رقم ( 9 )
أخيرا : بين الحديث والسنة

أخيرا : بين الحديث والسنة
ويبقى السؤال الاخير ،هل تلك الاحاديث هى سنة النبى عليه السلام ؟
هنا نضع بعض الحقائق القرآنية والحقائق التراثية.
1.
معنى السنة فى القرآن هو المنهج او الطريقة وذلك فيما يخص تعامل الله تعالى مع المشركين .كما ان معناها هو التشريع الالهى ،وبالمعنيين فان السنة فى القرآن تأتى منسوبة لله ، اى سنة الله ، يقول تعالى فى تشريع خاص بالنبى (صلي الله عليه وسلم)((ما كان على النبى من حرج فيما فرض الله له ، سنة الله فى الذين خلوا من قبل وكان امرا الله قدرا مقدورا :الاحزاب 38 ))وفى الاية الكريمة يتضح ان ((فرض الله ))يعنى(( سنة الله ))يعنى ((امرا الله))هى ((شريعة الله))اى أن السنة معناها الشرع..


2.
وهذا يتفق مع المعنى اللغوى لكلمة السنة ،تقول ((سن قانونا ))اى شرع قانونا ،واذا تم سن القانون اصبح شريعة واجبة التنفيذ.
3.
وهذا ايضا يتفق مع المعنى الفقهى لمصطلح ((السنة العملية))اذ تعنى السنة العملية العبادات من الصلاة وزكاة وحج وصيام..
4.
وفى كل ذلك فان الله تعالى هو صاحب التشريع الذى نزل فى القرآن الكريم، والنبى عليه السلام هو القدوة لنا فى تطبيق ذلك التشريع ،لذلك يقول تعالى ((لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة :الاحزاب 21 ))لم يقل كان لكم فى رسول الله سنة حسنة ،لان السنة هى سنة الله، اما النبى عليه السلام فهو القدوة الحسنة فى تطبيق سنة الله وشرع الله..
5.
الا ان بعض فقهاء التراث يقولون ان السنة العملية هى العبادات التى اشرنا اليها ، اما السنة القولية للنبى فهى تلك الاحاديث التى اسندوها اليه بعد موته بقرون فيما يعرف بكتب الصحاح وغيرها . وهنا نختلف معهم ،لان السنة القولية للنبى عليه السلام هى ما ورد فى القرآن فى كلمة "قل "التى يتميز بها القرآن
6.
وقد تكررت كلمة "قل "للنبى فى القرآن (332)مرة ..وكانت الموضوعات التى ترددت فيها كلمة "قل" تشمل كل ما يحتاجه المؤمن من امور الدين ،وبعضها يؤكد ما جاء فى القرآن ايضا بدون كلمة "قل".وكان النبى عليه السلام مأمورا بأن يقول ذلك القول المنصوص عليه فى القرآن كما هو دون زيادة او نقصان ،اذ لايملك ان يتقول على الله تعالى شيئا فى امر الدين ((ولو تقول علينا بعض الاقاويل ،لاخذنا منه باليمين ،ثم لقطعنا منه الوتين ،فيما منكم من احد عنه حاجزين :الحاقة44 :47 )).باختصار ان السنة القولية للنبى هى كلمة ((قل )) لان السنة تعنى الشرع المفروض اتباعه.
7.
ويقولون أن تلك الاحاديث هى مصدر المعرفة بالصلاة والعبادات .وهذا خطأ ظاهر لان تلك الاحاديث اقاويل ،والسنة هى طريقة تأدية للعبادة وكان معروفا تأدية العبادات ليس فقط قبل عصر البخارى وغيره ،بل كانت معروفة قبل نزول القرآن ،اذ كانت هى الملامح الاساسية لملة ابراهيم التى امر الله تعالى النبى والمسلمين باتباعها حنفاء ،بل ان تلك الاحاديث التى رويت فيما بعد النبى بقرون لم تتعرض بالتفصيل لكيفية تأدية الصلاة. وأكثر من ذلك أنها تشوه الصلاة وتشكك فيها.
8.
ومن الطبيعى ان النبى عليه السلام وهو يقيم دولة وينشئ امه ويواجه مكائد اعدائه ان تكون له اقوال وتعليمات،كما كانت له تطبيقاته فى تنفيذ شرائع القرآن خارج العبادات ،مثل اعداد الجيش والقوة الحربية .وذلك كله يدخل ضمن التاريخ والسيرة ،وليس ضمن الدين الذى يعلو فوق الزمان والمكان.
9.
والملاحظ ان العصر العباسى حين قام بتدوين سيرة النبى (صلى الله عليه وسلم)بأثر رجعى فأنه تجاهل ما ينفع الناس منها ،لان ذلك الذى ينفع الناس كان ضارا بالحكام من الخلفاء المستبدين ،وقد قامت دولة النبى الاسلامية على اساس الشورى او الديمقراطية المباشرة حيث يحكم الناس انفسهم بأنفسهم ،وحيث كان الناس مصدر السلطة والقائمين ايضا بالسلطة .وعاش اهل المدينة على ذلك فى حياة النبى ،وتركهم النبى يحكمون انفسهم بأنفسهم دون ان يعين لهم حاكما ،والسيرة الحقيقية للنبى عليه الصلاة والسلام كانت تؤكد ذلك من خلال اكثر من خمسمائة خطبة النبى (صلى الله عليه وسلم)فى المدينة ،ومن خلال مجالس الشورى التى تحدث عنها القرآن الكريم فى الآيات الاخيرة من سورة النور و سورة المجادلة وسورة النساء.
وتلك الديمقراطية المباشرة فى عهد النبى عليه السلام كانت تناقض تماما الاستبداد العباسى حيث يملك الخليفة الارض ومن عليها دون حسيب او رقيب ،ولذلك اهمل التدوين العباسى اكثر من خمسمائة خطبة للنبى عليه السلام والمئات من مجالس الشورى ......واستبدل بذلك تأليف تشريعات وسيرة تتفق مع ثقافة العصر العباسى ، ثم قام الاسناد بتحويل هذه الثقافة العباسية الى دين عن طريق الاسناد ...وبمرور الزمن اصبحت تلك الثقافة العباسية مقدسة لايجرؤ احد على نقد مصادرها من كتب (الصحاح) .
والدليل على قداساتها المترسبة فى القلوب والعقول هو تلك الرهبة التى يحس بها القارئ لهذا المقال .