوكي إيماناً قلبياً بالله وكتبه ورسله. وعلى هذا النسق فالخطاب للذين آمنوا مقصود به الذين اختاروا السلم و الامن طريقاً، ويأتي الخطاب يدعوهم للايمان القلبي والطاعة واقامة الفرائض، أي يدعوهم إلى الايمان القلبي ولوازمه من الطاعات ليتحقق الايمان القلبي مع الايمان السلوكي الظاهري، أو ليتحقق الامن والسلام مع الايمان بالله وكتبه ورسله، ويتحقق اخيراً في الاخرة نعيم الجنة حيث السلام والامان.

 

2 ـ وعلى هذا النسق نفهم دعوة الذين آمنوا ظاهرياً وسلوكياً لأن يكملوا إيمانهم الظاهري بإيمان قلبي بالله جل وعلا وحده يقوم على التقوى وإسلام القلب والجوارح لله جل وعلا وحده حتى الممات، نقرأ معا قوله جل وعلا في حثّهم على التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران 102)، وحتى لا يكونوا في الاخرة من أهل النار يقول جل وعلا للمؤمنين سلوكياً وظاهرياً  يخوّفهم  من النار ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وحتى لا يستمروا في ارتكاب الكبائر يقول لهم جلّ وعلا في حثّهم على التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)(التحريم 6 ،8)، بل كانوا يؤذون النبي .! وفي نهيهم عن إيذاء النبي قال لهم جلّ وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )( الأحزاب  69 : 70) .


3 ـ وهؤلاء المؤمنون المسالمون الذين اجتمعوا حول النبي في مكة ثم في المدينة كانوا في معظمهم من المستضعقين الذين تعودوا إيثار المسالمة وحب السلم وتحمل الأذى عجزاً، أي كانوا ممّن نطلق عليهم في عصرنا (الأغلبية الصامتة) الراضية بالخنوع والخضوع، فأعطوا للملأ القرشي ـ من الأمويين بالذات  ـ فرصة التحكم فيهم. ثم دخل أولئك المستضعفون في الاسلام فتعرضوا للإضطهاد، ولم يحاول احدهم الدفاع عن نفسه، وتحملوا التعذيب في مكة وهاجروا منها إلى الحبشة مرتين ثم هاجروا إلى المدينة، فاستمر مشركو قريش في الغارة عليهم يريدون ارغامهم على العودة لدين الآباء. كان ممكناً ان يستأصلهم المشركون بالاضطهاد والقتل لولا ان نزل تشريع القرآن يبيح لهم الدفاع عن النفس .

 

4 ـ الخطوة الإيجابية الهائلة التي إتخذوها هي الهجرة . ولم تكن بالشيء الهين عليهم . فمع أنهم ذاقوا الهوان في مكة قبل وبعد إسلامهم إلا إن الحنين للوطن والأهل المشركين كان يؤرقهم في بداية عهدهم في المدينة مستقرهم الجديد . لذا سرعان ما نسوا ذكريات التعذيب بل ونسوا ملاحقة قريش لهم بالاعتداءات عليهم في المدينة، وبدلا من مواجهة الاعتداء بالسخط والاحتجاج ـ قبل الإذن لهم بالقتال ـ إذا هم يلقون بالمودة للمعتدي ويوالونه .!.. فنزل قوله جل وعلا يذكّرهم بجرائم قريش في طردهم النبي والمؤمنين وعداء أولئك الكفار لله تعالى وللمؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )(الممتحنة 1 : 3 ).

 

5 ـ وكان منتظراً من المؤمنين المسلمين حول النبي ان يبتهجوا بتشريع الاذن بالقتال ورد الاعتداء والدفاع عن النفس، ولكن حدث العكس اذ انهم تعودوا الصبر السلبي وتحمل الاذى، ولذلك كرهوا تشريع الجهاد برد الاعتداء وغفلوا انه ضروري لحمايتهم من خطر الابادة لأنه اذا عرف العدو انهم سيدافعون عن أنفسهم ولن يسكتوا فسيتوقف عن الاعتداء عليهم، وبذلك يتم حقن الدماء للطرفين، وهو خير للطرفين، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى للمؤمنين ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة 216)، لقد كرهوا القتال دفاعاً عن النفس وهو خير لهم واحبوا الاستكانة والخضوع لمن يحاربهم وهو شر لهم، والسبب انهم تعودوا السلام والصبر الي درجة اصبحت خطراً على وجودهم ودينهم .

 

6 ـ  إلّا إن هذا التوضيح القرآني للمؤمنين المسالمين لم يكن كافياً لبعضهم لكي يخرجهم من حالة الخضوع إلى حالة الاستعداد لرد العدوان. ولذلك فان فريقاً منهم احتج على تشريع القتال، ورفع صوته لله بالدعاء طالباً تأجيل هذا التشريع، وفي ذلك يقول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء 77). كانوا في مكة مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس اكتفاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، واستمر هذا بعض الوقت في المدينة حين كانت قريش تلاحقهم بالغارات، فلما فرض عليهم القتال الدفاعي إحتج فريق منهم وطلب التأجيل. وهذا يدل على عمق شعورهم بالمسالمة وكراهية الدماء. وهي هنا حالة (مرضية ) من المرض، ولا بد من علاجها بالمواجهة مع النفس حتى يحدث التمكين .

 

7 ـ فالتمكين يبدأ نفسياً بأن يقوم الفرد بتغيير ما في نفسه من خنوع وخضوع وسلبية ورضى بالهوان إلى أن يكون أيجابياً في الخير حرّاً أبياً شريفاً مستعداً للتضحية بنفسه في سبيل القيم العليا من الحق والخير والعدل والحرية. ولو بدأ كل الأفراد في الأغلبية الصامتة في تغيير النفس جاءهم من الله جل وعلا الاستجابة، أي يأتي التغيير الالهي للناس إستجابة لقيامهم هم بتغيير أنفسهم (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ  )(الرعد 11 )  .

 

8 ـ وفي عهد النبوة لم يكن حصول هذا التغيير في الأغلبية الصامتة للمسلمين المسالمين سهلاً أو هيناً، إذ إستلزم أن يلاحقهم رب العزة بالتحريض والتأنيب والتشجيع. وكانت معركة بدر هي أكبر تحدّ واجهوه في التغلب على مخاوفهم ورعبهم من القتال، فقد كانت مواجهة حقيقية لنفسية المؤمنين من أهل بدر، وهم يرفعون السلاح في وجه من اعتادوا الخضوع لهم وتربوا على الرعب منهم. لذا استلزمت هذه المواجهة بين المؤمنين ومشركي قريش مواجهة أخرى نفسية، واحتاجت هذه المواجهة النفسية إلى أن يستغيثوا بالله بسبب رعبهم من مواجهة الطغاة، فجاء تبشير الله جل وعلا لهم بآلاف الملائكة لتطمئن قلوبهم. ولا نجد احسن من وصف القرآن لهذا الفريق الخائف من اهل بدر، يقول تعالى ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال 5) أي انهم كانوا كارهين للحرب واعلنوا عن موقفهم بالجدال في الحق الذي اصبح واضحاً، وعندما تحتم عليهم القتال الفعلي كانوا كأنما يواجهون الموت وينظرون اليه. وبالمناسبة نذكر ان حديث القرآن عن غزوة بدر يناقض روايات السيرة التي تؤكد خلافاً للحقيقة أن جميع المسلمين في بدر تحمسوا للقتال ولم يرتفع صوت واحد بالتردد. ولولا ما ذكره القرآن ما عرفنا حقيقة الموضوع. وفي غزوة الاحزاب حاصر المشركون المدينة فبلغ الخوف من المؤمنين غايته (الاحزاب 10،11) وادى الخوف ببعضهم إلى الهرب وتعويق المقاتلين ونشر الاشاعات (الاحزاب 18،19  ،60) وفي المقابل ظهر المعدن الاصيل لبعض المؤمنين فازدادوا ايماناً وتسليماً (الاحزاب 22،33) . وفي غزوة ذات العسرة آخر الغزوات ظل المسلمون حتى ذلك العهد غير متحمسين للقتال ورد الاعتداء مما جعل آيات القرآن اكثر تأنيباً لهم (التوبة 13،16،38). هذا بخلاف المنافقين، فنحن نتحدث عن الذين آمنوا لنعرف كيف انهم آمنوا بمعنى احبوا الامن والامان وكرهوا الحرب والقتال حتى لو كان الحرب والقتال دفاعاً ضد عدوان لا ينتهي .


 9 ـ واحتاج (التمكين النفسي) ممارسة عملية للحرب ووعظاً ووعوداً الاهية، وكلها ليست لمؤمني عهد النبوة فقط ـ بل لكل مجتمع مؤمن يريد الفلاح في الدنيا والآخرة. وهذا ما جاء به وعد التمكين للمؤمنين.  ففي السنة الأولى للهجرة كان أول ما نزل هو وعد الاستخلاف والتمكين للمؤمنين، وهو وعد مشروط باخلاص الدين لله جل وعلا ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور 55). الاستخلاف هنا في الأرض بينما التمكين فهو للدين. وبهما معاً ( الاستخلاف والتمكين ) سيزول خوف المؤمنين من عدوهم القرشي الذي كان يتابعهم بالغارات .

 

وانتصر المؤمنون الخائفون في بدر على عدوهم المرعب نفسياً لهم. وبدأ تحقيق الوعد الالهي سالف الذكر في سورة النور (55). وهو وعد مشروط باخلاص الدين لله، أي بالايمان القلبي وليس مجرد الايمان السلوكي الظاهري. وحتى يتحقق الوعد كاملا لهم بالتمكين والاستخلاف فلا بد من نجاح التمكين النفسي بأن يغيروا ما بأنفسهم من خضوع وخنوع وشرور، لذا قال لهم جلّ وعلا يذكّرهم بوضعهم قبل بدر وقد كانوا أذلّة فنصرهم الله جل وعلا على أنفسهم أولاً ثم على عدوهم ثانيا (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(آل عمران123). من المنتظر من الضعيف المهان حين يحصل مرة واحدة على القوة أن يغتر ويكفر بالنعمة . وهذا ما وقع فيه المؤمنون بعد انتصار بدر. وهذا الغرور والكفران بالنعمة وعدم شكرها كفيل بحرمانهم من تحقيق وعد التمكين والاستخلاف المشار اليه في سورة النور (آية 55) . لذا قال جل وعلا لهم يذكّرهم بما تحقق لهم من تمكين جزئي أزال عنهم رعبهم الذي كان من قبل ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )( الأنفال 26 ) .

 

هذه الآية الكريمة جاءت في سياقها الخاص تسبقها وتتلوها آيات تؤنب المؤمنين وتلومهم وتعظهم وتحذرهم وتأمرهم وتنهاهم حتى يكونوا أهلا لأن يتحقق فيهم وعد التمكين ، يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )(الأحزاب 20 : 28).

 

 الخلاصة:

 

إن التمكين هو أيضاً تمكين للحرية الدينية للجميع داخل الدولة الاسلامية ، وهذا بالتناقض مع التمكين في دين الوهابية السلفية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني : التطبيق - الفصل الثالث - مفهوم دولة الاسلام التي تطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

مفهوم دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

 

1 ـ  التمكين هنا يعني قيام دولة بعقد وعهد بين الأفراد في إطار هيكل قانوني يؤكد على الحقوق الأساسية للفرد ودور نظام الحكم بضمان هذه الحقوق. هي دولة تضمن العدل والأمن والحرية الدينية لجميع الأفراد، وكل فرد يتحمل مسئوليته في إختيار عقيدته ودينه أمام الله جل وعلا يوم القيامة. هي دولة تعبر عن جميع افرادها بالتساوي في اطار الحرية الدينية والعدل السياسي والاجتماعي، لا مجال فيها للإستنابة في العمل السياسي، أو أن يمثّل مجموعة أشخاص الشعب كما يحدث في الديمقراطية النيابية أو التمثيلية، حين يتم إنتخاب ممثلين عن الشعب ينوبون عن الشعب في مجلس النواب. بل ديمقراطية مباشرة يتعين فيها على كل فرد في المجتمع حضور الجلسات وليس مسموحاً لأحد بالتغيب إلا لعذر قهري. (الشورى 38 )(النور62 ).

 

2 ـ والحاكم هنا ليس شخصاً بل هو المجتمع المسلم نفسه وفق معالم الديمقراطية المباشرة أو الشورى في مصطلح القرآن الكريم. وأولو الأمر هم خدم الشعب في تنفيذ سلطته في حدود تخصصه من قاضٍ أو ولي أمر. والقاضي بالذات هو مدار الحكم بين الناس، وهو أساس إقامة العدل والقسط.

 

3 ـ ومن القرآن نتعرف على بعض أولي الأمر الذين يقيمون شرع الله، وطاعتهم مشروطة بأن تكون في إطار طاعة الله جل وعلا إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (النساء  95). ومن أعوان الحاكم في إقامة شرع الله الشهود والكتبه، ولهم حصانة فاذا ضاعت حصانتهما كان ذلك دليلا على فساد المجتمع، وعليهما تأدية الواجب المفروض عليهما بالعدل والحضور عند الاستدعاء (  البقرة 282).

 

وهناك الخبراء ومنهم الذين يقدرون عوض الصيد في الحرم ( 5/95)، ومنهم الذين يقيمون باختبار اليتيم عند البلوغ (النساء 6.) ثم  هناك الحراس ومن يقوم بتنفيذ العقوبة والعاملون على جمع الزكاة ولهم أجر من داخلها يقرره الحاكم. والمجال مفتوح أمام الشعب المسلم في التوظيف و التقنين في (المباح ) وهو مجال واسع تركه القرآن الكريم للتشريع البشري.

 

 

 

 

 لمحة عن مدارات التشريع البشري في الدولة الاسلامية:

 

1 ـ تدور التشريعات في القرآن الكريم حول ثلاث درجات : الفرض المكتوب او الاوامر، ثم النواهي أو المحرمات، ثم ما بينهما وهو المباح ، ومنهج القرآن في التشريعات في هذه الدرجات ان يحدد الفروض والمحرمات ثم يترك المباح مفتوحاً للاستعمال والتنظيم والتقعيد والتقنين البشري. أي لا مجال لتحريم المباح الحلال وهو الأصل والشائع ، ولا مجال لاباحة الحرام، وهو استثناء محدد وقواعد محددة .

 

على سبيل المثال هناك المحرمات في الطعام التي تكررت كثيراً في القرآن الكريم "البقرة 173" ، " المائدة 3" ، " الانعام 145" ، " النحل 115" وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم للأوثان . وقد جعل القرآن الكريم ما عداها حلالا طيباً، وحذر رب العزة من تحريم أي من هذا الحلال الذي هو الأصل. وجعل تحريمه شركاً بالله تعالى واعتداءاً على حقه في التشريع ( المائدة 87، يونس 59:60 ، النحل 116: 117، التحريم 1، الشورى 21) . وفرض النقاب الذي يخفي الوجه إعتداء على حق الله جل وعلا في التشريع، فقد جعل الله تعالى ظهور وجه المرأة مباحاً ـ مهما بلغ جمال المرأة (الأحزاب 52) ولكن من ترتدي النقاب على انه من معالم الزي الإسلامي تزايد على الله تعالى في شرعه (الحجرات 1 ) .

 

النوع الآخر هو تحليل الحرام خصوصاً كبائر المعاصي، ويقع في المقدمة منها قتل النفس البشرية ظلماً وعدواناً، وقد جعلها الله تعالى قاعدة تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس  التي حرم الله الا بالحق ) (الاسراء 33، الانعام 151) (والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق) (الفرقان 68) اي فلا يجوز القتل في الاسلام الا بالتشريع القرآني الحق وهو طبقاً للنصوص القرآنية يأتي في صورة القصاص، سواء كان ذلك في الجرائم (البقرة 178) او في الحروب (البقرة 194).  وأي تشريع يحل قتل النفس خارج القصاص فهو ممنوع ومحظور.

 

وفي التعامل التجاري حرّم الله تعالى التطفيف في الكيل والميزان والرشوة والحلف كذباً بالله تعالى، وأباح كل تعامل تجاري يتم على أساس التراضي الحر، بل أباح ربا التجارة اذا كان عن تراض وبدون أرباح مركبة (المطففين 1، الرحمن 9، النحل 94، البقرة 188، آل عمران 130، النساء 29).

 

 

 

2 ـ والفقه السني خالف هذا كله. فأباح ما حرم الله بل أوجبه أحياناً مثل القتل خارج القصاص كقتل المرتد وتارك الصلاة والزاني المحصن. بل جعل من ضمن العقوبات (التعزير) وهي عقوبة جعلوها أقل من العقوبات المعروفة، ولكن توسع بعضهم فيها فأوصلوها إلى درجة القتل. وحرم الفقه السني ما أحل الله مثل الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها في الزواج و تحريم أطعمة كثيرة خارج المحرمات في الطعام.

 

دور التشريع البشري في الدولة الاسلامية:

 

وقلنا إنّه لا يجوز في الاسلام تحليل حرام أو تحريم حلال، ولأن دائرة المحرمات ضيقة ومحددة وتدخل ضمن الاستثناء فإن الأصل هو الحلال المباح الذي لا يجوز تحريمه وحظره وإن كان يجوز تنظيمه وتقنينه. وهنا يأتي دور التشريع البشري في تقنين الجانب الأعظم من أمور الحياة  التي تغطي كل شيء في المرافق والصحة والتعمير والمرور والتجارة وسائر التفصيلات في العلاقات البشرية .

 

على أن هناك بعض الملاحظات في مجال تقنين المباح ، هي :

1 ـ أن يكون التقنين البشري خاضعاً للمقاصد التشريعية الكبرى في الاسلام التي تهدف لحفظ كرامة الانسان وتكريمه (الاسراء 70) وحفظ حقوقه الاساسية، ومنها العدل والتيسير واحترام الحرية الشخصية و منع الضرر والظلم.

2 ـ لا يجوز فرض ذلك التشريع البشري على الناس إلا بعد اصداره قانوناً من جانب الدولة القائمة على الشورى أو الديمقراطية المباشرة. هنا يكون القانون الذي أصدره الناس باختيارهم عقداً ملزماً للجميع وسارياً على الجميع بلا استثناء. ولأنه قانون صدر بإرادة الجميع فهو عقد لازم ولا بد من الوفاء بالعقود. أما القانون الذي يصدره الحاكم المستبد بالقهر فلا يسري عليه صفة العقد الملزم، ولا يجوز شرعاً الالتزام به لأنه لا التزام في الاكراه والقهر. لذا تصدر قوانين المستبد بالظلم ويتم تطبيقها بالظلم والقهر والفساد.

3 ـ يجوز في خارج العقوبات الشرعية إصدار قوانين عقابية تعادل الجريمة المرتكبة في اطار العدل، ولكن لا تصل إلى المساس بالحياة أو العقوبات المقررة شرعاً. مثلا يجوز تقنين عقوبات بالسجن والغرامة و الطرد من العمل.. الخ .

4 ـ كما يجوز في إطار الدفاع والحماية الصحية والاقتصادية والاجتماعية سن قوانين للضرائب والزام الاباء بتطعيم الأبناء وتعليمهم وقوانين لتنظيم البناء والمرور والعمل ..الخ وقوانين تمنع التدخين مثلا ـ دون تطرق لتحريمه لأنه ليس حراماً شرعاً ـ أو تجرم التجارة في المخدرات أو تناولها ـ مع انها لا تدخل في إطار الخمر المحرم شرعاً.

 

بهذه القوانين تتمكن الدولة ممثلة في جهازها التشريعي من سن القوانين التي تكفيها كما تتمكن الدولة ممثلة في جهازها التنفيذي من فرض القانون لخدمة المواطنين.  وبهذا التشريع البشري فيما أذن الله جل وعلا به يكون تطبيق شرع الاسلام صالحاً لكل مجتمع في كل زمان ومكان، خصوصاً وأن مقاصده العليا تقوم على العدل والحرية وحفظ الحقوق وكرامة الانسان وحرية الدين والتيسير والتسهيل والمرونة في التطبيق ورفع الحرج.

 

حرية الدين وحرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..والعكس:

 

1 ـ مجالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ والعكس ـ واسعة، ومنها ما يدخل ضمن التقنين الذي هو حق للدولة الاسلامية ضمن ضوابط أشرنا اليها. ويكون التقنين بالحظر والعقوبة أو بالتنظيم والتقعيد .  

2 ـ ولكن يمتنع تماماً المساس بحرية الدين والرأي والفكر، فليس ذلك محلا للتجريم في الدنيا، فالحق هنا هو حق الله جلّ وعلا، والله جلّ وعلا لم يوكّل أحداً لأن يتقمّص دوره في الدنيا ويحاكم الناس على آرائهم الدينية وعقيدتهم وعبادتهم. الله جل وعلا جعل الدين حرية مطلقة للبشر في هذه الدنيا، ثم جعل للدين يوماً هو يوم الدين أو يوم الحساب، وهو وحده الذي سيتولى حساب البشر فيه، وهو وحده الذي سيحكم بين البشر فيما كانوا فيه يختلفون. وبالتالي فالبشر مختلفون دينياً، أو هم خصوم في الدين وفي المذاهب الدينية، وكل فريق يرى نفسه على الحق ويرى الآخرين على الباطل، وعليه فلا يصح أن يكون أحد الفرقاء حكماً على خصومه، لا يصح أن تكون خصماً وحكماً في نفس الوقت، أي لا بد أن يلجأ جميع الخصوم إلى القاضي الأعظم جل وعلا ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، خصوصاً وأنهم مختلفون في ذات الله وصفاته وهل هو الاله وحده ليس له ابن ولا زوجة ولا شريك ولا ولي ولا شفيع ؟ أم له ابن وصاحبة وله شركاء وشفعاء وأولياء يشاركونه في الألوهية والتحكم في الملكوت.  هذه قضايا يحسمها رب العزة يوم الدين، وهو جلّ وعلا قد أرسل الرسل وأنزل الكتب في هذا (اليوم الدنيوي) وخلق الناس أحراراً في الإيمان أو الكفر وفي الطاعة أو المعصية ليحاسبهم في (اليوم الآخر) على إختيارهم الديني .   

 

3 ـ وحتى تتحقق الحرية كاملة للبشر في هذا اليوم الدنيوي فقد منع رب العزة الإكراه في الدين، وجعل المقصد الأعلى للقتال في سبيل الله أن يكون الدين كله لله جل وعلا يحكم فيه وحده يوم الدين، أي لا مجال لبشر أن يضطهد الآخرين في دينهم أو أن يملي عليهم رأيه الديني أو دينه الأرضي أو حتى لو كان الدين السماوي الحق. يقول جل وعلا في المقصد الأعلى للقتال في الاسلام (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة 193)، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ( الأنفال 39). الفتنة هنا تعني الاضطهاد الديني والإكراه في الدين. فإن إمتنع الاضطهاد الديني أصبح الدين كله لله ، وأصبح البشر أحراراً في دينهم ومسئوليتهم على إختيارهم الديني أمام الله مباشرة ودون واسطة وبلا تدخل من بعض البشر الذين هم خصوم لبعضهم البعض في الدين. وطالما يستمر المشركون الكافرون في إضطهاد غيرهم في الدين فقتالهم واجب على الدولة الاسلامية لتقرير حرية الدين ومنع الاكراه في الدين. فإذا أنتهى أولئك المشركون الكافرون عن إضطهاد المستضعفين في دينهم إنتهى القتال، فالقتال مستمر باستمرار سببه وهو الاضطهاد الديني .

4 ـ حتى في الجانب العملي يستحيل تحقيق العدل في مجال الفكر والمعتقد لو كانت محلا للتقاضي والتجريم . فالقاضي هنا بشر، وهو صاحب رأي في القضية المعروضة أمامه، إمّا أن يكون مخالفاً للمتهم أو أن يكون متفقاً معه في الرأي، وقد لا يكون متفقاً أو مختلفاً ـ أي من ديانة أخرى مختلفة، ولكن لا بد له أن يقتنع برأي المتهم أو برأي خصومه، وفي كل الأحوال فالقاضي يفقد حياده لأنها مسألة رأي واعتقاد، ومسائل الرأي والاعتقاد خلافية وحقوق المختلفين فيها متساوية ، والقاضي أحدهم .

5 ـ من الطبع أن هذا لا ينطبق على موضوع السّب والقذف للمحصنات. فلو سبّ أحدهم أحداً بأمّه أو سبّ إمرأة، فهنا قضية شرف، وفيها عقوبة القذف إن لم يثبت إتهامه بأربعة شهداء. أمّا لو إتهم أحدهم خصمه بالكفر فليس هذا محلا للتقاضي لأن كل فريق يرى في الآخر كافراً، فهنا تساوي في الكفر. فأنت تؤمن بعقيدة تجعل المخالف لك كافراً، وأنت تؤمن بما يكفر هو به، وأنت تكفر بما هو مؤمن به، وهو يحتفظ لك بنفس الاعتقاد. فالمسيحي الذي يؤمن بأن المسيح ابن لله جلّ وعلا يؤمن أن من لا يشاركه هذا الاعتقاد هو كافر. والمسلم الذي لا يؤمن بألوهية المسيح يكفر بهذه العقيدة، وكلاهما (المسلم والمسيحى) سعيد وراض بعقيدته وبرأيه في الآخر المختلف معه. وأذن ليست هنا جريمة ولا جناية حتى لو تم التعبير عنها بالكلام .

6 ـ بل إن من حق كل فرد ليس فقط ممارسة عقيدته وعبادته وطقوس دينه، بل ومن حقّه أيضاً الدعوة إلى دينه والتبشير به وسط الآخر المختلف معه، يعني من حق المسيحي أن يدعو المسلمين لاعتناق دينه، ومن حق المسلم أن يدعو المسيحيين لاعتناق الاسلام، ومن حق البوذي أن يدعو المسلم والمسيحى للبوذية، وهذا الحق في التبشير والدعوة الدينية يتساوى فيه الجميع بلا أي مميزات لأحد على الآخر. ومناخ الحرية يعطي حرية التنافس بين الدعاة، ويجعل الفوز للأصلح ويضمن حرية كل إنسان في أن يعتنق ما يشاء من دين أو مذهب. وفي هذا المناخ الحرّ تخسر الأديان الأرضية المسيطرة على الناس لأنها لا تعيش إلّا متكأة على سلطة ترغم الناس على إعتناقها. وتخيل لو كانت هناك حرية دينية في الخليج والسعودية أو إيران أو مصر.. عندها ستتغير ثوابت كثيرة. المهم إن وظيفة الدولة الاسلامية أن تضمن وأن تحمي هذه الحرية للجميع.

 

ولكل فرد أو مجموعة أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وفق رؤية دينها وفي إطار القول والنصح بعيداً عن الاكراه في الدين. أي في هذا إطار هذه الحرية يقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعكسه وهو الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف .

 

 

تطبيقات  الحرية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دولة الرسول عليه السلام:

 

1 ـ من المسكوت عنه من حقائق القرآن أن بعض المسلمين المسالمين المؤمنين بالاسلام الظاهري السلوكي والايمان الظاهري السلوكي ظلوا على كفرهم العقيدي، وظلوا أيضاً مواطنين في الدولة على قاعدة المساواة، وسبق إيراد وعظ رب العزة لهم بأن يؤمنوا إيماناً قلبياً بالله جل وعلا وحده وبلا كفر عقيدي.  ومن بعض هذا الوعظ نعرف أنه حتى قبيل موت النبي كان بعض أولئك المؤمنين يعبدون الأنصاب أي القبور المقدسة ويشربون الخمر ويلعبون الميسر، ولقد وعظهم رب العزة فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ )( المائدة 90 : 91 ). ولنتدبر قوله جل وعلا لهم : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ).!

 

2 ـ وأغنياء المسلمين كانوا يتعاملون مع الفقراء بالربا المحرّم شرعاً، وهو ربا الصدقة . فللفقير المحتاج حقّ في الصدقة، ولكن بدلا من أن يأخذ حقه في الصدقة فإنّه حين يلجأ للاستدانة ليأكل فيعطيه الغني قرضاً بربا. هذا هو ربا الصدقة الذي حرّمه رب العزة في مكة فقال يقارن بين الصدقة وذلك الربا المحرم البديل عنها (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) (الروم  38 : 39). ومع هذا التحريم لربا الصدقة ظلّ بعض المؤمنين في المدينة لا يعطي الفقراء حقهم في الصدقة، ويعطيهم بدلا منها ديوناً بربا مضاعف الفائدة، فنزلت آيات كثيرة تحث على إعطاء الصدقة وتشرّع آدابها (البقرة 261 : 274)، ثم تؤكد على تحريم ربا الصدقة، وتحذّر منه بشدة (البقرة 275 :  281).

 

ونفهم منه أن بعضهم ظلّ يأكل اموال الفقراء بالربا المحرم، وجاءهم هذا التحذير (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) ووعظهم رب العزة وحثّهم على التنازل عن الديون أو بعضها (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

 

 

 

3 ـ أما المنافقون فكانوا أسوأ سبيلا، وتمتعوا بحرية الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف تحدياً للنبي والاسلام (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)..( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )( التوبة 71 ، 76 ).

 

4 ـ ولقد كان خاتم النبيين عليه وعليهم السلام آية في الرحمة البشرية في تعامله مع الناس حتى كان في حرصه على هدايتهم يتعرّض للّوم من رب العزة. في مكة كان يحزن على تصميم الكافرين على الضلال، ويصل به الحزن إلى أن تذهب نفسه عليهم حسرات فيقول له ربه جلّ وعلا يخفّف عنه ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)(فاطر 8)، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)(الكهف 6). وكانوا يتهمونه ويتقولون عليه بالباطل فيضيق صدره، ويأمره رب العزة بالصبر (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(النحل 127: 128).            (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام 33)، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ  )( الحجر 97 : 99 ).

 

كان في مكة مضطهداً لا يملك سوى الحسرة والصبر. تغيّر الحال في المدينة وقد أصبح فيها قائداً ومعلماً، ولكنه ظلّ أيضاً لا يملك سوى قلبه الكبير يتعامل به مع المنافقين ومكائدهم، وهم يمارسون حريتهم في الكيد والتآمر، فيعفو ويصفح ويصدّق أكاذيبهم، فإذا حلفوا له كذباً ليتخلفوا عن الخروج للقتال الدفاعي صدقهم فيأذن لهم ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) وينزل العتاب الرقيق له من رب العزة بالعفو عنه (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ )(التوبة 42 : 43). بل يستغفر لهم ويأتيه الردّ من رب العزّة  (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )(التوبة 80 ).

 

 

في مكة إحترف بعضهم الدخول في الاسلام ثم الخروج منه فكان عليه السلام يحزن عليهم فيقول له ربه جلّ وعلا ( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ( لقمان 23)، وأصبح هذا ظاهرة في المدينة ؛ أن يؤمن بعضهم ثم (يسارع) في الكفر كيداً للنبي، فلم يكن يملك عليه السلام سوى الحزن أيضاً فيقول له ربه ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (المائدة 41)، (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )(آل عمران 176). هذه هي دولة الاسلام في عهد رسول الاسلام عليه السلام . هي دولة الحرية المطلقة في الدين.

 

5 ـ وهي أيضاً دولة العدل والقسط. فالقسط شعار الاسلام، وآية التشهد في الصلاة تقول ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وبعدها يقول جل وعلا (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (الأعراف 18: 19). ومجتمع المؤمنين في دولتهم الاسلامية مأمورون بأن يكونوا ( قوّامين بالقسط ) وهي صيغة مبالغة في القيام بالقسط والمحافظة عليه بدرجة مائة في المائة، وأن يكونوا في إقامة القسط شهداء لله جل وعلا، أي يراعون الله في تطبيقهم العدل والقسط في تعاملهم فيما بينهم دون أدنى درجة من إتّباع الهوى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (النساء 135). ونفس الحال في تطبيق القسط في التعامل مع العدو ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة 8 ) .

  

 6 ـ دولة العدل والحرية هذه تفتح أبوابها للهجرة أمام كل من يعاني من الاضطهاد الديني بغض النظر عن دينه ومذهبه طالما كان مسالماً ملتزماً بالاسلام السلوكي والايمان السلوكي أي بالسلام والأمن في التعامل مع الناس، وعدم الاكراه في الدين ليكون الدين كله لله جل وعلا وحده يحكم فيه يوم الدين بين الناس أجمعين (النساء 97 : 100) (الأنفال 72 : 75) (النساء 88 :91).

 

أخيراً:

 

أين توجد ملامح هذه الدولة في عصرنا ؟ هل توجد في أمريكا والغرب ؟ أم توجد فيما يسمى بالعالم الإسلامي ؟  

 

 

الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر في الاسلام
كتاب (الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر بين الاسلام والمسلمين) يتناول فى دراسة تحليلية أصولية تاريخية التناقض بين الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر بين الاسلام والمسلمين. وهذا الجزء الأول يتعرض فى لمحة عامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى الاسلام بتأصيل مفهوم المعروف والمنكر قرآنياً وتشريعياً ومدى تطبيقه في الدولة الاسلامية في إطار الحرية الدينية المطلقة للفرد، ثم تعقبه ـ فيما بعد بعون الله جلّ وعلا ـ الأجزاء التالية تتبع مسيرة الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر في تقعيدات وتنظيرات فقهاء المسلمين وفي تاريخهم من عصر الرسالة والصحابة
more